رد: درعا
منذ بداية المظاهرات وأمن النظام السوري يواجه المدنيين بكل ما يملك من قوَّة وقسوة، ولكن حدث تطور نوعي في هذه المواجهة بتدخل الجيش بالدبابات لمحاصرة درعا وأمثالها من المدن السوريَّة، ودخل جنود الأمن معززين بدبابات الجيش من أجل حسم هذه المواجهة وضمان عدم انتشار المظاهرات، ومعنى ذلك أن القرار السياسي الذي تَمَّ اتخاذُه هو قمع هذه المظاهرات بأيَّة وسيلة ومهما كان الثمن المدفوع، فالمواجهة مفتوحة.
وكانت النتيجة أن يقتل خمسة وعشرون مدنيًّا من أهالي درعا في اليوم الأول لبدْء هذه الهجمة التتريَّة، وأن يتمَّ إطلاق النار على السكان بطريقة مستمرَّة وعشوائيَّة، وأن يتم قطع المياه والكهرباء عن المدينة.
ووصلت الوحشيَّة وقلة الدين والخوف في نفس الوقت إلى احتلال مساجد المدينة، لضمان ألا يستخدم المتطوعون والأئمَّة المآذن لطلب التبرع بالدم أو لحث المسعفين على مساعدة الجرحى، فضلًا عن حشد الناس للاشتراك في المظاهرات.
النظام السوري يبرِّر هذه الهجمة الوحشيَّة بأن المقصود منها هو ملاحقة المجموعات الإرهابيَّة المتطرفة في المدينة وإلقاء القبض عليهم ومصادرة ما بحوزتهم من كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر، ويستمرُّ النظام في أكاذيبه بترديد أن هذا التدخل العسكري جاء استجابةً لاستغاثات المواطنين والأهالي من الإرهابيين الذين يهدِّدونهم ويريدون إنشاء إمارة سلفيَّة.
مواجهة الأسد للثورة السلميَّة السوريَّة بالحل الأمني والعسكري وبالرشاشات والدبابات والأسلحة الثقيلة التي نتج عنها حتى الآن سقوط أكثر من أربعمائة قتيل وأضعافهم من الجرحى، هذا الإجرام الرسمي شكَّل ضغطًا على الأطراف الغربيَّة، جعل الرئيس الفرنسي يطالب بالوقف الفوري للعنف، في الوقت الذي يستبعد فيه التدخل في سوريا دون قرار من الأمم المتحدة، وجعل أيضًا رئيس الوزراء الإيطالي يفعل نفس الشيء ويطالب بإنهاء العنف والقمع في سوريا، ويقول: إن هذا مرفوض لمواجهة المظاهرات السلميَّة.
أما الولايات المتحدة فإنها تدرس معاقبة النظام السوري وفرض عقوباتٍ جديدة عليه وعلى رموزه بتجميد أرصدتهم ومنع سفرهم، لكن العقبة أن هناك عقوبات أمريكيَّة مفروضة عليه بالفعل، لكن لم يكن لها الفعالية المطلوبة.
وتقوم بريطانيا وفرنسا وألمانيا والبرتغال بالتحرك داخل مجلس الأمن لمشروع إدانة للقمع الدامي للتظاهرات في سوريا، ولكن لا ينتظر أن ينتج من جرَّاء ذلك إلا بيان إدانة لن يكون له أثر في لجم الآلة العسكريَّة للنظام السوري ضد المتظاهرين السلميين.
لكن في المحصلة النهائيَّة فإن الخيارات المتاحة أمام الغرب هي إما إصدار بيانات تدين الاستخدام المفرط للقوَّة، أو السعي لفرض عقوبات من الأمم المتحدة وإجراء تحقيق من خلال المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة، أو تقديم دعم للمحتجين المطالبين بالديمقراطيَّة، أو التدخل العسكري.
لكن القوى الغربيَّة التي قرَّرت التدخل العسكري في ليبيا لمواجهة جرائم القذافي ضد المدنيين، استنادًا إلى مبدأ في الأمم المتحدة يقوم على تحمل المسئوليَّة في حماية المدنيين، اقتصر رد فعلها في الحالة السورية على الغضب الذي لم يجد إلا التصريحات فقط.
فالمصالح الاقتصاديَّة والأمنيَّة للغرب وقيمه الإنسانيَّة تختلف في كل حالة، وهناك أسباب استراتيجيَّة وسياسيَّة وعمليَّة تقف وراء تفاوت ردود الفعل الغربيَّة تجاه الأحداث في كل من سوريا وليبيا واليمن، بعد أن أيَّد الغرب بعد تردد التغيير الديمقراطي في تونس ومصر، وبعض القادة الغربيين يقولون إنه في حالة ليبيا كانت هناك مطالبة مباشرة بالمساعدة من المعارضة، كما أن جامعة الدول العربية طلبت من مجلس الأمن إصدار قرار لاتخاذ إجراء لفرض منطقة حظر للطيران، وأن ذلك حال دون وقوع مذبحة كان القذافي قد هدَّد بارتكابها في بنغازي، وأدى إلى فقد قوات القذافي السيطرة على أكثر من ثلث مناطق البلاد، كما أن قواته المسلَّحة هشَّة وتفتقر إلى ما يكفي من الأسلحة، لكن على العكس من ذلك فإن سوريا لديها جيش مدرب جيدًا وتمتلك صواريخ روسيَّة وطائرات قتاليَّة ويعتقد الغرب أن لديها أسلحة كيماويَّة، مما يجعل التدخل العسكري الغربي فيها غير وارد.
ومن الاعتبارات الغربيَّة أيضًا ألا تؤدي الثورة السوريَّة إلى زعزعة استقرار المنطقة، مما يهدِّد إمدادات النفط للدول الصناعيَّة، فقد ارتفعت أسعار النفط بالفعل إلى نحو 125 دولارًا للبرميل بعد أن كانت 80 دولارًا في العام الماضي بسبب انخفاض الإمدادات الليبيَّة وخفض السعوديَّة للإنتاج.
أولويَّة الغرب في المنطقة هي منع إيران من الحصول على قدرات تمكِّنها من حيازة أسلحة نوويَّة، وسوريا هي أقرب حلفاء إيران، ويحاول الغرب استرضاء الرئيس السوري لإبعاده عن طهران.
وبعد سنوات من محاولة الضغط على سوريا دون نجاح يُذكر فيما يتعلَّق باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري عام 2005م، أرسلت الولايات المتحدة سفيرًا مرة أخرى إلى دمشق هذا العام.
وإذا سعى الغرب لإدانة الأسد في مجلس الأمن أو إحالة ممارسات النظام السوري من قمع المتظاهرين إلى المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة فإن روسيا -وهي حليف لسوريا منذ زمن طويل- من المرجَّح أن تستخدم حق النقض (الفيتو) ضد أي قرار.
كذلك فإن أي إجراءات دبلوماسيَّة غربيَّة ربما تدفع سوريا أكثر في اتجاه إيران وربما تؤدي إلى انتقام "حزب الله" في لبنان سواء من إسرائيل أو القوات الأوروبيَّة الموجودة في المنطقة العازلة بجنوب لبنان.
|