|
أختيار الاستال من هنا
|
روسيا اليوم | الجزيرة | ناشونال جيوغرافيك | المملكه | رؤيا | الاقصى | الكوفيه | الرياضيه | عمون | يوتيوب | مركز رفع الصور |
منتدى فلسطين العروبة
عاشت فلسطين حرة عربيه...
|
كاتب الموضوع | عفراء | مشاركات | 3 | المشاهدات | 3698 | | | | انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
01-01-2011, 16:23 | رقم المشاركة : ( 1 ) | ||||||||||||||
|
براء نزار ...أسرى الذكرى ..
كتب/ براء نزار ريان (في ذكرى استشهاد والده الشيخ المجاهد الدكتور نزار ريان و16 من أفراد عائلته ) ما أصعب تلك الأيام.. تتنافس أصوات القصف وسيارات الإسعاف وأخبار النعي أيها يطرق أذنك أولًا! والواعية لا تستطيع مواكبة الأسماء التي ترد تباعًا من أحباب وإخوان وأصدقاء وجيران وزملاء ورفاق درب! الحياة صعبة.. مجرد أن تحيا كان مقاومة وجهادًا! أن تأكل أو تشرب أو تنام أو حتى تقضي حاجتك! سادس أيام الحرب، بين الظهر والعصر، قلت لها: أريد أن أجمع ساعتي نوم .. إياك أن توقظيني مهما كان! أريد أن أنام! نمتُ وكنت أشعر بالقصف في جميع أنحاء مخيمنا، ودارُنا تميد وتترنح مع كل ضربة، كأنما ترتعد خوفًا أو تتضامن مع ما يقصف من بيوت! لم يطل نومي، عادت أم إبراهيم لتوقظني، قالت لي: أمك بالداخل .. تريد أن تسلم عليك! قلت: ألم أنبهك.. يغفر الله لك! قالت: إن عمتي قالت بنص العبارة: "تعبان مش تعبان .. قوميه! بدي أسلم عليه"! قلت في نفسي: يا فتى! الدنيا حرب.. لعل الليلة القادمة تكون لك الأخيرة.. قم سلم! فقمت.. سلمت يرحمها الله وقبلتني قبلتين، لن تنساهما وجنتاي حتى يذوبا في التراب! قاسمتها كوب الشاي، وتبادلنا الحديث.. حدثتها عن غسان وجهاده وإصراره على الرباط أيام الحرب كلها.. فترضت عليه ودعت له بخير.. ثم قلت لها: طار النوم من عيني.. ونفد الغاز لدي .. سأخرج لشراء "بابور".. قالت: الله يرضى عليك يما.. بدي إياك هيك.. ماشية بغاز أو بكاز! فكانت آخر نظرة نظرتُها من أمي يرحمها الله! في طريقي مررت بعمي .. سبقني في نية شراء "بابور" فأحببت أن نشتري سويًا.. قال لي: اجلس! انتظرني دقائق.. وبينا أنا جالس أنتظره سمعت قصفًا قريبًا.. نظرت من الشباك وبيتنا يبعد عن بيت أهلي خمس دقائق.. فرأيت القصف ناحيتهم.. أحثثت خطوي نحوهم وفي بالي فكرة واحدة: يجري علي ما يجري عليهم! كان قصفًا جزئيًا بصواريخ "الزنانة"! ولما صرت بعيدًا عن البيت نحوًا من مائتي متر ارتجت الأرض تحت قدمي ودوى صوت انفجار لم أسمع له من قبل مثيلًا.. وعلا الحارة سحابة من غبار كأنما هبطت من السماء! انقبض قلبي وصرت أجري .. لم أكن أحسنت ارتداء ثيابي .. فمرضت من تلك اللحظة .. وسرت في جسدي الحمى! لما صرت على مقربة من بيت أهلي عثرت بمحمد.. فقلت: الخبر؟ قال: والدي في المنزل.. أهلي كلهم فيه! كلمته لحظة القصف.. قال لي: "احنا مش طالعين.. احنا مستشهدين.. أشهد ألا إله إلا الله.. وأن محمدًا رسول الله"! أسرعت جريًا نحو المنزل.. وكان الناس على أطراف الشوارع المؤدية إليه ينظرون ولا يقدمون! فدخلتُ وخلفي الناس.. كنت أبحث عن حي! قلت في نفسي: إن عثرت بأحدهم حيًا فكلهم أحياء وإن عثرت به شهيدًا فكلهم شهداء! لا يتركون بعضهم! فلما درت حول المنزل.. وجدت والدي! محطم الرأس ممددًا بين الركام بعضه فيه وبعضه خارجه! أمسكتُ بيديه.. لم يبردا بعد! شعرت بيديه يحتضنان يدي! يدفئان روحي! ويكلماني! أما أنا فكان جوابي: الله يسامحك يابا! والناس من حولي يهتفون: والدك ليس بالمنزل.. وأنا أحلف لهم: "والله هادا أبوي"! رفعت يده اليمنى.. فإذا في حجره أسامة! آه يا أسامة الصغير لم يفرق بينكما الصاروخ! كان والدي يقبض على رأس أسامة بيده.. وبين رجليه رجلا أسامة! تناول الناس الجثمانين فقلت لهم: أروني وجه الصغير! إي وربي لقد كان أسامة! ولم تمنع يد والده الكبيرة شظيتين أن تخترقا جبينه! فأغرقتاه بالدم! إلى جواره كانت آية! كالبدر تمامًا وجمالًا! لم تكمل الثانية عشرة فلم تلبس الجلباب والحجاب! لا عجب.. رباها والدها أن تكون كبيرة! قلت: الله يرضى عليك يا أختي يا آية! وإلى جوارها أمها.. كان حجابها قد انكفأ فغطى وجهها.. بيدي والله كشفت عن وجهها حتى أرى من تكون القتيلة؟! فكأنما أضاء.. وكان خداها طريين كأنما هي نائمة! قلت: الله يرحمك يا خالتي! في حجرها كان أسعد ذي العام الواحد! لم يفطم بعد من حليب أمه.. ولا من دمها! على شرفة المنزل المقابل رأيت جثامين أطفال! كانت الجثامين في المكان أكثر من أتفحصها قبل أن تنقل للمستشفى.. فقلت: خذوني إلى المستشفى. وهنالك عثرت ببعض من لم أر! وقفت على باب ثلاجة الموتى.. وكانت الجثامين تفد إليها لا تنقطع.. وما فيها غير حبيب! على البعد رأيت الناس يحملون جثمانًا .. يسيرون به نحوي أو نحو الثلاجة! قلت في نفسي: هذه أمي.. إنها والله أمي.. وتساءلتُ ألم أتركها في بيتنا! كيف وصلت دار أهلي؟! فلما وصلوا باب الثلاجة.. قلت: أريد أن أتعرف عليها.. إي وربي كانت أمي.. بجلبابها وحجابها وتحت الجلباب جلابية.. وتحت الجلابية بنطال.. وتحت البنطال بنطال! قلت: رحمة الله عليك.. سترك الله في الدنيا والآخرة! حية وميتة! كل ما مر على قلب آدمي من مشاعر الاستغراب والعجب وتكذيب ما يرى الناظر لم يكن كمثل ما حل في قلبي، قلت في نفسي: أيحدث مثل هذا في الدنيا؟! أيحدث مثل هذا! هنالك كنت أبحث عن حي.. فلم أجد.. فقلت لمن حولي: أريد بلالًا! طيلة عمري كنت أحسب أنني أَجلَدُ من بلال وأشد! يغفر الله لي! وعند الشدائد تتميز معادن الرجال! لقد رأيته.. أكبر مني كما كان دائمًا وأقوى كما لم أتوقع.. احتضنني كوالدٍ وقال لي والدموع تخنقه: الرجال مواقف! وقد كان والدي رجلًا! عاش رجلًا وكذلك مات! لكنه لما فُتح باب الثلاجة أمامه عَقرَ فما أقلتْهُ قدماه.. وقعد على بابها لا يقوى على القيام! ورأيت محمدًا.. لم أر في جسده الضخم إلا وجه طفل يتيم! اشتعلت في جسدي الحمى! وشعرت بالألم في قلبي.. قلبي الذي في صدري! وحينها فقط .. عرفت تفسير قوله تعالى: "وأصبح فؤاد أم موسى فارغًا"! إي وربي عرفت تفسيرها أو هو عرفني! أخذوني إلى دار سيدي (جدي لوالدي أبو زياد رحمه الله) وفي المتر الأول من باب العمارة كان كل أهلها ينتظرون الخبر! فلما رأوني قالوا: إيش يا براء؟ قلت: كل أهلي ماتوا! لم يصدقوني.. قالوا: مين يعني؟ قلت: كل أهلي.. كلهم.. كلهم! قالوا ثانية: مين؟ فقلت فيما يشبه الهذيان: أبوي مات! إمي ماتت! غسان مات! عبود مات! مين بدكم كمان؟! لم يصدقوا وتهامس القوم: إنه يهذي! ليلتها تكلمت في الجزيرة.. قلت للناس: في أي عالم نعيش.. وإلى أي أمة ننتمي .. حتى تهدر دماؤنا بهذه الطريقة؟ وجوابها: في عالم حقوق الإنسان نحيا.. وإلى أمة قال نبيها: "لا يُطَل دمُ مسلم قط"! (يعني: لا يُهدر) ننتمي! بت ليلتها .. الدموع تحرق وجهي.. والعبرات تخنقني ومن حولي زوجتي وولداي.. لأول مرة يراني إبراهيم أبكي.. بكاء ليس كالبكاء! كان الطفل مذهولًا.. يسألني بكل براءة: ليش بتصيح يابا؟ وأنا أجيب بسذاجة: عشان أهلي ماتوا! ثاني يومٍ قالت لي ولاء: إياك أن يدفن أهلي دون أن أودعهم! قال لي الناس: لا ينبغي أن تسمع كلامها! لا يحسن بها أن تراهم! غير أنني آثرت أن أسمع لها والأمر إن تم فلا مرد له! ولا خط رجعة! فوعدتها وكنت عند وعدي! وفتحت لها باب الثلاجة على ستة عشر إنسانًا هم أحب الناس إليها وأقربهم إلى نفسها والد ووالدة وخمسة إخوة وست أخوات كلهن أصغر منها تركنها وحيدة كما كانت بداية فهي كبرى البنات! وثلاث خالات كن أمهات! أذكر إذ أعرفها بهم وهي بهم أعرف! وأقول: هذه أمي يا ولاء وهذا عبود.. أترين أسعد؟! إنه نائم! انظري آية كأنها صبية كبيرة أو عروس! فما سمعتها قالت كلمة لا ترضي الله! بل ما كان قولها إلا: لا أقول إلا كما علمتني أمي: الحمد لله ويا الله الصبر! وخرجت بها من الثلاجة تتهادى متكئة علي والناس من حولنا ينظرون! هذه تقول: الله يصبركم يا خالتي! وآخر لا يدري ما يقول أو يفعل! صغرت من حولي الأشياء لحظتها فما كنت أرى إلا ولاء.. أو عيني ولاء قد بدتا من النقاب محمرتين باكيتين! كانتا والله أكبر من أي شيء في العالم لحظتها! بل أكبر من العالم.. لم أر غيرهما.. لم أر! بعد ساعة كانت الجنازة.. وفي ساحة المسجد المهدوم اجتمع الناس.. رأيت أبا مصعب فوق سيارة الإذاعة رغم الخطر الشديد يخطب في الناس.. أراه! عيناه الحزن ووجهه الغضب ولا أسمع من كلامه شيئًا.. غير أنني أذكر أنه قال: إن شيخنا هو من أشعل الانتفاضة الأولى! وكان يوم جمعة فخطبنا أبو البراء، فلم أع مما قال شيئًا غير أنني أذكر أنه لما كان يتحدث عن الوالد وهو بين يديه مسجًى يقول: كان شيخنا! فلفتني كلمة كان! وحمدت للرجل أنه يقول شيخنا مع أنني أعلم أنه قرينه وزميله، وقد قال لي والدي مرة: كان أبو البراء أعلانا في الدرجات! صغرت الدنيا ثانية أمامي.. ولم أر إلا جثامين أهلي! عن يميني أمي وعن يساري أبي وبين يدي عبود وعلى مقربة غسان ومن حولهما حليمة وريم وغير بعيد آية ومريم! ندبتهم كما كان يفعل العرب! كان مما قلت: هذا عبود .. كان والله مؤدبًا .. كان مطيعًا! وهذه حليمة عمرها خمس سنين.. كانت والله مدلعة! وكانت تخاف! أتراها خافت الصاروخ! وقلت: هذه ريم تصغر حليمة قليلًا! كانت ذكية مدبرة.. تفهم كالفتاة الكبيرة! أشفق علي جدي أبو ماهر! وقال لي: نعرفهم يا براء! كنت أنتقل بينهم لا أصدق أنها نظراتي الأخيرة! ولا أقنعُ أن تكون قبلاتي الأخيرة! احتضنت والدي.. وقبلت يده.. مرغت وجهي عليها.. بللتها بدموعي.. وما أبعدني عنها إلا الناس! كانت باردة يابسة ولطالما قبلتها دافئة ناعمة! مر عامان.. وكلما خلوتُ بنفسي.. واستعرضت ما يسميه الناس شريط الذكريات لم أر إلا نظرات أمي وخطواتي نحو بيت أهلي ويدي والدي الدافئتين وليس فيه النفس! وجبين أسامة المضرج بالدم.. وحجاب آية ووجه أمها وجلباب أمي واحتضان بلال وكلمات ولاء وبكاء محمد وذهول جدتي أم زياد و…. مر عامان .. وشيءٌ في لم يغادرني خلالهما ولو للحظة.. حين أقرأ .. حين أكتب .. حين أسمع.. حين أحضر.. حين أحاضر.. حين أَدرُس.. حين أُدَرس.. حين أفرح .. حين أحزن.. حين أضحك.. حين أبكي.. حين أفتر.. حين أقوم.. حين أصوم.. حين أصلي.. حين ألهو.. حين أعمل.. حين أفرغ.. حين أجالس .. حين أخلو .. كل حين.. شيء يهتف في.. يصرخ في أعماقي: مهما فعلت وأين ذهبت ومتى عشت .. لست إلا هذا.. هذا الثاكل! الأسماء الواردة في المقال: بلال ومحمد وولاء = الباقون من ذرية نزار ريان. أم زياد = جدتي لوالدي. أبو ماهر = جدي لأمي. أبو مصعب = أ. فتحي حماد. أبو البراء = د. عبد الرحمن الجمل. ملحوظة مهمة: ما سبق ليس وصفًا لحال كاتب المقال وحده.. هو وصف لحال بلال ومحمد وولاء وأم زياد (والدة نزار ريان) وفلان وفلان ممن فقد أبًا أو أمًا أو ابنًا أو أخًا أو أختًا أو زوجًا أو زوجةً أو بعض هؤلاء أو معظمهم! هو وصف أهالي الشهداء.. وتجلية لمشاعرهم. المصدر: شبكة ومنتديات صدى الحجاج |
||||||||||||||
|
|||||||||||||||
01-01-2011, 16:25 | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||||||||||||
|
رد: أسرى الذكرى .. سأغمض عيني على ذكرياتي.. وأحيا بها فهي كل حياتي!
صور نادرة للشيخ الشهيد نزار ريان يباشر الحفر في أحد أنفاق المجاهدين صور نادرة للشيخ الشهيد نزار ريان يباشر الحفر في أحد أنفاق المجاهدين في الذكرى السنوية الثانية لاستشهاد الوالد الحبيب نزار عبد القادر ريان رحمه الله.. يطيب لنا أن ننشر صورًا حصرية، لم يسبق أن اطلع عليها إلا قلة من مجاهدي القسام.. كان الوالد رحمه الله رغم مكانته الدعوية والتنظيمية والسياسية الكبيرة يحتفظ بعضوية حقيقية في كتائب القسام برتبة جندي، وكان رحمه الله يراها أرفع رتبة وأشرف منزلة! لطالما سعى في رباط متقدم أو حفر مجهد أو حتى تدريب متميز! وما أكثر مواقفه مع المجاهدين والمرابطين.. وعلى ثغر من ثغور بيت لاهيا شمال القطاع الحبيب.. كان شباب القسام يصلون الليل بالنهار في حفر نفق من أنفاق الدفاعات ما قبل الحرب.. وكان للوالد رحمه الله دور في مباشرة الحفر باليد مع إخوانه المجاهدين.. ي |
||||||||||||||
|
|||||||||||||||
02-01-2011, 16:31 | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||||||||||||
|
رد: أسرى الذكرى .. سأغمض عيني على ذكرياتي.. وأحيا بها فهي كل حياتي!
الكلمة التي أبكت الجميع: رسالة براء نزار ريان إلى والديه يوم تخرجه! |
||||||||||||||
|
|||||||||||||||
02-01-2011, 16:33 | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||||||||||||
|
رد: أسرى الذكرى .. سأغمض عيني على ذكرياتي.. وأحيا بها فهي كل حياتي!
بين يدي الرّسالة (الشيخ الأستاذ الدكتور نزار عبد القادر ريان وجهوده في خدمة السنة النبوية) (1) في الحديث عن الوالدين الحبيبين، لا أعرفُ من أين أبدأ؛ وكنتُ إذا تكلّمتُ عن شهيدٍ عرفتُه، أبدأ بالموقف الذي فيه لقيته، والحدث الأول الذي جمعني به. لكنّني لا أذكر بدايتي مع والديّ يرحمهما الله، إذ فتحتُ عينيّ على هذه الدنيا لأجد نفسي بين أيديهما، يربّياني على الدين وحبّ الدين، ويقودان قدميّ الصغيرتين إلى المسجد، ويديّ وعينيّ إلى حمل كتب العلم الشرعيّ وقراءتها، وقلبي إلى الله والتعلّق بالله. أذكرُك يا والدي حين حفّظتني في الرابعة من عمري أسماء كتب مكتبتك العامرة، ونظمتها لي في أنشودة، وصرتَ إذا زارك ضيفٌ قلت: غنّ لي يا براء أنشودة الكتب، أذكر ذلك يا أبي؛ ولا زال في الذاكرة بعضُ تلك الأنشودة. وأذكرُك يا أبتِ إذ اشتريتُ –وأنا في الخامسة- قصّة مصوّرةً من قصص الأطفال، فقرأتُها عليك، فكُنتَ فرحًا بإتقاني القراءة، وكنتَ خير منصتٍ وسامع، أذكرك إذ تستزيدُني، وأعيدها لك المرّة تلو المرّة، وتسألني عن معاني الكلمات، ولا أنسى والله احتضانك إياي حين فرغتُ، فرحمة الله عليك. أذكرُك يا والدي وقد أجلستني في السادسة من عمري، وفي يديّ الكتاب الكريم، وأقرأتني شطرًا من سورة ياسين، وعلّمتني يومها طرفًا من أحكام النون الساكنة والتنوين، أذكرها والله يا أبي كما لو أنها الآن وقعت. وأذكرك يا أمّي وأنت تلقنينني وأنا خارج للرّوضة، قُل يا بني: بسم الله؛ توكّلتُ على الله، ولا حول ولا قوّة إلا بالله. وأذكر يا والدي حين بلغتُ السابعة أجلستَني وإخوتي، وناولتنا الصحيحين، وعرّفتنا بهما؛ قلتَ لنا يومها: هذان الكتابان، أصحّ ما جمع الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم، وقلتَ لنا: يقالُ للحديث الذي فيهما: أخرجه الشيخان؛ أذكر والله ولا أنسى. وأذكر أنك في تلك السنة كنتَ تحضّر رسالة الدكتوراه، وكان لا يزعجُك قفزي من حولك، ونظري فيما تفعل، حتّى فهمتُ –على الصّغر- ما تصنع، وعرفتُ كيف يمكن الوصول لترجمة فلان من الرّواة في تهذيب الكمال، فصرتُ أسابقُك إلى المجلّد الذي تريد، فقلتَ لي: أتعرفُ؟ فقلتُ لك بسذاجة: نعم، أحفظُ الحروف وترتيبها يا أبي. فأجلستني بجوارك، من يومها إلى أن رفعك الله إليه شهيدًا، وهو حسيبُك! وأذكرُك تشجّعُني على حفظ القرآن وتسألني عن إعراب المشكل من الكلمات، وتُحفّظني عيون الشّعر، وقد كان مما حفّظتني: لولا المشقّة ساد النّاسُ كلهم الجود يفقر، والإقدامُ قتّالُ(1) فعلّمتني أن السيادة لا بدّ لها من مشقة، وأنّ: من لا يحبُّ صعود الجبال يعش أبد الدّهر بين الحُفَر(2) وأذكرُ والله حين كنتَ تجلسُني في دروسك، وتحرصُ على حضوري إياها، وتَضبط لي المشكل من أسماء الرّواة وغيرها قبل قدوم الطلبة، فإذا حضر الدّرسُ، سألتني ومن حولك طلبة العلم، ما ضبطُ "الكُشْمِيهَنِيِّ"(3) يا براء؟ فأجيبك بسعادة واعتداد. وأذكرُ حين بلغتُ التاسعة، أنني كنتُ في درس لك في علوم الحديث، فشرحتَ "حاء التحويل" فلم أفهم، فقُلتُ لك: لم أفهم! فشرحتَها ثانية: فقلتُ لم أفهم! فشرحتَها ثالثة: فسكتُّ. فلمّا انفضّ النّاسُ، قلتُ لك: لم تجب يا والدي على سؤالي، أريد أن أعرف أين يضعونها بالضبط(4)! فتصبرُ وتجيب. وأذكرُ في الإعداديّة إذ كنتَ تعرضُ على أصحابك ما أبحثه معك، وما أكتبُه، وتريهم خطّي وأوراقي. ------- (1) البيتُ لأبي الطيّب المتنبّي، انظر: شرحُ ديوان المتنبّي للواحدي، 2/239. (2) البيتُ لأبي القاسم الشابّي رحمه الله، من قصيدة مشهورة. (3) الكُشْمِيهَنِي: بضم الكاف وسكون الشين المعجمة وكسر الميم وسكون الياء المنقوطة من تحتها باثنتين وفتح الهاء وفي آخرها النون. نسبة إلى قرية قديمة من قرى مرو، خرج منها جماعة من العلماء، منهم: أبو الهيثم محمد بن مكي بن محمد الكشميهني، الأديب، اشتهر في الشرق والغرب بروايته صحيح الإمام البخاريّ، لأنه آخر من حدث بهذا الكتاب عاليًا بخراسان، كان فقيهًا، أديبًا، زاهدًا، ورعًا، وهو الذي كان يذكره الوالد في دروسه المتعلّقة بالجامع الصحيح. انظر: الأنساب للسمعاني 5/74-75. (4) أعني: حاء التحويل، وهي حاءٌ مهملة مفردة، يكتبها المحدّثون عند الانتقال من إسناد لآخر إذا كان للحديث الواحد إسنادان أو أكثر على سبيل الاختصار، انظر: دليل أرباب الفلاح لتحقيق فنّ الاصطلاح للحَكَمي 160 . (2) ولمّا صرتُ في الجامعة كنتَ تقرأ لي وتصوّب، وتفتّش عليّ في الأبحاث والتكاليف، كأنني تلميذُ ابتدائيّة! وتقرئني ما تكتُب، وتطلبُ رأيي، وتأخذ به كثيرًا! وأذكرُ حين جاءك مستفتٍ فقال لك: أفتني يا شيخُ، أريد أن أجاهد وأهلي يمنعونني. فقلتَ لي: اكتُب له ما تعلم! ثمّ نظرتَ فيما كتبتُ وصوّبت. وإنّي لأذكرُ أشياء أستحيي من تدوينها، أكتمُها في قلبي، أفرح بها وحدي، وأعللُ بها نفسي حتّى ألقاك. وإنّي لأذكرك يا أمّي؛ ولا أنساك، أذكرُ صبرَك وجهادَك، وتشجيعك إيانا على طلب العلم، وعلى الجهاد في سبيل الله، إي وربّي، ولا زال في سمعي رنين حديثك إذ تقولين: أما آن لك أن تُنهي الماجستير؟ وتعدّين إذّاك الأيام، تمنّين نفسك بالحضور والسعادة والحبور، وأمنّي نفسي معك. فأنالك الله ما هو خير، أما أنا فكنتُ كمن قال فيها الشاعر: غَزَلتْ خُيوطَ السّعدِ مخضلًا ولم يكن انتقاضُ الغزل في الحسبانِ! (5) ولو كان في الحسبان، لأحثثتُ الخطى، وأعجلتُ المسير،"وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ"(6) ؛ فقدّر الله وما شاء فعل، وخيرةُ الله خير، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون. إنني يا أمّي اليوم أفتقدُك، من قلبي والله محتاجٌ إليك، وأشتهي الآن سماع زغرودتك،"وهل يعوّض المرء عن أمّه بشيء"؟(7) يا والديّ: لا يعوّضني والله عنكُما شيء! إلا لقاؤكما في الآخرة! وإنّي طيلة ما كنتُ أكتبُ هذه الرّسالة، ما غادرتماني، روحاكما تظللاني، وتمُدّاني بالعزيمة والصبر، فطبتُما حيين وميّتين، وألف رحمةٍ ونورٍ عليكما، والسّلام. يا والِدِي إنّي لأعلمُ أنّـه قد لا تُسَرُّ بشعرِيَ الدّفّاقِ فاغفر رعاك الله، كم من شاعرٍ رَفَضَ السُّكوتَ بثورةِ الأشواقِ(8) براء نزار |
||||||||||||||
|
|||||||||||||||
الموضوع الحالى: براء نزار ...أسرى الذكرى .. -||- القسم الخاص بالموضوع: منتدى فلسطين العروبة -||- المصدر: شبكة ومنتديات صدى الحجاج -||- شبكة صدى الحجاج |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
عنوان حياتي ....وكل حياتي .... !!! | عفراء | منتدى همس القوافي وبوح الخاطر | 380 | 01-10-2011 13:34 |
يا عيني عالدلع على كبر | رفيف | منتدى الـفـكـاهــه والنكت | 3 | 07-08-2010 23:09 |
أغنية الانكسار،،، من دفتر ذكرياتي | ريما الحندءة | منتدى همس القوافي وبوح الخاطر | 9 | 20-01-2010 11:06 |
ستبقى ذكرياتي | هبة الرحمن | المنتدى العام | 2 | 18-03-2009 16:08 |
ابحث عن ذكرياتي | هبة الرحمن | المنتدى العام | 17 | 19-12-2008 14:25 |
|
عدد الزوار والضيوف المتواجدبن الان على الشبكة من الدول العربيه والاسلاميه والعالميه
انت الزائر رقم
كل ما يكتب في المنتديات لا يعبر بالضرورة عن رأي إدارة شبكة ومنتديات صدى الحجاج
شبكة ومنتديات صدى الحجاج لا تنتمي لاي حزب او جماعه او جهة او معتقد او فئه او
مؤسسة وانما تثمل المصداقيه والكلمه الحرة
...