ماذا افرز الشد العكسي

ماذا افرز الشد العكسي

شؤون محلية

د. براري يكتب عن تنافس الحلفاء : الرياض وواشنطن والساحة الأردنية ؟..

2011-06-19

** لم تنجح كل محاولات قوى الشد العكسي- بشقيها التقليدي والليبرالي- من احباط الشارع .. عمون - كتب : د. حسن براري - أكثر ما تخشاه الرياض هذه الأيام - بالإضافة إلى زيادة النفوذ الإيراني في الخليج - هو ظهور القوة الناعمة لحركات الاحتجاج العربية وتعميم ثقافة الاحتجاج بشكل يطال عمق السعودية في الخليج وربما السعودية نفسها. فما يطالب به المحتجون والمتظاهرون في مختلف الدول العربية هو نقيض لأساس الدولة السعودية القائم على الحكم المطلق وعلى مفهوم اعادة توزيع الثروة لسحب البساط من تحت أقدام أي مطالب باصلاحات ديمقراطية في السعودية. فالنظام السياسي الريعي- الذي كان مسؤولا (ولو جزئيا) عن سيادة ثقافة امتثال الشعوب - يتعرض لتحد كبير من ثقافة أخرى تحمل في ثناياها بذور التغيير. بمعنى آخر، هناك ثقافة عربية جديدة قيد التكوين ترفض الشرعية الدينية والشرعية الريعية وشرعية "الانجاز" ولا تؤمن إلا بحكم ديمقراطي قائم على أن الشعب هو أساس السلطة والشرعية. ولم نعد نسمع عن كلام لصالح الأنظمة التسلطية إلا من قبل نخب فاسدة مستفيدة من الوضع القائم ومن أجهزة قمع تخشى التغيير. وقد شكل نجاح الثورات في كل من تونس ومصر كابوسا لكل الأنظمة العربية الأخرى التي كانت تتمنى هزيمة الشعوب لصالح أنظمة بالية، وعلى نحو لافت تخشى بعض الأنظمة من نظرية الدومينو وباتت تترقب بخوف من امكانية وصول تسونامي التغيير إلى شواطئها. وبالفعل هنالك عدد من الدول حاولت التدخل بشكل غير مباشر لمنع نجاح الثورة في مصر حتى لا تكون سابقة ولا تكون محفزا لبقية الشعوب للاحتكام إلى الشارع. لكن ماذا عن الأردن؟ هل هناك خوف من أن تتدهور الأمور؟ تصريحات الملك الأخيرة تشير إلى أنه ينظر للربيع العربي كفرصه له لتحقيق ما أراد تحقيقة منذ عقد من الزمن، بمعنى أن الملك يقف خطوة واحدة متقدما على كل القوى الرسمية التي قامت بتعطيل الإصلاح. وقد شكى الملك بمرارة في غير مناسبة من قوى التعطيل وعدم فهمهم لرؤيته الاصلاحية. وهنا لا نتحدث عن الحرس القديم فقط كما ذهب إلى ذلك بعض القراءات الساذجة بل والجديد أيضا، فقد وصل للسلطة في العشر سنوات الماضية قوى سياسية متنوعة اختلفت في كل شيء إلا في تعطيلها لمحرك الاصلاح. ضغط الشارع الأردني لتحقيق اصلاحات اقتصادية وديمقراطية لم يأت بفعل عامل خارجي وإنما داخلي بامتياز، ولم تنجح كل محاولات قوى الشد العكسي- بشقيها التقليدي والليبرالي- من احباط الشارع الذي بقى وفيا لمصالحه في التغيير، لهذا انحاز الملك للشارع وهو ما يمكن أن نقرأه في خطابه الأخير وفي مقابلته مع "واشنطن بوست". اللافت أن هناك قوى اقليمية تحاول اقناع الأردن عدم المضي قدما في موضوع الاصلاحات خوفا من تعميم النموذج وخوفا من القوة الناعمة للتغيير. من هنا يمكن فهم موقف الأشقاء في العربية السعودية، فهناك خوف من اصلاحات أردنية تحرج كل المتمترسين والمتقوقعين خلف فزاعات كثر لتأخير الاصلاح. وربما أثار مقال نشر في صحيفة لوس انجلوس تايمز اليوم (الاحد) عن وجود ما يمكن تسمية "لعبة شد الحبل" بين أميركا والسعودية على الساحة الأردنية استغرابا لدى البعض، فكيف يمكن أن تتنافس كل من الرياض وواشنطن حيال وضع داخلي أردني متعلقا بالديمقراطية في ظل العلاقة الاستراتيجية التي تربط كلتا العاصمتين؟ وقد كتب ريختر ونيلا بانرغي عن ما أسمياه تنافسا سعوديا أميركيا على النفوذ في الأردن حيث قدمت أميركا كداعمة للاصلاح في حين تساند السعودية الوضع القائم. أجد من الصعوبة تصديق أن الولايات المتحدة تدعم اصلاحات حقيقية مع أنها تحاول الظهور بمظهر من يدعم الشارع العربي، فأميركا ما زالت ترتاح أكثر في التعامل مع أنظمة عربية غير ديمقراطية حليفة تتعايش مع الأجندات الإسرائيلية وإن كانت تجد فيها احراجا كبيرا. فما زالت مصالح أميركا قصيرة المدى المتمثلة في الإستقرار تأخذ أولوية على مصالحها بعيدة المدى في الديمقراطية في العالم العربي. ولكن في الوقت ذاته يمكن فهم المخاوف السعودية من اصلاحات سياسية في الاردن، ويذهب البعض في القول أن السعودية أظهرت فجأة رغبة في مساعدة الأردن من خلال تسهيل الانضمام لمجلس التعاون الخليجي ومن خلال تقديم معونات مالية كبيرة لأنها ترى أن مشكلة الأردن هي اقتصادية وليست سياسية - وهذا ما يردده عدد من المستشارين وصناع القرار في الدولة الأردنية -. مجمل القول أن التنافس الأميركي السعودي هو مبالغ فيه، فأميركا تغير من موقفها حسب تغير موازين القوى في الساحة الداخلية، فهي تتفهم تأخير أو تواضع الإصلاح للحفاظ على الاستقرار في الأردن، في حين نجد السعودية قلقة جدا من إمكانية انتصار الشارع الأردني على قوى الشد العكسي وهي ربما ستبذل مزيدا من الجهد لاقناع الدولة للنكوص على وعود الاصلاح.

المصدر: شبكة ومنتديات صدى الحجاج