هؤلاء الذين تربوا على فلسفة الغرب ، لا يحترمون عدوا ضعيفا ، و الضعيف هو الذي له حق ، و لا يصر على حقه ، و نحن لنا عندهم ألف حق و حق ، و ما كنا بأمة ضعيفة ، بل كنا خير أمة أخرجت للناس
سيقولون ، ها نحن أبناء عم ، سيقولون ، جئناكم لنحقن الدم ، فكن يا أمير الحكم ، قل لهم : إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك ، و اغرس السيف على وجه الصحراء إلى أن تجيب عليك الجماجم و الجثث ، كيف تخطوا على جثة ابن أبيك ، و كيف تصير المليك على من حكموك ؟ كيف تنظر في عيني امرأة أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها ؟ أجبني يا ضعيف الهمة !
لو كان لحبات الرمل في سيناء أن تتكلم ، لما استطعت و لا استطعت أنا أن نستمع ، كان أبطالنا الذين وقعوا في الأسر عام 1967 ، قد وصلوا إلى مرحلة ثانية ، من بين مراحل ثلاث ، يحللها بعين الخبير ضابط مصري شاهد عيان :
كانت المرحلة الأولى تتميز بقتلهم لكل من قابلهم من المصريين و العرب
أما المرحلة الثانية ، فكانت تتركز على أخذ ما يستطيعون من الأسرى ، و الباقي يفرغون الرصاص الحي في رأسه ، و ارتكزت المرحلة الثالثة ، على تبادل للأسرى المصريين ، الأسير مقابل بطيخة !!!!!
كانوا يأخذوننا ، و يرموننا في حفر ، و يأمروننا بجلوس القرفصاء في حرارة الرمال ، و أن نجعل أيدينا فوق رؤوسنا ، و كان جنديان فوقنا يحرساننا ، و كلما تحرك أحد من التعب ، أو جلس ، أو غير من جلسته ، يصطادانه برصاصة في الرأس ، شحنونا في السيارات الحربية ، و أخذونا إلى منطقة بئر سبع ، بيتشيفع ، و في بئر السبع ، أتوا بعشر سيارات كبيرة ، و شحنوا فيها الأسرى الذين اتسعوا فيها ، و الذي بقي ، قتلوه بدم بارد ، و كان قائدهم المجرم موشي ديان ، هناك يراقب ، و حينما نفذوا جرائمهم ، أتوا إليه ، و حملوه على الأكتاف ، و هم يتصايحون : موشي موشي يايايا ، موشي موشي يايايا
في مدينة العريش ارتكبت شراذم اليهود بعضا من أكثر فظائعها فظاعة ، بحق ألاف من العزل الآمنين ، هكذا يتذكر الحاج عبد الكريم يوسف الجعفري ، الذي تطوع وقتها للعمل مع المخابرات الحربية المصرية ، و استحق عن ذلك واحدا من أعلى درجات التكريم :
كانوا يقتلون كل ما يتحرك ، مدنيين منهم و عسكريين و حيوانات ، لا يفرقون بين أحد أو شيء ، و أخذوا من أخذوا من الأسرى ، أتذكر أنهم كاوا حوالي 250 شخصا مدنيا مسالما لا سلاح معهم ، لا نعلم ماذا فعلوا بهم ، و لا أين ذهبوا ، و هذا كله بعد أن قالوا لنا ارفعوا الرايات البيضاء ، و عودوا إلى منازلكم ، فالجيش اليهودي لن يفعل لكم شيئا ، ليتبين لنا بعد ذلك أنه غدر من اليهود ، كانوا يأتون بالعصي الغلاظ ، و يكسرونها على ظهور المدنيين ، رجالا و نساء ، و يكووننا بالسجائر و أعقابها في أماكن عفتنا ، بل و يخرجون أكرمك الله أجهزة الرجال التناسلية ، و يحطونها على الطاولات ، و يضربون عليها بالعصي
في معسكر بئر السبع ، أتى إلينا قائد كان قصير القامة ، و يمشي مشية قاسية كمشية النازيين ، كان ينطق كلمات قليلة ، غير أنها سرعان ما تتحول إلى قرارات ، أركبونا في قطارات لتحميل المواشي و السلع ، في كل قاطرة ما لا يقل عن 200 فرد ، متكدسين كالدجاج و علب التصبير ، فكنا نحس أننا نركب فوق بعضنا البعض ، و الهواء شبه منعدم ، و النور غير موجود لأنهم سدوا كل المنافذ ، فكانت الرحلة من سيناء إلى بئر السبع أشبه برحلة في بركان ، بعد وصولنا إلى بئر السبع ، أركبونا سيارات مكشوفة ، و ساروا بنا من بئر السبع إلى شمال إسرائيل في اتجاه عتليت ، و استقبلنا أطفال اليهود بقطع من الزجاج ، كانوا يرموننا بها ، و نحن مقيدون ، و كانوا يشتمون شتائم بذيئة ، و أعظم الشتائم التي كيلت إلينا كانت شتائم في النبي محمد صلى الله عليه و سلم ، و هي من آلمتنا أكثر من ألمنا ، و شتموا جمال عبد الناصر أيضا ، وصلنا إلى بوابة المعتقل ، فتحت الأبواب ، فقيل لنا ، أن كل من يلبس حذاء يجب عليه خلعه ، ملؤوا الأرض بالبازلت المذبب ، فكانت أرجل كل الأسرى تسيل دما ، فأصبحنا نسير في أودية من الدماء ، لمسافة كيلومترين التي تفصل بين البوابة و بين محل إقامتنا ، و كان عبارة عن عنابر ، و كنا نقعد طول الليل على الأرض في البرد الشديد ، و في النهار ، يأمرونك بأن تقعد في الشمس الحارقة طول النهار ، و لما كنا نطلب الأكل ، كانوا يأتوننا بفتيات شبه عاريات ، و معهن أكياس ، و في تلك الأكياس كان يوجد قشر برتقال ، و يرموننا به ، و يطلبون منا الأكل ، و كنا من عدم وجود ما نأكل ، نأكل ذلك القشر تحت سخرية و استهزاء اليهود ، أما بالنسبة للنوم ، فكانت العنابر بمساحة 100 متر مربع ، يبيت فيها 100 شخص ، و كان كل واحد ينام إلى جانب الثاني ، و يدفي ظهره بظهر صاحبه ، لم يكن هناك مكان كاف للكثير من الأسرى ، و كان هناك مرحاض واحد لثمانية عنابر ، أي ل 800 شخص أو أكثر ، و كانت عبارة أكرمكم الله عن غرفة مكونة من حفر حولها قطع خشبية ، و كان الأسرى يقعدون قبالة بعضهم البعض يقضون حاجاتهم ، فكان أمرا مرعبا ، خصوصا أن المدة التي كانوا يسمحون لنا فيها باستعمال ما يسمى المرحاض كانت قصيرة جدا أما بالنسبة للماء ، فكان هناك صنبور واحد بالنسبة ل 800 شخص ، يشربون منه ، معلّق و كان على من يريد الشرب أن يفتح فمه ، و يتلقى الماء من فوق !
بالنسبة للأكل ، كانوا يأتوننا يخبز محمص ، لكل 12 فردا قطعة خبز واحدة تقسم عليهم
لا تتعلق قضية أسرانا في حروبنا مع اليهود بما مضى بقدر ما تتعلق بما هو آت ، أي مثال نقدمه للأجيال القادمة ، إذا ما هي اضطرت يوما ما إلى حمل السلاح ؟
من يحمي ظهرها ؟ و من يضمن لك أن سهما أتاني من الخلف لن يأتيك من ألف خلف ؟
من حق اليهود أن يحاولوا دائما ، كسر شوكة الولاء في قلوبنا ، و من حقنا و لو أحيانا أن نقاوم ، فما الصلح إلا معاهدة بين ندين ، في شرف الحق لا تنتقص
أقلب الغريب كقلب أخيك ؟
أعيناه عينا أخيك ؟
و هل تتساوى يد سيفها كان لك
بيد سيفها أثكلك ؟
إن سهما أتاهم من الخلف
سوف يأتيك من ألف خلف