لبيك يا الله عن حق ويقين

لبيك يا الله عن حق ويقين

الحمدلله
الذي فرض على المسلمين الحج ليطهر قلوبهم
ويصلح نفوسهم ،

ويغفر ذنوبهم ، ويدخلهم الجنة عرفها لهم
وأشهد أن لا إله إلا الله شرع

الحج إلى البيت الحرام
ليلتقي فيه المسلمون من كل جنس ومكان ولون

ولسان ، وتتوحد فيه أمة الإسلام .


وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله
خلص البيت من الشرك والمشركين ،

وطهره للحجاج والمعتمرين
وعلمهم مناسك الحج والدين .

اللهم صل وسلم على حبيبنا محمد
وعلى آله وصحبه وأتباعه أجمعين .






يقول الله تعالى :

{ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ

مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ

سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}
آل عمران 96-97

ومنح الله تبارك وتعالى شرف هذا البيت أبا الأنبياء إبراهيم عليه السلام الذي

كان أمتَا قانتًا لله حنيفًا ولم يك من المشركين وابنه إسماعيل الذي كان صادق

الوعد عند ربه مرضيًا حتى يكون هذا العمل خالصا لوجه الله تعالى، مؤسسًا

على التقوى من أول يوم ، مبجلًا ومكرمًا من البشر جميعًا ..

{ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ

العَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا

وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * }
( البقرة - 127- 128) .

إن الله فـرض علــى المسلميــن الحج إلــى البيت الحـرام ،

البيت الذي كان أول مسجد بني لعبادة الله في الأرض

البيت الذي رفع قواعده إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام

البيت الـذي حـــج إليـــه الأنبيـــاء والمــــرســـــلون
البيت الذي أســس علــــــى التقوى والإيمـــان

البيت الذي جعل الله فيه الصفا والمروة
وزمزم والحجر الأسود

البيت الذي جعله الله أمنًا وسلامًا وطمئنينة وسكينة

البيت الذي شهد مولد رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ودعوته العظيمة

البيت الذي تهفو إليه الأفئدة ، وتحن إليه الأرواح

البيت الذي جعله الله قبلة للمؤمنين في كل مكان

البيت الذي يغدق الله فيه الخيرات والبركات
وينزل فيه المغفرة

والرحمــات ، ويضــاعف فيــه الطاعات والصلــوات



وأمر الله جل جلاله عباده المؤمنين
بالتوجه إلى البيت العتيق في صلاتهم

حيثما كانوا
وأينما حلوا أو ارتحلوا حتى يشعروا بأنهم أمة واحدة ،

ربها واحد ، ورسولها واحد
ودستورها واحد وغايتها وقبلتها واحدة ..

{وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ

وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ

تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } ( البقرة 150) .


وفرض الله عز وجل على المسلمين أن يحجوا إلى البيت الحرام ليشهدوا

منافع لهم ويرسخوا دعائم وحدتهم ، ويشعروا بقوتهم وعزتهم ، ويتخلصوا

من يأسهم وعجزهم .

"‏ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ

اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ " ‏(‏ آل عمران‏:97)‏



والحج إلى بيت الله الحرام ركن من أركان الإسلام ، وفريضة واجبة على كل

مسلم مستطيع مرة في العمر .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : " خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَقَالَ : " أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا" فَقَالَ رَجُلٌ أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ

اللَّهِ ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ قُلْتُ نَعَمْ

لوجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ ثُمَّ قَالَ :" ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ

سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا

نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ " رواه مسلم




وإن ترك الحج مع القدرة عليه لظلم للنفس ، وحرمان لها من خيرات

وبركات هذه الفريضة ، ومن الأجر العظيم الذي أعده الله لمن يؤديها .

ويجب المسارعة بتلبية النداء واغتنام فرصة الصحة والقدرة والحياة

والأمن ، فالمرء لا يدري ماذا يعرض له ، والحياة وهم وسراب ، والمال

ربما يكون إلى ذهاب ، والصحة لا تدوم ، ودوام الحال من المحال ،

وبين لـحظة وأخـرى يغير الله مـن حــال إلــى حــال .

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ

ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ

الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ *

وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } ( المنافقون 9- 11)

يقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : " تعجلوا إلى الحج ، فإن

أحدكم لا يدري ما يعرض له " .

إن الحج مهرجان توحيدي عظيم ترتفع فيه أصوات الحجيج بالنداء

التوحيدي الخال : "لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ،

إن الـحمد والـنعمة لك والمـلك لا شـريـك لك "



وأعمال الحج كلها رموز لقيم رفيعة ، ومعانٍ سامية :

فالإحرام رمز للنقاء والطهارة والتجرد من متاع الدنيا والإقبال على الله

والاستعداد للقائه . يارب تركت جاهي وسلطاني ومالي وأهلي وأولادي

وخلاني ، وتركت أرضي وبلادي وقبيلتي وعشيرتي وتركت مباهج الدنيا

وحياة الرغد والرفاهية ، وجئت إليــك لتغفر لـي ، وترضــى عنـــي ..

والتلبية : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة

لك والملك ، لا شريك لك ، إعلان للتوحيد ، وإعلان لطاعة رب العالمين

والطواف تشبه بالملائكـة الذين يطوفـون بالبيت المعمـور فـي الســـماء

السابعة ، ورمز للإلتفاف حول عقيدة التوحيد ورمز للتمسك بدين الإسلام.

وتقبيل الحجر الأسود اتباع لسـنة نبيينا محمد صلى الله عليه وسـلم ورمز

للشـوق إلـى جنـات النعيـم لأن
( الحجـر الأسـود مـن أحجار الجـنة ) .

كمــا قــال حبيبنـا محمد صلــى الله عليــه وسـلم .

اللــهم اجعلنــا مــن أهــل جنــات النعيــم .

والسعي استحضار لهـاجر رضـــي الله عنهــا زوج إبراهيــم وأم إســماعيـــل

عليهما الســلام وهــي تبحث عــن الماء لطفلها بين الصفــا والمــروة ، وتذكير

للمسلم بفرج الله ورحمتــه ، وأن الفَرَج والرزق فــي تقوى الله تعالــى ، وتذكيــر

النساء والأمهات بهذه المرأة العظيمة التي رضيت أن تسكن وحدها مع طفلهــا

في واد مقفر موحش ، لا أنس فيه ولا أنيس ، طاعة لله عز وجل وطاعة لزوجها

إبراهم عليه الســلام ، موقنــة أن الله لــن يضيعها ، طالماــ أنهـا فــي طاعــته .

يقول تعالى :

{ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ

أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ } ( البقرة 158 ).

اللهم اجعلنــا من الســاعين إلـى الخــير والســاعيــن إلــى الجـنة .

والوقوف في عرفات تذكير للمسلم بيوم البعث والحساب ، حيث يجتمع

المســلمون علــى صعيــد واحــد لتجــزى كــل نفــس ما تســعى .

وكمــا يــغفر الله لأهــل عــرفة بفضلــه ورحمتــه .

عن عائشة رضي الله عنها قالت : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

" مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ

لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ "

رواه مسلم





اللــهم اعتـق رقابنــا مــن النــار يــا أرحــم الراحميــن .

أما رمي الجمار فهو رمز لمقت الشر والفساد وإذلال الشيطان ،وتذكير

للمسلم بعدوه اللدود الذي ينبغي أن يحاربه ويعصيه كما حاربه إبراهيم

عليــه الســلام ورمــاه بالجمــار .

وذبح الأضاحي تذكير لنا بقصة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ،

قصة الطاعة والتضحية في سبيل مرضاة الله ، حتى نعلم أن الإسلام

تضحيـة ، وأن التضحيـة سـبيل إلــى الجـنة .

لـقد فــرض الله عــز وجــل الحج علــى المســلمين لــيحققوا منــافع

عظيمة دنيوية وأخروية ، مادية وروحية ، في مختلف مناحي الحياة .

يقول تعالى :
{ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ
عَمِيقٍ*لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ }
الحج 27 - 28

إن الله شرع للمسلمين الحج حتى يملأ قلوبهم بالتقوى ، ويصلح نفوسهم

ويعلمهم الطاعة والانقياد لأمره في الزمان الذي يوقته ، والمكان الذي يعينه

والكيفية التي يحددها الله تعالى
يقول الله تعالى :
{ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ
فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ }
البقرة /197

وإن الله تعالى شرح للمسلمين الحج حتى يتطهروا من الذنوب والآثام ،

وينالوا مغفرة الرحمن .

يقول عمرو بن العاص رضي الله عنه :

لَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ ابْسُطْ يَمِينَكَ

فَلْأُبَايِعْكَ فَبَسَطَ يَمِينَهُ قَالَ فَقَبَضْتُ يَدِي قَالَ : "مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟ "قَالَ قُلْتُ أَرَدْتُ

أَنْ أَشْتَرِطَ قَالَ " تَشْتَرِطُ بِمَاذَا ؟ " قُلْتُ أَنْ يُغْفَرَ لِي قَالَ : " أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ

يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ "

رواه مسلم

المصدر: شبكة ومنتديات صدى الحجاج