|
أختيار الاستال من هنا
|
روسيا اليوم | الجزيرة | ناشونال جيوغرافيك | المملكه | رؤيا | الاقصى | الكوفيه | الرياضيه | عمون | يوتيوب | مركز رفع الصور |
الموسوعات الاسلاميه موسوعة الفقه الاسلامي , الطب البديل والاعشاب , القرآن الكريم ,تفسير القران الكريم , موسوعة الاسره المسلمه, المرجع الشامل , صحيح البخاري موسوعة السيره النبويه , اعرف نبيك , علوم القرآن , صحيح مسلم , موسوعة العقيده الاسلاميه , أذكار المسلم اليومية , رياض الصالحين |
كاتب الموضوع | عفراء | مشاركات | 16 | المشاهدات | 13475 | | | | انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
28-09-2010, 21:48 | رقم المشاركة : ( 1 ) | ||||||||||||||
|
شرح الترغيب والترهيب للدكتور راتب النابلسي ...
شرح الحديث الشريف : الترغيب والترهيب للإمام المنذري ـ كتاب الإخلاص : الترغيب في الإخلاص والصدق والنية الصالحة ـ لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي . بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
السنة هي الأصل الثاني لهذا الدين العظيم : أيها الأخوة الكرام ، من كتب الحديث المعتمدة الترغيب والترهيب ، ولهذا الكتاب اختصارات كثيرة ، وتهذيبات كثيرة ، من بين هذه التهذيبات تهذيب الترغيب والترهيب لحبيب الرحمن الأعظمي . اخترت هذا الكتاب لندرس أحاديثه حديثاً حديثاً ، فالسنة كما تعلمون الأصل الثاني لهذا الدين العظيم ، كتاب الإخلاص ، الترغيب في الإخلاص . الأمة أربعة نفر : 1 ـ رجل آتاه الله مالاً وعلماً : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مثل هذه الأمة كأربعة نفر ، رجل آتاه الله مالاً وعلماً ، فهو يعمل بعلمه في ماله ، فينفقه في حقه )) . [ أخرجه الترمذي وصححه ، وأحمد وابن ماجه واللفظ له عن أبي كبشة الأنماري] . أي يكسبه من طريق مشروع ، وينفقه في الوجه المشروع ، هو عالم وغني ينفق المال وفق ما أراد الله ، ويكسبه من الطرق التي سمح الله بها . 2 ـ و رجل آتاه الله علماً ولم يؤته مالاً : (( ورجل آتاه الله علماً ولم يؤته مالاً ، فهو يقول : لو كان لي مثل هذا لعملت فيه مثل الذي يعمل ، قال عليه الصلاة والسلام : فهما في الأجر سواء )) . [ أخرجه الترمذي وصححه ، وأحمد وابن ماجه واللفظ له عن أبي كبشة الأنماري] . أن تتمنى أن تعمل عملاً صالحاً ، صادقاً ، مخلصاً ، هذه النية الطيبة كأنك فعلت هذا العمل ، رجل آتاه الله علماً ، ولم تؤته مالاً ، يقول : (( لو كان لي مثل هذا لعملت فيه مثل الذي يعمل )) . ورد عن النبي صلى الله عليه و سلم : " لو كان لي مثل أُحد ذهباً لأنفقته في ثلاثة أيام في سبيل الله" . أحياناً كثيرة تنوي أن تعمل عملاً طيباً لا يتاح لك أن تعمله ، يجب أن تتأكد أن الله كتب لك هذا العمل ، عملته أو لم تعمله ، هذا فقط عند الله ، أما عند الناس لا يمكن أن تأخذ ثمن شيء إلا إذا قدمته ، يكفي أن أقول لكم : لو وضعت قدمك في أول طريق الإيمان وجاءت المنية كأنك وصلت إلى آخره . زيد الخير تمنى أن يغزو الروم ، بين إسلامه وبين موته أقل من يومين ، يقول له النبي الكريم : لله ذرك أي رجل أنت ؟ ما وصف لي رجل فرأيته إلا رأيته دون ما وصف إلا أنت يا زيد ، فيك خصلتان يحبهما الله ورسوله ، الأناة والصمت . 3 ـ و رجل آتاه الله مالاً ولم يؤته علماً : الرجل ثالث : (( ورجل آتاه الله مالاً ولم يؤته علماً ، فهو يخبط في ماله ، ينفقه في غير حقه )) . [ أخرجه الترمذي وصححه ، وأحمد وابن ماجه واللفظ له عن أبي كبشة الأنماري] . والمال من دون علم خطر جداً ، لأنه يزيد العاصي معصية . للإمام الشافعي كلمة أعجبتني ، قال : " السفر يزيد التقي تقى ، والفاجر فجوراً ". إذا سافر إنسان تقي فيلتقي بالعلماء ، يتسع أفقه ، يتعلم منهم ، يطلع على نشاطات لا يعرفها هو ، يزداد علمه ، ويزداد أفقه اتساعاً ، وتزداد معرفته ، وقد يعطي ، وقد يأخذ ، يعطي ، ويأخذ ، فالسفر زاده تقى ، وزاده علماً . بل إن الإمام الشافعي يقول : " من لم يعهد منه سفر لم يعهد منه علم " . الإنسان إذا سافر يرى موقعه الحقيقي من بين المواقع الأخرى ، يرى وضع بلده من بين البلاد الأخرى ، يقتبس ، يعطي ، ويأخذ ، قال : " والسفر أيضاً يزيد الفاجر فجوراً " ببلده يوجد رقابة ، بينما في السفر لا يوجد رقابة ، لو فعل شيئاً منكراً في بلده شوهت سمعته، أما هناك لا أحد يعرفه ، فالسفر يزيد التقي تقى ، والفاجر فجوراً ، قال : (( هذا ينفق ماله فهو يخبط في ماله )) . معنى يخبط أي يتصرف فيه تصرف الأحمق ، ينفقه في الباطل ، من صفات أهل الدنيا أنهم ينفقون الألوف المؤلفة ، بل والملايين المملينة ـ إن صحّ التعبير ـ على شهواتهم، أما إذا دعوا إلى عمل صالح أحجموا ، إن أمسكوه أمسكوه بخلاً وتقتيراً ، وإن أنفقوه أنفقوه إسرافاً وتبذيراً . 4 ـ ورجل لم يؤته الله علماً ولا مالاً : (( قال : فهو يخبط في ماله ينفقه في غير حقه ، ورجل لم يؤته الله علماً ، ولا مالاً ، فهو يقول : لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل ، قال : فهم في الوزر سواء )) . [ أخرجه الترمذي وصححه ، وأحمد وابن ماجه واللفظ له عن أبي كبشة الأنماري] . لا علم ولا مال ، لكنه يتمنى أن يعمل كما يعمل هذا الفاسق ، قال : فهم في الوزر سواء . أخطر شيء في حياة كل إنسان هو التمني : لذلك : من شهد معصية فأنكرها كان كمن غاب عنها ، ومن غاب عن معصية فأقرها ـ رغب فيها ـ كان كمن شهدها ، يجوز ألا تصدق ، قال لك إنسان : هناك شخص يعيش بكندا ، يفعل من المعاصي ما يشتهي ، والله دبر حاله فهنيئاً له ، أنت هل تعرف أنك بهذه الكلمة التي لا تعبأ بها كسبت مثل وزره تماماً ، لأنك أقررته على ذلك ، وتمنيت أن تكون مثله ، هناك الكثير من المعاصي والآثام في بلاد الغرب ، الفاسق يتمناها ، والمؤمن يقول : معاذ الله إني أخاف الله رب العالمين . (( قال : فهما في الوزر سواء )) . [ أخرجه الترمذي وصححه ، وأحمد وابن ماجه واللفظ له عن أبي كبشة الأنماري] . معنى ذلك أنك إذا تمنيت طاعة كتبت لك طاعة ، وإذا تمنيت معصية كتبت لك معصية ، فالتمني خطير . حظوظ الدنيا إن وظفتها بالحق فهي نعمة وإن وظفتها بالباطل فهي نقمة : الشيء الثاني ، ما أجمل العلم والمال إذا اجتمعا ، وما أخطر المال إذا انفرد من دون علم ، لأن صاحبه يتكبر ، يتكبر من جهة أن صاحبه يكتسب نفسية مقيتة ، ثم إنه ينفقه في الوجوه التي لا ترضي الله عز وجل . أنا أقول لكم دائماً : إياكم أن تظنوا أن المال إكرام من الله ، إلا في حالة واحدة إلا إذا مكنك الله من إنفاقه في الحق ، ينقلب إلى نعمة ، وقبل أن تنفقه بالحق ليس نعمة وليس نقمة ، هو حيادي ، اسمه ابتلاء ، المال ابتلاء ، أُنفق في المعصية صار نقمة ، أُنفق في الطاعة صار نعمة ، وقس على هذا كل حظوظ الدنيا ، الزوجة الجيدة إذا أخذت بيدها إلى الله ورسوله أصبحت نعمة ، وإن أطلقتها و فعلت ما تشاء ، أو أرخيت لها الحبل ، حققت منها مصالحك ، ولم تعبأ بدينها ، انقلبت إلى نقمة ، فكل حظوظ الدنيا سمّها ابتلاء ، إن وظفتها بالحق فهي نعمة ، وإن وظفتها بالباطل فهي نقمة . لذلك عندما قال قارون : ﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ﴾ ( سورة القصص ) . لمجرد أن تقول : يا ليتني مثل فلان يمكن أن تأخذ صفراً بالإيمان ، إذا فلان فاسق لكنه غني ، رأيت إنساناً غنياً ، ماله كله حرام ، يسكن في أجمل بيت ، يركب أجمل مركبة ، يلبس أجمل ثياب ، يأكل أطيب الطعام ، إذا قلت هنيئاً له ، هذا كلام يقوله معظم الناس : ليتني مثله . دققوا أيها الأخوة ، تعرف أن ماله حرام ، كسبه حرام ، باني ثروته على الربا ، من طريق غير مشروع ، من معاصٍ وآثام ، يقول لك : انظر هذا البيت ـ صاحبه عنده ملهى ـ والله هذا البيت جميل ، هنأه الله ، لا ، هذا من مال حرام ، اسكن بغرفة برأس الجبل من مال حلال تهنأ بها ، لا تطمع بالحرام أبداً ، أما المؤمن يغبط مؤمناً آخر ، يغبط مؤمناً ماله حلال لا يوجد مشكلة ، يا ليتني مثله لا يوجد مانع ، لعل الله يرزقني مثلما رزقه ، إذا كان المؤمن دخله حلال ، وإنفاقه حلال ، وتمنيت أن تكون مثله لا يوجد مانع ، هذه اسمها غبطة . الله تعالى كَتَبَ الحسناتِ والسيئاتِ ثم بيَّن ذلك : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عزّ وجل : (( إنَّ الله تعالى كَتَبَ الحسناتِ والسيئاتِ ، ثم بيَّن ذلك ، فَمَنْ هَمَّ بحسَنة فلم يعملْها كَتَبها الله له عنده حسنة كاملة )) . [ متفق عليه عن ابن عباس ] . أي لم يندم على أنه غير رأيه ، لا ، لم يتح له أن يعملها . (( فَمَنْ هَمَّ بحسَنة فلم يعملْها كَتَبها الله له عنده حسنة كاملة ، فإن هَمَّ بها وعَمِلها ، كَتَبَها الله له عنده عَشْرَ حسنات إلى سبعمائة ضِعْف ، إلى أضعاف كثيرة ، ومَنْ هَمَّ بسيئة فلم يعمَلْها )) . [ متفق عليه عن ابن عباس ] . لم يستطع أن يفعلها . (( كَتَبَها الله له سيئة واحدة )) . لكن ندم ، راجع نفسه ، قال : معاذ الله ، أنا كنت على خطأ . (( ومنْ هَمَّ بسيئة فلم يعمَلْها ، كَتَبَها الله عنده حسنة ، وإن هو هَمَّ بها فَعَمِلها كَتَبَها الله له سيئة واحدة )) . [ متفق عليه عن ابن عباس ] . دقق في همومك ، هممت بحسنة لم تعملها ، لم يتح لك أن تعملها ، كتبت حسنة ، إن عملتها كتبت عشر حسنات ، هممت بسيئة ـ لا سمح الله ـ ندمت على هذا ، استرجعت واستغفرت ، كتبت لك حسنة ، هي سيئة ، لأنك استحييت من الله ، لأنك خشيت الله ، لأنك راجعت نفسك ، لأنك ندمت على ما فعلت كتبت حسنة ، أما في حال إذا همّ الإنسان بسيئة فلم يتح له أن يعملها ، ذاهب لصفرة حمراء ، أصدقاؤه لم يأتوا ، والبيت مغلق ، عليه وزر كأنه فعلها ، فلم يعملها خوفاً من الله ، مراجعة لنفسه ، توبةً ، ندماً ، قال : (( وإن هو هَمَّ بها فَعَمِلها ، كَتَبَها الله له سيئة واحدة )) . [ متفق عليه عن ابن عباس ] . الحكمة من جعل ملك اليمين أميراً على ملك الشمال : آخر فكرة ، أن الله عز وجل جعل ملك اليمين أميراً على ملك الشمال ، فالحسنة لمجرد أن تعملها كتبت حسنة ، أما لو عملت سيئة لا يكتب ملك الشمال هذه السيئة إلا إذا أمر ملك اليمين ، ملك اليمين ينتظر هل ندم على فعله ؟ هل استرجع ؟ هل استغفر ؟ هل أقلع هل استحى من الله ؟ لم يسترجع ، ولم يستغفر ، ولم يستحِ ، ولم يندم ، وذكرها للناس ، بل افتخر بها عندئذً يقول ملك اليمين لملك الشمال اكتبها عليه سيئة . الإخلاص عبادة القلب : موضوع اليوم الإخلاص ، الإخلاص عمل القلب ، الإخلاص عبادة القلب . ﴿ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ ﴾ . ( سورة الزمر ) . الجوارح تعبد ، تصلي ، تصوم ، تحج ، تزكي ، الجوارح تغض البصر ، تضبط اللسان ، هذا عمل الجوارح ، أما القلب تبتغي بهذا وجه الله عز وجل . ﴿ وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى ﴾ . ( سورة الليل ) . المصدر: شبكة ومنتديات صدى الحجاج |
||||||||||||||
|
|||||||||||||||
28-09-2010, 21:48 | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||||||||||||
|
رد: شرح الترغيب والترهيب للدكتور راتب النابلسي ...
شرح الحديث الشريف : الترغيب والترهيب للإمام المنذري ـ كتاب الإخلاص : الترغيب في الإخلاص والصدق والنية الصالحة والترهيب من الرياء وما يقوله من خاف شيئاً منه ـ لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي . بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين . الأصل في الحساب هو الفعل وهذا من رحمة الله عز وجل بالعباد : أيها الأخوة الكرام ، لا زلنا في باب الإخلاص ، من كتاب الترغيب والترهيب ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يقولُ الله عزَّ وجلَّ : إذا أراد عبدي أنْ يَعْمَلَ سيئة ، فلا تكتبوها عليه حتى يَعْمَلَها ، فإن عَمِلَها فاكتبوها بمثلها ، وإن تَركَها من أجلي فاكتبوها له حسنة )) . إذا همّ بسيئة فلم يعملها من أجل الله عز وجل خوفاً ، أو استحياء ، أو خجلاً ، أو خشية فاكتبوها له حسنة . (( وإذا أراد أن يَعْمَلَ حسنة ، فلم يَعْمَلْها ، فاكتبوها له حسنة ، فإن عملها فاكتبوها بِعَشْرِ أمثالها إلى سبعمائة )) . [ متفق عليه ، واللفظ للبخاري عن أبي هريرة] . أي من خلال هذا الحديث يتضح أنك كل شيء تحدث نفسك به لا تحاسب عليه إلا إذا فعلته ، فإن كان حسناً كُتب بعشرة أمثال ، وإن كان سيئة كُتب بمثل واحد ، بعض العلماء قال : إذا همّ عبدي ، أي إذا أراد ، قالوا : مراتب القصد خمس هاجس ذكروا فخاطر فحديث النفس فاستمعـا يليه هم فعزم كلها رفعـــــت سوى الأخير ففيه الأخذ قد وقعا *** هاجس ، خاطر ، حديث نفس ، همّ ، عزم ، كلها داخلية ، لكن كلها متدرجة في الشدة ، جاءه هاجس أقل من خاطر ، يليه الخاطر ، يليه حديث النفس ، يليه الهمّ ، همّ أن يفعل شيئاً ، يليه العزم ، فبين الهاجس ، والخاطر ، وحديث النفس ، والهمّ و العزم ، هذه كلها داخل النفس ، لا تحاسب عليها ، لا تحاسب إلا على السادسة ، أن تتحرك ، أن تعمل . وفي رواية لمسلم قال الله عز وجل : (( إذا تحدَّث عبدي بأن يَعْمَلَ حسنة ، فأنا أكتُبها له حسنة ، ما لم يعمَلْها ، فإذا عملها فأكتُبُها له بعشرِ أمثالها )) . [مسلم عن أبي هريرة] . فهذا الحديث والذي قبله يبيّن أن الأصل في الحساب هو الفعل ، وهذا من رحمة الله عز وجل ، أما النية تدخل في الأعمال الصالحة إذا كانت في صالحه ، هممت بحسنة فلم تعملها ، أو هممت بسيئة فخشيت الله عز وجل . إذاً هناك نقطة دقيقة ، الشيء الداخلي ، يبدأ من هاجس ، إلى خاطر ، إلى حديث نفس ، إلى همّ ، إلى عزم ، هذه لا تحاسب عليها أيها المؤمن إن كانت ليست في صالحك ، وتحاسب عليها حساباً إيجابياً إذا كانت في صالحك ، أما الأعمال السيئة لا تحاسب عليها إلا إذا فعلتها . الترغيب في الإخلاص : و : (( من أتى فِرَاشَهُ وهو ينْوي أن يقومَ يُصلِّي من الليل ، فغلبَتْه عينهُ حتى أصبح كُتِبَ له ما نوى )) . أي صادق ، نوى أن يستيقظ لصلاة الفجر ، أو لصلاة قيام الليل ، غلبته عينه يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح : (( له ما نوى )) . [ رواه النسائي وابن ماجه ، وصححه ابن حبان عن أبي الدرداء ] . هذا الترغيب في الإخلاص . الترهيب من الرياء : أما الترهيب من الرياء ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( مَن سَمَّع سَمَّعَ الله به ، وَمَنْ رَاءَى رَاءَى الله به )) . [ متفق عليه عن جندب بن عبد الله] . ما معنى سمّع ؟ أي هو يذكر الله في قلبه ، دخل إنسان للمسجد فرفع صوته ليلفته إليه ، أنا أذكر الله ، سمعه ، أحياناً الإنسان يسمع الناس بأعماله الطيبة ، يسمعهم ، يتحدث عن أعماله ، يقصد بها أن يتباهى ، يقصد بهذا الحديث أن يظهر ورعه ، أن يظهر عبادته . (( مَن سَمَّع )) . طبعاً سمّع من التسميع ، والاسم السمعة ، من السمعة ، وهي مثل الرياء ، إلا أن السمعة خاصة بالسمع ، كرفع الصوت بالذكر و الإظهار للناس ، والرياء خاصة بحاسة البصر ، إن فعلت شيئاً ليراك الناس ، هذا رياء ، وإن قلت قولاً ليسمعك الناس هذا التسميع ، إن قلت قولاً ليسمعك الناس ، لتنتزع إعجابهم ، هذا تسميع ، وإن فعلت شيئاً ليراك الناس هذه مراءاة . يرائي الله به أن يطلعهم في الدنيا أو في الآخرة على أنه فعل ما فعل لوجههم لا لوجهه ، هو أراد أن ينتزع إعجاب الناس ، فالناس يعلمون ذلك ، يرائي الله به ، يظهر رياءه، يسمّع الله به ، يظهر رياءه بالتسميع ، التسميع لحاسة السمع ، والمراءاة لحاسة البصر، الإنسان إذا سمّع الناس بأفعاله ، الله جلّ جلاله أظهر للناس تسميعه ، يظهر هنا التناقض ، يظهر فلتات لسان ، يظهر بوضع آخر لا يرضي ، معنى ذلك أن هذا ليس لله عز وجل ، في النهاية: ( سورة آل عمران الآية : 179 ) . لا بدّ من أن يظهر هذا العمل . (( مَن سَمَّع سَمَّعَ الله به ، وَمَنْ رَاءَى رَاءَى الله به )) . [ متفق عليه عن جندب بن عبد الله] . العبادات النافلة دعها بينك وبين الله لا تسمع بها ولا ترائي بها : حديث آخر : (( من صلى وهو يرائي فقد أشرك ، ومن صام وهو يرائي فقد أشرك ، ومن تصدق وهو يرائي فقد أشرك )) . [ أخرجه البيهقي عن شداد بن أوس ]. أي الإنسان إذا أراد أن يصلي ليعرف الناس أنه يصلي ، أو أراد أن يصوم ليعرف الناس أنه يصوم ، مثلاً الإنسان إذا صام نفلاً ، يطبل الدنيا بهذه الصيام ، ألم تصوموا اليوم ؟ اليوم عاشوراء ، أنا صائم اليوم و الحمد لله ، هذه أصبحت مراءاة ، إن أردت بهذا الصيام وجه الله صم واسكت ، نفل الصيام ، هناك إنسان له وضع خاص يتحرش بالناس ، ليريهم أمه صائم ، يقول لهم مثلاً : كيف الترتيب ؟ هل يوجد صيام اليوم ؟ يريد أن يفتعل مشكلة ، هذا صيام الرياء ، هناك صلاة الرياء ، وهناك تصدق الرياء . (( ومن صام وهو يرائي فقد أشرك )) . [ أخرجه البيهقي عن شداد بن أوس ]. الصحابة الكرام ـ رضي الله عنهم وأرضاهم ـ كانوا مع رسول الله في سفر ، في رمضان ، وكان السفر شاقاً ، بعضهم صام ، وبعضهم أفطر ، لا الذين أفطروا أخذوا على الذين صاموا ، ولا الذين صاموا أخذوا على الذين أفطروا ، هذه قضية شخصية مع الله عز وجل . مرة الذين أفطروا كانوا أقوى فقاموا ، وطبخوا ، ونحروا الجزور ، وهيؤوا الطعام ، ونصبوا الخيام ، فقال عليه الصلاة والسلام : (( ذهب المفطرون اليوم بالأجر )) . [ البخاري عن أنس] . العبادات النافلة هذه دعها بينك وبين الله ، لا تسمع بها ، ولا ترائي بها . خرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (( إياكم وشرك السرائر . قالوا : يا رسول الله ! وما شرك السرائر ؟ قال : يقوم الرجل فيصلي ، فيزين صلاته جاهداً ، لما يرى من نظر الناس إليه ، فذلك شرك السرائر )) . [ أخرجه ابن خزيمة عن محمود بن لبيد ] . أي يتقن الإنسان صلاته أمام الناس ، ولا يتقنها في بيته ، إتقان الصلاة أمام الناس نوع من الشرك ، إذاً عليك أن تتقنها في البيت أيضاً ، الحل ألا تتقنها ، أنا لا أشرك ، لن أتقنها أمام الناس ، اتقنها أمام الناس وفي بيتك لم يعد هناك مشكلة . الأعمال لا تقبل إلا بشرطين ؛ الإخلاص و الصواب : وعن أبي سعيد بن أبي فضالة كان من الصحابة فقال : (( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة ليوم لا ريب فيه نادى مناد من كان أشرك في عمله لله أحداً فليطلب ثوابه من عنده فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك )) . [أخرجه الترمذي وابن ماجه والطبراني عن أبي سعيد بن أبي فضالة] . أحياناً أنت تعمل عملاً لإنسان ضعيف ، إنسان لا يستطيع أن يكافئك عليه ، فيخيب ظنك ، فالعمل لغير الله ، غير الله ضعيف ، فقير ، لئيم أحياناً تخدمه خدمات لا تحصى ، لا يذكرها أبداً ، ينساها ، قد يسيء إليك ، والذي أراه أن الذي يشرك هذا الذي أشركه مع الله هو قد يكون أفضل من ذلك إلا أن الله يلهمه أن يكون لئيماً ، كي تنقطع عنه وتتصل بالله عز وجل . حديث آخر : (( يجاء يوم القيامة بصحف مختومة فتنصب بين يدي الله ، فيقول الله للملائكة: ألقوا هذا واقبلوا هذا )) . [ ابن عساكر عن أنس بن مالك] . أعمال طيبة كلها بصحف . ((فتقول الملائكة وعزتك ما رأينا إلا خيرا فيقول وهو أعلم إن هذا كان لغيري ولا أقبل اليوم من العمل إلا ما كان ابتغى به وجهي )) . [ ابن عساكر عن أنس بن مالك] . هناك أعمال طيبة إلا أنها ليست وجه الله ، ألقوها . طبعاً لا زلنا في باب الإخلاص ، لذلك الفضيل بن عياض يقول : الأعمال لا تقبل إلا بشرطين ؛ إلا إذا كان العمل خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة . الشرك الخفي يوجب الاستغفار و الشرك الجلي يوجب النار : وعن أبي علي ـ رجل من بني كاهل ـ قال : خطبنا أبو موسى الأشعري فقال : (( يا أيها الناس ، اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل . فقام إليه عبد الله بن حزن وقيس بن المضارب فقالا : والله لتخرجن مما قلت أو لنأتين عمر مأذوناً لنا أو غير مأذون . فقال : بل أخرج مما قلت ، خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال : يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل . فقال له من شاء الله أن يقول : وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله ؟ قال : قولوا : اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه ، ونستغفرك لما لا نعلمه )) . [ أحمد عن أبي علي و هو رجل من بني كاهل] . و : (( أدناه أن تحب على شيء من الجور أو تبغض على شيء من العدل )) [صحيح الحاكم عن عائشة] . إنسان نصحك بأدب أزعجك ، هزّ لك مكانتك ، جرحك ، أغضبك ، لقد أشركت نفسك مع الله ، أخذتك العزة بالإثم ، أنت أشركت الآن . أو إنسان له انحراف ، جاءك منه نفع ، تغاضيت عن انحرافه ، وأثنيت عليه ، فعندما أثنيت عليه فقد مدحته ، وإن الله ليغضب إذا مدح الفاسق ، وأدنى مراتب الشرك أن تحب على جور وأن تبغض على عدل . والحقيقة الشرك الخفي منتشر كثيراً لقول الله عز وجل : ( سورة يوسف ) . الشرك الخفي ، أما الجلي ـ والعياذ بالله ـ شرك للكبائر ، أي يوجب النار ، أما الشرك الخفي يوجب الاستغفار ، فالإنسان يستغفر الله من شرك يعلمه ، ومن شرك لا يعلمه .
والحمد لله رب العالمين |
||||||||||||||
|
|||||||||||||||
28-09-2010, 21:50 | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||||||||||||
|
رد: شرح الترغيب والترهيب للدكتور راتب النابلسي ...
في كتاب الترغيب والترهيب للإمام المنذري رحمه الله تعالى كتاب السنة ، قال عليه الصلاة والسلام : (( من رغب عن سنتي فليس مني )) . [متفق عليه عن أنس بن مالك] . النبي عليه الصلاة والسلام جاء بسنة قولية ، وعملية ، وإقرارية ، فكل أقواله تشريع ، وكل أفعاله تشريع ، وكل إقراراته تشريع ، فالذي يرفض في نفسه توجيه النبي ، وأمر النبي عليه الصلاة والسلام ، ونهي النبي ، وسنة النبي ، فليس من المسلمين . (( من رغب عن سنتي فليس مني )) . [ متفق عليه عن أنس بن مالك] . أن تقول : اللهم صلِّ على رسول الله كلما ذُكر ، وأن تخالف سنته ، هذا القول لا يقدم ولا يؤخر ، يجب أن نبقى في جوهر الدين ، حينما تحتفل خلاف السنة ، حينما تتاجر خلاف السنة ، حينما تسافر خلاف السنة ، حينما يكون البيت خلاف السنة ، حينما تكون الحركة اليومية خلاف السنة ، حينما تقلد الأجانب ، حينما ترفض ولو بنفسك توجيه النبي و لا ترى أنه التوجيه المناسب لهذا العصر . (( من رغب عن سنتي فليس مني )) . علامة إيمانك أن تقبل سنة رسول الله ملء السمع والبصر ، والحديث متفق عليه ويجب أن نعلم ما معنى متفق عليه ؟ أي أورده البخاري ومسلم ، والبخاري ومسلم أصح كتابين بعد كتاب الله ، إذا اجتمع البخاري ومسلم فهو أعلى نص على الإطلاق بعد القرآن الكريم . (( من رغب عن سنتي فليس مني )) . لا يمكن أن تقبل توجيه إنسان يخالف توجيه النبي و إلا لست مؤمناً ، لأنك تعتقد ضمناً أن هذا الإنسان أكمل من سلوك النبي ، والله سبحانه وتعالى قد عصم النبي ، عصمه عن أن يخطئ في أقواله ، وفي أفعاله ، و في إقراره ، فإذا اتبعت توجيهاً أملاه عليك العرف الغير منضبط بالشرع ، أو المصالح ، أو تقليد الأجانب ، أو إنسان غير متبصر بالسنة ، أعطاك توجيهاً خلاف توجيه رسول الله ، واتبعت هذا التوجيه اعلم أنك لست من أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم . (( من رغب عن سنتي فليس مني )) . [ متفق عليه عن أنس بن مالك] . أي إذا رفضت السنة رفضاً قولياً ، أو سلوكياً ، أو نفسياً . المبتدع لا يقبل الله منه صلاةً ولا صياماً ولا حجاً لأنه أحدث في أمر هذه الأمة ما ليس فيها: وعن العرباض بن سارية قال : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث هذا وزاد عليه : (( فعليكم بسنّتي وسنّةِ الخلفَاءِ الراشِدينَ المهديِّينَ ، تمسكوا بها ، وعَضُّوا عليها بالنواجِذِ ، وإياكم ومُحدثاتِ الأمورِ ، فإنَّ كلَّ مُحدثَةٍ بدْعةٌ ، وكل بدْعَةٍ ضَلاَلَة ، و كل ضلالة في النار )) . [ أبو داود عن العرباض بن سارية ] . طبعاً الدين عقائده وعباداته لا يزاد عليها أبداً ، إلا أن تشريعاته يمكن للمجتهدين على مرّ العصور أن يستنبطوا أحكاماً فرعية من نصوص كلية ، هذا الهامش المسموح من رسول الله ، استنباط أحكام تفصيلية فرعية من نصوص كلية ، هذا في المعاملات فقط ، وفيما لم يرد فيه نص ، أما العقائد والعبادات هذه منتهية ، لا يزاد عليها أبداً . (( فإنَّ كلَّ مُحدثَةٍ بدْعةٌ ، وكل بدْعَةٍ ضَلاَلَة ، وكل ضلالة في النار )) . لم يكن على عهد النبي تكييف في المساجد فرضاً ، لم يكن تكبير للصوت ، هذا ليس من البدعة ، هذا في شؤون الدنيا ، في شؤون الدنيا نقبل كل جديد متوافق مع منهج الله ، يسرنا على المصلين الماء الساخن في الشتاء ، الماء البارد في الصيف ، الإضاءة الجيدة ، تكبير الصوت ، أضرب أمثلة منتزعة من المسجد ، هذا من شؤون الدنيا ، هذه تحسينات ، هذه ليست بدعة ، أو إن صحّ التعبير هذه البدع الحسنة . (( مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ )) . [ الطبراني في الكبير عن واثلة بن الأسقع] . هذه سماها العلماء بدعة في اللغة ، بدعة لغوية ، أما أن تضيف في العقيدة شيئاً ما ذكره العلماء السابقون ، أو أن تضيف في العبادة شيئاً ما سنّه النبي عليه الصلاة والسلام أنت مبتدع ، والمبتدع لا يقبل الله منه صلاةً ، ولا صياماً ، ولا حجاً ، المبتدع الذي أحدث في أمر هذه الأمة ما ليس فيها ، أي جعل الإسلام إسلاميين ، أو الإيمان إيمانيين ، ابتدع شيئاً جديداً ففرق الأمة . (الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) ( سورة الأنعام الآية : 159 ) . إذاً : (( فعليكم بسنّتي وسنّةِ الخلفَاءِ الراشِدينَ المهديِّينَ ، تمسكوا بها ، وعَضُّوا عليها بالنواجِذِ ، وإياكم ومُحدثاتِ الأمورِ ، فإنَّ كلَّ مُحدثَةٍ بدْعةٌ ، وكل بدْعَةٍ ضَلاَلَة )) . [ أبو داود عن العرباض بن سارية ] . من تمسك بكتاب الله فهو في رعايته و حمايته و توفيقه : حديث آخر : (( خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به ، فإنكم لن تضلوا ، ولن تهلكوا بعده أبداً )) . [ الطبراني في الكبير عن أبي شريح الخزاعي] . حبل طرفه بيد الله ، وطرفه الآخر بأيديكم ، فتمسكوا به ، فإن تمسكتم به فأنتم مع الله ، إن تمسكتم به فإنكم برعاية الله ، وحماية الله ، وتوفيق الله ، ونصر الله . (( إن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبداً )) . لذلك ورد في القرآن الكريم : (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ) ( سورة الأنفال الآية : 33 ) . النبي مات ، انتقل إلى الرفيق الأعلى ، العلماء قالوا : ما دمت يا محمد سنتك في بيوتهم ، في تجارتهم ، في كسبهم ، في لقاءاتهم ، في أفراحهم ، في أتراحهم ، لن يعذبوا . عقد قران مختلط هذا خلاف السنة ، أيعقل ! التصوير في الأعراس ، هذه معصية كبيرة جداً ، نساء المسلمين كاسيات عاريات ، في أبهى زينة ، تأخذ الشريط وترى هؤلاء جميعاً ، أنت في البيت ؟ هذه زوجة فلان ، وهذه كذا ، أي معصية أشد من هذه المعصية ؟ بيت مسلم تصوير ! لابد من التصوير ، وقد يكُنّ محجبات في الطريق ، وهذا التصوير ماذا نفعل به ؟ قال : للذكرى ، وأية ذكرى هذه ؟ هذا شريط يراه كل الناس ، يطبع منه مئات النسخ ، يمكن أن ترى نساء المسلمين بأبهى زينة وكأنهن كاسيات عاريات . فكل إنسان يقول : اللهم صلِّ على النبي ويزيده صلاة ، ويصلي عليه ، ويخالف سنته ، هذا كلام لا يقدم و لا يؤخر ، يجب أن تطبق منهج النبي في احتفالاتك ، بأفراحك ، بأحزانك ، بتجارتك ، ببيعك ، بشرائك ، آلاف الأساليب في البيع غير شرعية . (( إن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبداً )) . [ الطبراني في الكبير عن أبي شريح الخزاعي] . {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}( سورة الأنفال ) . أنت في بحبوحتين ، بحبوحة تطبيق السنة فأنت في أمان من عذاب الله ، وفي بحبوحة الاستغفار ، غلطت ، لا يوجد مانع ، المؤمن مذنب تواب ، سريع التوبة ، عندك حالتين إما أنك مع السنة ، أو تستغفر ، أما لست مع السنة ولا تستغفر ، لا تنتظر من الله إلا التأديب . مَنْ أكلَ طَيباً تمتع بأعلى درجة من الصحة و القوة و النشاط : أيضاً قال عليه الصلاة والسلام :
(( مَنْ أكلَ طَيبا )) . [الترمذي عن أبي سعيد الخدري] . النبي عليه الصلاة والسلام يلح على أكل الطيب ، أي عملت عملاً صحيحاً مخلصاً ، لا كذب فيه ، لا غش فيه ، لا تدليس فيه ، لا احتكار فيه ، لا احتيال فيه ، لا استغلال فيه ، عملت عملاً صحيحاً وفق السنة مئة بالمئة ، كسبت مالاً ، هذا المال اشتريت به طعاماً هذا الطعام طيب ، الطعام الذي تأكله ، والذي اشتريته بمال حلال نتيجة عمل صحيح ، هذا هو الطعام الطيب ، فقال : (( مَنْ أكلَ طَيبا ، وعَمِلَ في سُنَّة ، وأمِنَ الناسُ بوائِقَهُ ـ أي غوائله وشروره ـ دخل الجنة )) . [الترمذي عن أبي سعيد الخدري] . التقيت مع أشخاص كثيرين بالسادسة و التسعين ، و الثامنة و التسعين ، و المئة ، الذي لفت نظري أن هؤلاء عاشوا هذا العمر المديد ، وتمتعوا بهذه الصحة لأنهم لم يأكلوا حراماً ، الغريب هناك شخص توفي ـ رحمه الله ـ زرته وهو في السادسة و التسعين ، هو والد صديق ، قال لي : أنا أجريت تحليلات من يومين والحمد لله كل النسب طبيعية ، بالسادسة و التسعين وكله طبيعي ؟! لا يوجد معه أسيد أوريك ؟ ولا كلسترول ؟ ولا سكر ؟ قال لي : والله ما أكلت قرشاً حراماً في حياتي ، والله هذا الكلام سمعته من عشرات أشخاص، وهم في ريعان شباب الشيخوخة ، يمكن إنسان بالتسعين صحته كاملة ؟. سألت أحد أخواننا الأطباء ـ وهو طبيب أسنان ـ هل يوجد عندك مريض أسنانه سليمة مئة بالمئة ؟ قال لي : والدي ، والده من أخواننا يحضر معنا ، في الخامسة و الثمانين ، أقسم لي بالله أنه عمل بالصناعة أربعين سنة ، و لم يشرب كأساً من الشاي مسخن على سخان الكهرباء من المدرسة . تجد شخصاً يتمتع بأعلى صحة ، وبأعلى قوة ، ونشاط ، لأنه ما أكل حراماً ، هذه : (( مَنْ أكلَ طَيبا )) . الابتعاد عن الحرام و الشبهة : الحرام مهما كان كثيراً اركله بقدمك ، ودرهم حلال في بركة ، في خير ، أفضل لك ، يقول لك : الدخل لا يكفي ، هناك شيء لا تراه بعينك ، ما يسمى بالبركة ، الله جلّ جلاله يخلق من الشيء القليل الخير الكثير ، كيف ؟ لا أعرف ، لكن فيه بركة ، أكل ، شرب، نام ، استمتع بكل شيء ودخل كبير ، كيف ؟ على الحسابات لا تصح ، على الآلة الحاسبة صعب أن تصح ، لكن هناك بركة ، الله يبارك له في هذا الدخل الحلال ، فلا تبحث عن دخل كبير فيه شبهة ، ارضَ بالدخل الحلال الصافي . (( مَنْ أكلَ طَيبا ، وعَمِلَ في سُنَّة ، وأمِنَ الناسُ بوائِقَهُ ، دخل الجنة )) . أبسط مثل إنسان يضطر أن يضع على صحته مئات الألوف بل ملايين ، فإذا الله أعفاه من شؤون صحته ، أقل حركة بمئات الألوف ، يحتاج مرنان بثلاثة عشر ألفاً ، يحتاج طبقي شعاعي بخمسة آلاف ، أقل حركة بمئات الألوف . فلذلك : (( مَنْ أكلَ طَيبا ، وعَمِلَ في سُنَّة ، وأمِنَ الناسُ بوائِقَهُ ، دخل الجنة )) . [الترمذي عن أبي سعيد الخدري] . المؤمن الصادق لا يقبل شيئاً خلاف السنة ولا يرفض شيئاً وفق السنة : الحديث الأخير : رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب في حجة الوداع فقال : (( إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً كتاب الله وسنة نبيه )) . [الحاكم في المستدرك عن ابن عباس] . الحقيقة المؤمن الصادق لا يقبل شيئاً خلاف السنة ، ولا يرفض شيئاً وفق السنة ، فإن قبلت شيئاً خلاف السنة فهناك خلل في إيمانك ، وإن رفضت السنة ففي إيمانك خلل . (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ) (سورة آل عمران آية 31 ) ( سورة آل عمران الآية : 31 ) . الله في القرآن الكريم جعل علامة محبتك لله اتباع سنة نبيه ، ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ﴾ ، جعل علامة محبتك لله اتباع السنة .
|
||||||||||||||
|
|||||||||||||||
28-09-2010, 21:51 | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||||||||||||
|
رد: شرح الترغيب والترهيب للدكتور راتب النابلسي ...
أخطر ما في الدعوة إلى الله أن نحافظ على أصل الدين دون أن نزيد عليه أو نحذف منه : قالالنبي صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ أحْدَثَ في أمرنا هذا ما لَيْسَ منهُ فهو رَدٌّ )) . [أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود . عن عائشة أم المؤمنين ] . أي هذا الدين دين الله ، أخطر ما في الأمر أن يضاف عليه أو أن يحذف منه ، فإن أضيف عليه أو حذف منه سيشوه حقيقته ، وصرنا في آخر الزمان إلى فرق ، وطوائف ، وملل ، ونحل ، وتمزق الدين . {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} ( سورة الأنعام الآية : 159 ) . لذلك أن نحافظ على أصل الدين دون أن نزيد عليه ، ودون أن نحذف منه ، هذا أخطر ما في الدعوة إلى الله ، إذاً : (( مَنْ أحْدَثَ في أمرنا هذا ما لَيْسَ منهُ فهو رَدٌّ )) . يجب أن نرده ، والله سبحانه وتعالى لا يقبل لصاحب بدعة توبة . الابتداع لا يغفر لأن صاحبه لا يتوب و يرى أنه على حق وخلافه على باطل : ذكرت البارحة فكرة دقيقة جداً : أن الإنسان إذا كان مبتدعاً لا يتوب من ذنبه ، لأنه يتوهم أنه على حق ، يظن بدعته حقاً ، أما إذا كان عقيدته صحيحة ، وإداركه سليم ، ذنبه يغفر ، يعلم أنه ذنب فيتوب منه ، وضربت على ذلك مثلاً : الخطأ في الوزن ، والخطأ في الميزان ، الخطأ في الوزن لا يتكرر ، أما الخطأ في الميزان لا يصحح . فالخطورة أن يكون الخطأ في العقيدة ، الخطورة أن نعتقد شيئاً ليس من الدين ، أن نعتقد شيئاً زائداً على الدين ، أن نلغي من الدين شيئاً . فلذلك الفرق الضالة دينها رأيها ، ودينها هواها ، تبحث في النصوص ، فإن وافق هذا النص ما تهوى قبلته وروجته ، وإن خالف ما تهوى أهملته أو أنكرته ، إذاً هو صاحب دين جديد . كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ( سورة المؤمنون ) . سيدنا الصديق قال : "إنما أنا متبع ، ولست بمبتدع " . وقال بعض الحكماء : "ثلاث حكم تكتب على ظفر : اتبع لا تبتدع ، اتضع لا ترتفع ، الورع لا يتسع ". (( مَنْ أحْدَثَ في أمرنا هذا ما لَيْسَ منهُ فهو رَدٌّ )) . لا ينبغي أن نبجل مبتدعاً ، لا ينبغي أن نوقر مبتدعاً ، لا ينبغي أن نرحب بمبتدع، إنسان يدخل على الدين ما ليس منه ، أو يلغي منه ما هو فيه ، يجب ألا نتساهل في هذا الأمر ، الخطأ يغفر ، الذلة تغفر ، أما الابتداع لا يغفر ، لأن صاحبه لا يتوب ، يرى أنه على حق ، وخلافه على باطل . أخطر عمل على الإطلاق إضافة أو حذف شيء من كتاب الله : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ستة لعنهم الله ، وكل نبي مجاب الزائد في كتاب الله ، والمكذب بقدر الله ، والمتسلط بالجبروت ليذل بذلك من أعز الله ويعز به من أذل الله ، والمستحل لحرم الله والمستحل من عترتي ما حرم الله ، والتارك لسنتي )) . [ ابن ماجه عن عائشة] . هؤلاء الستة لعنهم الله ، وتلعنهم الملائكة ، ويلعنهم الناس أجمعين ، من أضاف على كتاب الله ما ليس منه ، إما أن يأتي بمعنى ما ورد ، أو أن يضيف ما يتوهم أنها آية وليست من كتاب الله ، والله سبحانه وتعالى تولى حفظ كتابه . لذلك لا يعني هذا أنه لم تجرِ محاولة ، جرت محاولات كثيرة ولكنها لم تنجح ، طبعت مئات آلاف النسخ بزيادة حرف ، أو حذف حرف ، من هذا التعديل : {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } ( سورة آل عمران الآية : 84 ) . طبع بالعهد العثماني خمسين ألف نسخة من كتاب الله حذفت غير ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ﴾ . فأي إضافة ، أو أي حذف على كتاب الله هذا عمل من أخطر الأعمال . مما يتبع هذا العمل أن تأتي بمخالفة للغة ، كما نسمع من قراءات معاصرة أن تأتي بمعنى ما أراده الله عز وجل ، ولا أراده حفاظ كتاب الله ، ولا ورد في اللغة ، إما أن تدعي أنها آية محذوفة ترجعها إلى مكانها ، أو أن تدعي أن هناك معان ليست موافقة لما هم عليه علماء المسلمين منذ أن ظهروا ، منذ أن جاءت هذه الدعوة وإلى الآن . لا يقع في ملك الله إلا ما أراده الله : (( الزائد في كتاب الله والمكذب بقدر الله )) . [ ابن ماجه عن عائشة] . أي إن لم تؤمن بالقدر خيره وشره من الله تعالى أنت تكذب بالقدر ، إن جعلت مع الله آلهة أخرى ، إن جعلت الإنسان يفعل أفعاله ، يخلق أفعاله ، أنت كذبت بقدر الله تعالى ، إن أعطيت الإنسان أن يفعل شيئاً بإرادة مستقلة عن إرادة الله ، أنت كذبت بالقدر ، لأن الله عز وجل : (( ما شاءَ اللهُ كانَ ، وما لم يشأْ لم يكن )) . [ أخرجه أبو داود عن بعض بنات النبي صلى الله عليه وسلم ] . لا يقع في ملك الله إلا ما أراده الله . (( والمتسلط بالجبروت ليذل بذلك من أعز الله ويعز به من أذل الله )) . [ ابن ماجه عن عائشة] . من إجلال الله عز وجل إجلال ذي الشيبة المسلم : كما قال عليه الصلاة والسلام : (( إِنَّ من إِجلالِ اللهِ عز وجل : إِكرامَ ذي الشَّيْبَة المسلم )) . [أخرجه أبو داود عن أبي موسى الشعري ] . إنسان متقدم في السن مسلم ، إن من إجلال الله عز وجل إجلال ذي الشيبة المسلم، فإذا أذلّ الإنسان مسلماً ، إنسان له مكانته ، من أهل العلم ، أو إنسان متقدم في السن نشأ في طاعة الله ، وأمضى حياته في طاعة الله ، إذلال هذا الإنسان يهتز له عرش الرحمن ، بل إنه من إكرام الله عز وجل أن تكرم ذا الشيبة المسلم ، لذلك : (( ما أكرم شاب شيخا لِسنِّه إِلا قيَّضَ اللهُ لهُ مَن يُكرمهُ عندَ سِنِّه)) . [أخرجه الترمذي عن أنس بن مالك ] . (( والمكذب بقدر الله والمتسلط بالجبروت ليذل بذلك من أعز الله ويعز به من أذل الله )) . [ ابن ماجه عن عائشة] . بالتاريخ القريب المعاصر في الصومال أحد طغاتها ، جمع العلماء في ساحة المدينة وأحرقهم بالبنزين ، وقال : سأصحح القرآن بالقلم الأحمر ، وقُتل هذا بالصومال . إكرام أهل بيت النبي من إكرام النبي : إذاً : (( والمتسلط بالجبروت ليذل بذلك من أعز الله ويعز به من أذل الله والمستحل لحرم الله عز وجل )) . [ ابن ماجه عن عائشة] . هناك حدود يستحلها ، لا يعبأ بها ، يجترئ على الله عز وجل . (( والمستحل من عترتي )) . كلمة عترتي ترد كثيراً في النصوص الصحيحة ، شرحت على الشكل التالي : عترة الرجل أخص أقاربه ، وعترة النبي صلى الله عليه وسلم بنو عبد المطلب ، وقيل : هم أهل بيته المقربون ، وهم أولاده وأولاد علي و أولاد أولاده ، وقيل : هم الأقربون والأبعدون من رسول الله . ولبعض العلماء رأي آخر جليل ، يقول : "عترتي هم أهل بيتي ، ومن اتبع سنتي وعمل شريعتي إلى يوم القيامة" ، وهذا من أدق التعاريف ، عترة النبي هم أهل بيته ، ومن اتبع سنته ، ومن عمل بشريعته إلى يوم القيامة . أنا أذكر قبل عشرين أو ثلاثين عاماً كان هناك ما يسمى بنقيب الأشراف ، عندنا مفتي ، وعندنا قاضي القضاة ، وعندنا نقيب الأشراف ، وهذا الذي ينتهي نسبه إلى النبي عليه الصلاة والسلام له مكانه خاصة ، ومعاملة خاصة . إذاً إكرام أهل بيت النبي من إكرام النبي . من أحبّ الله اتبع سنة نبيه : (( والتارك لسنتي )) . النبي له فعل ، والشيء الدقيق جداً أن الله ربط محبته باتباع سنة نبيه ، هناك علاقة ترضية : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ... ( سورة آل عمران الآية : 31 ) . فالذي لا يتبع النبي بالتأكيد لا يحب الله ، فمن أحب الله اتبع سنة نبيه . (( والتارك لسنتي )) . [ ابن ماجه عن عائشة] . وقد قال الله عز وجل : (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) ( سورة الأنفال الآية : 33 ) . لو كانت سنتك مطبقة في حياتهم ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ ﴾ ، ولو أن النبي انتقل إلى الرفيق الأعلى ، الآن إذا كانت السنة مطبقة في بيتنا ، بأعمالنا ، باحتفالاتنا ، بأفراحنا ، بأتراحنا ، أما إذا كان هناك عرس و فيه تصوير فيديو ، والنساء كاسيات عاريات، وهذا الشريط متداول ، أي سنّة هذه ؟ هذه مخالفة كبيرة ، إذا كان الصرعات الحديثة في الأزياء يطبقها المسلمون ، أو المسلمات ، ويبرزن مفاتهن في الطرقات ، أي سنّة هذه ؟ هذا الإنسان إذا صلى وخالف السنة نقول له : اتبع سنة رسول الله من أجل أن تتصل بالله ، أما هذه الصلاة لا تجدي . (( والتارك لسنتي )) . فالإنسان ينتبه هل يحيي سنة النبي في بيته ، في عمله ، في زواجه ، في احتفالاته ؟ أم يأتي ببدع ما أنزل الله بها من سلطان ؟ يعمل عيد ميلاد للأولاد ، اعمل عيد مولد هذا أقوى ، واجمع أصدقاء ابنك ، أو صديقات ابنتك ، واعمل احتفالاً واقرأ المولد ، ووزع الحلوى ، وأطعمهم الطعام ، عرف هؤلاء برسول الله ، لعل المسلمين يهتمون بعيد الميلاد وهذا انحراف خطير . سكوت المسلمين نوع من الإجماع السلبي لأن الأمة لا تجتمع على خطأ : وعن كثير بن عبد الله بن عمر بن عوف عن أبيه عن جده قال : (( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إني أخاف على أمتي من ثلاث : من زلة عالم ، ومن هوى متبع ، ومن حكم جائر )) . [ مسند البزار عن كثير بن عبد الله بن عمر بن عوف عن أبيه عن جده ]. طبعاً قالوا : لكل جواد كبوة ، ولكل عالم هفوة ، ولكل حسام نبوة ، وقد قيل : إن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم بمفرده ، بينما أمته معصومة بمجموعها ، معنى ذلك أن الإنسان إذا تكلم الحق سكت الناس ، أما إذا تكلم غير الحق لا ينبغي أن يسكت أحد ، فإن تكلموا ، وانتقدوا ، وبينوا فالأمة بخير ، الآن عندنا ما يسمى بالإجماع السكوتي ، إنسان ألف كتاباً ، لم يتكلم أي إنسان كلمة معناها صحيح ، إنسان ألقى خطبة ، عمل مقالة بمجلة ، قُرئت المقالة لم يتكلم أحد ، و لم يعلق أي إنسان أي تعليق ، معنى هذا أن هذا الشيء صحيح ، هذا من نعمة الله . (( لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ )) . [أخرجه ابن ماجه عن أنس بن مالك ] . هكذا قال عليه الصلاة والسلام : (( لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ )) . إنسان أتحفنا بشيء جديد ، قراءات معاصرة ، سمح للبنت أن يراها أبوها كما خلقها الله ، سمح لها أن تسبح في البحر بثياب السباحة الفاضحة ، وهذا من الدين مثلاً ، لم يسكت أحد ، الكل تكلموا ، ونددوا ، وبينوا ، إذاً لم يعد هناك إجماع سكوتي ، سكوت المسلمين نوع من الإجماع السلبي ، لأن الأمة لا تجتمع على خطأ ، فلذلك : (( إني أخاف على أمتي من ثلاث : من زلة عالم )) . [ مسند البزار عن كثير بن عبد الله بن عمر بن عوف عن أبيه عن جده ]. نحن عندنا قاعدة ذهبية ، نحن لا نعرف الحق بالرجال نعرفهم بالحق ، الحق هو الأصل ، فإذا تكلمت الحق فعلى العين والرأس ، و إن تكلمت خلاف كتاب الله صححنا لك . إنسان ابتدع أن هناك إعجازاً رياضياً بالقرآن ، مقبول ، لا يوجد مشكلة ، لكن هداه فكره إلى أنه قد حدد يوم القيامة فخالف آية كريمة . (وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ...) ( سورة الزخرف الآية : 85 ) . أحياناً الإنسان يغلط غلطة كبيرة ، فإذا سكت الناس كانت الأمة ليست على خير أما إذا تكلموا ولم يقبلوا هذا الكلام فنحن في صحة جيدة . (( إني أخاف على أمتي من ثلاث : من زلة عالم ، ومن هوى متبع )) . [ مسند البزار عن كثير بن عبد الله بن عمر بن عوف عن أبيه عن جده ]. هناك صرعات بالعصر ، نقتبسها ، ونعتني بها ، ونأتي بها إلى بيوتنا ، ونسهر حتى الساعة الخامسة بعد صلاة الفجر ، وقد ننسى أن نصلي الفجر ، ونتبع هذه الصرعات ، وهذه المحطات ، التي تبث عبر الفضاء ويقول : نحن نستخدم الحضارة الحديثة ، هذا كلام فارغ . (( ومن هوى متبع ، ومن حكم جائر )) . من جاء بفكر مناهض للفكر الإسلامي فلن تقبل صلاته و لا صيامه و لا حجه و لا زكاته : حديث آخر : (( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لِصَاحِبِ بِدْعَةٍ صَوْماً ، وَلَا صَلَاةً ، وَلَا صَدَقَةً ، وَلَا حَجّاً ، وَلَا عُمْرَةً ، وَلَا جِهَاداً ، وَلَا صَرْفاً ، وَلَا عَدْلاً ، يَخْرُجُ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا تَخْرُجُ الشَّعَرَةُ مِنْ الْعَجِينِ )) . [ ابن ماجه عن حذيفة] . لو صلى ، ولو صام ، إذا جاء بفكر مناهض للفكر الإسلامي ، إذا جاء بعقيدة زائغة ، إذا جاء بتصور ، أحياناً تسمع كل يوم شيئاً جديداً خلاف القرآن ، خلاف السنة ، هؤلاء البنات لسن بنات النبي ، لما قال : (يَأَيهَا النَّبىُّ قُل لأَزْوَجِك وَ بَنَاتِك وَ نِساءِ الْمُؤْمِنِينَ ) ( سورة الأحزاب الآية : 59 ) . هذه الآية غلط ؟ أما قال : ﴿ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ ﴾ ، بنات النبي متبنيات كلهن يخرج معنا كل يوم شيء جديد ، لم يرد في القرآن ، لم يرد في السنة ، من أفكار أناس ضعيفي التفكير . (( لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لِصَاحِبِ بِدْعَةٍ صَوْماً ، وَلَا صَلَاةً ، وَلَا صَدَقَةً ، وَلَا حَجّاً ، وَلَا عُمْرَةً ، وَلَا جِهَاداً ، وَلَا صَرْفاً ، وَلَا عَدْلاً ، يَخْرُجُ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا تَخْرُجُ الشَّعَرَةُ مِنْ الْعَجِينِ )) . [ ابن ماجه عن حذيفة] . الحرص على سنة النبي الكريم و التمسك بها و رفض كل بدعة أو ضلالة : الحديث الأخير : ((رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لبلال بن الحارث يوماً : اعلم يا بلال، قال : ما أعلم يا رسولَ الله ؟ قال : اعلم أنَّ من أحيا سُنَّة من سُنَّتي أمِيتَتْ بعدي ، كان له من الأجرِ مِثْلُ مَنْ عمل بها مِنْ غير أن يَنْقُص ذلك من أجورهم شيئاً ، ومن ابتدَع بِدْعَة ضلالَة لا يرضاها الله ورسولُه كان عليه مِثْلُ آثام مَنْ عمل بها ، لا ينقصُ ذلك من أوزارِ الناس شيئاً )) . [ أخرجه ابن ماجه والترمذي عن عمرو بن عوف ] . يتضح من هذه الأحاديث أننا يجب أن نحرص على سنة النبي ، وأن نتمسك بها ، وأن نتبعها ، وأن نرفض كل بدعة ، وكل ضلالة ، وفي نهاية المطاف الحديث الشريف : (( كل محدثَة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار)) . [ أخرجه مسلم والنسائي عن جابر بن عبد الله] .
طبعاً البدعة هنا المقصود بها في الدين ، في عقيدة المسلمين ، أو في عباداتهم ، أما أن تأتي بجديد في شأن الدنيا لا يوجد مانع ، كبرنا الصوت لا يوجد مانع ، دفأنا المسجد ، كيفنا المسجد ، استعملنا الماء السخان في أيام البرد الشديدة ، الماء البارد في أيام الحر الشديدة، هذا ليس بدعاً في الدين ، هذا من أمور الدنيا ، مطلوب في الدنيا أن نحسن دنيانا ، أن نطورها ، أن نعتني بمساجدنا ، ليس هذا هو المقصود ، المقصود أن تأتي في العقيدة ، أو في العبادة بشيء لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . |
||||||||||||||
|
|||||||||||||||
28-09-2010, 21:52 | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||||||||||||
|
رد: شرح الترغيب والترهيب للدكتور راتب النابلسي ...
لا يوجد شيء أحبّ إلى عز وجل من التعاون و التكاتف : جاء في كتاب الترغيب والترهيب في فصل الترغيب في المسارعة إلى الخير ، والبداءة به ليستن به ، والترهيب من عكسه . فقد أخبرنا المنذر بن جرير عن أبيه فقال : (( كُنَّا في صَدْرِ النهارِ عِنْدَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، فجاءه قَوم عُرَاة مُجتابي النِّمار ، أو العَباءِ ، مُتَقَلِّدي السيوفِ ، عامَّتُهم من مُضَرَ ، بل كلُّهم مِنْ مُضَرَ - فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم : لما رأى بهم من الفَاقة )) . [ مسلم عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ ] . ثيابهم أثمال ، جلدهم مفتقر إلى الطعام والشراب ، في العين المجردة رأى النبي بأسهم ، رأى النبي فاقتهم وفقرهم . (( فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ـ تغير لونه ـ لما رأى بهم من الفَاقة فدخل ثم خَرَجَ ، فأمر بلالاً ، فأذَّن وأقام فصلَّى ، ثم خَطَبَ ، فقال : )) . يتضح قبل أن نتابع الحديث أنه كاد الفقر أن يكون كفراً ، وأنه ما ذهب الفقر إلى بلد إلا قال الكفر خذني معك ، وأن الله سبحانه وتعالى ما أرادنا أن نكون هكذا ، لذلك العلماء فرقوا بين فقر الكسل ، وفقر القدر ، فقر القدر محترم ، وننهض جميعاً لمساعدته ، لكن فقر الكسل ليس محترماً ، هو كسل ، وتسيب ، وتسويف ، فقال : (( فقال : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ، اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ، تصدَّق رَجُل مِن دِينارِهِ ، من دِرْهَمِهِ من ثوبِهِ ، من صاع بُرِّه ، من صاع تَمرِهِ ، حتى قال : ولو بشِقِّ تمرة )) . أي لا يوجد شيء أحب إلى عز وجل من التعاون ، لا يوجد شيء أحب إلى الله من أن يكون المؤمنون أسرة واحدة ، ينهض قويهم بضعيفهم ، غنيهم بفقيرهم ، الذي كفاه الله عز وجل لمن هو محتاج إلى أخيه . (( ولو بشِقِّ تمرة قال : فجاء رَجُل من الأَنصار بصُرَّة ، كادت كَفُّه تعجِزُ عنها بل قد عَجَزَتْ ، قال : ثم تتابع الناسُ ، حتى رأيتُ كَوْمَيْنِ من طعام وثياب ، حتى رأَيتُ وجهَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم تَهَلَّلَ كأنه مُدْهَنَة ـ أي مذهب ـ )) . أول الأمر تمعر وجهه ، ثم أصبح وجهه مذهبة ، بلون الذهب من شدة فرحه . الدين لا يحتمل أن نضيف عليه شيئاً لأن الله أكمل هذا الدين وأتم نعمته على عباده : الحقيقة الحديث تتمته ، فقال : (( فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : مَن سَنَّ في الإِسلام سُنَّة حَسَنَة فله أجرُها وأجرُ من عمل بها من بعده ، من غير أن يَنْقُصَ من أجورهم شيء ، ومن سَنَّ في الإِسلام سُنَّة سيِّئة كان عليه وِزْرُها وَوِزْرُ مَنْ عمل بها من بعده ، من غير أن ينقُصَ من أوزارهم شيء )) . [ مسلم عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ ] . الآن هناك مشكلة ، يقول عليه الصلاة والسلام : (( كل محدثَة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار )) . [ أخرجه مسلم والنسائي عن جابر بن عبد الله] . هذا البارحة مرّ بنا ، اليوم هناك شيء جديد : (( ومن سَنَّ في الإِسلام سُنَّة حسنة فله أجرها ، وأجر من عمل بها من بعده إلى يوم القيامة )) . كيف نوفق بين الحديثين ؟ العلماء قالوا : هناك بدعة في الدين ، وهناك بدعة في اللغة ، كل شيء جديد بدعة ، الدين لا يحتمل أن تضيف عليه شيئاً ، لأن الله أكمل هذا الدين وأتم نعمته على عباده ، أكمله عدداً ونوعاً ، أي عدد القضايا التي عالجها الدين تام عدداً ، لا يحتمل الإضافة ، ولا يحتمل الحذف ، وطريق المعالجة كاملة ، فكيف نقبل سنة جديدة ؟ العلماء قالوا : هذه السنة في اللغة شيء لم يكن من قبل . ذكرت البارحة : إنسان دفأ مسجداً ، أنار مسجداً ، كبر الصوت ، وضع سجاداً موحداً ، عمل ماء ساخناً ، عمل ماء حاراً ، عمل ماء بارداً في الصيف ، طبع كتاباً ، عمل مصحفاً مرتلاً ، أي شيء جديد يتعلق بالعقيدة والعبادة هذا نضعه تحت مظلة البحث ، أي شيء جديد ، فإما أن يوافق حكماً شرعياً ، فهو على العين والرأس ، وإما أن خالف حكماً شرعياً فهو مرفوض ، وإما أن يكون هذا الشيء حيادياً ، حكمه موقوف على طريقة استعماله، التصوير بالأعراس يخالف حكماً شرعياً هذا لم يكن من قبل ، هذا مرفوض ، محرم تحريماً كلياً ، تكبير صوت بالمسجد ، المسجد فيه أبهاء كثيرة ، نقلنا الصوت لكل الأبهاء ، اتسع إلى خمسة أضعاف حجم الحرم بنقل الصوت ، هذا شيء يتوافق مع نشر الحق ، آلة تسجيل هذه موقوفة ، إن استخدمت في سماع القرآن ودروس العلم حلال ، أما إذا استخدمت في سماع الأغاني الساقطة وغير الساقطة فحرام . صار كل شيء جديد اسمه بدعة في اللغة لا في الدين ، هذا تنطبق عليه الأحكام الشرعية الثلاثة ، إما الإباحة ، وإما التحريم ، وإما أن يكون واجباً أن نفعله . من سَنَّ في الإِسلام سُنَّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده إلى يوم القيامة : (( ومن سَنَّ في الإِسلام سُنَّة حسنة )) . لا بالعقيدة ولا بالعبادات ، أنا سمعت بإفريقيا إذا توفي الإنسان فكل إنسان يعزي يدفع مبلغاً من المال لهذه الأسرة ، توفى الرجل ترك أولاداً أيتاماً ، أثناء التعزية تجمع مئة ألف ، ثلاثمئة ألف ، نصف مليون ، هذا المبلغ يكون أساس استمرار الأسرة ، بمحل تجاري، بعمل ، بمشروع ، بتأمين زواج ، العرف هناك لو أن المتوفى غني أو مكتف هذا المبلغ يوزعه على روح المتوفي ، يأخذه إن كان بحاجة إليه ، يوزعه إن لم يكن بحاجة إليه ، فصارت مناسبة الوفاة مناسبة مساعدة ، الجميع ينهضون بهذا الذي ترك هذه الأسرة ، هذا شيء لم يكن من قبل ، سنة حسنة ، في التعاون . عملنا جمعية تأسيس بيوت للفقراء ، عملنا جمعية تزويج للشباب ، عملنا جمعية خيرية ، عملنا ميتماً ، دار أيتام ، يمكن أن يتفتق ذهننا عن آلاف المشاريع التي هي لصالح المسلمين ، يمكن أن نعمل جمعية تعاونية ، يمكن أن نعمل جمعية تضامن ، يمكن أن ننشئ بكل حي مستوصفاً ، يمكن أن نوزع مواد تموينية ، يتفتق ذهن الإنسان عن آلاف الأعمال الصالحة ، هذا من السنة الحسنة ، أما أن يتفتق ذهنك عن أن تضيف شيئاً في العقيدة ، أن تدعي أن أب النبي نبي ، وأن أمه نبية ، ولا نبية في الإسلام ، هناك أشياء تضاف على الإسلام ليست من الدين ، هناك أشياء تضاف على العقيدة ليست من العقيدة . التفريق بين البدعة في الدين و البدعة في اللغة : إذاً : فرقوا بين البدعة في الدين ، والبدعة في اللغة ، البدعة في اللغة نفحصها إن وافقت نصاً شرعياً نقبلها ، إن خالفت نصاً شرعياً نرفضها ، إن لم يكن هناك نص يؤيدها ولا نص يحرمها نقول : الأصل في الأشياء الإباحة ، البدعة في اللغة الشيء الجديد ، الذي لم يكن من قبل . أنا زرت بلبنان مسجداً ، مساحته صغيرة جداً تقريباً ربع هذا المكان ، بحي كثيف جداً ، المسجد أربعة طوابق ، بكل طابق وضعوا أجهزة تنقل الصورة ، في أي مكان أنت في المسجد ترى الخطيب يخطب ، والأجهزة كبيرة جداً تنقل الصورة ، شيء جميل أن نستخدم التكنولوجيا ، في التحايل على مساحة صغيرة ، عملنا لها طوابق ، هذا لم يكن من قبل على عهد النبي ، لم يكن هناك مسجد أربعة طوابق ، والذي يجلس في الطابق الأسفل يرى الخطيب كما هو بأجهزة كبيرة جداً ، واضحة جداً ، لا يوجد مانع إن استخدمنا التكنولوجيا في مساجدنا ، في بيوتنا ، طبعاً من دون أن يكون هناك شيء آخر يناقض هذا الشيء . إذاً البدعة في اللغة موقوفة على الأحكام الشرعية ، إما أن توافق حكماً شرعياً مبيحاً ، وإما أن تخالف حكماً شرعياً محرماً ، وإما أن يكون حكمها حكم موقوف على نوع استخدمها ، يمكن أن نستخدم شيئاً استخداماً شرعياً ، أما في الدين ، في العقيدة : (( كل محدثة بدعة )) . لأنك عندما تضيف تتهم الأصل بالنقص ، كأنك استدركت على الله ، أي أن الله نسي هذه القضية فأنت أضفتها ، أنت حينما تضيف في عقيدة الإسلام ، وفي عباداته كأنك استدركت على الله ، وكأنك اتهمت الدين بالنقص . اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً) ( سورة المائدة الآية : 3 ) . المشقة في الإسلام ليست مطلوبة لذاتها : إذاً نوفق بين الحديثين : (( كل محدثَة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار )) . هذا في العقائد والعبادات ، أما في أمور الدنيا ، الآن هناك أجهزة حديثة ، أنا لا أحرم ولا أحلل ، هناك جهاز يمكن أن يسخن الطعام بثوان معدودة ، لعل فيه خطراً لأنه قائم على الإشعاعات ، لو فرضنا ثبت أنه ليس خطراً ، إنسان مستعجل سخن الطعام بثانية ، والصحن بارد بعده ، فإن كان هناك شيء يقدم خدمة ، ويريح الناس لا يوجد مانع ، نحن لسنا ضد الجديد ، لكن ضد البدعة في الدين ، النبي قال : (( أصلحوا دنياكم و اعملوا لآخرتكم)) . [ السيوطي عن أنس] . يمكن أن تحل مشكلات كثيرة ، يقول لك : تدفئة مركزية ، تسخين ماء على الأشعة الشمسية ، كل شيء جديد يتوافق مع الجو العام للإسلام لا يوجد مانع ، الإنسان ينتقل من مكان لمكان بدابة ، ينتقل بسيارة ، ينتقل بطائرة ، ينتقل بباخرة ، ينتقل بقطار سريع ، هذا شيء ليس له علاقة ، تطوير الحياة الدنيا بالإسلام معه وليس ضده ، من دون أن نخرج عن منهج الله عز وجل ، هناك أشياء كثيرة بالبيت مريحة تحل مشكلة . ذكرت البارحة نقطة دقيقة ، المشقة في الإسلام ليست مطلوبة لذاتها ، قاعدة . النبي رأى رجلاً يقف في الشمس ، فعجب من أمره ، قال : ما شأن هذا ؟ قال نذر أن يقف في الشمس ، شمس الحجاز وليست شمس دمشق ، شمس الحجاز درجة الحرارة تقدر بست و خمسين درجة تحت الشمس ، و أحياناً تقدر بستين درجة ، شيء لا يحتمل ، دقائق يصاب الإنسان بضربة شمس فيموت ، فقال عليه الصلاة والسلام : ((إِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عن تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ مُرْهُ فَلْيَرْكَبْ)) . [ النسائي عن أنس] . المشقة لا تطلب لذاتها إنما تطلب لطاعة الله و لطلب الجنة : المشقة في الإسلام ليست مطلوبة لذاتها ، الآن يمكن أن تحج بالطائرة بساعتين إلى جدة ، والمشي أربعة أشهر ، هل تصدقون الآن أن الله لا يقبل من الحاج أن يأتيه ماشياً لأن هناك طائرة وهو ميسور الحال ، هناك سيارة ، هناك قطار مثلاً ، هناك باخرة ، أما يوم كان الحج مشياً فقط ، هذه مشقة ، طريق إجباري وحيد عندئذٍ هي مقبولة ، حينما تكون المشقة طريقاً واحداً إلى طاعة الله نرحب بها . مثلاً ، ليس هناك أغلى من الوطن ، والدليل : ( سورة النساء الآية : 66 ) . ومع ذلك لو أنك في مكان مجبر على معصية ، مجبر ألا تقيم شعائر الله ، الإسلام يقتضي أن تضحي بمسقط رأسك ، وأن تذهب إلى مكان تعبد الله فيه . (يا عباديَ الذين آمنوا إنّ أرضي واسعة فإيّاي فاعبدون) ( سورة العنكبوت ) . هناك مشقة ، طبعاً إنسان اقتلع من جذوره ، ترك بيته ، ترك تجارته ، ترك مكانته ، صار بمكان آخر إنساناً غريباً ، مشقة كبيرة جداً ، لكن لأن هذه المشقة طريق إجباري إلى طاعة الله نرحب بها ، المشقة لا تطلب لذاتها ، تطلب لطاعة الله ، تطلب للجنة ، أما أن نطلبها لذاتها غير مقبول إطلاقاً . (( من سنّ في الإسلام سنة حسنة )) . شيء ريح الناس ، الآن هناك أشياء كثيرة تريح الناس ، لم يكن على عهد النبي كهرباء ، إذاً أطفئوا النور و أحضروا الشمع ، هذا الكلام غير معقول إطلاقاً ، بكبسة زر تجد أن كل الجامع قد أضاء ، يجب أن نعود إلى السراج ، وإلى الشمع ؟ مستحيل هذا الكلام ، على عهد النبي لم يكن هناك سيارة فلن نركب السيارة ، هذه ليس لها علاقة بالدين ، بالعكس هذه تصلح لنا دنيانا ، تجد شخصاً من أطراف الدنيا ، هناك أخوان يأتون من مكان بعيد ليصلوا الفجر ، لا يستطيع أن يأتي مشياً في الصباح ، فجاء بهذه السيارة ، إذاً : (( ومن سَنَّ في الإِسلام سُنَّة سنة حسنة فله أجرها ، وأجر من عمل بها من بعده إلى يوم القيامة )) . الدال على الخير كفاعله : أما الشيء اللطيف : (( مَن سَنَّ في الإِسلام سُنَّة حَسَنَة فله أجرُها وأجرُ من عمل بها من بعده ، من غير أن يَنْقُصَ من أجورهم شيء )) . [ مسلم عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ ] . من دون أن نكون مبالغين ، لو فرضنا أن إنساناً قال : أين أستثمر مالي ؟ قيل له : هذه الجهة تعطيك أرباحاً طائلة ، وضع هذا المال في هذه الجهة ، هذه الجهة التي تعطي أرباحاً طائلة أعطت مثل هذا الربح لمن دله على هذه المؤسسة ، معقول ؟ تعطيك مليون ومليون لمن دلها عليك ، فكل إنسان يدل على الخير له أجر مثل فاعل الخير ، والدال على الخير كفاعله . فأنت إذا اعتنيت بإنسان حتى اهتدى إلى الله أعماله كلها ، صدقاته كلها ، صلواته كلها ، زكاته كلها ، أعماله الصالحة ، بيته ، أسرته عاش عشرين أو ثلاثين سنة هدى مئة إنسان ، وكل إنسان هدى عشرين ، ليوم القيامة وجد وراءه خمسمئة ألف ، كلهم في صحيفتك ومن دون أن ينقص من أجره شيء ، هذا عطاء كبير . أيها الأخوة ، صدقوني ، أي شركة ضخمة في العالم ، إذا إنسان امتلكها يكون أكبر غني في العالم ؟ أنا مرة قرأت خبراً صغيراً ، شركة سيارات بألمانيا عندها فائض نقدي لا تجد أين تستثمر ألف مليون دولار ، شركة سيارات ، هذه الشركات الضخمة . النبي عليه الصلاة والسلام يقول : يا علي : (( فَوَ اللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ )) . [ متفق عليه عن سهل بن سعد] . و : (( يَا عَلِيٌّ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِك رَجُلًا خَيْرٌ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ )) . [ أخرجه الطبراني عن أبي رافع ] . و : ((لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من الدنيا وما فيها)) . [ متفق عليه عن سهل بن سعد] . أن تعتني بإخوانك ، تتفقدهم ، أحياناً إنسان يغيب شهراً لا أحد يسأل عنه ، معنى هذا أنه ليس له قيمة ، أنت تفضلت وخبرته ، اتصلت به هاتفياً ، زرته ، أين أنت يا فلان ؟ والله اشتقنا لك ، الأخوان سألوا عنك ، تنعشه ، معنى هذا أنا غال على أخواني ، و عندما غبت عنهم افتقدوني ، هذا عمل عظيم ، تفقدت أخوانك ، سألت عنهم ، مرض عدته ، افتقر أعنته ، بحاجة إلى شيء عاونته ، اعتنيت به ، فوجد عطفاً ، و اهتماماً ، و متابعة ، و إحساناً، فقال لك : أنا أريد أن آتي معك ، فالتزم ، واستقام ، وتاب ، كل هذا بصحيفتك ، أحياناً إنسان يضطر أن يتابع إنساناً ، يزوره ، يعتني به ، يعطيه شريطاً ، يجلس معه ، يخدمه أياماً بأمور الدنيا ، إلى أن يميل قلب هذا الإنسان إليه ، فينضم إلى جامعه ، ويستقيم ، ويتصل بالله ، هذا أحسن من أن تملك أضخم شركة بالعالم ، فائضها النقدي ألف مليون دولار، لأن هذا المال يترك عند الموت ، أما هذا العمل معك إلى الجنة . من دعا إلى ضَلالَة كان عليه من الإثمِ مِثْلُ آثام من تَبِعَهُ : الحديث الأخير : (( مَنْ دعا إلى هُدى كان له من الأجرِ مِثْلُ أجور مَنْ تَبِعَهُ ، لا ينقصُ ذلك من أجورهم شيئاً ، ومن دعا إلى ضَلالَة كان عليه من الإثمِ مِثْلُ آثام من تَبِعَهُ ، لا يَنْقُص ذلك من أوزارهم شيئاً )) . [ رواه مسلم عن أبي هريرة] . شبهة روجتها ، جهاز عممته ، فيه فسق ، فيه فجور ، فيه سهر للساعة الخامسة صباحاً ، فيه مناظر إباحية ، الابن رآه بالليل خلسة ، بغياب الأب ، الأب اضطر أن يسافر الابن علق فيه ، ترك صلاته ، وترك دينه ، وترك حفظه لكتاب الله ، ولحق الأمور الجنسية من وراء هذا الجهاز ، هذه عمل خطير جداً . (( ومن دعا إلى ضَلالَة كان عليه من الإثمِ مِثْلُ آثام من تَبِعَهُ ، لا يَنْقُص ذلك من أوزارهم شيئاً )) . هناك ضلالات فكرية ، كتاب ، أنا أحياناً أعجب كيف أن هناك مكتبة تبيع كتاباً كله ضلالات ، أخي هذا عملنا ، صاحب المكتبة المؤمن لا يبيع إلا كتاب حق ، و إلا فهو آثم، يروج كتاباً فيه ضلالات ، أحياناً دور نشر تطبع كتاباً كله ضلالات ، تريد أن تربح ، يقول لك : أريد أن أعيش ، هذا غلط كبير . (( ومن دعا إلى ضَلالَة )) . ولو طفيفة ، إياك أن تكون سبباً في معصية ، أحتاج أستاذاً لابنتي ، على عيني عندي أستاذ جيد جداً ، اخترت له أستاذاً جلس مع ابنته على انفراد ، هذه خلوة ، أستاذ رياضيات جلس مع طالبة بكلوريا بغرفة لوحدهم ، هذه خلوة ، إن صار شيئاً أنت مسؤول ، وأغلب الظن يصير ألف شيء ، ما دام جمعت بين شاب وشابة في خلوة فأنت مسؤول ، والله أنا نصحتهم بأستاذ ممتاز بالرياضيات ، لا يوجد أرقى من هذا ، لكن صار هناك خلوة بالنصف . إذا كان في معصية ، في شبهة ، أحياناً يدلك على تجارة لكن البضاعة محرمة لها إشكالات كثيرة جداً ، يقول لك : هذا عملنا. الدعوة إلى الله أعظم تجارة على الإطلاق :
إذاً هذين الحديثين خطيرين جداً :
(( مَنْ دعا إلى هُدى ، ومن دعا إلى ضَلالَة ، مَنْ دعا إلى هُدى كان له من الأجرِ مِثْلُ أجور مَنْ تَبِعَهُ )) . هذا شيء يدفع الأخوان الكرام أن يبحث كل واحد منهم عن إنسان من أقربائه ، من جيرانه ، من زملائه ، أولاده ، من يلوذ به ، أولاد خالته ، أولاد عمته ، يعتني بهم ، يزورهم ، يتفقدهم ، يسمعهم شريطاً ، يلقي عليهم كلمة ، يهديهم هدية أحياناً ، يستجلب قلبهم ، حتى يهتدوا ويستقيموا ، هذه أعظم تجارة على الإطلاق ، أنا أحياناً أقول للإخوان : هذا الأخ الذي اعتنيت به حتى اهتدى إلى الله ، والله خير لك من ألف مليون دولار ، لأن هذا المبلغ الضخم تتركه في الدنيا وتذهب وحدك إلى الآخرة ، أما هذه الهداية تذهب معك إلى الجنة . والحمد لله رب العالمين |
||||||||||||||
|
|||||||||||||||
28-09-2010, 21:54 | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||||||||||||
|
رد: شرح الترغيب والترهيب للدكتور راتب النابلسي ...
من أنشأ خصومة بين المسلمين و فرّق شملهم فقد كفر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنَّ أبغض الرجالِ إلى اللّه تَعَالَى : الأَلَدُّ الْخَصِمُ )) . [ متفق عليه عن عائشة] . هذا الذي ينشئ خصومة مع الناس ، هذا الذي يفرق شمل المسلمين ، هذا الذي الذين يجعل الدين شعياً وأحزاباً وطوائف ، هذا الذي يفتت وحدة المسلمين ، هذا الذي يقيم خصومة على فروع الدين لا على أصوله ، أعداء المسلمين يتعاونون على عشرة بالمئة من المتفق عليه ، والمسلمون يقيمون خصومة على تسعين بالمئة من المتفق عليه ، على عشرة بالمئة خلاف تقام خصومات لا تنتهي ، هذه الخصومة سماها الله عز وجل في القرآن كفراً . مرةً غاظ اليهود أن يتفق الأوس والخزرج ، بعد بعثة النبي عليه الصلاة والسلام فجاء أحدهم بقصيدة قيلت في أيام الجاهلية في هجاء للأوس ، فدفعها إلى غلام من الخزرج ليلقيها على مسامع الأوس ، ونشبت خصومة ، وتلاسن الطرفان ، وأخذتهم حمية الجاهلية ، ثم سلوا سيوفهم وكادت تقع فتنة ، بلغ النبي صلى الله عليه وسلم هذا الخبر فخرج غاضباً وقال : أفتنة وأنا بين أظهركم ؟ ثم نزل قوله تعالى : ﴿ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ﴾ . ( سورة آل عمران الآية : 101 ) . فَسَمّى الله سبحانه وتعالى هذه الخصومة الجاهلية كفراً . ما كل من وقع في الكفر وقع عليه الكفر : بالمقابل أي إنسان ينشئ خصومة بين المسلمين ، لو أن إنساناً خرج عن أصول الدين ، وجاء ببدع ما أنزل الله بها من سلطان ، لا مانع أن نخاصمه ، أما إذا كنا متفقين على تسعين بالمئة من الدين ، وهناك خلافات في عشرة بالمئة لا يبغي أن نفتت وحدة المسلمين من أجل هذه الخلافات التي هي في فروع الدين . الإمام الشافعي في هذا المقام له مقال رائع ، يقول : " نتعاون فيما اتفقنا ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا " . بل إن أحدهم عدَل هذه المقولة فقال : "نتعاون فيما اتفقنا ، وينصح بعضنا بعضاً فيما اختلفنا " . لذلك بعض العلماء يقول : " نحن لا نُكفّر بالتعيين ، لا يجوز أن تقول فلان كافر من كَفّر أخاه فقد كفر ، ومن كَفّر أخاه فقد باء بالكفر أحدهما ". ماذا تقول ؟ من قال كذا فقد كفر ، من اعتقد كذا فقد كفر ، دون أن تُعين ، لا تعيين ، ولبعض العلماء مقولة أخرى : ما كل من وقع في الكفر وقع عليه الكفر . هذا البدوي الذي ركب ناقته وعليها زاده وشرابه ، وانطلق بها في الصحراء فلما جلس بها ليستريح أخذته سنة من النوم ، فاستيقظ فلم يجد الناقة ، فبكى حتى كاد يهلك من شدة البكاء ، لأنه أيقن بالهلاك فغفل لحظة فأفاق فرأى الناقة ، فقال : يا رب أنا ربك وأنت عبدي ، يقول عليه الصلاة والسلام : "لله أفرح بتوبة عبده من ذلك البدوي بناقته" . هذا الذي قال : أنا ربك وأنت عبدي ألم ينطق بالكفر ؟ هل وقع الكفر عليه ؟ لم يقع . فما كل إنسان يقول كلمة لا يقصد مضمونها لك أن تكفره . مرة قال لي أحدهم : لله رجال إذا أرادوا أراد ، سمع هذه المقولة إنسان يحضر هذه الجلسة ، فقال : هذا كفر ، فقلت له : لعله أراد أن يقول رجال مستجابو الدعوة ، إذا دعوا ربهم استجاب لهم ، ولك أن تؤول تأويلاً آخر ، لك أن تقول إذا كان لهؤلاء الرجال إرادة مستقلة عن إرادة الله هذا كفر طبعاً ، التمس أخيك عذراً ، حاول أن تؤول كلامه ، أما أن نأخذ الكلام على ظاهره وأن نُكفّر الناس و نقيّمهم وكأننا أوصياء عليهم فهذا لا يجوز . تقييم الناس ليس من شأن الإنسان هذا من شان الله عز وجل : هناك فرق إسلامية ـ والعياذ بالله ـ أي إنسان لو قال : يا رسول الله يقولون : هذا مشرك ، يوزعون ألقاب الشرك والكفر على الناس بغير حساب . هذا الذي يضيق على الناس ، ويجعل نفسه وصياً عليهم ، ويوزع ألقاب الكفر والشرك كما يريد ، هذا يفتت وحدة المسلمين ، نحن لا نُكَفّر أهل القبلة ، أي إنسان يقف باتجاه القبلة ويريد أن يصلي لا نُكَفّره ، لا نُكَفّر أهل لا إله إلا الله ، أي إنسان شهد أنه لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله لا نُكَفّر ، بل إن الأصوب من ذلك أن تقييم الناس ليس من شأن الإنسان ، هذا من شان الله عز وجل ، أنت لست مؤهلاً أن يقيم الناس ، لأن الله عز وجل يقول : ﴿ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً ﴾ . ( سورة الإسراء ) . المؤمن الصادق يكون عوناً لأخيه على الشيطان ولا يكون عوناً للشيطان على أخيه : لذلك أيها الإخوة ، الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حق من الله تعالى . ثلاثة أنا فيهن رجل ، وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس ، ما سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من الله تعالى . هناك إنسان وظيفته مع الناس قناص ، ما معنى قناص ؟ يقرأ الكتاب لا ليفهم ما فيه بل ليبحث عن أخطاء مؤلفه فقط ، إن جلس إليك لا ليستفيد منك ، يبحث عن كلمة لا تروق له فيقنصها ، وينقلها عنك ليشهرك بين الناس ، هذا الإنسان قناص هو الألد الخصم ، الذي يبغضه الله عز وجل . (( الأَلَدُّ الْخَصِمُ )) . النبي عليه الصلاة والسلام بكماله الخُلقي أحد أصحابه وهو حاطب بن بلتعة ، هذا الصحابي ارتكب في العرف الدولي والسياسي والإداري في كل الأنظمة على مرور الدهور والعصور ما يسمى بالخيانة العظمى ، أرسل كتاباً إلى قريش يقول فيه : إن محمداً سيغزوكم فخذوا حذركم ، جاء الوحي إلى النبي عليه الصلاة والسلام ، وأطلعه على فعل حاطب ، أرسل النبي سيدنا علي بن أبي طالب ، إلى المرأة التي كانت تحمل هذا الكتاب ، إلى مكان اسمه الروضة فيما بين مكة والمدينة ، طبعاً هذا الكتاب استخرج من المرأة ، أُخذ من ظفيرة شعرها ، وقد كتب فيه : من حاطب بن بلتعة إلى قريش ، إن محمداً سيغزوكم فخذوا حذركم، سيدنا النبي استدعى حاطب وسأله : ما حملك على ما صنعت ؟ سيدنا عمر واقف ، قال : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق ، قال : لا يا عمر إنه شهد بدراً ، أرأيتم إلى وفاء النبي ! أرأيتم إلى اتساع صدر النبي ! أرأيتم إلى رحمة النبي ! قال : والله يا رسول الله ما كفرت ، ولا ارتددت ، اغفر لي ذلك يا رسول الله ، إنني لصيق في قريش ، ولست منهم ، أردت بهذه المبادرة أن أحمي أهلي ومالي ، النبي عليه الصلاة والسلام ما كان منه إلا أن قال: "إني صدقته فصدقوه ، ولا تقولوا فيه إلا خيراً ". قال كُتّاب السيرة : لقد نظر سيدنا عمر لذنب حاطب فرآه خيانة عظمى ، فأراد أن يضرب عنقه ، ونظر النبي إلى صاحب الذنب ، لا إلى الذنب ، فرأى هذا الذنب ضعفاً أصاب هذا الإنسان في بعض اللحظات ، فبدل أن يسحقه في قدمه أنهضه ، وأعانه على شيطانه . والمؤمن الصادق دائماً يكون عوناً لأخيه على الشيطان ، ولا يكون عوناً للشيطان على أخيه . (( الأَلَدُّ الْخَصِمُ )) . الذي ينشئ خصومات ، الذي ينشئ عداوات ، الذي يفرق بين المسلمين ، الذي يفتت جمعهم ، يفرق وحدتهم ، هذا ممن يبغضهم الله عز وجل . أكبر جريمة أن تجعل المسلمين شيعاً وأحزاباً : لذلك أنا أقول دائماً : لا يجوز أن تنتمي لجماعة صغيرة وتعادي بقية المسلمين ، ينبغي أن تنتمي لمجموع المؤمنين ، يجب أن تشعر أن كل أخ مسلم أخوك في الله ، من أية جماعة أخرى ما دامت عقيدته صحيحة ، ومنهجه صحيح ، في الكليات لا في التفاصيل ، في التفاصيل قد نختلف . يقول الإمام الشافعي : " أنا على حق ، وخصمي على باطل ، وقد أكون مخطئاً " ويقول : " أنا على حق ، وخصمي على باطل ، وقد يكون مصيباً ". اجعل احتمالاً للصواب عند خصمك ، واجعل احتمالاً للخطأ عندك ، بهذا تقف موقفاً معتدلاً ، ما من جريمة أكبر من أن تجعل المسلمين شيعاً وأحزاباً ، ما من جريمة أكبر من أن تفرقهم ، وتشتتهم ، وتفت في عضدهم ، فإن هذا يضعفهم ، قال تعالى : ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ . ( سورة الأنفال الآية : 46 ) . ويا أيها الإخوة الكرام ، ما من محنة أصابت المسلمين على ضعفهم ، وعلى كثرة أعدائهم ، وعلى هجمة خصومهم ، أشد من تفرقهم . التقيت في مصر قبل شهرين أو أكثر بعالم كبير ، وداعية كبير هناك ، طرحت عليه هذا السؤال ، قلت له : هذه الصحوة الإسلامية ما سببها ؟ قال : التفرقة ، التفرقة بين الدعاة ، لأنه بهذه التفرقة يسقط الدعاة جميعاً من نظر الناس ، أما إذا تعاونوا ، وتناصروا ، وأثنى بعضهم على بعض ، وعرف بعضهم قدر الآخر ، وكَمّل بعضهم بعضاً ، حببوا الناس بالدين . كنت أقول دائماً : النبي صلى الله عليه وسلم معصوم بمفرده ، بينما أمته معصومة بمجموعها ، أي أن كل واحد من أمة النبي يحتاج إلى أخيه ، تفوق في جانب وغاب عنه جانب ، والثاني تفوق في جانب ، وغاب عنه جانب ، مجموع أمة النبي لا تخطئ، ماذا يقول عليه الصلاة والسلام ؟ (( لا تجتمع أمتي على ضلالة )) . [أخرجه الطبراني والإمام أحمد عن أبي نصرة الغفاري ] . مجموع الأمة معصوم ، أما النبي وحده معصوم . إذاً بدل التنافس نتعاون ، بدل التنافس نتناصح ، بدل التنافس يستمع الواحد منا لأخيه . الدعوة إلى الله و الدعوة إلى الذات : لذلك أقول دائماً : هناك دعوة إلى الله خالصة ، ودعوة إلى الذات مغلفة بدعوة إلى الله ، أخطر دعوة أن تدعو إلى ذاتك ، وأن تغلف هذه الدعوة بدعوة إلى الله ، هذا الذي يدعو إلى ذاته يبتدع ولا يتبع ، لأنه إن لم يبتدع ماذا سيقول ؟ صار واحداً من المسلمين ، أما إذا ابتدع يقول : أنا وحدي على حق ، وما سواي على باطل . لذلك قالوا : اتبع لا تبتدع ، اتضع لا ترتفع ، الورع لا يتسع . سيدنا الصديق يقول في أول خطبة له : لقد وليت عليكم ولست بخيركم ، إن أحسنت فأعينوني ، وإن أسأت فقوموني ، إنما أنا متبع ، ولست بمبتدع . فالذي يدعو إلى الله بإخلاص يتبع ولا يبتدع ، إذا اتبع لم يعد له ميزة كبيرة جداً . تقريباً منهج اللغة العربية في القطر ، في كل المحافظات ، في كل المدارس ، أية مدرسة في هذه المحافظات العديدة ، الكتاب واحد ، أما المدرسون يختلفون ، كل مدرس له أسلوبه ، أما الموضوعات واحدة ، الصفحات واحدة ، وكذلك المسلمون منهجهم واحد ، كتابهم واحد ، نبيهم واحد ، سنتهم واحدة ، عقيدتهم واحدة ، هدفهم واحد ، كل داعية له أسلوب في الدعوة يتميز به ، هذا لا ينبغي أن يجعل البقية على ضلال ، أو على خطأ ، لكن يتفاوت الدعاة في إخلاصهم ، وفي أساليبهم ، وفي قدراتهم على نقل الحقائق للناس . الابتعاد عن الغلو في الدين : لذلك أيها الإخوة ، هذا حديث خطير جداً : (( إنَّ أبغض الرجالِ إلى اللّه تَعَالَى : الأَلَدُّ الْخَصِمُ )) . [ متفق عليه عن عائشة] . الألد بالتشديد ، الشديد في الخصومة ، لذلك ما هو الغلو في الدين ؟ الغلو في الدين أن تأتي بفرع من فروع الدين وتجعله أصلاً ، وأن تحارب من أجله ، أن تأتي بقضية فرعية لا تقدم ولا تؤخر ، فتجعلها أساساً في الدين وتخاصم من أجلها . بالمناسبة لا يجوز أن تنكر شيئاً فيه خلاف بين الصحابة ، إنسان صلى وقد أسبل يديه ، فعل هذا النبي ، لا ينبغي أن تنكر عليه ذلك ، الشيء الذي اختلف فيه العلماء ، ليس موضعاً للإنكار ، أما شيء أتفق عليه فإذا خرج عليه الإنسان يمكن أن ننصحه ، أما في الخلفيات ليس هناك أمر بالمعروف ونهي عن المنكر ، لأن كل عبادة وافقت أحد المذاهب المتعمدة فهي صحيحة عن علم أو عن غير علم . خصائص الفرق الضالة : لو أخذنا القواسم المشتركة لتوحدنا ، وكنت أقول دائماً : الفرق الضالة في العالم الإسلامي منذ العصر الأموي وحتى الآن ، الفرق الضالة تجمعها خصائص ثلاث ، أول خصيصة أنها تعتمد على أحاديث ضعيفة أو موضوعة ، نصها غير موثق ، لو ألغيت الأحاديث الموضوعة والضعيفة ، لاتفقنا جميعاً ، لأن الصحاح تجمع و لا تفرق ، لذلك في الدعوة إلى الله ابتعد عن الأحاديث الموضوعة والضعيفة: (( ومن كذبَ عليَّ مُتعمِّداً فلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ من النار )) [ البخاري بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص ] . (( مَنّ حدَّثَ عنِّي بحديث يرُى أنه كذب ، فهو أحد الكاذَّبين )) [ أخرجه مسلم والترمذي عن المغيرة بن شعبة ] . الشيء الثاني : أي فرقة ضالة يكبر فيها الشخص على حساب المبدأ ، نحن في عالمنا الإسلامي ليس عندنا رجل كلامه دليل ، إلا أن يأتي بدليل على كلامه ، المنهج إن كنت ناقلاً فالصحة ، مبتدعاً فالدليل ، فالدليل أساس ديننا ، لولا الدليل لقال من شاء ما شاء . الشيء الثالث : تخفيف التكاليف ، تخفف التكاليف ، ويؤله الأشخاص ، ويعتمد على نصوص موضوعة أو الضعيفة ، لو درست الفرق الضالة من العهد الأموي وحتى الآن لما وجدت الفرق تخرج عن هذه الخصائص الثلاث . الآن أهل السنة والجماعة يعتمدون على النصوص الصحيحة والمبادئ أكبر من الأشخاص ، والشيء الثالث ما هو ؟ بالمقابل المبادئ أكبر من الأشخاص ، والنصوص صحيحة ، والتكاليف كاملة ، هؤلاء هم على حق . على كل إنسان أن يبتعد عن الخصومات التي تضعف المسلمين ليرقى عند الله تعالى : على كلٍ الإنسان دائماً حينما يعتدل حتى في خصومته يرقى عند الله عز وجل ، يعتدل . (( أحْبِبْ حبِيبَك هَوْنا مَّا ، عسى أن يكونَ بَغِيضَكَ يوماً مَّا ، وأبْغِضْ بغيضَك هَوْنا مَا عسى أن يكونَ حبيبَك يوماً ما )) . [أخرجه الترمذي عن أبي هريرة ] . (( الأَلَدُّ الْخَصِمُ )) . الألد بالتشديد الشديد في الخصومة ، هو الشديد في الخصومة . فلذلك الآن نحن بحاجة ماسة إلى أن نبقى في المتفق عليه ، أنا أقول لكم : بإمكان كل داعية في العام الإسلامي أن يدعو إلى الله خمسين عاماً دون أن دون أن يتعرض للخلفيات، ابقَ في المتفق عليه . هذا الأعرابي الذي قال للنبي : عظني ولا تطل ، قال له : ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾ . ( سورة الزلزلة ) . قال كُفيت ، إذاً آية واحدة كفت أعرابياً ، فقال عليه الصلاة والسلام : "فقه الرجل " فما قولكم في قرآن يتلى علينا صباحاً و مساءً ؟ أنا أتمنى على كل أخ كريم أن ينفتح على الناس لا أن ينغلق ، لا أن يدعي على أنه على حق والناس على باطل ، لا يدعي أن جامعه هو الأوحد وما سوى ذلك كله هراء بهراء ، هذا موقف غير أخلاقي ، وغير موضوعي ، والله عز وجل يحب عباده جميعاً . أحياناً الإنسان يتوهم في ساعة جهل أن الله له وحده ، وأن الجنة له وحده ، مع أن الله فضله عميم ، والله لكل عباده ، ولكل الناس ، فهذه النظرة الضيقة تنشئ خصومات ، وتضعف المسلمين ، وتفتت في عضدهم ، هذا الحديث الشريف : (( إنَّ أبغض الرجالِ إلى اللّه تَعَالَى : الأَلَدُّ الْخَصِمُ )) . (( غَفرَ الله لرجل كان قبلكم : سهلاً إذا باع ، سَهلاً إذا اشترى ، سهلاً إذا اقتضى )) . [أخرجه البخاري والترمذي عن جابر بن عبد الله ] . وقس على ذلك حتى في أية علاقة أخرى ، وحينما أثنى الله على نبيه الكريم أثنى عليه بخلقه العظيم ، والدين هو حسن الخلق ، ومن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين . |
||||||||||||||
|
|||||||||||||||
28-09-2010, 21:54 | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||||||||||||
|
رد: شرح الترغيب والترهيب للدكتور راتب النابلسي ...
كل إنسان على وجه الأرض له عند الله مكانة بحجم عمله : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة : صدقة جارية ، أو علم يُنْتَفَعُ به أو ولد صالح يدعو له )) . [الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة ] . وشيء آخر هو أن كل إنسان على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة له عند الله مكانة بحجم عمله تماماً ، قال تعالى : ﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾ . ( سورة الأنعام الآية : 132 ) . أضرب لكم مثلاً : إنسان اشترى صفقة وباعها وربح ، ربحه محدود ، أما إنسان معه وكالة ، كل من يشتري من هذه الشركة في هذه المنطقة لوكيل هذه الشركة ربح ثابت ، من دون جهد ، من دون حركة ، من دون أن يتحرك حركة ، من دون أن يرسل فاكس ، يأتي الربح جاهزاً ، عندما صار وكيل شركة أرباحه أصبحت غير محدودة ، هناك أعمال كثيرة فيها طبيعة التفجر ، التوالد . فالنبي عليه الصلاة والسلام ينصحنا أنه إذا مات الإنسان انتهى عمله ، له عدة أعمال قام بها في الدنيا ، يسعد بها لا شك ، لكن لأن الجنة غير محدودة ، لها درجات لا تنتهي ، فهناك أعمال في الدنيا تستطيع أن تصل بها إلى أعلى درجات الجنة ، هذه الأعمال هي التي لا تنتهي عند موت صاحبها ، إنسان أسس معهداً شرعياً ومات ، هذا المعهد خرّج عشرات بل مئات بل ألوف الطلاب ، وكل طالب استلم منبراً ، وألقى خطبة ، ونصح الناس ، وعمل عملاً طيباً ، فكل هؤلاء الذين تخرجوا من هذا المعهد ، ونفعوا الناس ، ودعوا إلى الله، وبينوا الحق ، ورسخوا قيم الإسلام ، في صحيفة هذا الذي أنشاه . الله عز وجل يريدنا أن نربح عليه : إذا كان الإنسان طموحاً ، وإذا كان غيوراً على مصالحه ، وإذا كان يحب الجنة في أعلى مرتبة ، فسبيل بلوغ أعلى الدرجات أن يكون لك عمل متوالد ، هناك عمل منقطع ، وهناك عمل متوالد ، من هذه الأعمال المتوالدة ، الصدقة الجارية ، ساهم إنسان ببناء مسجد ، لكن هذا بيت الله ، كل صلاة تعقد فيه ، كل ذكر يعقد فيه ، كل مجلس ذكر يعقد فيه ، كل توبة تنعقد فيه ، في صحيفة كل من ساهم في البناء فيه ، وأرسى بنيانه ، ويسر أموره . النقطة الدقيقة : الله عز وجل يريدنا أن نربح عليه ، الآن عقليتنا كلها تجارية يقول لك : هنا بالـ% 30 أربح لي ، هنا بالـ%15 قليل ، بالـ% 28 كثير ، فالإنسان إذا أراد أن يستثمر ماله يبحث عن جهة تعطيه أعلى ربح ، الله عز وجل يريدنا أن نربح عليه. والله أيها الأخوة ، أتكلم ولا أجد لهذا الكلام تطابقاً مع ما أتمنى أن أقوله ، هناك بنك يعطي على الليرة مليون و كل سنة ؟ لا ، كل شهر ؟ لا ، كل يوم ؟ لا ، كل ساعة ؟ لا، كل دقيقة ؟ لا ، مليون ، هل من الممكن أن تستثمر مالك بالمئة ثلاثة أو أربعة أو خمسة ، وتترك البنك الذي يعطيك كل دقيقة على الليرة مليون ؟ شيء مستحيل ، كلام فلكي ، أرقام فلكية ، هكذا الله عز وجل . ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ . ( سورة الصف ) . من ابتغى بعمله وجه الله عز وجل و ترفع عن الدنيا أعطاه الله فوق ما يستحق : أحياناً الإنسان يعمل عملاً يبتغي به وجه الله ، يترفع عن أجر في الدنيا ، هذا يعطيه الله : (( ما لا عين رأتْ ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ )) . [أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة ] . لي قريبة مقعدة ، ولها مبلغ بدائرة حكومية ، والوكالة قدر المبلغ ، فذهبت إلى الموظف ، وقلت له : هل من الممكن أن تأتي معي إلى البيت ؟ قال لي : على عيني ، أنا استغربت ! قلت : أنا آتي وآخذك ، قال : لا ، أنا آتي لوحدي ، أعطني عنوان البيت ، ما قبل أن آتي وآخذه بالسيارة ، أخذ عنوان البيت ، أذكر أن الحادثة كانت في رمضان ، طرق الباب عند العصر ، وسلم المبلغ ، وأخذ التوقيع ، قال لي : أريد أن أصلي العصر عندك ، صلى ، ثم قلت له : هل من الممكن أن أوصلك ؟ قال : لا تنزع علي عملي ، أنا ابتغيت بهذا العمل وجه الله . فالإنسان إذا كان له عمل لوجه الله لا يريد شيئاً ، هذا أغنى إنسان ، وأقوى إنسان، وأرفع إنسان عند الله ، فأنت اختار ، هناك أعمال أجرها محدود ، لماذا هناك أناس لا يحبون الوظيفة ، دخلها محدود ، لها سقف ، لماذا يحبون التجارة ؟ ليس لها سقف ، فالإنسان إذا توفق فيها ليس لها سقف ، يربح أرباحاً كثيرة جداً . يقولون الآن : هناك إنسان في أمريكا يملك ثلاثة و عشرين مليار دولار ، شاب عمره اثنتان و أربعون سنة ، يملك الميكرو سوفت ، لو موظف يلحقهم ؟ لا يلحقهم . الأعمال الصالحة لا تعد و لا تحصى : تاجر مع الله ، النبي يقول : (( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة : صدقة جارية )) . بناء ، فرش ، كهرباء ، مرافق عامة ، تدريس ، الحياة متكاملة ، فيجب على الإنسان أن يسعى للجنة ، الذي يتكلم بالجامع له أجر ، والذي بنى له أجر مثله ، والذي أسس له أجر ، والذي جاء لك برخصة له أجر ، والذي نظف له أجر ، نحن بتفكيرنا الساذج نصنف الناس أن هذا كبير عند الله ، كبير ؟ لا ، الذي ينظف المسجد له أجر كبير عند الله ، وإذا كان مخلصاً بعمله لعله يسبق الذي يتكلم ، لا تعرف ، عند الله مقاييس نحن لا نعرفها ، و منها مقياس الإخلاص . أنا أعرف مسجداً ، شيء يحير العقول ، لو عملت مسابقة بين بيوت دمشق من حيث النظافة لا تجد بالشام بيتاً نظافته كهذا المسجد ، إن دخلت إلى مرافقه شيء عجيب كأن الرخام رُكب الآن ، يعمل ليلاً نهاراً ، مرة التقيت معه ، كبر بالسن ـ توفي رحمه الله ـ قال لي : أنا أستمد الحماس في تنظيف المسجد من قوله تعالى : ﴿ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ ﴾ . ( سورة البقرة الآية : 125 ) . الذي نظف المسجد ، الذي زينه ، الذي فرشه ، الذي دفأه ، الذي هواه ، كل من ساهم في بنائه ، بتأسيسه ، بمرافقه العامة ، بتنظيفه ، بالتدريس فيه ، نحن أسرة ، كل إنسان يقوم بعمل لا ينافس فيه الآخر ، مسجد ، ميتم ، دخلنا لميتم مثل بيوتنا ، النظافة ، والترتيب، والفرش ، والأسرّة ، والطعام الطيب ، والنظام ، والتوجيه الديني ، خمسمئة طالب ، هؤلاء الذين ساهموا بالميتم ماتوا ؟ لا لم يموتوا ، لم يموتوا أبداً لأنهم تركوا عملاً مستمراً ، معهداً شرعياً ، ميتماً ، مسجداً ، أحياناً مستشفى الغاية منها خدمة المجتمع لا ابتزاز الأموال ، أي عمل صالح . فأي حلّ مشكلة ، زوج شاباً ، شاب في أول حياته ، عندما تزوج انضبط ، لزم مسجداً ، أنجب ذرية صالحة ، وجهها توجيهاً دينياً ، الذي زوجه وربطه بالدين هذا له أجر كبير . يقول لي شخص : دخلت لمسجد و كان أبي قد اشترى لي حذاء جديداً ، فسرق ، فخرجت هائماً على وجهي ، ومتألماً أشد الألم ، رآني رجل أخذني واشترى له حذاء جديداً ، يقول لي هذا الرجل : والله منذ هذا الحادث لم أترك الصلاة أبداً ، لأنه صلى سُرق حذاءه ، جاء شخص قدر فيه هذه الصلاة ، فأمن له حذاءً جديداً . من ترك علماً يُنتفع به فله أجر عظيم عند الله عز وجل : هناك أعمال صالحة كبيرة جداً أيها الأخوة تبدأ من المسجد ، من المعاهد الشرعية، من المياتم ، مستشفيات ، خدمات عامة ، أعمال متواردة ، أنت أغنى الأغنياء . (( صدقة جارية ، أو علم يُنْتَفَعُ به )) . مرة فتحت تفسير القرطبي وجدت فيه آية جميلة جداً ، مشروحة شرحاً رائعاً ، عملتها خطبة فتأثر الناس تأثراً بالغاً ، وبعدما انتهت هذه الخطبة ، صاحب هذا التفسير جالس بالقبر ، لكن انظر نفعه إلى أين وصل ، أنا قرأت الموضوع وتأثرت ، وعملته خطبة ، وقد تأثر الناس به كثيراً . الإمام الغزالي ترك الإحياء ، كم إنسان قرأ الإحياء ؟ كم خطيب قرأ الإحياء ؟ كم أستاذ قرأ الإحياء ؟ كم إنسان قرأ الإحياء واستفاد منه ؟ . والغزالي كان بعصره عالماً كبيراً ، وداعية كبيراً ، له دروس ، وبدرسه كان أربعمئة لفة ، لكن الإحياء أهم من دروسه كلها ، هو بالإحياء لم يمت ، مهما كان عظيماً ، فألّف كتب تفسير ، كتب حديث ، كتب فقه ، وهناك كتب مشهورة جداً . الإمام النووي ، عاش أقل من خمسين سنة ، ترك رياض الصالحين وهو من أفضل الكتب في حياتنا ، ترك الأذكار ، ترك المحتاج ، ترك شرح صحيح مسلم ، ترك كتب أعمدة في العلم و قد عاش أقل من خمسين سنة . الإمام السيوطي من المفسرين الكبار . القدماء تركوا كتباً و خيرات لا يعرفها إلا الله ، فالإنسان لا يعرف قيمة التأليف الذي له تأثير كبير جداً ، وله أثر الديمومة والاستمرار ، فالشريط له دور ، والكتاب له دور ، فهذا ترك علماً ينتفع به . مرة كنا بالجامع الأموي ، أحد علماء دمشق توفي ـ رحمه الله ـ هو خطيب الأموي ، اجتمع بالتعزية نخبة البلد ، وأنا جالس قام أحد عرفاء الحفل وقدم ابن هذا الخطيب ليلقي كلمة رائعة ، ارتجالية ، لغة ، حكمة ، و كان أبوه قد تعب عليه كثيراً ، الوزير كان موجوداً ، قال : أنا سوف أعين فلاناً ابن المرحوم في الأموي مكان والده ، ظهرت مني كلمة معنى هذا أن الأب لم يمت ، لأن العمل استمر من بعده . التعليم والدعوة إلى الله على خطين ؛ إما أن تؤلف القلوب وإما أن تؤلف الكتب : الذي عنده ابن بقدر ما يعتني به فله أجر ، هذا الابن يحتاج إلى جهد ، والتربية صعبة جداً ، تأمين الطعام سهل ، تأمين اللباس على العيد سهل ، تؤمن له الطعام ، والشراب، واللباس ، القضية سهلة جداً ، يفعلها الناس جميعاً ، أما تخرجه عالماً ؟ هذا عمل كبير جداً ، يأتي معك إلى المسجد ، تعتني به ، تجلس معه ، تقنعه ، تعرف من رفقائه ، أين يذهب ؟ يلتزم بالشرع ، إن رأيته وهو شاب يصلي ، إن رأيته يقرأ القرآن ، يدخل على قلبك من السرور ما لا يوصف ، هذا الولد استمرار لك ، جزء منك ، الذي عنده ولد رباه تربية إسلامية لن يموت . فالحديث هو : (( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة : صدقة جارية ، أو علم يُنْتَفَعُ به أو ولد صالح يدعو له )) . [الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة ] . أنا سمعت عن شيخ الأزهر السابق مشى في جنازته ستة ملايين إنسان ، دخل الناس إلى بيته بعد الوفاة و اجتمعوا على طول مئة متر ، ومعه التهاب مفاصل ، كتبه بالصناديق لأنه لا يملك مكتبة ، طاولته عادية جداً ، وتحت يده مئات الملايين ، بحسب التصور لم يدخل له جنيه واحد ، وفتواه صحيحة ، وموقفه جريء ، ستة ملايين ، انتهى ، مات . وسمعت عن إنسان آخر وهو على فراش الموت يرفع يديه متبرئاً من كل فتوى أفتاها ، هناك فرق . كل شيء في الحياة لا قيمة له إلا صدقة جارية أو علم يُنْتَفَعُ به أو ولد صالح يدعو لك : كل شيء ماض ، نظرت إلى هذه الجلسة من باب الاحتياط بعد خمسين سنة ، بعد مئة سنة ، لا يوجد أي واحد منا ، فكل شيء ماض ، ماذا أكلت ؟ ماذا شربت ؟ أين سكنت ؟ ماذا ركبت ؟ كله ماض ، يبقى هذا . (( صدقة جارية ، أو علم يُنْتَفَعُ به ، أو ولد صالح يدعو له )) . فكلما كنت أعقل تبحث عن عمل يتوالد ، تحتاج وكالة لا تحتاج صفقة ، ليس لها قيمة ربحها محدود ، ربحت ، وأنفقت الربح ، وانتهى الأمر ، أما وكالة كل من يشتري من هذه البضاعة لك منه نصيب . (( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة : صدقة جارية ، أو علم يُنْتَفَعُ به أو ولد صالح يدعو له )) . [الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة ] . أنا أعرف أخاً من أخواننا ، كل شيء يملكه دفعه في سبيل تزويج أولاده الثلاثة ، كل واحد أخذ له بيتاً ، هو تاجر متوسط أو أقل ، لكنه أمّن أولاده كلهم ، فلاحظت أن أولاده أمامه كجندي أمام لواء ، فأنت عندما أمنت له بيتاً ، زوجته ، سررته ، ارتبط بك ، و لا يتمنى وفاتك ، يتمنى بقاءك ، هناك فرق كبير ، الأب البخيل يتمنى أقرب الناس وفاته ، إذا جاء الطبيب وقال لهم : الحالة عرضية إن شاء الله ينزعجون كثيراً ، لا نريدها عرضية نريدها خطيرة ، إياك أن تجعل أولادك يتمنون موتك ، هم بضعة منك ، كما قال النبي عليه الصلاة و السلام : ((إن فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ويغضبني ما أغضبها)) . [ المعجم الكبير عن ابن الزبير] . الابن ولد صالح ، لا نريد ولداً لا يعرف الله ، غني فقط ، الآن هناك أشخاص يقولون لك : ابني يعمل بالمنصب الفلاني ، دخله كذا ، بيته في المكان الفلاني ، ليس هذا القصد ، نريد ابناً عالماً ، نريد ابناً داعية إلى الله ، نريد ابناً يخدم الناس ، فالابن أحد أكبر أسباب الجنة ، الجنة التي ليس لها حدود ، والعلم ، والصدقة الجارية ، والأعقل أن تعمل على كل الخطوط معاً ، هناك جهد كبير ، وهناك بذل لكن الله يعوض و يكرم . مثلاً إذا أمضى الشخص كل وقته في دراسة جادة ، لم يسهر مع رفقائه ، و لم يذهب نزهة حتى إنه لم يجلس مع أهله ، عندما يأخذ درجة عالية في الثانوية العامة ، و يدخل إلى الجامعة بفرع مرموق ينسى كل تعبه ، والذي أمضى أوقاته في السهر مع أصدقائه عندما يرسب ، ينسى أيضاً كل ملذاته ، الملذات تنسى والمتاعب تنسى أمام النتائج . فنحن يهمنا أن يكون هذا الحديث شعاراً لنا : (( صدقة جارية ، أو علم يُنْتَفَعُ به ، أو ولد صالح يدعو له )) . تَبَنى داعية ، تبنى طالب علم ، ارعَ طالب علم ، أنا أقول لكم : من أعظم الأعمال على الإطلاق أن تتبنى طالب علم ، أحياناً هو بحاجة للكتب ، بحاجة للمساعدة ، بحاجة للرعاية ، بحاجة إلى تدريس ، بحاجة إلى أن ينضم إلى جامع ، إلى معهد ، أعن طالب علم ، وبناء مسجد ، وتوابع المسجد : (( أو ولد صالح يدعو له )) . |
||||||||||||||
|
|||||||||||||||
28-09-2010, 21:55 | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||||||||||||
|
رد: شرح الترغيب والترهيب للدكتور راتب النابلسي ...
العالم والعابد : (( ذُكِرَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم رجلان : أحدهما عابد ، والآخر عالم ، فقال عليه الصلاة والسلام : فضلُ العَالِم على العَابِدِ كَفَضْلِي على أدْناكم )) . [الترمذي عن أبي أمامة] . هو سيد الخلق ، هو في قمة المجتمع البشري ، هو في قمة ولد آدم ، وانظر إلى أدنى إنسان في الأرض ، المسافة بين رسول الله وبين أدنى إنسان هي المسافة نفسها بين العالم والعابد ، كل إنسان طبق أوامر الله فهو عابد ، فكل إنسان تعرف إلى الله فهو عالم ، العابد مقاومته هشة ، امرأته تفتنه ، تهديد يخرجه عن طاعته لله ، فتنة تصرفه عن الدين ، مقاومته هشة جداً ، إذا أفلح العابد قبل مئة عام يوم كان الناس منضبطين ، يوم كان الناس على شيء من الدين ، العابد الآن لا يفلح أبداً ، لأن الفتن مستعرة ، والشهوات متقدة ، والباطل له جولة كبيرة ، فالتقليد لا ينفع الآن لو أردت أن تقلد أهل الدنيا لرأيتهم غارقون فيها. فَضْل العالمِ على العَابِدِ كَفضل القمر على سائر الكوَاكِب : لذلك النبي عليه الصلاة والسلام فرّق بين العابد والعالم ، وقال : (( فضلُ العَالِم على العَابِدِ كَفَضْلِي على أدْناكم )) . [الترمذي عن أبي أمامة] . (( وَإِن فَضْلَ العالمِ على العَابِدِ كَفضل القمر ليلة البدرِ على سائرِ الكَوَاكِب )) . [أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي الدرداء ] . أضرب لكم مثلاً : حاجب أو آذن في جامعة ، يقف على مدخل الجامعة ، مهمته أن يبقى على الباب ، كل يوم يدخل بعض الأساتذة ، يقف لهم ، ويرحب بهم ويجلس ، هذا الأستاذ الكبير يدخل إلى القاعة ويلقي درساً ، أنا أوازن بين طالب يستمع إلى دروس الأستاذ وبين الآذن الذي يقف على الباب ، كلاهما يحترم الأستاذ ، لكن الآذن سنة ، وسنتان ، وثلاث سنوات يقول لك : أنا بالجامعة من ثلاثين سنة ، لكن معرفته بهذا الأستاذ لا تزيد ولا شعرة ، هو أديب مع الأستاذ ، وكلما دخل يقف له ، أما هذا الذي يستمع إلى محاضراته ، محاضرة تلوى المحاضرة ، يرى من علمه الغزير ، من فهمه العميق ، يرى من ثقافته العالية ، يرى من دقة محاكمته ، يرى من عمق تفكيره ، يرى من صواب آرائه ، يرى من سعة إطلاعه ، إذاً الموازنة كبيرة بين كل طالب يتلقى كل يوم علماً جديداً من هذا الأستاذ ، ويزداد حجمه عنده ، وبين المستخدم الذي يرحب به كل يوم ، ولا يزيد علمه شعرة ولا درجة ، طوال ثلاثين عاماً . قلت لكم من قبل : إن النبي عليه الصلاة والسلام ما حبذا أن يقبع الإنسان في المسجد ليصلي ويدع العمل ، فلما رأى شاباً يصلي ، سأله من يطعمك ؟ قال : أخي ، قال : أخوك أعبد منك . النبي الكريم وقف موقفاً يناقض هذا الموقف مع إنسان آخر ، إنسان اشتكى للنبي أن شريكه لا يقدم الجهد الكافي ، شريكه كان طالب علم ، فقال عليه الصلاة والسلام : لعلك تُرزق به ، كأنه رحب بهذا الذي يطلب العلم ، ووعد الشريك الذي يتعب أن رزق هذه الشركة بسبب هذا الطلب ، لعلك ترزق به ، بينما لم يرحب بالأول الذي قبع في المسجد وترك العمل . إذا أردت الدنيا والآخرة معاً فعليك بالعلم : أيها الأخوة الكرام : (( ولفقيه واحدٌ أشد على الشيطان من ألف عابد )) . [ابن عساكر عن أبي هريرة] . يروى أن رجلاً أراد أن يبين للناس هشاشة العبادة وعمق العمل ، فارتدى جبة ولفة خضراء ، وطرق باب أحد العباد ، قال له : من أنت ؟ قال له : أنا الخضر ، فهذا العابد اختل توازنه ، وبكى ، وفرح ، قال له : أنا أعطيك بشارة أولى رفعت عنك الصلاة ، فازداد إعجاباً ، وازداد بكاء ، وازداد ثناء ، فلما ذهب هذا الرجل ذي العمامة الخضراء إلى بيت العالم وقال له : رفعت عنك الصلاة ، ذهب وأتى بقضيب ليضربه . الدجال يضحك على مليون عابد ، ولكن لا يستطيع أن يمرر كذبة واحدة على عالم ، لا أقول أن يكون كل واحد منا عالماً بالمعنى المألوف ، لا ، يجب أن يفقه أمر دينه ، يجب أن يعرف أن أحداً في الأرض لا يستطيع أن يلغي أي عبادة . أحياناً تذهب إلى بلاد طويلة عريضة ألغيت فيها عبادة من العبادات الكبرى التي ودر فيها صفحة في كتاب الله ، لأنه لا يوجد علم ، صفحة في كتاب الله تقرر عبادة أساسية تلغى ؟ يلغيها إنسان ؟ العلم لا بد منه . إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم . تجد العابد أحياناً يحكي ألف قصة كلها ليس لها أصل إطلاقاً ، تتناقص مع كتاب الله ، لأنه لم يطلب العلم ، الآن يأتي إنسان ويفتري فرية في الإسلام ، يصدقها عامة الناس ، يقول : هكذا قال فلان من الناس ، أما الميزان الدقيق ، معك كتاب ، معك سنة ، الكتاب يفهم وفق علم الأصول ، السنة تفهم وفق علم الفقه ، أما كل من قال كلمة في الدين نصدقه ؟. العالِم قلّما يخطئ لأنه لا يقبل شيئاً إلا بالدليل ولا يرفض شيئاً إلا بالدليل : أنا أقول مرة : لو جمعنا ما قيل في الإسلام منذ أن ظهر وحتى الآن ، لوجدنا ركاماً من المقولات ـ لا أقول حقائق ـ لا تحصى ، كيف السبيل إلى معرفة الصواب منها ؟ تحتاج مقياساً ، العلم يعطيك المقياس ، هذه القصة ساقطة لأنها تناقض هذه الآية ، هذا العمل خطأ لأن النبي نهى عنه ، فأنت حينما تعلم الكتاب والسنة تملك المقياس ، المنهج ، يسمى منهج التلقي لا تقبل إلا حقاً ، ولا تصدق إلا حقاً ، لا تقبل إلا بالدليل ، ولا ترفض إلا بالدليل. فلذلك أيها الأخوة ، العالم قلّما يخطئ لأن معه منهجاً ، والعابد قلّما يصيب لأنه بلا منهج ، يتحرك بحركة عاطفية هوجاء انفعالية ، عندنا مشكلة ، يأتي شخص إلى مسجد يتأثر تأثراً لا حدود له ، ويبكي ، ويصلي ، وينتكس فجأة ، ينتكس فيدع الصلاة ، وينغمس في الملهيات ، ما تفسير ذلك ؟ هذا عابد وليس عالم ، العالم لا يتأثر . أنا أعرف إنساناً لأنه وقعت له مشكلة مع أخ في المسجد ترك الدين كله ، ترك الاستقامة ، هذا عابد ، أدق كلمة العابد هش المقاومة ، سريع العطب ، أقل ضغط يخرجه عن طاعته لله ، أقل إغراء يخرجه عن استقامته . (( ولفقيه واحدٌ أشد على الشيطان من ألف عابد )) . [ابن عساكر عن أبي هريرة] . (( فضلُ العَالِم على العَابِدِ كَفَضْلِي على أدْناكم )) . [الترمذي عن أبي أمامة] . (( وَإِن فَضْلَ العالمِ على العَابِدِ كَفضل القمر ليلة البدرِ على سائرِ الكَوَاكِب )) . [أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي الدرداء ] . العلم خير من المال لأن العلم يحرسك وأنت تحرس المال : أيها الأخوة ، العلم خير من المال لأن العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة ، والعلم يزكو على الإنفاق . أنا سمعت قصة عن سائق سيارة استوقفته امرأة ، و عندما وقف سألها إلى أين تريدين أن تذهبي ؟ قالت : إلى حيث تريد ، فهم ، وقضى حاجته ، وأعطته ظرفين ، بالأول رسالة ، وفي الثاني مبلغ من المال كبير ، خمسة آلاف دولار ، هذا لجهله ، ولأنه لم يطلب العلم ، ولأن العلم الذي ينبغي أن يطلبه يحرسه ، فرح فرحاً شديداً قضى حاجته منها ، ونال هذين الظرفين ، في الأول مبلغ كبير ، ذهب ليصرف المبلغ فإذا به مبلغ مزور ، فأدخل إلى السجن ، أما الرسالة الثانية تقول له : مرحباً بك في نادي الإيدز ، المرأة مصابة ، هذا لو طلب العلم ، لو عرف حدود الإنسان ، لو عرف أن الزنا محرم ، كان قد ركلها بقدمه ، العلم يحرس ، الآن تجد أكثر من في السجن خالف منهج الله عز وجل ، لو لم يخالف لما وقع في هذه المشكلة . التزام منهج الله عز وجل يقود الإنسان إلى الجنة : الآن أكثر الخيانات الزوجية سببها مخالفة لمنهج الله ، أطلق لها العنان ، يغيب عنها كثيراً ، لا يلتفت إليها ، يأتي بأصدقائه إلى البيت ، يجلسون معاً ، فصار هناك خيانة ، العالِم في حصن حصين ، أقول العلم الحقيقي ، تعرف الحدود ، الحلال والحرام ، الخير والشر ، الآن أكثر الناس يدخل عليهم موضوع الاستثمار بربح ثابت ، ربا مئة بالمئة ، ماذا تعطيني على الألف ؟ مرتاح ، قال لي : أنا لا أحب الحسابات ، أنا أريد مبلغاً ثابتاً ، لو طلب العلم يوماً واحداً بالسنة لرفض هذا الأسلوب ، لأن هذا ربا ، كالبنك تماماً ، ساعة ربح ثابت، ساعة اختلاط ، هذه مثل أختي إن شاء الله ، من قال لك مثل أختك ؟ هل أنت مشرع ؟ في العلاقات الاجتماعية هناك تجاوزات ، هذه تنتهي بالطلاق ، بالخيانة الزوجية ، لأن هناك جهل ، أو ينتهي بكسب المال الحرام ، أما العالم : (( ولفقيه واحدٌ أشد على الشيطان من ألف عابد )) . [ابن عساكر عن أبي هريرة] . الدرس الذي قبل البارحة ، الإنسان عندما يلبس ثيابه ، ويخرج من بيته ، ليرتاد أحد مساجد الله ليطلب العلم ، هو لا يدري أن هذا الطريق ينتهي به إلى الجنة ، له تفسير دقيق لأنك تطلب العلم ، تحب ذاتك ، تحب وجودك ، تحب سلامة وجودك ، هذه حرام ، هذه حلال ، هذه تجوز ، هذه لا تجوز ، وأنت لا تدري ، تلاحظ مؤمناً قديماً في المسجد ، كلامه مضبوط ، بيته مضبوط ، هناك استقامة ، و سرور ، و سعادة ، ناتجة من طلب العلم ، الإنسان من دون علم بهيمة ، أو دابة فلتانة ، إذا كان دابة فلتانة ، أو بقرة مجنونة ماذا يفعل ؟ لذلك عن أبي أمامة رضي الله عنه أنه قال : (( ذُكِرَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم رجلان : أحدهما عابد ، والآخر عالم ، فقال عليه الصلاة والسلام : فضلُ العَالِم على العَابِدِ كَفَضْلِي على أدْناكم )) . [الترمذي عن أبي أمامة] . من طلب العلم أحبّ ذاته و وجوده و سلامة وجوده : مثلاً النبي قال : (( الحَمْوُ : الموتُ )) . [أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن عقبة بن عامر ] . الآن معظم الناس لا يعبؤون بهذا ، الأقارب ، المرأة القريبة الأجنبية أشد خطراً من المرأة البعيدة الأجنبية . أنا حدثني رجل قال لي : أخي ترك أخوين له ، وزوجته ، وسافر إلى مصر ، الأخ الصغير يكاد ينفجر من شدة القلق ، قال لي : أخي الكبير يأتي إلى غرفة زوجة أخيه الذي سافر إلى مصر بالليل كل يوم والزوجة شابة ، هذا يجهل كل شيء عن الدين . أنا أذكر ، وقلت هذا كثيراً : أول ما خطبت في هذا المسجد ، عقب إحدى الخطب استوقفني رجل وصار يبكي ، لفت نظري بكاؤه ، قال لي : زوجتي تخونني منذ خمس سنوات قلت : مع من ؟ قال : مع جاري ، قلت له : كيف عرفت هذا الجار ؟ قال : مرة زارنا فقلت لها : تعالي واجلسي معنا ، هذا الجار كأخيك ، من هنا بدأت المشكلة ، قلت له : لو حضرت مجلس علم لما وقعت في هذا ، لو عرفت أن هذا لا يجوز لما فعلت هذا ، فالبارود بارود ، والنار نار ، فإذا قربت النار من البارود صار هناك انفجار ، والناس يركبون رؤوسهم . معرفة كلام الله و سنة النبي واجب على كل إنسان : فيا أيها الأخوة الكرام ، معرفة كلام الله ، معرفة سنة النبي ، معرفة أحكام الفقه ، هناك ألف طريق لكسب المال الحرام . البارحة سألني أخ ، أنه يبيع سلعة ديناً بثمن مرتفع ، ثم يشتريها نقداً بثمن منخفض ، السلعة هي هي ، وهو مرابٍ بأسلوب شرعي ، سجادة يبيعها بألف ليرة ديناً ويشتريها بثمانمئة نقداً ، سجل ألف ودفع ثمانمئة ، هذا إنسان مرابٍ ، يقول : هذا بيع وشراء، هو فعلاً بيع وشراء ، لكن هذا البيع والشراء أراد منه القرض الربوي ، الحاجة نفسها والبيع شكلي ، فالبيع ليس حقيقياً . آلاف الفتاوى ، آلاف الأخطاء ، في الزواج ، في كسب المال ، في العلاقات الاجتماعية ، في السفر ، في البيع والشراء . الآن تجد إنساناً يصلي ، يحرم البنات ، ما قيمة عبادتك طول عمرك ؟ ستون سنة تعبد الله ، لماذا حرمت البنات ؟ أنت خالفت منهج الله عز وجل . اتصلت بي زوجة ، قالت : لا أسامح أبي ، أتمنى له كل شر ، لأنه حرمها كلياً وأعطى أولاده الشباب ، بنت هذه لها حق عندي ، هناك جهل ، الأب يصلي و يحرم ورثته؟! الشرع من عند خالق الإنسان وهو وحده الخبير به فالإنسان عليه أن يطبقه كي يسلم : يا أيها الأخوة ، عليكم بطلب العلم كما قال الإمام الشافعي : "إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، لكن العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ".
أنا كان عمري بالعشرين سنة تقريباً ، صاحبت رجلاً من أقربائنا و هو إنسان راقٍ جداً في مسير ، وصلنا إلى بيت ابنه ، طرق الباب ، فخرجت زوجة ابنه ، قال لها : هنا فلان ؟ قالت له : لا ، فمشى ، والطريق طويل ، أنا تمنيت أن ندخل لنرتاح ، بيت ابنه ، قال لي : لا يجوز أن ندخل في غيبة ولدي ، أنا ما عرفت ، هذا بيت ابنه ! وهذه امرأة ابنه ! ثم قرأت في كتب الفقه أنه لا يجوز الخلوة بالصهرة الشابة ، ثم بلغني عن بعض الأشخاص أنه يتحرش بزوجة ابنه في غيبته ، فالفقهاء عندما يجتهدون أن هذا الشيء لا يجوز فهذا لحكمة بالغة ، إذاً هناك محارم كالأم ، والأخت ، والبنت ، هؤلاء صنف ، وهناك محارم من صنف ثان ، لكن لا يجوز الخلوة بها . أحد أخواننا قال لي : أنا كل يوم آتي وأصلي الفجر عندك ـ القصة قديمة ـ وابني يخونني مع زوجتي ، طبعاً زوجته الثانية ، كل يوم ، ما هذا الكلام ؟ لأن الابن شاب ، والزوجة شابة ، والزوج كبير ، و صلاة الصبح ثابتة ، وقت مضمون ، طبعاً طلقها ، هناك خلوة ، الخلوة خطيرة جداً ، فزوجة الأب ، زوجة الابن ، هذه محارم ، لكن من نوع ثان ، ليست مثل الأم ، والأخت ، والبنت ، هذه لا يجوز الخلوة بها . أنا لا أريد أن أعطي تفاصيل ، أريد أن نعلم أن هذا الشرع من عند خالق الإنسان، وهو وحده الخبير به ، فالإنسان عليه أن يطبقه كي يسلم ، قلت كلمة : تطبق الشرع فتسلم ، تقترب من الله فتسعد ، السعادة بالقرب منه ، والسلامة بتطبيق أمره ، هناك شخص يطبق أمره لكن لا يسعد ، مشغول في الدنيا ومهموم ، مستقيم ، تطبيق شرعه تسلم من كل عطب ، والقرب منه تسعد أيما سعادة . |
||||||||||||||
|
|||||||||||||||
28-09-2010, 21:56 | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||||||||||||
|
رد: شرح الترغيب والترهيب للدكتور راتب النابلسي ...
العلم فرض لسلامة الإنسان وسعادته : الترغيب في طلب العلم ، وتعلمه ، وتعليمه ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( طلب العلم فريضة على كل مسلم ، وواضع العلم عند غير أهله كملقد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب )) . [ ابن ماجة عن أنس] . أول شيء في هذا الحديث :أن كلمة فريضة تعني أن قوام الشيء يعتمد على شيء ، نقول مثلاً : تنفس الهواء فريضة على كل إنسان ، أي تقوم حياته على التنفس ، فلو منعنا عنه الهواء مات ، هذا معنى الفرض ، شرب الماء فرض على كل إنسان ، فلو مُنع من الماء لمات ، تناول الطعام فرض على كل إنسان ، أما أن يأكل بعض أنواع الفواكه ليس هذا فرضاً ، لأن حياته تقوم وتستمر من دون هذه الفاكهة ، أما أن يرتدي ثياباً معينة غالية الثمن هذا ليس فرضاً ، لأن حياته تقوم وتستمر من دون هذه الثياب . فكلمة فرض تعني أن وجود الشيء متوقف عليه ، نحن حينما نعتقد أن هناك حياة لهذا الجسم تقوم على الهواء ، والماء ، وتناول الطعام والشراب ، والمأوى ، هناك من يموت من البرد إذا كان بلا مأوى ، هذا الجسم يحتاج إلى هواء ، وماء ، وطعام ، وشراب ، ومأوى، هذه فرائض وجوده ، وفرائض استمرار وجوده . لو انتقلنا إلى النفس ، هذه النفس التي خلقها الله عز وجل ، هي ذات الإنسان التي لا تموت ، تذوق الموت ولا تموت ، هذه النفس العلم فرض لها ، لأنه أودع الله فيها شهوات هذه الشهوات تدفعها في حركة عشوائية ، من دون علم الشهوات مهلكة . الإنسان ليس كهذه الطاولة ، الطاولة سكونية ، الإنسان كمركبة فيها محرك ألف حصان ، فمن لوازم هذا المحرك القوي جداً الذي يدفعها بسرعة جنونية مقود ، وإلا فالهلاك حتمي ، هذا مثل دقيق جداً ، محرك قوي جداً يدفع هذه المركبة في سرعة جنونية ، المقود الذي يوجه السيارة ويبقيها على الطريق فرض لسلامتها ، أو فرض لبقائها ، ولولا ذلك لتدهورت وانتهت ، لأن الإنسان أودع الله فيه الشهوات . ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ﴾ . ( سورة آل عمران الآية : 14 ) . هذه الشهوات التي أودعها الله في الإنسان تجعله ينطلق بسرعة هائلة ، العلم فرض لسلامته ، أي تتوقف سلامته على العلم ، العلم فرض لسعادته ، تتوقف سعادته على العلم ، لأن أمامه خيارات كثيرة جداً ، بعض الخيارات مهلك ، بعضه سالم ، فلو أن هذا الإنسان تحرك حركة بلا علم بدافع من شهواته لشقي وأشقى ، وهلك وأهلك . طلب العلم أجلّ عمل على الإطلاق : إذاً لا يوجد عمل أجلّ على الإطلاق من أن تطلب العلم ، تطلب العلم لا ليكون وردة تزين بها صدرك ، لا ، تطلب العلم لتحافظ على وجودك ، وسلامة وجودك ، واستمرار وجودك ، وسعادتك ، هذا معنى كلمة طلب العلم فريضة ، بالفرائض لا يوجد خيارات . الآن ترتفع الأسعار كثيراً ، والإنسان له دخل محدود ، يلغي أحياناً الأشياء الثانوية ، يلغي الولائم ، يلغي الرحلات ، يلغي الاحتفالات ، يلغي العزائم ، لكن لا يستطيع أن يلغي الطعام والشراب هذا الشيء ليس لك فيه خيار أبداً . فحينما أقول : طلب العلم فريضة ، أي ليس لك خيار إطلاقاً في طلب العلم ، لأنه مع العلم يوجد سلامة وسعادة ، من دون علم يوجد شقاء وهلاك ، والدليل أمامكم يمكن أن تسمع في اليوم مئة قصة ، شقاء ، جريمة ، خيانة ، زنا ، انهيار شركة ، سببها الجهل ، لأن هناك رغبة في حب المال من دون علم ، في حب النساء من دون علم ، فالإنسان يندفع من دون موجه ، يندفع من دون نور يريه الحق من الباطل . فلذلك لا تظن أن هناك عملاً أجلّ في حياة الإنسان ، وأخطر من أن تأتي إلى بيت من بيوت الله تطلب العلم الشرعي الذي ينجيك . ما كل علم ممتع نافع وما كل علم نافع مسعد : الحقيقة ادخل إلى أي مكتبة الآن قد تجد كتباً لا يعلمها إلا الله ، الكتب بالملايين ، أنت بحاجة إلى علم من عند خالق الكون ، إلى علم يتعلق بأصول تشغيل هذه الآلة المعطلة التي هي أنت ، أصول التشغيل والصيانة ، وحسن المردود ، فما كل علم بنافع . كل علم ممتع ، على الإطلاق أي علم ممتع ، لكن ما كل علم ممتع نافع ، الآن هناك علم ممتع نافع ، إنسان معه اختصاص نادر ، ويدر عليه مبالغ طائلة ، هذا علم ممتع ونافع في الدنيا ، لكن ما كل علم نافع مسعد ، العلم الممتع ، النافع ، المسعد هو الدين ، لأنه متعلق بسلامتك . الآن مثلاً إنسان يقتني سيارة ، يمكن أن يقرأ عن تاريخ الشركة ، أهم شيء يقرأ عن خصائص هذه المركبة ، وعن طريقة تشغيلها ، واستعمالها ، هناك معلومات كثيرة جداً لا تعنيك ، فلو طلبتها لن يستفيد منها ، ذلك علم لا يضر من تعلمه ، ولا من جهل به ، ما كل علم نافع ، ما كل علم ممتع نافع ، وما كل علم نافع مسعد . فنحن نختار من بين كل العلوم ، وكل الكتب ، وكل المؤلفات ، وكل البحوث والمقالات ، ماذا تقرأ كل يوم ؟ الذي يطبع لا تستطيع أن تقرأ واحد بالمليار منه ، إذاً وقتك محدود ، ماذا ينبغي بك أن تقرأ ؟ يجب أن تقرأ كل ما له علاقة بسلامتك وسعادتك ، إذاً هو منهج الله عز وجل ، الكتاب والسنة ، لا يوجد إنسان سعد في الدنيا إلا بمعلومات مترسخة في ذهنه ، لا يوجد إنسان سلم من مطبات الحياة إلا بالعلم . طلب العلم الشرعي يبعد الإنسان عن المعاصي : أنا أذكر لكم قصتين سريعتين ، عندما خطبت في هذا المسجد أذكر أنه جاءني رجل صار يبكي ، قلت له : خير إن شاء الله ؟ قال لي : زوجتي تخونني ، وعندي منها خمسة أولاد ، وأنا رجل تاجر ، وعندي بيت بأرقى أحياء دمشق ، ودخلي كبير ، سألته مع من ؟ قال : مع جارنا ، قلت له : كيف تعرفت عليه ؟ قال : والله أنا عرفته عليها ، قلت له : كيف ؟ قال : كان عندنا فدعوتها أن تجلس معنا والليل طويل ، قلت لها : إنه مثل أخيك ، قلت له : لو أنك طلبت العلم الشرعي ، وعرفت أن الاختلاط محرم في الإسلام ما وقعت في هذا . الثاني سائق تكسي ركبت معه فتاة ، قال لها : إلى أين ؟ قالت له : إلى حيث تشاء ، فهم وقضى حاجته منها ، ثم أعطته رسالة قالت له فيها : مرحباً بك في نادي الإيدز ، لو أن هذا السائق يعرف الله ، له مجلس علم لركلها بقدمه ، طبعاً سببت له الشقاء . لا يوجد كلمة أروع من كلمة سيدنا علي ، " يا بني العلم خير من المال ، لأنك تحرس المال و العلم يحرسك " . أنت بالعلم محروس ، بيتك محروس ، زوجتك ، أولادك ، اختصاصك ، مهنتك ، ما دمت مستقيماً فأنت مطمئن ، لا تغش ، لا تكذب ، لا تدلس ، لا تحتال ، صادق ، أمين ، لك مكانة كبيرة ، لك سمعة طيبة ، الناس يثقون بك ، يعطونك أموالهم . فالقضية قضية خطيرة مصيرية ، الآن أكثر الناس يظن والله هناك درس علم ممتع ، ما هذا الموضوع ؟ الموضوع أخطر من ذلك ، ليس موضوع درس العلم وردة تتزين بها ، درس العلم أساسي في سلامتك ، وسعادتك . هناك علم ينبغي أن يُعلم بالضرورة وهو فرض عين على كل مسلم : إلا أنني أريد أن أوضح لكم : أن هناك علماً ينبغي أن يُعلم بالضرورة ، هو فرض عين على كل مسلم ، تقول : أنا طالب ، أنا مهندس ، أنا طبيب ، أنا نجار ، أنا صانع، كن من شئت ، كن في أي درجة علمية ، في أية حرفة ، هذا العلم لا بد منه ، هو الحد الأدنى لسلامتك وسعادتك ، هو ما ينبغي أن يعلم بالضرورة . أنت تاجر ، أحكام البيوع يجب أن تعرفها ، أنت زوج أحكام الزواج يجب أن تعرفها ، أنت أب واجبات الأب ينبغي أن تعرفها . تماماً كما لو أقول لإنسان خذ هذه السيارة ، أنت لست مكلفاً أن تعرف كيف تُصنع ، لو أنك أردت أن تنشئ معمل سيارات ينبغي أن تعلم كيف تُصنع ، لست مكلفاً أن تعرف ما المادة التي صنعت منها المكابح ، لا يلزمك ، لكن عليك أن تتعلم كيف تستعمل المكابح ، كيف تطلق بها ، كيف توجهها ، هناك مجموعة حقائق في المركبة يجب أن تعرفها وإلا تدهورت ، هذه المعلومات الحد الأدنى لسلامة هذه المركبة ، أما هناك ألف سؤال بالمركبة لا ينبغي أن تعلمه ، وتركبها ، وتنتفع بها ، وتسعد بها ، من دون أن تعرف هذه الأسئلة . عندنا نوع من العلم فرض كفاية ، إذا قام به البعض سقط عن الكل ، ونوع من العلم فرض عين ، فالنبي فيما أعلم الذي أراده من هذا الحديث ما كان ينبغي أن يُعلم بالضرورة ، أركان الإيمان ، أركان الإسلام ، العقيدة الصحيحة ، الإيمان بالله ، الإيمان باليوم الآخر ، بالملائكة ، بالكتاب ، بالنبيين ، بالإسلام ، الشهادة ، الصوم ، الحج ، الزكاة ، الآن بالعمل أحكام البيوع ، بالزواج أحكام الزواج ، هذا هو العلم الذي ينبغي أن يُعلم بالضرورة ، إن علمت هذه المعلومات نجوت من هذا الخطأ ومن الهلاك في الدنيا . طلب العلم فريضة على كل مسلم و مسلمة : بقي شيء ثان : إذاً طلب العلم فريضة ، المقصود في الفريضة ما تتوقف سعادة الإنسان عليه ، والمقصود بالعلم ما ينبغي أن يعلم بالضرورة ، العلماء قالوا : على كل شخص مسلم ـ وهذا كلام دقيق وخطير ـ أي ذكر كان أو أنثى ، المعنى هذا مفروغ منه ، لا يوجد عليه خلاف أبداً ، المرأة كالرجل تماماً في التكليف ، والتشريف ، والمسؤولية . لذلك أكبر جريمة في حق الفتاة أن تبقيها جاهلة ، لأنها إنسان ، لأنها إذا عرفت ربها أطاعته ، وأحبته ، وسمت إليه ، وسعدت بقربه ، فكل إنسان يهمل زوجته وبناته ، كأنها للخدمة ، جاهلي ، هذه الزوجة يجب أن تعرف ، إما أن تعلمها ، وإما أن تسمح لها أن تتعلم ، لأنها إن عرفت ربها أسعدتك ، عرفت حقك عليها ، إن عرفت ربها كان أحد أسباب سعادتك بها أنها تعرف الله ، عرفت حق الزوج ، عرفت حق الأولاد ، عرفت مسؤوليتها أمام الله عز وجل ، عرفت خطورة عملها في البيت ، أما إذا أبقيتها جاهلة تصبح عبئاً عليك ، تطالبك بشيء غير طاقتك ، تريد مظاهر ، تريد احتفالات ، تريد بيوتاً فخمة ، ولو بالمعاصي ، تصبح الزوجة الجاهلة عبئاً على زوجها ، دائماً يسعى لإقناعها بالحق وهي لا تريد ذلك ، علّمها ، عرفها بهويتها ، بشخصيتها ، بمكانتها عند الله ، بدورها كأم . مثلاً قال النبي : (( انصرفي أيتها المرأة وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يعدل ذلك كله ـ يعدل الجهاد في سبيل الله ـ )) . [أخرجه ابن عساكر وأخرجه البيهقى فى شعب الإيمان عن أسماء بنت يزيد الأنصارية] . لن تسعد بامرأة جاهلة ، لن تفلح إذا أبقيت ابنتك جاهلة ، وزوجتها ، عبء على زوجها ، تتعبه كثيراً لأنها جاهلة . معرفة القرآن الكريم وسنة النبي وسيرته فرض عين على كل مسلم : لذلك الحديث فيه ثلاثة أشياء ، العلم الذي ينبغي أن يعلم بالضرورة ، المواريث علم ، علم دقيق جداً ، لكن الإنسان يحتاجه بعمره مرة ، هناك علماء ، هناك خبراء ، يمكن ألا تتعلمه ، يمكن أن تسأل عنه أي عالم ، التجويد يمكن أن يعلمك إياه إنسان ، أما إن كان هناك إشراك بالله فهناك هلاك ، إنسان ضغط عليك ، خفت منه فعصيت الله من أجله ، إذاً أنت انتهيت ، التوحيد علم أساسي ، معرفة كلام الله منهجك ، و معرفة سنة النبي منهجك ، و معرفة سيرة النبي منهجك ، فقد قال الله عز وجل لك : ﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ﴾ . ( سورة الحشر الآية : 7 ) . إذاً معرفة القرآن الكريم ، وسنة النبي ، وسيرته ، فرض عين على كل مسلم ، أركان الإسلام ، أركان الإيمان ، الأحكام الفقهية المتعلقة بحرفتك ، متزوج ؟ إذا عليك أن تعرف أحكام الزواج ، لك أولاد ؟ أحكام الأبوة ، هذا علم وهو فرض عين ، هذا ما ينبغي أن يعلم بالضرورة ، هذا الحد الأدنى ، فهذا معنى العلم ، والفرض ما تقوم الحياة به ، والمسلم أي على كل شخص مسلم ، فكل إنسان يعد المرأة للمتعة ، للبيت ، للغسيل ، وللطبخ ، الله بعث له زوجة صالحة ، إنسان جاهلي . تربية الأولاد أعظم عمل تقوم به المرأة : أنا ذكرت لكن في درس الاثنين شيئاً مذهلاً ، النبي عليه الصلاة والسلام وقفت معه السيدة خديجة ، وثبتته ، ودعمته ، وأنفقت مالها عليه ، و واسته ، و خففت عنه متاعبه ، وتحملت معه كل مضايقات قريش ، وتحملت معه القطيعة ، وتحملت معه التكذيب ، وصدقته وكذبه الناس ، وآمنت به وكفر به الناس ، و واسته بمالها وحرمه الناس ، فالنبي ما عدّ المرأة للمتعة ، اعتبرها شريكة حياته ، وعندما فتح مكة لم يسمح الله للسيدة خديجة أن تكحل عينيها بنتائج النصر ، ماذا فعل النبي الكريم ؟ نصب راية النصر على قبر خديجة ، إكراماً لها ، وتطميناً لها ، ما اعتبرها زوجة للمتعة ، اعتبرها شريكة للدعوة .
كلما كبرت عند الله ترى المرأة عظيمة ، وكلما صغرت تحتقرها ، المرأة يمكن أن تهز العالم إذا هزت سرير ابنها ، ما أعظم عمل لها ؟ تربية أولادها ، تعطي المجتمع أولاداً مهذبين ، تربيتهم عالية ، أخلاقهم عالية ، أحياناً تجد شخصاً ناجحاً جداً بحياته ، السبب تربيته المنزلية جيدة جداً . لذلك هذا الحديث (( طلب العلم فريضة على كل مسلم )) . [ ابن ماجه عن أنس] . أي على كل مسلم ومسلمة ، طلب العلم فريضة ، أي الحد الذي ينبغي أن يعلم بالضرورة ، معنى فريضة ، ما لا تقوم الحياة إلا به ، فلذلك أجلّ عمل يعمله الإنسان أن يطلب العلم ، لأنه دائماً على صواب ولا يوجد خطأ عنده . |
||||||||||||||
|
|||||||||||||||
28-09-2010, 21:57 | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||||||||||||
|
رد: شرح الترغيب والترهيب للدكتور راتب النابلسي ...
لا يليق بالإنسان إلا أن يطلب العلم : فصل في الرحلة في طلب العلم ؛ فعن صفوان بن عسال قال : (( أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد متكئ على بُرد له أحمر فقلت له : يا رسول الله إني جئت أطلب العلم ، فقال عليه الصلاة والسلام : مرحباً بطالب العلم ، إن طالب العلم لتحفه الملائكة بأجنحتها ، ثم يركب بعضهم بعضاً حتى يبلغوا السماء الدنيا من محبتهم لما يطلب )) . [أحمد والطبراني عن صفوان بن عسال] . أولاً أيها الأخوة ، الإنسان ميزه الله عز وجل على كل مخلوقاته بأن أودع فيه قوة إدراكية ، فإذا لم يهتم بها أو عطلها من تلقاء نفسه وباختياره هبط بمستوى لا يليق به ، لا يليق بالإنسان إلا أن يطلب العلم . العلم جسر ينقل الإنسان من شاطئ الجهل والشقاء إلى شاطئ المعرفة والسعادة : النقطة الثانية : أن الإنسان مجبول على خصائص واحدة : ﴿ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ . ( سورة النساء الآية : 1) . أي حرصك على وجودك ، وعلى استمرار وجودك ، وعلى كمال وجودك عند البشر سواء ، بماذا يتفاوت البشر ؟ بالمعرفة ، فالذي عرف ينطلق من خلال معرفته ، لذلك والإنسان في النار يذوق ألوان العذاب ويقول : ﴿ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ . ( سورة الملك ) . الفرق بين إنسان يُعذب بالنار ، ويتنعم بالجنان ، فرق العلم فقط ، لذلك لا يوجد طريق إلى السلامة والسعادة إلا والعلم أول مرحلة فيه . بالمناسبة : العلم وسيلة وليس غاية ، العلم جسر ينقلك من شاطئ الجهل والشقاء إلى شاطئ المعرفة والسعادة . لذلك الإنسان إذا تباهى بالعلم واتخذه حرفة ليستعلي به على الناس ، ليجادل به العلماء ، ليماري به السفهاء ، كان وبالاً عليه ، لأنه في الأساس وسيلة وليس غاية ، الغاية أن تسمو إلى الله ، الغاية أن تزكو النفس . العلم وسيلة وليس غاية و العلم بالله علم نافع ومسعد في الدنيا والآخرة : لذلك لا يوجد عمل بحياتك أشرف ، ولا أخطر ، ولا أجل ، وليس هناك من عمل يليق بك أكثر من أن تطلب العلم ، أي علم هذا ؟ النبي عليه الصلاة والسلام دعا فقال : (( اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ، وقلب لا يخشع ، ونفس لا تشبع ، ودعاء لا يسمع ، ويقول في آخر ذلك : اللهم إني أعوذ بك من هؤلاء الأربع )) . [أخرجه ابن ماجه وابن حبان عن أنس بن مالك ] . دخل النبي عليه الصلاة والسلام إلى مسجد فرأى رجلاً تحلق الناس حوله سأل سؤال العارف قال : من هذا ؟ قالوا : هذا نسابة ، قال : وما نسابة ؟ قال : يعرف أنساب العرب ، قال عليه الصلاة والسلام : ذلك علم لا ينفع من تعلمه ولا يضر من جهل به . العمر محدود ، والمهمة خطيرة ، يجب أن تختار من بين الكتب الكتاب المقرر ، يجب أن تنفق الوقت القليل في العلم الغزير ، والعلم كما أقول لكم سابقاً : هناك علم ممتع ، وعلم ممتع نافع ، وعلم ممتع نافع مسعد ، الآن أي علم ممتع على الإطلاق ، أما هناك علم غير عملي لا يدر عليك مالاً ، مثلاً إنسان اختص بتاريخ الإغريق ، لا يوجد أي وظيفة في البلد تحتاج إلى هذا الاختصاص ، أما إذا الإنسان اختص بعضو من أعضاء الإنسان الحساسة القلب مثلاً ، أو كان معه اختصاص نادر يمكن أن يأتيه باليوم عشرة آلاف ، باليوم الواحد يكون دخله قريباً من المئة ألف ، هذا صار علماً نافعاً ، أما ليس مسعداً ، لا يسعدك إلا إن عرفت الله . فالعلم بالله علم ، ونافع ، ومسعد في الدنيا والآخرة ، أي علم مهما كان خطيراً ينتهي عند الموت ، ألم تقرأ بعض النعوات ؟ قد يكون عالماً كبيراً في أمور الدنيا ، بالفيزياء، بالكيمياء ، بالرياضيات ، بالفلك ، خبير وحيد متفوق ، حينما يأتيه ملك الموت انتهى علمه ، أما الذي عرف الله في دنياه يقطف كل الثمار بعد الموت ، يقطفها جميعاً . من طلب العلم تكفل الله له برزقه : فلذلك أيها الأخوة ، النبي الكريم يقول : (( مرحباً بطالب العلم إن طالب العلم لتحفه الملائكة بأجنحتها )) . [أحمد والطبراني عن صفوان بن عسال] . أقول لكم هذه الكلمة : (( مَن شَغَلَهُ قراءةُ القرآن عن مسألتي : أعطيتُهُ أفضلَ مَا أُعْطِي السائلين )) . [أخرجه الترمذي عن أبي سعيد الخدري ] . من طلب العلم تكفل الله له برزقه ، بمعنى أن الوقت الذي تنفقه في طلب العلم هذا وقت مبارك فيه ، الله عز وجل يبارك لك ببقية وقتك . كيف أنك إذا أنفقت زكاة مالك حفظ الله لك بقية مالك ، وبارك لك في بقية مالك ، إذاً هناك حفظ وبركة ، لا يوجد تلف مال . (( ما تلف مال في بر ولا بحر إلا بحبس الزكاة )) . [أخرجه الطبراني عن أبي هريرة ] . مصادرات ، حرائق ، تلف ، دمار ، إتلاف المال سببه حبس الزكاة . هناك شيء آخر : الإنسان إذا أدى زكاة ماله حفظ الله ماله ، وبارك له فيه ، مال قليل يفعل شيئاً كثيراً ، هذه البركة ، شيء قليل ينتج عنه شيء كثير ، يقاس إنفاق الوقت في طلب العلم على إنفاق المال ، فمن أنفق بعض وقته الثمين في طلب العلم ، حفظ الله له بقية وقته وبارك له فيه ، تجد إنجازه غير معقول ، ينجز في وقت قليل الشيء الكثير ، لأنه طلب العلم ، ومن طلب العلم تكفل الله له برزقه . رتبة العلم أعلى الرتب : لذلك رتبة العلم أعلى الرتب ، دائماً العالم له أعلى مرتبة في أي مكان بالعالم ، الآن الدول العظمى التي تنفرد في قيادة العالم اليوم ، كيف يتخذ القرار في أعلى مستوياتها ؟ برأي الخبراء ، لا يوجد إنسان بمنصب خطير إلا وحوله خبراء وعلماء ، حوله مستشارون يقدمون له الحقيقة ، فالعالم في الحقيقة هو الذي يحكم العالم ، إذاً هذا في الدنيا أما إذا أردنا أن نصل إلى الله لا بدّ من العلم . أحد علماء دمشق حدثني ، له والد توفي قبل عامين أو ثلاثة ـ رحمه الله ـ يقول له يا بني حينما كان صغيراً : والله لو علمت أن كيس القمامة يوصلك إلى الله لجعلتك زبالاً ولكنني أعلم علم اليقين أن العلم وحده يوصلك إلى الله ، العلم وحده ، لا يوجد غيره ، أي طريق آخر طريق غير شرعي ، لأن النبي يقول : (( إنما العلم بالتعلم )) . [ أخرجه الطبراني عن معاوية ] . فأنت حينما تتعلم تعرف من أنت ، تعرف أنك المخلوق الأول ، تعرف أنك المخلوق المكرم ، تعلم أنك المخلوق المكلف ، ما التكليف ؟ طاعة الله . على الإنسان أن يطلب العلم بالله حتى يطيعه والعلم بمنهجه حتى ينفذ طاعته : الآن من مظاهر الجهل في العالم الإسلامي أن هذا الدين العظيم الذي هو سبب رقينا جميعاً انكمش وصار صوماً ، وصلاة ، وحجاً ، وزكاة فقط ، وتؤدى هذه العبادات والمعاملات بشكل غير إسلامي ، البيوت غير إسلامية ، والتجارة غير إسلامية ، والاحتفالات غير إسلامية ، والتعازي غير إسلامية ، كل حركة الإنسان غير إسلامية ، أما يصلي ، يصوم، ويحج ، ويزكي ، أما المنهج عبارة عن مئة ألف بند ، مليون بند ، كل حركة ، وكل سكنة بحياتك لها حكم شرعي ، فالإنسان عندما يطلب العلم يطلب العلم من الله أولاً ، والعلم بمنهج الله ثانياً ، يطلب العلم بالله حتى يطيعه ، ومنهجه حتى ينفذ طاعته . فلذلك أيها الأخوة ، الإنسان عندما يتوهم أنه أضاع من وقته وقتاً ثميناً لأنه حضر مجلس علم يكون في حضيض الجهل ، لأنك عندما تحضر مجلس علم ، تعرف من أنت ؟ ولماذا أنت هنا ؟ وماذا كنت من قبل أن تأتي إلى هنا ؟ وماذا بعد أن تنتهي الحياة ؟ كيف تتزوج ؟ كيف تتاجر ؟ في أي بيت تسكن ؟ كيف تربي أولادك ؟ هذا كله يحتاج إلى علم . أنا أذكر السلف الصالح قبل خمسين سنة أو أكثر ، لا يوجد تاجر في الشام إلا وله مجلس علم من العصر إلى المغرب ، أو من المغرب إلى العشاء ، مجلس علم يومي والعشاء يكون في بيته ، لا يوجد إنسان يتحرك من دون علم . العلم سلاح الإنسان و حارسه : النقطة الدقيقة أنك لست إنساناً سكونياً ، أنت كائن متحرك ، ما معنى متحرك ؟ أي يوجد فيك شهوات ، وهناك شهوات قوية جداً ، هناك شهوة الطعام والشراب ، وشهوة النساء ، وشهوة العلو في الأرض ، والشهوات موجودة في كل إنسان ، هذه تجعلك كائناً متحركاً ، فإن لم يكن هناك مقود فالهلاك حتمي ، حركة الإنسان نحو أن يقضي شهوة البطن أو شهوة الفرج من دون منهج بالسجن ، الآن أي شخص يرتكب جريمة من أجل المال يُحكم بالإعدام ، يزني من أجل أن يقضي شهوته يُفضح وينتهي ، فكل إنسان يتحرك بلا منهج يتحرك نحو هلاكه ، فالعلم هو السلاح ، والعلم هو الحارس . قال : يا بني العلم خير من المال ، لأن العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، المؤمن بالعلم يتوقى كل المعاصي ، إذاً يسلم ، يهديهم سبل السلام ، الآن على مستوى قوانين دولة ؛ المواطن الذي يلتزم بالقوانين كلها مواطن حر ، طليق ، محترم ، في أي مجتمع ، والإنسان عندما يخالف القوانين التي وضعها إنسان يفقد حريته ، يفقد مكانته أحياناً ، فأنت مع إنسان إذا طبقت الأنظمة والقوانين تشعر بحرية وطلاقة . المؤمن يقتطع من وقته الثمين وقتاً لمعرفة الله وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : إذاً قال تعالى : ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً ﴾ . ( سورة الفرقان الآية : 63 ) . ببطء ، مع أن النبي الكريم كان يمشي بسرعة ، كان إذا مشى كأنه ينحط من صبب ، سيدنا عمر كانت تقول عنه السيدة عائشة : " رحم الله عمراً ما رأيت أزهد منه ، كان إذا سار أسرع ، وإذا أطعم أشبع ، وإذا ضرب أوجع ، وإذا قال أسمع " . فبحسب السنة والسيرة الصحابة الكرام والنبي على رأسهم كانوا إذا ساروا أسرعوا ، والآية عكس ذلك : ﴿ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً ﴾ ، معنى ﴿ هَوْناً ﴾ ، أي لا يسمحوا لمشكلات الحياة أن تستهلكهم ، يقف ، يتأمل ، هناك شخص كأنه يعمل بلا تفكر ، عمل ، عمل ، عمل ، يأتي ملك الموت فجأة فيندم أشد الندم ، وهناك إنسان يفكر إلى أين ؟ ماذا أفعل اليوم ؟ يعمل توازناً ، يقتطع من وقته الثمين وقتاً لمعرفة الله ، يقتطع من وقته الثمين وقتاً لتربية أولاده ، يقتطع من وقته الثمين وقتاً لحضور مجالس العلم ، يقتطع من وقته الثمين وقتاً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، يقتطع من وقته الثمين وقتاً لتلاوة القرآن ، يقتطع ، أي يمشي هوناً ، أحياناً الإنسان بساعة غفلة تستهلكه الحياة ، يصبح كماً مهملاً ، رقماً لا معنى له . والله قال لي إنسان : يا أستاذ من ثلاثين سنة لا أعرف غير معملي وبيتي ، والله يعمل عملاً أنا أخجل أن أقول لكم ، كالدابة ، ليعطي أهله الأموال الطائلة كي يلبسوا ، و يتفلتوا، ويذهبوا إلى أي مكان يشاؤون وهو يعمل لا يفكر أنا أعمل لمن ؟ من أجل أن يرتكبوا المعاصي والآثام ؟ لا يعرف شيئاً اسمه راحة ، قال لي : يومياً عنده نظام ، بمحله وقت ، بمعمله وقت ، ببيته وقت ، لا يملك وقتاً إطلاقاً ليتحرك حركة لحضور مجلس علم ، أبداً ، حتى يؤمن لأهله هذا الدخل الكبير ، هذا ما مشى هوناً الحياة استهلكته ، أحياناً الإنسان يعجب بعمله ، يتفوق فيه لدرجة أنه عبد عمله ، جعل عمله إلهاً ، ونسي صلواته ، ودينه ، وآخرته ، وأعماله الصالحة ، الإنسان يجب أن يكون دقيقاً لا ينزلق ، لا يصبح كماً مهملاً ، أو يصبح غلطة إنسان ، الخلاص في العلم ، لا العلم بذاته العلم كوسيلة ، هنا النقطة دقيقة الخلاص في العلم كوسيلة لا كغاية ، كغاية أصبح انحرافاً ثانياً . وعامل بعلمه لم يعملن معذب من قبل عبد الوثن مَن سَلَكَ طريقا يَطلُبُ فيه علماً سَلَكَ الله بِهِ طريقا من طُرُقِ الجنَّة :*** إذاً : عن صفوان بن عسال قال : (( أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد متكئ على برد له أحمر فقلت له : يا رسول الله إني جئت أطلب العلم فقال عليه الصلاة والسلام : مرحباً بطالب العلم إن طالب العلم لتحفه الملائكة بأجنحتها ، ثم يركب بعضهم بعضاً حتى يبلغوا السماء الدنيا من محبتهم لما يطلب )) . [أحمد والطبراني عن صفوان بن عسال] . وهناك حديث آخر يدعم هذا الحديث : (( مَن سَلَكَ طريقا يَطلُبُ فيه علماً سَلَكَ الله بِهِ طريقا من طُرُقِ الجنَّة )) . [أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي الدرداء ] . إذا الإنسان خرج من بيته ، وارتدى ثيابه ، وذهب إلى بيت من بيوت الله ليطلب العلم ، هذا الطريق ينتهي به إلى الجنة ، أوله من بيته ، وأول محطة في المسجد ، وآخر محطة في الجنة ، بيته ، المسجد ، الجنة . (( مَن سَلَكَ طريقاً يَطلُبُ فيه علماً سَلَكَ الله بِهِ طريقا من طُرُقِ الجنَّة )) . [أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي الدرداء ] . لأنه سيتعلم ، وأنت لا تستهين بالعلم ، الإنسان يحب نفسه ، يحب ذاته ، وحريص على سلامته ، فعندما يعرف أين سعادته يسلك هذا الطريق ، أنت فقط تعلم ، تتراكم المعلومات والحقائق ، أنا أقول لكم : كميزان في الكفة الأولى يوجد الشهوات ، و في الكفة الثانية المعلومات ، كلما تراكمت المعلومات غلبت الشهوات ، افرض الشهوة خمسة كيلو ، والمعلومات خمسة غرامات ، قرأ كتاباً ، قرأ صفحة قرآن ، فكلما علمه تراكم ، تراكم ، أصبح يرافق شهواته ، لذلك الإنسان حينما يطلب العلم يقوى على نفسه ، والصحابة الكرام كانوا قدوة لنا . |
||||||||||||||
|
|||||||||||||||
الموضوع الحالى: شرح الترغيب والترهيب للدكتور راتب النابلسي ... -||- القسم الخاص بالموضوع: الموسوعات الاسلاميه -||- المصدر: شبكة ومنتديات صدى الحجاج -||- شبكة صدى الحجاج |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
نظام الخدمة المدنية رقم ( 30 ) لسنة 2007 وفق تعديلات نظام 31 لسنة 2009 | م.محمود الحجاج | المنتدى العام | 0 | 05-09-2010 08:04 |
النص الكامل لقانون الضمان الاجتماعي المؤقت | م.محمود الحجاج | المنتدى العام | 1 | 09-04-2010 14:08 |
|
عدد الزوار والضيوف المتواجدبن الان على الشبكة من الدول العربيه والاسلاميه والعالميه
انت الزائر رقم
كل ما يكتب في المنتديات لا يعبر بالضرورة عن رأي إدارة شبكة ومنتديات صدى الحجاج
شبكة ومنتديات صدى الحجاج لا تنتمي لاي حزب او جماعه او جهة او معتقد او فئه او
مؤسسة وانما تثمل المصداقيه والكلمه الحرة
...