الوسيم

الوسيم

هذه مقالة اعجبتني للدكتورة الرائعة لانا مامكغ في جريدة الراي كنت اود طرحها في منتدى الاخبار والصحافة والكاريكاتير ولكنني رايت انه من الافضل وجودها هنا حتى ارى ردود الافعال عليها خصوصا انها تناقش قضية جوهرية باتت في هذه الايام الا وهي الانجذاب وراء الشكل الخارجي للشابعوضا عن التفكير في مكنوناته الداخلية وافكاره،،، لنقرا سويا المقالة:

الوسيم ..

أذكر أنّي أشحت بوجهي سريعاً حين تطلّعت نحوي، فقد خشيت أن تضبطني أنظر إليك، والشهادة لله أنّك مفرط في الوسامة، وكل ما فيك يعلن أنّك تدرك هذه الحقيقة جيّداً، بدليل نظراتك اللامبالية الساهمة، وبدليل أنّك لم تلق بالاً للصبيتين اللتين كانتا تقفان على جانب الشارع وترمقانك باهتمام نزق!

المهم أنّ كل ما فيك كان يغري بالتأمل، ابتداءً بسيارتك اللامعة، وانتهاء بتلك الخصلة من شعرك المصفّفة بعناية فائقة، حتّى أنّ النسمات الجريئة لتلك الأمسية لم تقو على زحزحتها من مكانها. ولقد كنت أتساءل بجدية في اللحظة التي ضبطتني أنظر فيها نحوك، عن مهارتك الواضحة في تصفيف شعرك بتلك الطريقة، وعن الوقت الذي خلتك قد قضيته أمام المرآة لإتمام المهمة، ولست أخفي أنّي شعرت ببعض الغيظ أو الغيرة لعجزي التاريخي- أنا المرأة التي ربطت بالمرآة عبر العصور- عن تصفيف شعري بهذه الروعة، وبهذا الإتقان...

وخلت والديك يرمقانك بشغف عظيم في كل لحظة تخرج فيها من البيت أمامهما، وخلت الفتيات يحفظن عن ظهر قلب مواعيد خروجك وعودتك، وتأسر قلوبهن في اللحظة التي تنطلق فيها أمامهن بسيارتك الرياضية، وبخصلة شعرك الجميلة هذه...


وكدت أجزم بأنّ هاتفك المحمول لا يكفّ عن الرنين، وبأنّ والدتك تظهر غضباً ما على بسبب كل المكالمات الصامتة على هاتفك الأرضي، أو أمام الأصوات الناعمة التي تسأل عنك، في حين تبطن فرحة ما في قلبها وتخبّئها لتهمس بها إلى والدك الذي يتحفّظ هو الآخر في التعبير عن إعجابه واعتزازه بك كمحطّم قلوب من طراز رفيع! وبدا لي أنّك طالب جامعي، أو تخرّجت حديثاً، وبدا واضحاً أنّ معضلة إيجاد عمل لا تؤرّقك، فهناك طمأنينة ما في عينيك، ولا أثر لأي قلق على أي من الترهات التي نتداولها نحن، كالأزمة الاقتصاديّة مثلاً، ولا عن أزمة المياه، أو جيوب الفقر المتنامية هنا وهناك، يبدو لك العالم رائعاً... هذا واضح!

وأفقت من تأملاتي على زمجرة محرّك سيارتك، لما اهتزّت خصلة الشعر قليلا في اللحظة التي انطلقت فيها كالبرق، فلمحت عامل القمامة الذي يقوم بتنظيف أطراف الجزيرة في وسط الشارع، يقفز إليها بهلع بعد أن إندفعت باتجاهه، وأحد بائعي الصحف هرع متراجعاً حين عدت وانحرفت بسيارتك في اتجاهه على الناحية المقابلة...

ضجيج ودخان وصخب ورعب... وكل ما أوحى لي بأنّ ذلك الرأس الجميل للغاية... فارغ إلى حد فاق توقعاتي كلها!

د. لانا مامكغ

المصدر: شبكة ومنتديات صدى الحجاج