|
أختيار الاستال من هنا
|
روسيا اليوم | الجزيرة | ناشونال جيوغرافيك | المملكه | رؤيا | الاقصى | الكوفيه | الرياضيه | عمون | يوتيوب | مركز رفع الصور |
منتدى التاريخ الاسلامي بدأ تاريخ الإسلام يوم خلق الله -عز وجل- الكون بسماواته وأراضيه، وجباله وسهوله، ونجومه وكواكبه، وليله ونهاره. وسَخَّرَ كل هذا للإنسان. وبدأت حياة هذا الإنسان فى الكون عندما خلق الله -عز وجل- آدم من تراب، ونفخ فيه من روحه. |
كاتب الموضوع | عفراء | مشاركات | 71 | المشاهدات | 26696 | | | | انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
28-09-2010, 23:51 | رقم المشاركة : ( 1 ) | ||||||||||||||
|
رد: قصة الاندلس ...
الفترة الثانية من الإمارة الأموية فترة الضعف بوفاة عبد الرحمن الأوسط - رحمه الله - يبدأ عهد جديد في بلاد الأندلس، وهو فترة الضعف في الإمارة الأموية، ويبدأ من سنة 238 هـ= 852 م وحتى سنة 300 هـ= 913 م أي حوالي اثنتين وستين سنة. تولّى بعد عبد الرحمن الأوسط ابنه محمد بن عبد الرحمن الأوسط ثم اثنين من أولاده هما المنذر وعبد الله، وحقيقة الأمر أن الإنسان ليتعجب: كيف بعد هذه القوة العظيمة والبأس الشديد والسيطرة على بلاد الأندلس وما حولها يحدث هذا الضعف وهذا السقوط وهذا الانحدار؟! فمن سنن الله سبحانه وتعالى أن الأمم لا تسقط فجأة، بل إن الأمر يكون متدرجًا وعلى فترات طويلة، فهذا عهد الولاة الثاني - كما ذكرنا - كان السبب في ضعفه أولًا: انفتاح الدنيا وحبّ الغنائم. ثانيًا: القَبَلِيّة والقومية. ثالثًا: ظلم الولاة. رابعًا: ترك الجهاد. وكل هذه الأسباب لم تنشأ فجأة، وإنما كانت بذورها قد نشأت منذ أواخر عهد القوّة من عهد الولاة أثناء وبعد موقعة بلاط الشهداء. إذن لكي نفهم سبب ضعف الإمارة الأموية علينا أن نرجع قليلًا، وندرس الفترة الأخيرة من عهد القوة، ونبحث فيها عن بذور الضعف والأمراض التي أدّت إلى هلكة أو ضعف الإمارة الأموية في هذا العهد الثاني. عوامل وأسباب ضعف الإمارة الأموية كان من أهمّ أسباب ضعف الإمارة الأموية ما يلي: أولًا: كثرة الأموال وانفتاح الدنيا على المسلمين من جديد: من جديد كانت الدنيا قد انفتحت على المسلمين، وكثرت الأموال في أيديهم، وقد زاد هذا بشدّة في أواخر عهد القوة من الإمارة الأموية، فقد ازدهرت التجارة كثيرًا، ولم يوجد هناك في البلاد فقير، وفُتن الناسُ بالمال، وتكرّر ثانية حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم: فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: إِنَّ لِكُلِّ أُمّةٍ فِتْنَةً وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ. وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الدنيا مرارًا وتكرارًا وقلّل من قيمتها، فكان يقول: "مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا كَمَا يَضَعُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ". ثانيًا: زرياب اسم ليس بغريب لكنه كان كدابّة الأرض التي أكلت منسأة سليمان عليه السلام فسقط جسده على الأرض، "زرياب" هذا كان من مطربي بغداد، تربى هناك في بيوت الخلفاء والأمراء حيث كان يغني لهم ويطربهم، وكان معلّمه هو إبراهيم الموصلي كبير مطربي بغداد في ذلك الوقت. مع كرّ الأيام ومرّ السنين لمع نجم زرياب في بغداد فغار منه إبراهيم الموصلي، فدبّر له مكيدة فطُرد من البلاد، كانت مشارق الأرض الإسلامية ومغاربها متسعة جدًا في ذلك الوقت، وبعد حيرة وجد "زرياب" ضالته في الأندلس؛ حيث الأموال الكثيرة والحدائق والقصور، وهي صفات كثيرًا ما يعشقها أمثال هؤلاء، وبالمقابل فمثلها أيضًا تكون أرضًا خصبة لاستقبال وإيواء أمثالهم. الأندلس إلى هذه الفترة لم تكن تعرف الغناء، إلا أن "زرياب" ذهب إلى هناك فاستقبلوه وعظّموه وأحسنوا وفادته، حتى دخل على الخلفاء، ودخل بيوت العامه ونواديهم، فأخذ يغنّي للناس ويعلمهم ما قد تعلمه في بغداد، ولم يكتف "زرياب" بتعليمهم الغناء وتكوين ما يسمى بـ الموشحات الأندلسية، لكنه بدأ يعلمهم فنون (الموضة) وملابس الشتاء والصيف والربيع والخريف، وأن هناك ملابس خاصة بكل مناسبة من المناسبات العامة والخاصة. ولم يكن الناس في الأندلس على هذه الشاكلة، إلا أنهم أخذوا يسمعون من "زرياب" ويتعلمون، خاصة وأنه قد بدأ يعلمهم أيضًا فنون الطعام كما علمهم ملابس الموضة تمامًا، وأخذ يحكي لهم حكايات الأمراء والخلفاء والأساطير والروايات وما إلى ذلك حتى تعلّق الناس به بشدّة، وتعلّق الناس بالغناء وكثر المطربون في بلاد الأندلس، ثم بعد ذلك انتشر الرقص، وكان في البداية بين الرجال ثم انتقل إلى غيرهم وهكذا. الغريب أن دخول "زرياب" إلى أرض الأندلس كان في عهد عبد الرحمن الأوسط - رحمه الله - ذلك الرجل الذي اهتمّ بالعلم والحضارة والعمران والاقتصاد وما إلى ذلك، لكنه - وللأسف - ترك "زرياب" يفعل كل هذه الأمور وينخر في جسد الأمة من دون أن يدري أحد. ففي الوقت الدي انتعشت فيه النهضة العلمية وكثر العلماء، إلا أن كلام زرياب المنمق وإيقاعه الرنان صرف الناس عن سماع العلماء إلى سماعه هو، وصرف الناس عن سماع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن سماع قصص السلف الصالح إلى سماع حكاياته العجيبة وأساطيره الغريبة، بل والله لقد صُرف الناس عن سماع القرآن الكريم إلى سماع أغانيه والتعلّق بلهوه ومجونه. وليس هذا بعجيب أو جديد؛ ففي بداية دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة، وحين رآه النضر بن الحارث وكان من رءوس الكفر يخاطب الناس بالقرآن فيتأثّرون ويؤمنون بهذا الدين، ما كان منه إلا أن قطع أميالًا طويلة وذهب إلى بلاد فارس، وقضى هناك فترات كثيرة يتعلم حكايات رستم واسفنديار، ويتعلم الأساطير الفارسية، ثم اشترى غانيتين وعاد إلى مكة، وفي مكة كان النضر بن الحارث يقوم بحرب مضادة للدعوة الإسلامية، فكان إذا وجد في قلب رجل ميلًا إلى الإسلام أرسل له الغانيتين تغنيانه ما كان في بلاد فارس من حكايات رستم واسفنديار حتى يلهياه عن هذا الدين، وظلّ على هذا النحو وأنزل الله - سبحانه وتعالى - فيه قرآنا يتلى إلى يوم القيامة: [وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ] {لقمان:6}. وقد أقسم عبد الله بن مسعود - رحمه الله - أنها ما نزلت إلا في الغناء. وهكذا؛ فلا يهدأ الشيطان ولا ينام حتى في وجود هذه النهضة العلمية، [ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ] {الأعراف:17}. وكلما زاد الاهتمام بالدين وارتقى مستوى الإيمان عند الناس وتعلّقت قلوبهم بالمساجد، كلما نشط الشيطان وزادت حركته عبر طريق "زرياب" ومن سار على نهجه. وللأسف فإنه بالرغم من مرور أكثر من ألف ومائتى عام على وفاة زرياب هذا، إلا أن له شهرة واسعة في كل بلاد المغرب العربي، فلم يسمع الكثير من الناس عن السمح بن مالك الخولاني وعنبسة بن سحيم رحمهم الله ولم يسمعوا عن عقبة بن الحجاج أو سيرة عَبْد الرَّحْمَن الدَّاخِل أو عبد الرحمن الأوسط، ولم يسمعوا عن كثير من قواد المسلمين في فارس والروم وفي بلاد أفريقيا والأندلس لكنهم سمعوا عن زرياب، ويعرفون سيرته وتفاصيل حياته، بل إن موشحاته الأندلسية ما زالت إلى يومنا هذا تغنى في تونس والمغرب والجزائر، ومازالت تُدرّس سيرته الذاتيه هناك على أنه رجلا من قواد التنوير والنهضة، يمجَّد في حربه ضد الجمود وكفاحه من أجل الفن، ولا يعلم الناس أن زرياب هذا ومن سار على طريقه كان سببًا رئيسيًا في سقوط بلاد الأندلس، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ثالثًا: من أسباب ضعف الإمارة الأموية أيضًا "عمر بن حفصون" عمر بن حفصون هذا ( 240 - 306 هـ= 855 - 919 م ) هو "جون جارنج السوداني" باصطلاح العصر الحديث، وهو مسلم من المولدين، أي من أهل الأندلس الأصليين، كان عمر بن حفصون قاطعًا للطريق وكان يتزعم عصابة من أربعين رجلا، حين بدأ الناس يركنون إلى الدنيا ويتركون الجهاد في سبيل الله زاد حجمه، واشتد خطره، وبدأ يثور في منطقة الجنوب حتى أرهب الناس في هذه المنطقة، وأخذ يجمع حوله الأنصار إلى أن زاد حجمه كثيراً، فسيطر على كل الجنوب الأندلسي. في سنة 286 هـ= 899 م قام عمر بن حفصون بعمل لم يتكرر كثيرًا في التاريخ الإسلامي بصفة عامة وتاريخ الأندلس بصفة خاصة، فلكي يعضد من قوته في آخر عهده، وبعد اثنين وعشرين عاما من ثورته انقلب على عقبيه وتحول من الإسلام إلى النصرانية، وسمّى نفسه صمويل، وذلك بهدف كسب وتأييد مملكة ليون النصرانية في الشمال، وهو وإن كان قد تركه بعض المسلمين الذين كانوا معه إلا إنه نال بالفعل تأييد مملكة ليون، الوقت الذي تزامن مع توقف الجهاد في ممالك النصارى. بدأت "مملكة ليون" تتجرّأ على حدود الدولة الإسلامية، فبدأت تهاجمها من الشمال وعمر بن حفصون أو صمويل من جهة الجنوب، تمامًا كما كانت تفعل أمريكا واليهود مع جون جرنج المتمرد في جنوب السودان، والهدف لا يخفى على الجميع، فحين يمدونه بالسلاح والخطط والخرائط، والأغذية والأموال وغير ذلك، تضعف السودان وتضرب من الداخل، وتشغل بنفسها، ومن ثم يتوقف المدّ الإسلامي من السودان إلى بلاد وسط وجنوب إفريقيا. وهذا بالضبط ما حدث في الأندلس مع عمر بن حفصون، وحدث قبل ذلك بكثير في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين راسلت قريش عبد الله بن أبي بن سلول في المدينة المنورة، وشجعته كثيرًا على محاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم وطرده من بلاده. المصدر: شبكة ومنتديات صدى الحجاج |
||||||||||||||
|
|||||||||||||||
28-09-2010, 23:51 | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||||||||||||
|
رد: قصة الاندلس ...
نظرة تحليلية على الوضع في الأندلس أواخر عهد الضعف بعد اثنين وستين عامًا من الضعف الشديد وبعد تفاعلت عوامل السقوط مع بعضها البعض، نلقي الآن نظرة عامة على طبيعة الوضع في بلاد الأندلس أواخر عهد الضعف في الإمارة الأموية، أي سنة 300 هـ= 913 م، وإيضاح أهمّ الملامح التي سادت هذا العصر والتي كانت من فعل ونتاج عوامل الضعف، فكان ما يلي: أولًا: تصاعد وكثرة الثورات داخل الأندلس: كان هناك ثوارت لا حصر لها داخل الأندلس، بل واستقلالات في كثير من المناطق، والتي كان من أشهرها استقلال صمويل أو عمر بن حفصون، حيث استقلّ بالجنوب وكوّن ما يشبه الدويلة، فضم إليه الكثير من الحصون، حتى ضمّ كل حصون أستجّة وجيّان، والتي كانت عند فتح الأندلس من أحصن المناطق الأندلسية على الإطلاق، وكذلك كانت غرناطة إحدى المدن التي في حوزته، والتي اتخذ لها عاصمة سمّاها (بابشتر) وتقع في الجنوب بجوار ألمريّة على ساحل البحر الأبيض المتوسط. كان من هذه الثورات الكبيرة أيضا ثورة ابن حجاج في إشبيليّة، وكانت هذه الثورة تمد وتساعد عمر بن حفصون أو صمويل في ثورته ضد قرطبة. ومثلها كانت ثورة ثالثة في شرق الأندلس في منطقة بلنسية، ورابعة في منطقة سرقسطة في الشمال الشرقي، حيث استقلت إمارة سرقسطة أيضا عن الإمارة الأموية في قرطبة، وخامسة في غرب الأندلس يقودها عبد الرحمن الجلّيقي، وسادسة في طليطلة، وهكذا ثورات وثورات أدت في نهاية الأمر إلى أن الحكومه المركزية للإمارة الأموية في قرطبة لم تعد تسيطر في كل بلاد الأندلس إلا على مدينة قرطبة وحدها، إضافة إلى بعض القرى التي حولها. ومن ثم فقد انفرط العقد تمامًا في سنة سنة 300 هـ= 913 م، وتوزّعت الأندلس بين كثير من القوّاد، كُلّ يحارب الآخر وكُلّ يبغي ملكًا ومالًا. ثانيا: تكوّن مملكة نصرانية ثالثة ذكرنا سابقا أنه كان هناك مملكتان نصرانيتان، هما مملكة "ليون" في الشمال الغربي ومملكة "أراجون" في الشمال الشرقي وعاصمتها برشلونة، واللتان تكونتا زمن ضعف المسلمين في عهد الولاة الثاني، وهنا وفي الفترة الثانية من فترتي الإمارة الأموية تكوّنت في الشمال أيضًا مملكة نصرانية ثالثة كانت قد انفصلت عن مملكة "ليون"، وهي مملكة أو إمارة "نافار" وتكتب في بعض الكتب العربية "ناباره"، وتعرف الآن في أسبانيا بإقليم الباسك، ذلك الإقليم الذي يحاول الانشقاق عن أسباني. هذه الممالك النصرانيّة الثلاث بعد أن كانت تخاف المسلمين في عهد الإمارة الأموية الأول تجرّأت كثيرًا على البلاد الإسلامية، فهاجمت شمال الأندلس وبدأت تقتل المسلمين المدنيين في مدن الأندلس الشمالية. ثالثًا: قتل ولي العهد أمر خطير آخر قد ظهر، وهو يعبر عن مدى المأساة والفتنة في ذلك الوقت، وهو أن ولي العهد للأمير عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الأوسط الذي كان يحكم البلاد في ذلك الوقت قتله أخوه المطرف بن عبد الله، وكان ولي العهد هذا يسمى محمد بن عبد الله، فأصبح الوضع من الخطورة بمكان. وهكذا يكون الحال حين يختلف المسلمون ويفترقوا، وحين ينشغلوا بدنياهم وبزريابهم وبأنفسهم، حكومات نصرانية في الشمال تهاجم المسلمين، ثورات واستقلالات في الداخل، قتل لولي العهد القادم، بلاد إسلامية واسعة بدون ولي عهد في هذه المرحلة الحرجة... رابعًا: ظهور نجم دولة شيعية في بلاد المغرب كانت من أخطر الدول على بلاد الأندلس زاد الأمور سوءًا في بلاد الأندلس ظهور دولة جديدة في بلاد المغرب كانت من أشدّ الدول خطورة على بلاد الأندلس، وهي الدولة المسمّاة بالفاطميّة، واسمها الصحيح الدولة العبيدية. ظهرت الدولة العبيدية في بلاد المغرب العربي سنة 296 هـ= 909 م أي قبل سنة 300 هـ= 913 م (نهاية الفترة الثانية من الإمارة الأموية) بأربع سنوات فقط، وكانت دولة شيعية خبيثة همها الأول قتل علماء السنّة في بلاد المغرب العربي، ومحاولة نشر نفوذها في هذه المنطقة، فانتشرت بصورة سريعة من بلاد المغرب إلى الجزائر إلى تونس، ثم إلى مصر والشام والحجاز وغيرها. ويكمن خطرها على بلاد الأندلس في أنها ساعدت عمر بن حفصون وأمدته بالسلاح والمؤن والغذاء عن طريق مضيق جبل طارق من الجنوب؛ وذلك لأن عمر بن حفصون أو صمويل كان يعادي ويحارب الخلافة الأموية السنية الموجودة في قرطبة. خامسًا: تفشي السلبية وتوقف التفكير في الجهاد كان حال الشعب في هذه الفترة قد تغير بالمرة؛ فلم يعد يفكر في الجهاد، وانتشرت الروح السلبيّة بين الناس، واعتقدوا أنّه لا فائدة وليس هناك طائل من محاولة التغيير، ورأوا أن الأمر قد ضاع، وفُقد من أيديهم بالكلية ولا أمل في الإصلاح. سادسًا: تَردّي الأوضاع في بقية أقطار العالم الإسلامي إذا تخطينا بلاد الأندلس وألقينا نظرة على مجمل أقطار العالم الإسلامي في الشرق والغرب وجدنا ما يلي: مصر والشام يحكمها الإخشيديون، الموصل يحكمها ابن حمدان، البحرين واليمامة يحكمها القرامطة، أصبهان يحكمها بنو بويه، خراسان يحكمها نصر الساماني، طبرستان يحكمها الديلم، الأهواز يحكمها البُريديون، كرمان يحكمها محمد بن إلياس، الدولة العباسية أو الخلافة العباسية لا تحكم إلا بغداد فقط، ولا تبسط سيطرتها حتى على أطراف العراق. هكذا كان الوضع في أقطار العالم الإسلامي، لم يكن هناك أي أمل في أي مدد منه إلى بلاد الأندلس؛ حيث كانت كلها مشتته ومفرقة، ولا حول و لاقوة إلاّ بالله. وإن الناظر إلى بلاد الأندلس في ذلك الوقت ليرى أنه لا محالة من انتهاء الإسلام فيها، وأنه ما هي إلا بضعة شهور أو سنوات قلائل حتى يدخل النصارى إلى الأندلس ويحكموا قبضتهم عليها، ولن تُنقذ إلا بمعجزة جديدة مثل معجزة عَبْد الرَّحْمَن الدَّاخِل - رحمه الله -. وبالفعل فإن الله سبحانه وتعالى بمنّه وجوده أنعم على المسلمين بتلك المعجزة للمرة الثانية، فمنّ عليهم بأمير جديد، وحّد الصفوف وقوّى الأركان، وأعلى من شأن بلاد الأندلس حتى أصبحت في عهده أقوى ممالك العالم على الإطلاق، وأصبح هو أعظم ملوك أوروبا في زمانه بلا منازع، إنه عبد الرحمن الناصر - رحمه الله -. |
||||||||||||||
|
|||||||||||||||
28-09-2010, 23:51 | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||||||||||||
|
رد: قصة الاندلس ...
الخلافة الأموية من عبد الرحمن الناصر؟ وما نشأته؟ هو عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله المرواني، وقد نشأ يتيمًا، وتولى جده عبد الله تربيته، فنشأ على التقوى والورع، وكانت النتيجة هي ظهور قائد مثل عبد الرحمن الناصر. لماذا يُعدّ عبد الرحمن الناصر مثلاً يُحتذى به؟ يعدّ عبد الرحمن الناصر قدوة ومثلاً لكل المسلمين؛ لأن هذا الرجل تولى حكم الأندلس وهي في حالة من الفوضى والدمار، وتصير هذه الدولة في عهده من أقوى الدول على الإطلاق، ويصبح عبد الرحمن الناصر أعظم ملوك أوربا؛ لأنه عندما تولى الحكم قام ببناء الدولة من جديد، وقضى على الفتن والثورات، وعمل عبد الرحمن الناصر أيضًا على توحيد الأندلس تحت راية واحدة. ولم يكتفِ عبد الرحمن الناصر بذلك، بل حمل راية الجهاد ضد النصارى، الأمر الذي جعل شعوب المسلمين تتجه إليه؛ لأنه هو من يدافع عن الإسلام، ثم أعلن قيام الخلافة الأموية، وأطلق على نفسه لقب أمير المؤمنين. إضافةً إلى ذلك فقد اهتم عبد الرحمن الناصر بالحضارة، فنمَى الجانب المعماري، وانتشرت الكثير من المدن. هذا إلى جانب انتشار الرخاء الاقتصادي، ونمو الكثير من الصناعات. ومن أهم الأمور التي يجب أن يشار إليها في عهد عبد الرحمن الناصر هي ازدهار الحركة العلمية. الحكم بن عبد الرحمن الناصر 302 - 366هـ بعد وفاة عبد الرحمن الناصر خلفه على الحكم ابنه الحكم بن عبد الرحمن الناصر، وتولّى من سنة 350هـ/ 961م إلى سنة 366هـ/ 976م. وفي عهده حدثت نهضة علمية غير مسبوقة، ولُقّب بعاشق الكتب، وأنشأ الحكم بن عبد الرحمن المكتبة الأمويّة، وقد اشتهرت مدينة قرطبة في عهده، وهي تقع في وسط الأندلس، وأشهر ما بالمدينة كان مسجد قرطبة، بالإضافة إلى وجود القنطرة. وظنت الممالك النصرانية أن اهتمام الحكم بن عبد الرحمن الناصر بالعلم سيجعله يترك الجهاد، وخرجت لتهاجم أملاك المسلمين، فما كان من "الحكم" إلا أن ردَّهم وهاجمهم، وجعلهم يدفعون الجزية. ولقد ظلّ الحكم بن عبد الرحمن الناصر - رحمه الله - يحكم من سنة 350هـ/ 961م إلى سنة366هـ/ 976م، في فترة تُعدّ هي أقوى فترات الأندلس على الإطلاق، وأعظم عهودها. عبد الرحمن الناصر ( 277 - 350 هـ= 891 - 961 م ) وتولي الحكم رأينا سابقًا كيف كان الوضع أواخر عهد الضعف من الإمارة الأموية، وما هي السمات والملامح التي سادت ذلك العهد، ورأينا أيضًا كيف أن الناظر إلى بلاد الأندلس في ذلك الوقت يرى أنه لا محالة من انتهاء الإسلام فيها، وأنه ما هي إلا بضعة شهور أو سنوات قلائل حتى يدخل النصارى إلى الأندلس ويحكموا قبضتهم عليها. |
||||||||||||||
|
|||||||||||||||
28-09-2010, 23:51 | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||||||||||||
|
رد: قصة الاندلس ...
من هو عبد الرحمن الناصر
هو عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله المرواني الناصر لدين الله أبو المطرف صاحب الأندلس الملقب أمير المؤمنين، وأمه أم ولد تسمى "ماريا" أو "مرته أومزنة"، وجده السادس هو عبد الرحمن بن معاوية الأموي - صقر قريش - ولد في قرطبة وعاش بها... نشأ عبد الرحمن بن محمد يتيمًا، فعندما كان عمره عشرين يومًا قتل عمُّه أباه، لأنه كان مؤهلا للإمارة بعد أبيهما عبد الله الأمير السابع من أمراء الأمويين بالأندلس، وفتح الصبي عينه على الدنيا ليجد الحياة قاتمة أمامه، ولم يكن البلاط الأموي المشغول بكثير من الأحداث، من ثورات داخلية ومطامع خارجية ليشغل نفسه بطفل صغير كهذ، غير أن جدّه الأمير عبد الله والذي اتصف بالورع والتقوى والتقشف وحب الناس، وكان على درجة عالية من الإيمان - هذا الجد تولى هو تربيته، ونال الصبي الصغير نصيبًا كبيرًا من رعايته، فقد رباه جده الأمير ليفعل ما لم يستطع أن يفعله هو، رباه على سعة العلم وقوة القيادة وحسن الإدارة وسرعة الحسم وقوة العزم، رباه على التقوى والصلاح والورع وحب الناس، رباه على الصبر والحلم رباه على العزة والكرامة، رباه على العدل مع القريب والبعيد، وعلى الانتصار للمظلوم، وكانت النتيجة الطبيعية لهذه التربية، والثمرة المتوقعة لها؛ أن وُجد عبد الرحمن الناصر، وكان جزاء عمه القتل، فقد قتله أبوه عبد الله، بعد أن تأكد من براءة أخيه مما عزاه إليه، واهتم الأمير عبدالله بحفيده اهتمامًا كبيرا وأولاه عناية خاصة، ولعل ذلك عطفًَا وشفقةً عليه بعد مقتل أبيه، ونشأ عبد الرحمن في هذا الجو المليئ بالأحداث المتتابعة، وعلم ما حدث لأبيه على يد عمّه، كما علم أيضًا أن جده عبد الرحمن الملقب بصقر قريش مؤسس الدولة الأموية في الأندلس علم أنه كان رجلا عظيمًا، تحمّل الكثير من أجل تأسيس هذه الدولة، وقاسى الصعاب والمشقات حتى تقام هذه الدولة، بل وواجه ثورات كثيرة ومطامع كبيرة أحاطت به من كل جانب، وبالفعل نجح في تأسيس هذه الدولة؛ والتي يتناوشها الأعداء ويكدر صفوها الثورات الداخلية والمطامع الكثيرة، بين أبناء البيت الأموي، ولكن هذه المشكلات كلها مجتمعة لا تكاد تصل إلى ما تحمّله الجد المؤسس صقر قريش من صعاب ومشقات، وبدأ الفتى الصغير يفكر كيف يتخلص من كل هذه المشكلات والأمور ليست بيده، بل بيد كبار بني أمية من أعمامه، وأقربائه، والذين يتبوأ كل منهم مكانة عالية ومنصبًا رفيعًا في هذا البلاط الملكي... إنه أبدًا لم ولن يفقد الأمل فقد رباه جده على الصبر وقوة العزيمة وحسن الثقة بالله، واليقين بنصر الله... إنه ينتظر الفرصة ليحقق المجد لأمته ويرفع عنها العناء... وفي ظلّ هذا الجوّ المليء بالفتن، وهذه التركة المثقلة بالهموم، نفاجأ بأمر جلل، لكنه كان متوقعًا، فقد زهد جميع أبناء عبد الله بن محمد المرشحون للخلافة في الحكم، وذلك لِما رأوا من عبء هذه التركة المثقلة بالهموم، ولعدم توقع أحد منهم قدرته على التمكّن من الإصلاح... |
||||||||||||||
|
|||||||||||||||
28-09-2010, 23:52 | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||||||||||||
|
رد: قصة الاندلس ...
الحكم بن عبد الرحمن الناصر 302 - 366 هـ استخلف عبد الرحمن الناصر على الحكم ابنه الحكم بن عبد الرحمن الناصر، والذي تولّى من سنة 350 هـ= 961 م إلى سنة 366 هـ= 976 م وفي عهده حدثت في بلاد الأندلس نهضة علمية غير مسبوقة؛ ولا غرو فقد تولّى الحُكم وهو يبلغ من العمر سبعًا وأربعين سنة، وكان هو نفسه عالمًا من العلماء، ويكفي أنه لُقّب بعاشق الكتب. أنشأ الحكم بن عبد الرحمن المكتبة الأمويّة، تلك التي تعد أعظم مكتبات العصور الوسطى على الإطلاق، وكانت تنافس مكتبة قرطبة ومكتبة بغداد، وقد دفع آلاف الدنانير لجلب أعظم الكتب إليها من كل مكان في العالم، وكان له عمّال وظيفتهم الوحيدة هي جمع الكتب من مشارق الأرض ومغاربها من بلاد المسلمين ومن غير بلاد المسلمين، فإذا جاءوا بكتاب في الفلك أو الطب أو الهندسة أو غيرها من أي بلد غير إسلامي تُرجم على الفور وضُمّ إلى المكتبة الأموية. كان رحمه الله يشتري الكتب مهما بالغ الناس في أسعارها، وقد أحضر في مكتبته هذه النسخة الأولى من كتاب الأغاني للأصفهاني (كتاب في الأدب) وأصفهان هذه الآن من مدن إيران، فأين إيران من إسبانيا الآن فالرجل لم تكن تقف أمامه التخوم ولا الحدود!! كثر النسخ في عصره وصار وظيفةً للنساء في البيوت، واشتهرت نساء الأندلس بحسن الخط وجماله؛ حيث كان الرجال مشغولون بالجهاد ونشر العلم والبناء والمعمار وغيره، وكانت قد ازدهرت كثيرًا في الأندلس صناعة الكتب والورق والتجليد والأحبار، الأمر الذي كان فيه باباوات إيطاليا يشترون الورق من الأندلس ليكتبوا عليه أناجيلهم، وكذلك كانت كل أوروبا تستورد الورق وغيره من بلاد الأندلس. وسّع الحكم بن عبد الرحمن الناصر رحمه الله في المكتبة كثيرًا، وجعل لها أروقة عظيمةً حتى تستوعب كثرة الحضور من المسلمين، وأنشأ أيضًا دارًا لتعليم الفقراء بالمجان، وخصّص المعونات والمكافآت لطلاب العلم، حتى انتشر التعليم بصورة ملفتة، واختفت الأمّية تمامًا في هذا العهد السحيق - منذ أكثر من ألف عام - وأصبح كل أهل الأندلس يعرفون القراءةَ والكتابةَ. أنشأ أيضًا رحمه الله جامعة قرطبة، وقد كان العلماء قبل إنشائها يشتغلون بالتجارة أوالزراعة أوالصناعة أو غيرها من الحرف اليدوية، إضافة إلى كونهم يتعلمون ويُعلّمون، لكن الحكم بن عبد الرحمن الناصر جعل وظيفة التدريس وظيفة خاصة قائمةً بنفسها، فكان يجعلهم يفرغون للتدريس والتعليم فقط؛ وذلك حتى يستطيعوا أن يبدعوا فيه. |
||||||||||||||
|
|||||||||||||||
28-09-2010, 23:52 | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||||||||||||
|
رد: قصة الاندلس ...
قرطبة المدينة الإسلامية النموذجية أصل التسمية: قال ياقوت الحموي: قُرْطُبة: بضم أوله وسكون ثانيه وضم الطاء المهملة أيضاً والباء الموحدة كلمة فيما أحسب عجمية رومية ولها في العربية مجال يجوز أن يكون من القرطبة وهو العدو الشديد. قال بعضهم: إذا رآني قد أتيت قَرْطب... وجالَ في جحاشه وطرطبَا وقال الزَّبيدي في تاج العروس قَرْطَبَهُ: إِذَا صَرَعَهُ يُقَالُ: طَعَنَهُ فَقَرْطَبَهُ وقَحْطَبَه وقولُ أَبي وَجْزَةَ السَّعْدِيّ: والضَّرْبُ قَرْطَبَةُ بِكُلِّ مُهَنَّدٍ... تَرَكَ المَداوِسُ مَتْنَهُ مَصْقُولاَ قال الفَرّاءُ: قَرْطَبْتُهُ: إِذا صَرَعْتَهُ أو قَرْطَبَه: إِذا صَرَعَهُ على قَفَاهُ. وتَقَرْطَبَ على قَفَاهُ: انْصَرعَ. ولا زالت مدينة قرطبة محتفظة باسمها إلى اليوم فهي بالاسبانية Crdoba، وبالإنجليزية Cordova أو Cordoba قرطبة تدخل في الإسلام كانت قرطبة من أوائل المدن التي دخلها الإسلام ففي العام 93 هـ= 711 م أرسل طارق بن زياد القائد مغيثًا الرومي ومعه سبعمائة رجل لفتح المدينة العظيمة وبعث مغيث الأدلاء كي يلقون من عنده خبر؛ فألقوا راعي غنم، فأتوا به إليه، وهو في الغيضة؛ فسأله عن قرطبة؛ فقال له: انتقل. عنها عظماء أهلها، ولم يبق فيها إلاَّ بطريقها في أربعمائة فارس من حماتهم مع ضعفاء أهلها. ثم سأله عن حصانة سورها؛ فأخبره أنه حصين، إلا أن فيه ثغرة فوق باب الصورة، وهو باب القنطرة، ووصف لهم الثغرة. فلما جنَّ الليل، تحرك مغيث بمن معه، وعبروا النهر، وقابلوا السور، وراموا التعلق به؛ فتعذر عليهم؛ فرجعوا إلى الراعي، وأتوا به معهم؛ فدلهم على الثغرة؛ فراموا التعلق بها؛ فصعب عليهم، حتى صعد رجل من المسلمين في دروتها، ونزع مغيثٌ عمامته، فناوله طرفها، وارتقوا بها حتى كثروا بالسور؛ ثم جاء مغيث إلى باب القنطرة، وهي يومئذ مهدومة، وأمر أصحابه بالحوم على أحراس السور، فكسروا الأقفال، ودخل مغيث بمن معه. البيان المغرب في أخبار الأندلس و المغرب - ابن عذاري لقد نجحوا في مهمتهم بعد أن دخلوا من الأسوار وفتحوا الأبواب وأُسر أمير المدينة الذي حاول الفرار ولكنه لم ينجح في ذلك... موقع قرطبة: قال "الإصطخري" في "المسالك والممالك": وأما الغربي من المغرب فهو الأندلس، والأندلس بلدان عريضة كثيرة المدن خصبة واسعة، ومدينتها العظمى تسمى "قرطبة"، وهي من الأندلس في وسطها... وقال "ابن سعد المغربي" في كتابه "الجغرافيا": وطول "قرطبة"، قاعدة الأندلس في مدة بني أمية، عشر درجات، وعرضها ثمان وثلاثون درجة ونصف. وهي على غربي النهر الكبير الذي عليه إشبيلية.... هـ وقرطبة اليوم مدينة وعاصمة مقاطعة في جنوب اسبانيا تحمل اسمها وتقع على نهر يسمى (جواداالكبير ) أو نهر الوادي الكبير... قالوا عن قرطبة: قال "الحِميري" صاحب "الروض المعطار في خبر الأقطار": قُرْطُبة: قاعدة الأندلس وأم مدائنها ومستقر خلافة الأمويين بها وآثارهم بها ظاهرة، وفضائل قرطبة ومناقب خلفائها أشهر من أن تذكر، وهم أعلام البلاد وأعيان الناس، اشتهروا بصحة المذهب وطيب المكسب وحسن الزي وعلو الهمة وجميل الأخلاق، وكان فيها أعلام العلماء وسادات الفضلاء، وتجارها مياسير وأحوالهم واسعة، وهي في ذاتها مدن خمس يتلو بعضها بعضاً، وبين المدينة والمدينة سور حاجز، وفي كل مدينة ما يكفيها من الأسواق والفنادق والحمّامات وسائر الصناعات، وطولها من غربيها إلى شرقيها ثلاثة أميال، وعرضها من باب القنطرة إلى باب اليهود ميل واحد وهي في سفح جبل مطل عليها يسمى جبل العروس، ومدينتها الوسطى هي التي فيها باب القنطرة. وقال عنها "ياقوت الحموي" في "معجم البلدان": مدينة عظيمة بالأندلس وسط بلادها وكانت سريراً لملكها وقصبتها وبها كانت ملوك بني أمية ومعدن الفضلاءِ ومنبع النبلاءِ من ذلك الصقع وبينها وبين البحر خمسة أيام. قال ابن حوقل التاجر الموصلي: وكان طَرَقَ تلك البلاد - في حدود سنة 350 هـ= 961 م - فقال: وأعظم مدينة بالأندلس قرطبة وليس لها في المغرب شبيه في كثرة الأهل وسعة الرقعة ويقال: إنها كأحد جانبي بغداد وإن لم تكن كذلك فهي قريبة منها وهي حصينة بسور من حجارة ولها بابان مشرعان في نفس السور إلى طريق الوادي من الرصافة والرصافة مساكن أعالي البلد متصلة بأسافله من ربضها وأبنيتها مشتبكة محيطة من شرقيها وشماليها وغربها وجنوبها فهو إلى واديها وعليه الرصيف المعروفُ بالأسواق والبيوع مساكن العامة بربضها وأهلها متمولون متخصصون وأكثر ركوبهم البغلات من خَوَرهم وجبنهم أجنادهم وعامتهم ويبلغ ثمن البغلة عندهم خمسمائة دينار وأما المائة والمائتان فكثير لحسن شكلها وألوانها وقدودها وعلوها وصحة قوائمها. وقال "أبو الحسن بن بسام" رحمه الله في كتابه "الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة": وحضرة قرطبة، منذ استفتحت الجزيرة، هي كانت منتهى الغاية، ومركز الراية، وأم القرى، وقرارة أهل الفضل والتقى، ووطن أولي العلم والنهى، وقلب الإقليم، وينبوع متفجر العلوم، وقبة الإسلام، وحضرة الإمام، ودار صوب العقول، وبستان ثمرة الخواطر، وبحر درر القرائح؛ ومن أفقها طلعت نجوم الأرض وأعلام العصر، وفرسان النظم والنثر؛ وبها انتشأت التأليفات الرائقة، وصنفت التصنيفات الفائقة؛ والسبب في ذلك، وتبريز القوم قديماً وحديثاً هنالك على من سواهم، أن أفقهم القرطبي لم يشتمل قط إلا على أهل البحث والطلب، لأنواع العلم والأدب. وبالجملة فأكثر أهل بلاد هذا الأفق أشراف عرب المشرق افتتحوها، وسادات أجناد الشام والعراق نزلوها؛ فبقي النسل فيها بكل إقليم، على عرقٍ كريم، فلا يكاد بلد منها يخلو من كاتب ماهر، وشاعر قاهر... وقال عنها "ابن الوردي" في كتابه "خريدة العجائب وفريدة الغرائب": ومن أقاليم الأندلس إقليم الكنانية ومن مدنه المشهورة قرطبة وهي قاعدة بلاد الأندلس ودار الخلافة الإسلامية، وهي مدينة عظيمة وأهلها أعيان البلاد، وسراة الناس في حسن المآكل والملابس والمراكب وعلو الهمة، وبها أعلام العلماء وسادات الفضلاء وأجلاء الغزاة وأمجاد الحروب... من علماء قرطبة: قال ياقوت الحموي" في "معجم البلدان": وينسب إليها - أي إلى قرطبة - جماعة وافرة من أهل العلم منهم أبو بكر يحيى بن سعدون بن تمامٍ الأزدي القرطبي قرأ عليه كثير من شيوخنا وكان أديبا فاضلاً مقرئاً عارفاً بالنحو واللغة سمع كثيراً من كتب الأدب وورد الموصل فأقام بها يفيد أهلها ويقرؤون عليه فنون العلم إلى أن مات بها في سنة 567 هـ= 1172 م، وممن ينسب إليها أحمد بن محمد بن عبد البر أبو عبد الملك من موالي بني أمية سمع محمد بن أحمد بن الزرَّاد وابن لُبابة وأسلم بن عبد العزيز وغيرهم وله كتاب مؤلف في الفقهاءِ بقرطبه ومات في السجن لليلتين بقيتا من رمضان سنة 338 هـ= 950 م قال ابن الفرَضي: وأحمد بن محمد بن موسى بن بشير بن حَناذ بن لقيط الرازي الكناني من أنفسهم من أهل قرطبة يكنى أبا بكر وفد أبوه على الإمام محمد وكان أبوه من أهل اللسانة والخطابة وولد أحمد بالأندلس وسمع من أحمد بن خالد وقاسم بن أصبغ وغيرهما وكان كثير الرواية حافظاً للأخبار وله مؤلفات كثيرة في أخبار الأندلس وتواريخ دُول الملوك منها توفي لاثنتي عشرة ليلة خلت من رجب سنة 344هـ= 955 م ومولده في عاشر ذي الحجة سنة 274 هـ= 25 - أبريل - 888 م قاله ابن الفَرَضي، وحباب بن عُبَادة الفَرَضي أبو غالب القرطبي له تآليف في الفرائض، وحسن بن الوليد بن نصر أبو بكر يعرف بابن الوليد وكان فقيهاً عالماً بالمسائل نحويا خرج إلى الشرق في سنة 362، وخالد بن سعد القرطبي أحد أئمة الأندلس كان المستنصر يقول إذا فاخرَنا أهل المشرق بيحيى بن مروان أتيناهم بخالد بن سعد وصنف كتاباً في رجال الأندلس ومات فجأة سنة 352 عن ابن الفرضي وقد نيف على الستين، وخلف بن القاسم بن سهل بن محمد بن يونس بن الأسود أبو القاسم المعروف بابن الدَباغ الأزدي القرطبي ذكره الحافظ في تاريخ دمشق وقد سمع بدمشق أبا الميمون بن راشد وأبا القاسم بن أبي العَقب وبمكة أبا بكر أحمد بن محمد بن سهل بن رزق الله المعروف ببكَير الحداد وأبا بكر بن أبي الموت وبمصر عبد الله بن محمد المفسر الدمشقي والحسن بن رشيق روى عنه أبو عمر يوسف بن حمد بن عبد البر الحافظ وأبو الوليد عبد الله بن محمد بن يوسف الفرضي وأبوعمرو الدانىِ كان حافظاً للحديث عالماً بطرقه ألَّف كُتباً حسانا في الزهد ومولده سنة 325 ومات سنة 393 في ربيع الآخر.... |
||||||||||||||
|
|||||||||||||||
28-09-2010, 23:52 | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||||||||||||
|
رد: قصة الاندلس ...
بعض مدن قرطبة: قَنبَان: قرية من قرى قرطبة بالأندلس. ينسب إليها أبو عبد الله محمد بن عبد البر القنباني المعروف بالكشكيناني كان من الثقات في الرواية والمجودين في الفتاوى وله حظوة عند الحكم المستنصر أحد خلفاء بني أمية بالأندلس ودخل المشرق، وكتب عنه عبد الرحمن بن عمر بن النحاس عن عبد الله بن يحيى الليثي... معجم البلدان - ياقوت الحموي الزهراء: مدينة في غربي قرطبة بناها الناصر عبد الرحمن بن محمد، كذا قالوا، ولا أدري أهي الزاهرة المتقدمة الذكر، أو غيرها وبينها وبين قرطبة خمسة أميال. وكانت قائمة الذات بأسوارها ورسوم قصورها، وكان فيها قوم سكان بأهاليهم وذراريهم، وكانت في ذاتها عظيمة، وهي مدينة فوق مدينة، سطح الثلث الأعلى على الحد الأوسط، وسطح الثلث الأوسط على الثلث الأسفل، وكل ثلث منها له سور، فكان الحد الأعلى منها قصوراً يعجز الواصفون عن وصفها، والحد الأوسط بساتين وروضات، والحد الأسفل فيه الديار والجامع... الروض المعطار في خبر الأقطار مسجد قرطبة: قال صاحب الروض المعطار في وصف هذا المسجد العظيم: وبها الجامع المشهور أمره الشائع ذكره من أجل مساجد الدنيا كبرَ مساحة وإحكامَ صنعة وجمالَ هيئة وإتقان بنية تهمم به الخلفاء المروانيون فزادوا فيه زيادة بعد زيادة، وتتميماً إثر تتميم، حتى بلغ الغاية في الإتقان، فصار يحار فيه الطرف ويعجز عن حسنه الوصف وليس في مساجد المسلمين مثله تنميقاً وطولاً وعرضاً، طوله مائة باع وثمانون باعاً ونصفه مسقف، ونصفه صحن بلا سقف، وعدد قسي مسقَّفه أربع عشرة قوساً، وسواري مسقفه بين أعمدته وسواري قببه صغاراً وكباراً مع سواري القبلة الكبرى وما يليها ألف سارية، وفيه مائة وثلاث عشرة ثريا للوقيد أكبر واحدة منها تحمل ألف مصباح، وأقلها تحمل اثني عشر مصباحاً، وجميع خشبه من عيدان الصنوبر الطرطوشي، ارتفاع الجائزة منه شبر في عرض شبر إلا ثلاثة أصابع، في طول كل جائزة سبعة وثلاثون شبراً وبين الجائزة والجائزة غلظ الجائزة، وفي سقفه من ضروب الصنائع والنقوش ما لا يشبه بعضها بعضاً، قد أحكم ترتيبها وأبدع تلوينها بأنواع الحمرة والبياض والزرقة والخضرة والتكحيل، فهي تروق العيون وتستميل النفوس بإتقان ترسيمها ومختلفات ألوانها وسعة كل بلاط من بلاط سقفه ثلاثة وثلاثون شبراً وبين العمود والعمود خمسة عشر شبراً ولكل عمود منها رأس رخام وقاعدة رخام. ولهذا الجامع قبلة يعجز الواصفون عن وصفها وفيها إتقان يبهر العقول تنميقها،، وفيها من الفسيفساء المذهب والبلور مما بعث به صاحب القسطنطينية العظمى إلى عبد الرحمن الناصر لدين الله، وعلى وجه المحراب سبع قسيّ قائمة على عمد طول كل قوس أشف من قامة، وكل هذه القسي مزججة صنعة القوط، قد أعجزت المسلمين والروم بغريب أعمالها ودقيق وضعها، وعلى أعلى الكل كتابان منحوتان بين بحرين من الفسيفساء المذهب في أرض الزجاج اللازوردي، وعلى وجه المحراب أنواع كثيرة من التزيين والنقوش، وفي جهتي المحراب أربعة أعمدة: اثنان أخضران واثنان زرزوريان لا تقوم بمال، وعلى رأس المحراب خَصّة رخام قطعة واحدة مسبوكة منمقة بأبدع التنميق من الذهب واللازورد وسائر الألوان واستدارت على المحراب حظيرة خشب بها من أنواع النقش كل غريبة، ومع يمين المحراب المنبر الذي ليس بمعمور الأرض مثله صنعة، خشبه أبنوس وبقس وعود المجمر، يقال إنه صنع في سبع سنين، وكان صناعة ستة رجال غير من يخدمهم تصرفاً، وعن شمال المحراب بيت فيه عدد وطسوت ذهب وفضة وحسك، وكلها لوقيد الشمع في كل ليلة سبع وعشرين من رمضان، وفي هذا المخزن مصحف يرفعه رجلان لثقله فيه أربع أوراق من مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي خطه بيمينه، وفيه نقطة من دمه، ويخرج هذا المصحف في صبيحة كل يوم، يتولى إخراجه قوم من قَوَمة الجامع، وللمصحف غشاء بديع الصنعة منقوش بأغرب ما يكون من النقش، وله كرسي يوضع عليه، فيتولى الإمام قراءة نصف حزب فيه، ثم يرفع إلى موضعه. وعن يمين المحراب والمنبر باب يفضي إلى القصر، بين حائطي الجامع في ساباط متصل، وفي هذا الساباط ثمانية أبواب، منها أربعة تنغلق من جهة القصر وأربعة تنغلق من جهة الجامع. ولهذا الجامع عشرون باباً مصفحة بصفائح النحاس وكواكب النحاس، وفي كل باب منها حلقتان في غاية الإتقان، وعلى وجه كل باب منها في الحائط ضروب من الفصّ المتخذ من الآجر الأحمر المحكوك، أنواع شتى وأصناف مختلفة من الصناعات والتنميق. وللجامع في الجهة الشمالية الصومعة الغريبة الصنعة، الجليلة الأعمال، الرائقة الشكل والمثال، ارتفاعها في الهواء مائة ذراع بالذراع الرشاشي، منها ثمانون ذراعاً إلى الموضع الذي يقف عليه المؤذن، ومن هناك إلى أعلاها عشرون ذراعاً، ويصعد إلى أعلى هذا المنار بدرجين: أحدهما من الجانب الغربي، والثاني من الشرقي، إذا افترق الصاعدان أسفل الصومعة لم يجتمعا إلا إذا وصلا الأعلى. ووجه هذه الصومعة مبطن بالكذّان منقوش من وجه الأرض إلى أعلى الصومعة، بصنعة تحتوي على أنواع من التزويق والكتابة. وبالأوجه الأربعة الدائرة من الصومعة صفان من قسيّ دائرة على عقد الرخام، وبيت له أربعة أبواب مغلقة يبيت فيه في كل ليلة مؤذنان، وعلى أعلى الصومعة التي على البيت ثلاث تفاحات ذهباً واثنتان من فضة وأوراق سوسنية، تسع الكبيرة من هذه التفاحات ستين رطلاً من الزيت، ويخدم الجامع كله ستون رجلاً، وعليهم قائم ينظر في أمورهم فهذا ما حكاه محمد بن محمد بن إدريس.... هـ ووصف "ابن الوردي" هذا المسجد في كتابه "خريدة العجائب وفريدة الغرائب" فقال: وبها - أي بقرطبة - الجامع الذي ليس في معمور الأرض مثله، طوله ذراع في عرض ثمانين ذراعاً وفيه من السواري الكبار ألف سارية، وفيه مائة وثلاث عشرة ثريا للوقود، أكبرها يحمل ألف مصباح، وفيه من النقوش والرقوم ما لا يقدر أحد على وصفه، وبقبلته صناعات تدهش العقول، وعلى فرجة المحراب سبع قسي قائمة على عمد طول كل قوس فوق القامة، تحير الروم والمسلمون في حسن وضعها. وفي عضادتي المحراب أربعة أعمدة، اثنان أخضران واثنان لازورديان، ليس لها قيمة. وبه منبر ليس على معمور الأرض مثله في حسن صنعته، وخشبه ساج وأبنوس وبقس وعود قاقلي. ويذكر في كتب تواريخ بني أمية أنه أحكم عمله ونقشه في سبع سنين، وكان يعمل فيه ثمانية صناع، لكل صانع في كل يوم نصف مثقال محمدي، وكان جملة ما صرف على المنبر أجرة لا غير عشرة آلاف مثقال وخمسي مثقال. وفي الجامع حاصل كبير ملآن من آنية الذهب والفضة لأجل وقوده. وبهذا الجامع مصحف فيه أربع ورقات من مصحف عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه بخطه، أي بخط يده، وفيهن نقط من دمه. وله عشرون باباً مصفحات بالنحاس الأندلسي، مخرمات تخريماً يعجز البشر، وفي كل باب حلق، في نهاية الصنعة والحكمة. وبه الصومعة العجيبة التي ارتفاعها مائة ذراع بالملكي المعروف بالرشاشي، وفيها من أنواع الصنائع الدقيقة ما يعجز الواصف عن وصفه ونعته. وبهذا الجامع ثلاثة أعمدة حمر مكتوب على أحدها اسم محمد، وعلى الآخر صورة عصا موسى وأهل الكهف، وعلى الثالث صورة غراب نوح. والجميع خلقة ربانية. وصف مسجد قرطبة في الوقت الحالي: المسجد مستطيل الشكل يمتاز بصحنه الفسيح، ويضمّ العديد من الأروقة يعتبر الرواق الأوسط المؤدي إلى المحراب أوسعها، ويمتاز المسجد بمحرابه البديع الصنع حيث توجد فوقه سبعة أقواس قائمة على أعمدة، ويوجد فيه منبر نفيس مصنوع من خشب الساج النفيس وتعتبر منارة الجامع ( المسماة بمنارة عبد الرحمن الناصر ) من المنائر البديعة التي تحتوي على سلمين ولها (107درجات) وفي أعلاها ثلاث مظلات اثنتان من الذهب والثالثة من الفضة فوقها سوسنة من الذهب يوجد فوقها رمانة ذهبية صغيرة وقد حوّل الأسبـان هذه المنارة إلى برج للأجراس الكاتدرائية، ويبلغ طول باب المنارة النحاسي (8م) وارتفاعه (20م) وواجهة البناء من الرخام المنقوش بنقوش عربية بديعة. وفي الزاوية الجنوبية للمسجد توجد منارة أخرى مربعة الشكل طول ضلعها (12م) وارتفاعها (93م) وهي مكونة من خمسة طوابق في كلّ طابق عدد من الأجراس. وفي (19) باباً مصنوعاً من صفائح النحاس القوي وتقوم قبته على (365) عموداً من المرمر، وعدد قناديلـه نـحو (4700 قنديل وكان للجامع 1293 عموداً من الرخام بقي فيها (1093) عموداً... ومما يحزن القلب ويدمع العين أن هذا المسجد العظيم المهيب قد تحوّل عقب سقوط الأندلس إلى كاتدرائية وأصبح تابعًا للكنيسة مع احتفاظه باسمه وهو من أشهر المواقع التاريخية في العالم كله وتستطيع دخوله مقابل دفع 6 يورو... قنطرة قرطبة: وصفها "ابن الوردي" في كتابه "خريدة العجائب وفريدة الغرائب" فقال: وبمدينة قرطبة القنطرة العجيبة التي فاقت قناطر الدنيا حسناً وإتقاناً، وعدد قسيها سبعة عشر قوساً، كل قوس منها خمسون شبراً وبين كل قوسين خمسون شبراً... وقال "الإدريسي" في "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق " ولقرطبة القنطرة التي علت القناطر فخراً في بنائها وإتقانها وعدد قسيها سبع عشرة قوساً بين القوس والقوس خمسون شبراً وسعة القوس مثل ذلك خمسون شبراً وسعة ظهرها المعبور عليه ثلاثون شبراً ولها ستائر من كل جهة تستر القامة وارتفاع القنطرة من موضع المشي إلى وجه الماء في أيام جفوف الماء وقلته ثلاثون ذراعاً وإذا كان السيل بلغ الماء منها إلى نحو حلوقها وتحت القنطرة يعترض الوادي رصيف سد مصنوع من الأحجار القبطية والعمد الخاشنة من الرخام وعلى هذا السد ثلاث بيوت أرحاء في كل بيت منها أربع مطاحن... جامعة قرطبة: كان مسجد قرطبة هو أكبر جامعة إسلامية، وفيه كانت تلقي الدروس في مختلف العلوم، حتى تحوّل إلى أكبر مركز علمي في أوروبا، ومن خلاله انتقلت العلوم العربية إلى الدول الأوروبية، على مدى قرون، حتى سقوط مدينة "قرطبة" على يد فرناندو الثالث ملك قشتاله عام 633هـ=1236م، فتحول المسجد إلى كاتدرائية وأصبح تابعًا للكنيسة، ولا يزال الأسبان يطلقون عليه اسم (مثكيتا) Mezquita أي مسجد، وهو اليوم أبرز موقع تاريخي يميّز مدينة قرطبة... وقد عَهِدَ الحكم بن عبد الرحمن الناصر أحد خلفاء الدولة الأموية بالأندلس إلى أخيه المنذر بالإشراف على جامعة قرطبة... التعليم والمكتبات في قرطبة: امتاز عصر الحكم بن عبد الرحمن الناصر أحد خلفاء الدولة الأموية بالأندلس بازدهار العلوم والآداب وخاصة في قرطبة بصورة كبيرة، فقد كان أكثر خلفاء بني أمية حبًّا للكتب، وكان يبعث الرجال بالأموال الطائلة لاستجلاب نفائس الكتب إلى الأندلس، وأنشأ مكتبة قرطبة التي وصلت محتوياتها إلى أربعمائة ألف مجلد... وقد شهد التعليم في عهد الحكم نهضة عظيمة، فانتشرت بين أفراد الشعب معرفة القراءة والكتابة، بينما كان لا يعرفها أرفع الناس في أوربا باستثناء رجال الدين، وقد بَنَى الحكم مدرسة لتعليم الفقراء مجانًا، كما أسّس جامعة قرطبة أشهر جامعات العالم آنئذٍ، وكان مركزها المسجد الجامع، وتدّرس في حلقاتها كل العلوم ويختار لها أعظم الأساتذة. وقد احتلّت حلقات الدرس أكثر من نصف المسجد، وتم تحديد مرتبات للشيوخ ليتفرّغوا للدرس والتأليف، كما خصصت أموال للطلاب ومكافآت ومعونات للمحتاجين، ووصل الأمر بنفر من الأساتذة إلى ما يشبه منصب الأستاذية اليوم في مجالات علوم القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والنحو وغير ذلك من العلوم، وقد عهد الحكم بمهمة الإشراف على المكتبة الأموية إلى أخيه عبد العزيز... أسواق قرطبة: كانت قرطبة تتميّز بأسواقها الممتلئة بكافة السلع وكان لكل مدينة سوقًا خاصأ بها كما يذكر ذلك ياقوت الحموي في معجم البلدان والإدريسي في نزهة المشتاق وغيرهما... سكان قرطبة: تميّز سكان قرطبة خاصة بأنهم أشراف الناس وعلمائهم وأرفعهم مكانةً قال أبو الحسن بن بسّام: وبالجملة فأكثر أهل بلاد هذا الأفق يعني قرطبة خاصة والأندلس عامة أشراف عرب المشرق افتتحوها، وسادات أجناد الشام والعراق نزلوها؛ فبقي النسل فيها بكل إقليم، على عرقٍ كريم، فلا يكاد بلد منها يخلو من كاتب ماهر، وشاعر قاهر... ووصفهم ابن الوردي في خريدة العجائب وفريدة الغرائب بقوله: وأهلها أعيان البلاد، وسراة الناس في حسن المآكل والملابس والمراكب وعلو الهمة، وبها أعلام العلماء وسادات الفضلاء وأجلاء الغزاة وأمجاد الحروب.... وقال "الإدريسي" في "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق": ولم تخل قرطبة قط من أعلام العلماء وسادات الفضلاء وتجارها مياسير لهم أموال كثيرة وأحوال واسعة ولهم مراكب سنية وهمم علية... ويبلغ عدد سكان قرطبة حاليًا حوالي 310،000 نسمة. جهاد الحكم بن الناصر وتوسعاته وسط هذه الأجواء العلمية، وهذا الاهتمام الكبير من قِبَل عاشق الكتب بالعلم والتعليم، ظنت ممالك أوروبا الشمالية وممالك الأندلس النصرانية الشمالية أن الحكم بن عبد الرحمن الناصر يهتمّ بالعلم على حساب الجهاد، وعلى خلاف عهدهم الذي كانوا قد أبرموه مع أبيه عبد الرحمن الناصر قاموا بمهاجمة مناطق الشمال، فما كان من الحكم إلا أن ردّ كيدهم في نحورهم، وهاجمهم بغزوات كغزوات أبيه، وانتصر عليهم رحمه الله في مواقع عدّة، حتى رضوا بالجزية من جديد عن يدٍ وهم صاغرون. ومن منطلق إسلامي بَحْت بدأ عبد الرحمن الناصر رحمه الله في حرب الدولة الفاطمية في بلاد المغرب، كان الأندلسيون لا يملكون سوى مينائي "سبتة وطنجة" في عهد عبد الرحمن الناصر، وفي عهد الحكم بن عبد الرحمن الناصر انضمت كل بلاد المغرب إلى الأندلس تحت حكم الخلافة الأمويّة. ظلّ الحكم بن عبد الرحمن الناصر رحمه الله يحكم من سنة 350 هـ= 961 م، وحتى سنة 366 هـ= 976 م، في فترة هي أقوى فترات الأندلس على الإطلاق وأعظم عهودها. |
||||||||||||||
|
|||||||||||||||
28-09-2010, 23:53 | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||||||||||||
|
رد: قصة الاندلس ...
عبد الرحمن الناصر: بداية حياته وتوجهه نحو الإصلاح إن دراسة كافة جوانب حياة عبد الرحمن الناصر لتحتاج إلى دراسة جادّة متأنّية، وعناية خاصّة تفوق هذه الأسطر، إلا أن هناك بعض الإشارات العامة رأينا أن نقف أمامها بعض الشيء، فهو رحمه الله حين تولّى الحكم كان يبلغ من العمر اثنتين وعشرين سنة هجرية، أي إحدى وعشرين سنة ميلادية، وبلغة أخرى فهو طالب بالفرقة الثالثة أو الرابعة بالجامعة، هذه واحدة. أما الثانية فإنه يخطئ من يظن أن تاريخ عبد الرحمن الناصر رحمه الله يبدأ منذ هذا السن أو منذ ولايته هذه على البلاد، فقد رُبّي عبد الرحمن الناصر منذ نعومة أظافره تربية قلما تتكرر في التاريخ. لم يكد يرى عبد الرحمن الناصر نور الدنيا حتى قتل أبوه وهو بعد لم يبلغ من العمر إلا ثلاثة أسابيع فقط، ومن ثم قام على تربيته جدّه الأمير عبد الله بن محمد، فربّاه رحمه الله ليقوم بما لم يستطع هو القيام به، رباه على سعة العلم وقوة القيادة وحب الجهاد وحسن الإدارة، ربّاه على التقوى والورع، ربّاه على الصبر والحلم، على العزة والكرامة، ربّاه على العدل مع القريب والبعيد، ربّاه على الانتصار للمظلوم، ربّاه ليكون عبد الرحمن الناصر. وهي رسالة إلى كل آباء المسلمين وأولي الأمر منهم: إن لم نكن نحن عبد الرحمن الناصر فليكن أبناؤنا عبد الرحمن الناصر، وإذا كان كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه فما بال تربية أبنائنا اليوم؟! هل نأمرهم بالصلاة عند سبع ونضربهم عليها عند عشر؟! هل نُحفّظ أبناءَنا القرآن، أم ندعهم يتعلمون فقط اللغات ويحفظون الأغاني وينشغلون بالكرتون؟! وتُرى ما هي قدوة أولادنا وبمن يتمثلون ويريدون أن يكونوا مثلهم؟! أعباء ضخمة ولكن: كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ. والثالثة أنّ عبد الرحمن الناصر رحمه الله حين تولّى الحكم كان على ثقةٍ شديدةٍ بالله سبحانه وتعالى وفي ذات الوقت ثقةٍ شديدةٍ بنفسه وأنه قادر على أن يغيّر، فهو يعي قول الله تعالى: [إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ]{آل عمران:160}. فلم يدخل قلبه يومًا شكّ أو يأسٌ أو إحباطٌ من صعوبة التغيير أو استحالته، أو أنّه لا أمل في الإصلاح... فقام وهو ابن اثنين وعشرين عامًا وحمل على عاتقه مهمّة ناءت بها السموات والأرض والجبال، مهمّة هي من أثقل المهام في تاريخ الإسلام. |
||||||||||||||
|
|||||||||||||||
28-09-2010, 23:53 | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||||||||||||
|
رد: قصة الاندلس ...
عبد الرحمن الناصر وتغيير التاريخ يتولى عبد الرحمن الناصر الحكم ويقوم بأمر الإمارة، فإذا به - وسبحان الله - يحيل الضعف إلى قوة، والذل إلى عزة، والفُرقة إلى وحدة، ويبدد الظلام بنور ساطع يشرق في كل سماء الأندلس تحت مجدٍ وسيادةٍ وسلطان. بعد تولي عبد الرحمن الناصر الحكم وبهذه المؤهلات السابقة، وبهذه التربية الشاملة لكل مقوّمات الشخصية الإسلامية السوّية، وبهذه الثقة الشديدة بالله وبنفسه، أقدم على تغيير التاريخ، فقام بما يلي: أولا: إعادة توزيع المهام والمناصب، أو ما يمكن تسميته "تنظيف قرطبة": حين تولّى الحكم لم يكن عبد الرحمن الناصر يملك من بلاد الأندلس سوى قرطبة وما حولها من القرى، ورغم أنها تعدّ أكبر بلاد الأندلس وتمثّل مركز ثقل كبير لكونها العاصمة، إلا أنها لم تكن لتمثّل أكثر من عشر مساحة الأندلس، بدأ عبد الرحمن الناصر من هذه المساحة الصغيرة يغيّر من التاريخ. قام بتطهير المراكز المرموقة في قرطبة، من وزراء وقوّاد للجيش وغيرهم من رموز الفساد التي استولت عليها، واستبدلهم بمن يتصفون بالتقوى والورع ونظافة اليد وسعة العلم، وهكذا في كل المراكز القيادية في قرطبة. ثم أعلى من شأن العلماء، ورفع منزلتهم فوق منزلته نفسه، ورضخ لأوامرهم ونواهيهم، فطبّق ذلك على نفسه أولًا قبل أن يطبّقه على شعبه، ثم طبّق الشرع الإسلامي بكامله، ولم يتنازل ولو عن نقطة واحدة من أحكام الشرع الكريم، سواء أكان ذلك في كتاب الله أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قدوةً في كل أفعاله وأعماله. ورد أنه رحمه الله كان يحضر خطبة الجمعة، وكان يخطبها المنذر بن سعيد من أكبر علماء قرطبة وكان شديدًا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى على عبد الرحمن الناصر رحمه الله الخليفة والأمير، وكان عبد الرحمن الناصر قد بنى لنفسه قصرًا كبيرًا، فأسرف المنذر في الكلام وأسرع في التقريع لعبد الرحمن الناصر لبنائه ذلك القصر. وحين عاد عبد الرحمن الناصر إلى بيته قال: والله لقد تعمدني منذر بخطبته، وما عنى بها غيري، فأسرف عليّ، وأفرط في تقريعي، ولم يحسن السياسة في وعظي؛ فزعزع قلبي، وكاد بعصاه يقرعني. وهنا أشار عليه رجل ممن كانوا حوله بعزله عن خطبة الجمعة، فردّ عليه عبد الرحمن الناصر قائلا: أمثل منذر بن سعيد في فضله وخيره وعلمه يعزل؟! يعزل لإرضاء نفس ناكبة عن الرشد سالكة غير قصد؟! هذا والله لا يكون، وإني لأستحي من الله ألا أجعل بيني وبينه سبحانه وتعالى في صلاة الجمعة شفيع مثل منذر في ورعه وصدقه، وما عزله حتى مات. وعلى مثل هذه المبادئ وهذه المعاني بدأ عبد الرحمن الناصر رحمه الله يربّي أهل قرطبة، وكان في انصياعه هو أفضل قدوة للناس جميعًا. ثانيًا: الاتّجاه إلى الثورات ومحاولة ترويضها بعد الانتهاء من الشأن الداخلي في قرطبة وتهيئته تمامًا بدأ عبد الرحمن الناصر رحمه الله يتجه إلى المحيط الخارجي، حيث الثورات المتعددة في كل أرض الأندلس، هداه تفكيره إلى أن يبدأ بعمر أو صمويل بن حفصون (240 - 306 هـ= 855 - 919 م )؛ وذلك لسببين: الأول: أن هذا الرجل لا يختلف اثنان على أنه يستحق القتل؛ وذلك لأنه ارتدّ عن دين الله سبحانه وتعالى ومن ثَمّ فقد أصبح قتاله فرضًا على المسلمين. والسبب الثاني: أنه يستطيع بذلك أن يحفّزَ أهل قرطبة الذين كانوا قد ألفوا الثورات في هذه الآونة؛ حيث المعركة في منتهى الوضوح هي بين المسلمين والمرتدين. في الطريق للقضاء على ثورة صمويل بن حفصون بعد نحو شهرين فقط من توليه الحكم قاد عبد الرحمن الناصر أول حملة له لقتال المرتدين استردّ فيها مدينة أَسْتُجّه، وكانت من أحصن مدن الأندلس- كما علمنا عند بداية الفتوحات- ثم بعد ذلك بنحو شهرين أو ثلاثة أشهر قاد بنفسه حملة كبيرة على صمويل بن حفصون استمرّ مداها طيلة ثلاثة أشهر كاملة، هي شعبان ورمضان وشوال من سنة 300 هـ= 913 م من نفس العام الذي تولّى فيه رحمه الله فاسترد جَيّان، وهي أيضًا من المدن الحصينة في الأندلس، ويكفي لمعرفة هذا أنه استردّ فيها سبعين حصنًا من حصون صمويل بن حفصون. ما زالت قوة صمويل بن حفصون كبيرة جدًا؛ فالمدد يأتيه من الشمال من دول النصارى، ويأتيه أيضًا من الجنوب من الدولة الفاطمية، هذا فضلًا عن إمدادات مدينة إشبيلية والتي كان عليها حاكم مسلم من أولاد ابن حجاج، لكنه كان متمردًا على سلطة قرطبة، وكان يملك جيشًا مسلمًا كبيرًا. فكّر عبد الرحمن الناصر كثيًرا في كيفية قطع هذه الإمدادات على صمويل بن حفصون، اهتدى أخيرًا في أن يبدأ بالهجوم على مدينة إشبيلية أكبر مدن الجنوب بعد قرطبة؛ وذلك بمنطق النزعة الإسلامية التي غلبت عليه، حيث أمّل إن هو ذهب إلى إشبيلية واستطاع أن يُرغم حاكمها على الانضمام له أو الانصياع إليه بالقوة أن ينضم إليه جيش إشبيلية المسلم الكبير، وبذلك تقوى جيوش الدولة الأموية، وتقوى شوكته. وبالفعل وبعون من الله كان له ما أمّل، حيث ذهب إلى إشبيلية بعد أقل من عام واحد من ولايته في سنة 301 هـ= 914 م، واستطاع أن يضمّها إليه؛ فقويت بذلك شوكته وعظم جانبه، فعاد إلى صمويل بن حفصون بعد أن قطع عنه المدد الغربي الذي كان يأتيه من إشبيلية، واستردّ منه جبال رندة ثم شذونة ثم قرمونة، وهي جميعًا من مدن الجنوب. تعمّق عبد الرحمن الناصر بعد ذلك ناحية الجنوب حتى وصل إلى مضيق جبل طارق فاستولى عليه، ويكون بذلك أيضا قد قطع الإمدادات والمساعدات التي كانت تأتيه من الجنوب من الدولة الفاطمية عن طريق مضيق جبل طارق، وسعى عبد الرحمن الناصر إلى أكثر من هذا حيث قطع أيضا طريق الإمدادات التي كانت تأتيه من الدول النصرانية في الشمال عن طريق المحيط الأطلسي، ثم مضيق جبل طارق، ثم البحر الأبيض المتوسط حتى تصله، وبذلك يكون عبد الرحمن الناصر قد قطع عن صمويل بن حفصون كل طرق الإمدادات والمساعدات التي كانت تمدّه وتقوّيه. لم يجد صمويل بن حفصون بدًا من طلب الصلح والمعاهدة من عبد الرحمن الناصر على أن يعطيه اثنين وستين ومائة حصنًا من حصونه، ولأن البلاد كانت تشهد موجة من الثورات والانقسامات يريد عبد الرحمن الناصر أن يتفرغ لها، فضلًا عن أنه سيضمن في يده اثنين وستين ومائة حصنًا وسيأمن جانبه فقد قبل المعاهدة ووافق على الصلح من صمويل بن حفصون. عبد الرحمن الناصر يفاجأ الجميع ويتجه نحو الشمال الغربي أصبحت قوة عبد الرحمن الناصر رحمه الله تضم قرطبة وإشبيلية وجيان وأستجّة، وهي جميعًا من مدن الجنوب، بالإضافة إلى حصون أخرى كثيرة - كما ذكرنا - وكل هذه المساحة كانت تمثّل تقريبا سدس مساحة الأندلس الإسلامية في ذلك الوقت، هذه واحدة. الأمر الثاني أن صمويل بن حفصون ما زال يملك حصونًا كثيرة ويسيطر سيطرة كاملة على الجنوب الشرقي من البلاد، لكن قطعت عنه الإمدادات الخارجية سواء من النصارى أو الدولة الفاطمية أو إشبيلية. والأمر الثالث أنه كان هناك تمرّد في طليطلة (تقع في شمال قرطبة)، ورابعًا: تمرّد في سرقسطة في الشمال الشرقي، وخامسًا: تمرّد في شرق الأندلس في بلنسية، وسادسًا: تمرّد في غرب الأندلس يقوده عبد الرحمن الجليقي. أي أن الأندلس في عام 302 هـ= 915 م كانت مقسمة إلى ستة أقسام، قسم واحد فقط في يد عبد الرحمن الناصر، ويضم قرطبة وإشبيلية وما حولها بما يقارب سدس مساحة الأندلس كما ذكرنا، والخمسة الأخرى موزعة على خمس متمردين، والمتوقع - إذن - هو أن يحاول عبد الرحمن الناصر من جديد مقاومة إحدى مراكز التمرّد هذه إن لم تكن الأقرب إليه. وإن المرء ليقف متعجبًا حين يعلم أن عبد الرحمن الناصر ترك كل هذه التمرّدات، واتّجه صوب الشمال الغربي صوب مملكة ليون النصرانية مباشرة. ترك عبد الرحمن الناصر كل شيء وأخذ جنده من قرطبة وإشبيلية وصعد في اتجاه الشمال الغربي ليقابل قوات النصارى هناك، والتي كانت تهاجم منطقة من مناطق المتمردين غرب الأندلس. ظل عبد الرحمن الناصر في حرب مع قوات النصارى تلك في أرض المتمردين عامين كاملين، عاد بعدها منتصرا محملًا بالغنائم، تاركًا البلاد راجعًا إلى قرطبة وإشبيلية، وكأنه أراد أن يعلم الناس أمرًا ويرسل إليهم برسالة في منتهى الوضوح كانت قد خفيت عليهم، مفادها أن الأعداء الحقيقيين ليسو المسلمين في الداخل، إنما هم النصارى في الشمال، إنما هم في مملكة ليون، ومملكة نافار، ومملكة أراجون. بهذا العمل استطاع عبد الرحمن الناصر رحمه الله إحراج المتمردين إحراجًا كبيرًا أمام شعوبهم، كما استطاع أن يحرك العاطفة في قلوب الشعوب نحوه، وكذلك تتحرك عواطف الشعوب نحو من يدافع عن قضاياها الخارجية، ونحو من يحارب أعداءها الحقيقيين. وهي نصيحة إلى أولياء أمور المسلمين بألا يتهاونوا بعواطف الشعوب، وأن يقدّروها حق قدرها، وأن يستميلوها بالتوجه نحو الأعداء الحقيقيين بدلًا من الصراع مع الجار أو القطر المسلم، فإذا كانت القضية هي فلسطين، أو هي الشيشان، أو هي كشمير، أو هي غيرها من قضايا المسلمين كان التوحّد والتجمّع، وكان الانسجام وعدم الفُرقة. نتائج توجه عبد الرحمن الناصر نحو الشمال الغربي فقِه الدرس ووعاه جيدًا عبد الرحمن الناصر، وبعد عامين من مهاجمة النصارى في الشمال في واحدة هي من أكبر الحملات التي قادها رحمه الله والتي انتهت في سنة 304 هـ= 917 م عاد بجيشه القليل نسبيًا محملًا بالغنائم، وذلك بعد انتصارات عديدة على النصارى هناك. كانت نتائج أخرى ليست أقل من سابقتها في انتظاره رحمه الله كانت أولاه أن أذعنت سرقسطة وانضمت إليه دون قتال، وكانت الثانية بمثابة هدية من رب العالمين لمن التزم دينه وجاهد في سبيله وثبت عليه، وهي موت صمويل بن حفصون مرتدًا وعلى نصرانيته في سنة 306 هـ= 919 م عن عمر يناهز ست وستين سنة. وفي سرعة يحسد عليها قام عبد الرحمن الناصر مستغلًا هذا الحدث، وضمّ إليه كل مناطق الجنوب الشرقي، وفي خطوة تالية استتاب النصارى الذين كانوا قد ارتدوا مع صمويل من الإسلام إلى النصرانية ثلاثة أيام، فمن تاب منهم وعاد إلى الإسلام قبله في جيشه، ومن أبى إلا أن يظل نصرانيا قتله ردة، وكان من هذا الصنف الأخير ابنة صمويل بن حفصون، وقد كانت تحفّز الناس على ألا يتركوا دين الآباء ودين النصرانية. |
||||||||||||||
|
|||||||||||||||
28-09-2010, 23:53 | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||||||||||||
|
رد: قصة الاندلس ...
عبد الرحمن الناصر والطريق إلى راية واحدة للأندلس لم يلتقط عبد الرحمن الناصر رحمه الله أنفاسه، وقام في سنة 308 هـ= 921 م بالتحرك نحو واحدة من مراكز التمرد وهي طُلَيْطِلَة، تلك التي لم تستطع أن تقف أمام هذه القوة الجارفة فضمها إليه في سهولة، بعدها أصبح الطريق آمنًا نحو الشمال مباشرة؛ حيث سُرْقُسْطَة في الشمال الشرقي، وطُلَيْطِلَة في وسط الشمال قد أصبحتا في يده. وفي نفس العام 308 هـ= 921 م وعمره آنذاك ثلاثون سنة فقط، قام عبد الرحمن الناصر على رأس حملة ضخمة جدا باتجاه نصارى الشمال، فكانت غزوة موبش الكبرى بين عبد الرحمن الناصر من جهة، وجيوش ليون ونافار مجتمعة من جهة أخرى، واستمرّت هذه الغزوة طيلة ثلاثة أشهر كاملة، حقق فيها عبد الرحمن الناصر انتصارات ضخمة وغنائم عظيمة، وضمّ إليه مدينة سالم وكانت تحت يد النصارى. بعد أربعة أعوام من غزوة موبش وفي سنة 312 هـ= 924 م قاد عبد الرحمن الناصر بنفسه رحمه الله بحملة ضخمة أخرى على مملكة نافار، واستطاع في أيام معدوداتٍ أن يكتسحها اكتساحًا، ويضم إلى أملاك المسلمين مدينة بمبلونة عاصمة نافار، ثم بدأ بعدها يحرر الأراضي التي كان قد استولى عليها النصارى في عهد ضعف الإمارة الأموية. وفي سنة 316 هـ= 928 م يقود عبد الرحمن الناصر حملة أخرى على شرق الأندلس ويقمع التمرد الذي كان هناك ويضمها إلى أملاكه، ثم في نفس العام حملة أخرى على غرب الأندلس وهزيمة لعبد الرحمن الجليقي ومن ثم يضم غرب الأندلس إلى أملاكه من جديد. وبذلك وبعد ستة عشر عامًا من الكفاح المضني، يكون رحمه الله قد وحّد الأندلس كله تحت راية واحدة، وحّدها جميعا ولم يتجاوز عمره آنذاك ثمانية وثلاثين عامًا بعد، رحمه الله رحمة واسعة. عبد الرحمن الناصر.. الإنسان من يقرأ أو يسمع عن مثل ما سبق يجول في خاطره أن مثل هذا الرجل لم يكن يعرف إلا طريقًا واحدًا، هو طريق العظمة والجدية التامّة، طريق العزّة وعدم الخنوع، وهذا وغن كان صحيحًا إلا أن من ينظر إلى شخص عبد الرحمن الناصر رحمه الله والذي ظلّ يحكم البلاد من سنة 300 هـ= 913 م إلى سنة 350 هـ= 961 م (نصف قرن كامل) ليرى العجب العجاب، فقد كان رحمه الله مع كل هذا السلطان وهذا الصولجان دائم الذكر لربه سبحانه وتعالى سريع الرجوع إليه. فقد حدث ذات مرة قحط شديد في الأندلس، وقام الناس للاستسقاء، ولكنهم نظروا فلم يجدوا الخليفة معهم، فذهبوا يبحثون عنه، وكان يقوم بالصلاة المنذر بن سعيد رحمه الله فأرسل غلامًا للبحث عن عبد الرحمن الناصر، فذهب الغلام إلى القصر فوجده منفردًا بنفسه حائرًا، لابسًا أخشن الثياب، جالسًا على التراب، ودموعه قد بللت لحيته، يعترف بذنوبه ويقول: يا رب، هذه ناصيتي بيدك، أتُراك تعذّب بي الرعية وأنت أحكم الحاكمين؟! يا رب، لن يفوتك شيء مني، فتركه الغلام وذهب إلى المنذر بن سعيد وأبلغه بما رأى، فقال المنذر: يا غلام، أبشر، احمل المطر معك؛ فقد أذن الله سبحانه وتعالى بالسقيا، فإذا خشع جبّار الأرض (يقصد من يملك الناس) فقد رحم جبّار السماء. وكان يقول الشعر أيضًا، ومن شعره: همم الملوك إذا أرادوا ذكرها من بعدهـم فبألسـن البنيـان إن البنـاء إذا تعاظـم شأنه أضحى يدل على عظـيم الشان وكان حكيما ذا فطنة وذكاء في تصرفاته، حتى أن الأمراء الأسبان بعد استقرار ملكه، كانوا يحتكمون إليه في خلافاتهم الداخلية. ومن سياساته الحسنة أنه رفع إليه أن تاجراً زعم أنه ضاعت له صرة فيها مائة دينار وأنه نادى عليها وجعل لمن يأتيه بها عشرة دنانير فجاءه بها رجل عليه سمة خير وذكر أنه وجدها فلما حصلت في يد التاجر ادعى أنها كانت مائة وعشرة وإن العشرة التي نقصت منها أخذها وغرضه أن لا يعطيه ما شرط له. فوقع الناصر: صدق الرجلان فناد على مال التاجر فإنه مائة وعشرة واترك المائة مع الذي أخذها إلى أن يجيء صاحبه. |
||||||||||||||
|
|||||||||||||||
الموضوع الحالى: قصة الاندلس ... -||- القسم الخاص بالموضوع: منتدى التاريخ الاسلامي -||- المصدر: شبكة ومنتديات صدى الحجاج -||- شبكة صدى الحجاج |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
احزان الاندلس | احمد الحجايا | منتدى الاعمال المنقوله | 2 | 28-05-2010 12:05 |
تاريخ الاردن وعشائره/ الحلقة الثالثة - لـ احمد عويدي العبادي | م.محمود الحجاج | منتدى ذاكرة وطن .. وشخصيات اردنيه | 0 | 26-10-2009 21:13 |
غلام من الاندلس | فله | المنتدى الاسلامى العام | 1 | 02-02-2009 12:28 |
|
عدد الزوار والضيوف المتواجدبن الان على الشبكة من الدول العربيه والاسلاميه والعالميه
انت الزائر رقم
كل ما يكتب في المنتديات لا يعبر بالضرورة عن رأي إدارة شبكة ومنتديات صدى الحجاج
شبكة ومنتديات صدى الحجاج لا تنتمي لاي حزب او جماعه او جهة او معتقد او فئه او
مؤسسة وانما تثمل المصداقيه والكلمه الحرة
...