هكذا أنتي ياعين ابكي

هكذا أنتي ياعين ابكي

هكذا أنت ياعين
أبكي ياعين

قال احد العارفين المحبين لله
( قلب المحب جمرة تحت فحم الليل ، كلما هب النسيم التهب
فإذا اشتد الحال تصعدت غيوم الغموم من أودية القلوب وانبعثت
وصعدت إلى سماء الأجفان فتراكمت والتفت- وابتسم
برق السر فهطلت مياه العيون وانهمرت
ورقت ودق الشوق منابر الشجو وترنمت فأطربت
وصاحت بلابل المحبة بمكنون الضمائر فأغربت فكلما ناولها
الوجد كأسا من الدموع أنشدتهم الحمائم ورجَّعت).

وقال آخر
( دموع المحبين غدران في صحاري الشوق
من عادات القوم إلف الصحاري والبراري والجلوس إلى الشجر في السحر
فإن سمعوا هتاف الحمام استغنوا عن كل نائح من البشر )
نوح الحمام على الغصون شجاني
ورأى العذول صبابتي فبكاني
نوح الحمام ينوح من الم النوى
وأنا أنوح مخافة الديان
يا واحدا في ملكه ماله ثاني
يا من إذا قلت يا مولاي لباني
أنساك وتذكرني في كل نائبة
فكيف أنساك يا من لست تنساني
وقال خالد بن معدان التابعي الجليل الذي مات وهو صائم
( إن الدمعة لتطفئ البحور من النيران فان سالت على خد باكيها لم ير ذلك
الوجه النار
وما بكى عبد من خشية الله إلا خشعت لذلك جوارحه
وكان مكتوبا في الملأ الأعلى باسمه واسم أبيه منور قلبه بذكر الله).
هكذا أنت يا عين أبكي

ومع أن الذي يجري من مآقيك يطفئ بحور النيران لما انه يسيل من خشية الله سبحانه ، ولكنه في نفس الوقت يفضح صاحبه خاصة في هذا الزمان
الذي قست القلوب وجفت المآقي وانحبست الدموع
حتى اصبح البكاء عيبا عند بعض الناس ومنقصة.
ولقد قال رجل: يا رسول الله بم اتقي النار؟
قال : (بدموع عينيك فان عينا بكت من خشية الله لا تمسها النار أبدا)
وقال كذلك بابي هو وأمي صلى الله عليه وسلم
( ما من قطرة احب إلى الله من قطرة من دم في سبيل الله وقطرة دموع
قطرت من عين رجل في جوف الليل من خشية الله).
وكان رجل من قبائل بني تميم كثير البكاء فعاتبه رجل من إخوانه يوما
قائلا له: لم تبك –رحمك الله- هذا البكاء الطويل ؟ فبكى وازداد بكاء وقال:
بكيت على الذنوب لعظم جرمي
وحق لكل من يعصي البكاء
فلو كان البكاء يرد همي
لأسعدت الدموع معا دماء
وقال يزيد الرقاشي :
" إذا أنت لم تبك على ذنبك فمن يبكي لك عليك بعدك"؟
فابكي يا عين .

وإذا كانت الأدران والأوساخ تزال بالماء والصابون فان الذنوب
والعثرات تزال بالدموع والعبرات فيا أخي
ويا حبيبي ابك
واغسل العثرة بالعبرة وادفع الحوبة بالتوبة
ابك ما دام في الوقت مهلة وفي زمن السلامة فسحة
قبل أن تقول { رب ارجعون} فيقال "كلا"
فالقلق القلق يا من سلب قلبه ، والبكاء البكاء يا من عظم ذنبه
ناج ربك وقل ليت شعري ما اسمي عندك يا علام الغيوب
وما أنت صانع بذنوبي يا غفار الذنوب؟
وبم تختم لي عملي يا مقلب القلوب ، الهي ومولاي
هل ذنوبي أسقطتني من عينك؟ هل غضبت علي وقلت
{ هذا فراق بيني وبينك}
فإذا كان الجواب نعم ، فابكي يا عيني
ابكي كبكاء داوود وقد أوحى الله عز وجل إليه قائلا: يا داوود عليك بالبكاء
فانه يمحو السيئات ويثبت الحسنات
يا داوود كيف غفلت عن عينك حتى امتدت إلى ما لا يحل لك؟
يا داوود أما علمت أني غيور ؟ فصاح عندها داوود واخذ بالبكاء.
ابكي يا عيني وابكي يا عين أخي وأختي وابكي يا كل العيون ، ابك
وقل : الهي عصيت فيقول لك الله عز وجل : عبدي وأنا رأيتك
فإذا قلت الهي بالفضول نطقت
قال الله عز وجل :
عبدي وأنا سمعت ، فإذا قلت الهي والى الحرام نظرت
قال الله عز وجل :
عبدي أنا شهدت فإذا قلت : الهي ندمت
قال الله عز وجل : عبدي وأنا علمت ، فإذا قلت: الهي اعترفت
قال الله عز وجل : عبدي وأنا عفوت ، فإذا قلت الهي أنا تبت
، قال الله عز وجل : عبدي وأنا قبلت ، فابكي يا عين
ابك يا أخي واستعمل أخلاق الأطفال فان الطفل إذا طلب من أبيه شيئا ولم يعطه إياه بكى فابك والق بنفسك على أعتاب ربك ومرغ خديك عند بابه
وقل له : يا مولاي إني على بابك فلا تطردني من رحابك
وابعث رسائل الأحزان مع رياح السحر وليظل ذكره على لسانك وأنت تناديه:
وحرمة الود ما لي عنكم عوض
وليس لي في سواكم بعدكم غرض
ومن حديثي بكم :قالوا به مرض
فقلت : لا زال عني ذلك المرض
ابكي يا عين وقولي له يا حبيب : هل علمت أن حبيبا يعذب حبيبه بالنار؟!
أنت تدري يا حبيبي
من حبيبي أنت تدري
قد كتمت الحب حتى
ضاق بالكتمان صـــــدري
ونحول الجســــم والدمع
يبوحـــــان بســــــــــــري
ابكي يا عين ويا أخي لا تبرح من الباب
وان طردت وتمسك بالجناب وان أبعدت وقل بلسان التقرب
يا الهي إذا طردتني وإذا لم تقبلني فأين اذهب يا حبيبي؟
فإذا قال لك الناس من حبيبك فقل مولاي الذي رباني صغيرا فعصيته كبيرا
فواحيائي منه، ومن حسن صنيعه ومن قبح فعلي؟
ابكي يا عين


فيروى أن العبد إذا بكى من خشية الله عز وجل بكى معه الملكان الموكلان به
فإذا صعد إلى السماء قال الله تعالى لهما وهو اعلم :
لماذا بكيتما؟ فيقولان : إلهنا عبدك بكى من خشيتك فبكينا معه
فيقول الله عز وجل لهما: قد عفوت عنه ببكائكما معه
وحياة من ملكت يداه قيادي
لأخالفن على الهوى حسادي
ولأعصين عواذلي في حبه
ولأهجرن لذاذتي ورقادي
ولأجعلن نزاهتي فيه البكاء
ولأكحلن محاجري بسهادي
ولأحفرن بسره ضمن الحشا
قبرا ولم يعلم بذاك فؤادي
ولقد وعظ الحسن البصري يوما فانتحب رجل في ناحية المسجد
فقال له الحسن : أيها الباكي ، اشدد فإنه بلغنا أن الباكي من خشية الله
مرحوم يوم القيامة.
ووعظ مالك بن دينار يوما فبكى حوشب بن مسلم الثقفي
فضرب مالك بيده على منكبه وقال : ابك يا بشر
فانه بلغني أن العبد لا يزال يبكي حتى يرحمه سيده فيعتقه من النار.
وقال احدهم قرأت في بعض الكتب :
قل للبكائين من خشية الله : ابشروا فإنكم أول من تنزل عليه الرحمة إذا نزلت
وقال رجل للحسن البصري :
أوصني ، فقال الحسن: رَطِّب لسانك بذكر الله، ونَدِّ جفونك بالدموع من خشية الله
وكان كعب يقول :
( من بكى خوفا من ذنب غفر له ، ومن بكى اشتياقا إلى الله أباحه النظر إليه
–تبارك وتعالى- يراه متى يشاء).
وقال أبو يزيد الرقاشي
( بلغني انه من بكى على ذنب من ذنوبه نُسِّيَ حافظاه ذلك الذنب
ومن فاضت عيناه من خشية الله أعطي الأمان يوم القيامة)
وقال عطية العوفي: بلغني انه من بكى على خطيئة محيت عنه
وأما مالك بن دينار فقد قال : البكاء على الخطيئة يحط الذنوب
كما تحط الريح الورق اليابس
وقد سمع عبد الواحد بن زيد وهو يبكي ويقول:
يا إخوتاه ! ألا تبكون شوقا إلى الله ؟ ألا انه من بكى شوقا إلى سيده
لم يحرمه النظر إليه.
يا إخوتاه!

ألا تبكون خوفا من النار ؟
ألا انه من بكى خوفا من النار
أعاذه الله منها.
يا إخوتاه!
ألا تبكون خوفا من العطش يوم القيامة؟ ألا انه من بكى خوفا من ذلك سقي على رؤوس الخلائق يوم القيامة.
يا إخوتاه
ألا تبكون ؟ بلى ، فابكوا على الماء البارد أيام الدنيا لعله إن يسقيكموه في حظائر
القُدُس مع خير الندماء والأصحاب من النبيين والصديقين والشهداء
والصالحين وحسن أولئك رفيقا ، ثم جعل يبكي حتى غشي عليه.
وقال هارون بن رئاب
( بلغني أن البكاء مثاقيل ولو وزن بالمثقال الواحد منه جبال الدنيا لرجح البكاء
وان الدمعة لتنحدر فتطفئ البحور من النار وما بكى عبد لله مخلصا
في ملأ من الملأ إلا غفر لهم جميعا ببركة بكائه ).
وعن أبي الجودي الحارث بن عمير قال:
قال لي عمر بن عبد العزيز – رضي الله عنه- :
" يا أبا الجودي ! اغتنم الدمعة تسيلها على خدك لله".
وكان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" اللهم ارزقني عينين هطالتين تبكيان بذرف الدموع وتشفيانني من خشيتك
من قبل أن تكون الدموع دما والأضراس جمرا".
فابكي يا عين وجودي بالدمع على قلة أدبنا مع الله سبحانه
ابك يا مسكين بين يدي رب العالمين واكرم الأكرمين وقل له :
الهي ومولاي عبيدك غيري كثير أما أنا فليس لي رب سواك .
انه الكريم يا بخيل الدمعة

انه البر الرحيم يا جاحد النعمة فهو هو وأنت أنت وأنا مثلك ومثلنا جميعا
كمثل ذلك الشيخ الذي ورد في الخبر انه يؤتى به يوم القيامة
فيوقف بين يدي الله عز وجل فيقول له الله سبحانه :
يا شيخ ما أنصفت ، غذيتك بالنعم صغيرا فلما كبرت عصيتني
أما إني لا أكون لك كما كنت لنفسك اذهب فقد غفرت لك).
ابكي يا عين

حزنا وخوفا من الذنوب ثم ابكي يا عين فرحا بستار العيوب
الذي يستحي ان يعذب صاحب شيبة شاب في الإسلام
فيروى أن احدهم رؤي في النوم فقيل له : ما فعل الله بك؟
قال : أقامني وأعطاني كتابي. فمررت بسيئة فخجلت أن اقرأها
فقال لي لا بد من قراءتها فقلت: الهي لا تفضحني فقال: يا عبدي
الوقت الذي لم تستح فيه ما فضحتك ، أفأفضحك الآن وأنت تستحيي؟ فعفا عني وغفر لي ) إلهي كنت ستّارا وإني
لأرجو أن تديم جميل سترك
فاللهم يا رب يا من سترت لا تفضح ، يا من سترت لا تفضح !!
الهي فلا تهتك ذنوبا سترتها
فأنت رؤوف بالعباد رحيم
الهي ولا تحرق بنار جهنم
نفوسا رجت عفوا وأنت كريم
الهي وأدخلنا مع الزمرة التي
مثوبتها يوم الجزاء عظيم
ابكي يا عين
رغبة ورهبة ، ابكي يا عين خوفا وشوقا
ابكي يا عين ولا تملي البكاء فلعل بالبكاء يتحقق الرجاء ويسمع الدعاء
وإذا لم تبكي فاني أعوذ بالله منك كما كان يستعيذ رسول الله صلى الله عليه وسلم
( اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع ومن عين لا تدمع ومن دعاء لا يسمع ).
ابكي وجودي بالدمع يا عين من ما يزال ينام ويقوم على معصية ربه سبحانه
وهو في غفلة ولا يدري المسكين انه إذا أصبح فلعله لا يمسي وإذا أمسى
فلعله لا يصبح.
ابكي وجودي بالبكاء يا عين من ما تزال إلى الآن تبارز الله بالمعصية
وقد أمرها ربها سبحانه بالستر والاحتشام فتقول سمعنا وعصينا
ويأمرها الشيطان بالتبرج والسفور فتقول له سمعنا واطعنا
فابكي يا عين هذه المسكينة إذا ماتت قبل أن يرحمها الله ويكرمها بتوبة .
ابكي وجودي بالبكاء يا عين من ما يزال إلى الآن لا يؤدي الصلاة
ولم يتذوق حلاوة الطاعة لله رب العالمين ولعل ملك الموت يطرق بابه
وهو لم يعد الزاد فواحسرتاه على هذا المسكين فليبك ولنبك جميعا عليه.
صحيح أن قلوبنا قد قست وتحجرت وان مآقي الدموع في عيوننا قد انحبست
وما سبب هذا كله إلا كثرة ذنوبنا ومعاصينا وآثامنا
ولكن وحتى لو لم تبك عيوننا فلنتباكى
وأيم الله إن دموع الخشية لتطفئ غضب الرب سبحانه
ولئن أراد الشيطان أن ييئسنا نحن أهل الذنوب من رحمة الله سبحانه
وانه لكثرة ذنوبنا وخطايانا فانه سبحانه قد غضب علينا ولن يغفر لنا
إلا أننا يجب أن نظل على يقين وقناعة انه هو هو وأننا نحن نحن
نحن أهل الذنوب والخطايا وهو أهل التقوى وأهل المغفرة.
فابكي يا عين واكتبي بالدموع ما كان يقوله الغلام لما سمع
وهو يصلي ليلة عند شاطئ البحر يقول:
" إن تعذبني فاني لك محب وان ترحمني فاني لك محب"
فلم يزل يرددها ويبكي حتى طلع الفجر.
وابكي يا عين واكتبي بالدموع ما كان يقوله أبو سليمان الداراني:
" الهي وعزتك لئن طالبتني يوم القيامة بذنوبي لأطالبنك بعفوك
ولئن طالبتني بخطاياي لأطالبنك بمغفرتك
وعزتك لئن أدخلتني النار يوم القيامة لأحدثن أهل النار إني احبك".
فابكي يا عين وقولي واكتبي بالدموع: يا حبيب بجاه الحبيب اغفر لحبيب..!

م/ن

المصدر: شبكة ومنتديات صدى الحجاج