الانتماء عند الحاج جميل القرعان

الانتماء عند الحاج جميل القرعان

الحاج جميل رجل عادي لايتميز عن الاخرين بشيء , ولد في نهاية القرن التاسع عشر في قرية صويميح من محافظة الطفيلة ولا يملك من حطام الدنيا سوى محراث وراحلة وارض مشاع يحرثها باتقان ويعشقها باخلاص ,يبدأ يومه بصلاة الفجر والدعاء الى الله بالستر وحفظ النعمة, لاوقت لديه للخمول والكسل والاسترخاء . كان للزراعة متطلبات بكل فصول السنة بدأ من الحراثة والبذار قبل هطول الامطار ثم التوكل على الله بانه سوف ينزل المطر مع انه لايعرف الحديث الشريف الذي يقول( رب اشعث اغبر لو اقسم على الله لأبره )وفعلا بامر الله تنزل الامطار ويبره الله وترتوي الارض ثم تاتي مرحلة الحصاد وجمع المحصول وغالبا يكون قمح او شعيرو يقسم المحصول الى مجموعات جزء للبيع وجزء يحفظ للاستعمال اليومي وجزء للبذار للسنة القادمة, والبعض يزرع بعض الخضار من بندورة و خيار والناس راضيه ومسروره على هذا الحال .-

بعد ان استقامت الامور للحاج جميل وكبر اولاده ليقوموا مكانه في غيابه فكر في ان يذهب الى بيت الله ليؤدي فريضة الحج و كان هذا في الثلاثينات من القرن الماضي وكان معظم الناس تحج في قوافل على الجمال ,وصاحبنا كما اسلفت لايملك من حطام الدنيا سوى بضعة دراهم لعله وفرها لمثل هذا اليوم وباقي مؤنة الحج يحضرنه النساء من قطع الجميد وقليل من الطحين وبعض الماء تحفظ في قربة تصنع من جلد الماعز .

لم يكن للحاج جميل ميول سياسية او ميول دينيه اكثر من اللازم بعكس اخويه حسن القرعان الذي اكمل تعليمه في مدرسة عنبر في الشام وكانت نهاية التعليم في تلك الايام , وعندما انهى تعليمه عينته الحكومة العثمانية معلما في اليمن و رفض الذهاب الى اليمن وفضل التدريس في الطفيلة وكان اول مدرس في قرية عيمة , واخيه حسين القرعان كان فارسا حارب الاتراك في موقع حد الدقيق ويقال انه من قتل القائد التركي في تلك المعركة ,بينما الحاج جميل كان مليئا بالحب والشوق والعشق للارض كله حنين ودعاء وامل وفخر , يقدس بحميمية ارضا صارت عشقا , وهذا الحب والانتماء للارض يختزل كل مفاهيم المواطنة الصالحة ,وهذا الولاء والانتماء الفطري لم يقبل القسمة عنده ابدا ويعتبر ان الحب للارض والوطن هو الثقافة الحقيقية وليس التعليم والفروسية كما اخويه .

جاء اليوم الذي بدأ رحلته الى الحج على جمل و لاادري أكان يمتلكه ام عيرة من احد , وكانت الرحلة تمكث عدة اشهر وبعضهم لايعود من رحلته فيقتل في غارة لقطاع الطرق او يموت من مرض,ولطول الطريق تكثر الاحاديث والتحذيرات والاجراءات الحدودية ,حيث يوجد دخوليه تحصلها الحكومة السعودية من الحجاج الاردنين ويعفى منها البدو السعوديين الذين يقطنون المناطق الاردنية بحثا عن الكلاء, ولانه لايوجد جوازات سفر حينها فيعتمد على مايقوله الحاج لان بعض الحجاج يدعي انه سعودي ويعفى من الدخولية ومقدارها عشرة ريالات .

ن الحاج جميل ذهب الى الحج ليكمل دينه بفطرة المسلم المتوكل على الله وهو كما اسلفت يحب الارض والوطن ولايعرف انتماء غيره وايضا بالكاد يملك العشرة ريالات مصروفا لرحلة تمكث شهورا واختلطت الامور عنده بكلمة تبقي ثروته وبكلمة تمحي هذه الثروة وهو في هذا الحال الى ان اصبح امام الجابي السعودي يساله ( من وين ياحاج ) رد عليه الحاج جميل بدون تردد وبدون تفكير – أردني وهذه العشرة ريالات - و قد وضعها امام الجابي السعودي وكان باستطاعته ان يقول سعودي ويسلم –ولكنه الانتماء الفطري للاردن الذي لايقبل القسمة ابدا جعله يدفع كل مايملك على ان لايفقد ذرة من انتمائه لوطنه .-

ان الانتماء لهؤلاء الرجال المخلصين لهذا الوطن هو ثروتنا الحقيقية التي يجب ان نتمسك بها بكل ما اؤتينا من قوة وان نغرسها بابنائنا , لان الانتماء ليس بالشيء القليل الذي يستهين به البعض ولان كثير من العلماء الغرب الحاقدين ينفقون ملايين الدولارات وملايين الافلام الثقافية وملايين الكتب الاجنبية حتى يزحزحوا هذا الانتماء للارض والوطن من نفوس الناس البسطاء المتمسكين بالارض والوطن ولكن باذنه تعالى سيبقى الانتماء للوطن وسيبقى الولاء للهاشميين وسيبقى الاردن عاليا بين الدول.


بقلم : حسين الحراسيس

المصدر: شبكة ومنتديات صدى الحجاج