لا تصالح
...إهداء إلى روح الشهيد صدام حسين
قيل بان البدر كان مكتملا ذلك المساء ، وبان العشرات من الملائكة كانوا ينظرون إلى الجسد المسجى ،وكان المهلهل ينشد في الناس لا تصالح ولو قيل رأس برأس ... أكل الرؤوس سواء ... كان البدر مكتملا في بهائه ذلك المساء الحزين ،وكأن العالم كله كان على موعد مع الفارس ... كانت الخطى المتقدمة إلى الموت تهزأ به كثيرا وكان الوجه يشع بإيمان عجيب ، وحدها اليمامة كانت تشرع في نشيجها الطويل والمتفرجون كثر ... هل كانت نهاية العالم آنذاك على مرمى حجر من الأسد الذي كان يجس الخطى نحو حتفه وعلى وجهه ابتسامة النصر ، ووحدهم الأعداء كانوا مكللين بعارهم وكان الغار على الجبين الوضاء ، وكانت اللهفة الحيرى على الجمهور الذي أدمن الانتظار واليمامة تنشد : اريد أبي على بوابة القصر منتصبا من جديد ....اريد أبي لا مزيد ... لكن الصرخة تاهت في واد غير ذي زرع وكانت الآذان الصم وحدها تسمع كل شيء لكنها تعلن إنها لا تسمع إلا عواء الذئاب من بعيد ونباح الكلاب التي ارتفعت تشق جلال الموت ، وعلى الدروب التي ذابت بصمتها وهي تنتظر عودة البطل ،لم يكن إلا شيخا جليلا ينشد وهو متكأ على عصاه وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر وكان أبا الطيب الحزين يرثي فارسه النبيل والروم تتناوش أطرافة بالسهام ، والفرس ينشدون قرب حضوره البهي حلم عبور الشرق من جديد ... وسوى الروم خلف ظهرك روم ... فعلى أي الجانبين تميل وكلما انشد المنشد واهتزت أوتار الربابة ، كان الفارس الشاعر يرنو صوب معشوقه الموغل في البطولة حتى الثمالة ... ثم يردد : تمر بك الإبطال كلمى هزيمة ووجهك ضحاك وثغرك باسم .... كأنك في جفن الردى وهو نائم ... فيا لك من ليل كان نجومه ... وهل ظل في الأرض نجوما بعد أن غابت الأقمار واحدا تلو آخر ... أنشدني أيها الشيخ الجليل .. وماذا بعد الظاعنين الذين رحلوا وتركوا لنا كل هذا الهباء وهذه الخيبة التي ترتسم على الوجوه الصامتة . لا تصالح ومن يصالح على الدم إلا بدم ... لا تصالح ولو منحوك الذهب .. ولو توجوك بتاج الإمارة ... كان المتفرجون كثر ... والمهرجون كثر ... واليتامى كثر ... والليل كان له وقعا آخر ... والشمس حين أشرقت كانت باهتة فكأنها تشعر بخيبتها حين لم تكشف ما حاكته أيدي الطغاة الطالعين كنبت شيطاني في ارض السواد ... و كان (كليب ) لا يلتفت خلفه إلا إذا سمع خبب ألف فارس خلفه، عندها كان له أن يستطلع الأمر ، ويحدق بعيني الصقر في أشباه الفرسان الذين يهربون زرافات ووحدانا ... تتعلق عينا اليمامة بالجسد المسجى وتردد مذهولة : لماذا يا أبي لم تلتفت خلفك ؟ الم تسمع همس مكائدهم يدنو ؟ إلا تعرف إن الغدر شيمتهم ؟ الم تقل يا أبتي حين كنت تلقي نظرة الوداع علينا سأعود لكن الدرب طالت ، والكائدون تكاثروا ، ودبروا أمرهم بليل ، وكانوا خفافيش الظلام ، لقد قتلتهم يا أبي ، حين كانت فرائصهم ترتعد ... وأنت وحدك تقهر الموت الذي يقترب خطوة خطوة ... كنت تدرك انك وحدك ترتقي ... بينما كانوا في عارهم يهوون .
بقلم الاستاذ : عبد المهدي القطامين
العقبة ...وكالة الانباء الاردنية رئيس تحرير صحيفة القلعة الاقتصادية