كلما قرأت أو سمعت كلمات رموز المعارضة الأردنية في عمان ومن عمان، وهم يتلهفون على الفرج القادم من الجنوب، تيقنت من صدق كل المقولات التي عرفتها وخبرتها وعشتها وآمنت بها في بلدي هذا ! يخرج أحدهم مؤيدا لجماهير الجنوب مستغيثا بها محرضا لها للنهوض من أجل قلب الطاولة على رؤوس الجميع! ويبشر بالثورة القادمة من الجنوب!! ويذهب بعض رموز المعارضة لحضور بعض الفعاليات الجنوبية،ويلقون القصائد والأشعار ويلعبون دور الثوار ! ويعودون إلى عمان وكفى الله الثوار شرور الثورة !! هنا في عمان والزرقاء تتواجد قيادات الأحزاب ومكاتبها وكوادرها وجماهيرها المليونية ، كما تزعم،لكنها تهرب بحثا عن الأمجاد هناك في الجنوب!هذه الأحزاب وجمعياتها ولجانها ومؤسساتها وأموالها وتبرعاتها واستثماراتها قابعة في عمان والزرقاء لكنها تتباكى على الجنوب وفقره !ولم تقدم للجنوب وأهله شيئا وتعاقبهم على ولاءهم التقليدي للدولة ،وتعلن وتصرح هؤلاء لا ينقصهم شيء، الدولة تدعمهم والديوان يدعمهم .بل وتطالب هذه المعارضة الرحيمة بإلغاء أي ميزة للجنوب وأهله وأهل الأطراف الأردنية والمناطق المحرومة كلها في القبول الجامعي وفي التعيين!!هذه الأحزاب تتغنى اليوم بهبة نيسان المجيدة،وتشكل اللجان للاحتفال بذكراها(حركة 15 نيسان)لكن ذاكرتنا لم تثقب بعد،،فقد عشنا أحداث الهبة لحظة بلحظة ،ونعلم حقيقة العلم أن المتاجرين اليوم بهبة نيسان لم يقدموا لها أو فيها شيئا يذكر، بل وقفوا منها موقف المتفرج والمشكك!هل لأحد أن يجادل في هذه الحقائق!!هذه المعارضة الأردنية الثورية وعلى رأسها حزب جبهة العمل،والتي تشحد الثورة من الجنوب لم يسجل لها التاريخ وقفة واحدة مع الوجع الجنوبي ! لا في هبة نيسان ولا في أحداث الخبز ولا في أحداث معان المتكررة ! اليوم في الجنوب أوجاع كثيرة بعضها تراكمي ومزمن طال الأمد عليه ،ولدى الناس هناك أسبابهم للشكوى ،لديهم مشكلات تعاني من تصلب مزمن في شرايين التنمية. في الجنوب فقر وبطالة وفشل تنموي ،وبيئة طاردة للكفاءات والعقول والشباب ،والزراعة فيه مثقلة بالهموم ،والثروة الحيوانية هناك في تلاش مستمر،وفرص العمل نادرة ،والاستثمارت محدودة، والسياحة مهملة في الكرك والطفيلة ، والتضخم والغلاء مستفحلان،والقطاعات الخدمية تعاني من سوء الإدارة ،وسوء التشغيل ،والغريب أن القيادات الإدارية الفاشلة في القطاعات التنموية والخدمية في الجنوب هي من يقود الاحتجاجات على الأوضاع المتردية أحيانا!!في الجنوب سخط على قصص الفساد التي لاتنتهي .فالناس التي تتعاطى مع رواتبها المحدودة لتدبير شؤون الحياة ومتطلباتها بهذه الدريهمات القليلة تطرق مسامعها كل صباح قصص السرقة والفساد بمئات الملايين،وبغض النظر عن دقة ما يقال ؛فإن الناس تألم وتتساءل ؟هذه ثروات الوطن ومقدراته ،نحن نصطبر على الفقر وعلى البطالة وعلى الجوع ظنا منا بأن الوطن يمر في ضائقة! لكن عندما يسمع الناس قصص أالف ليله وليله عن أبطال الفساد يسخطون، وحق لهم ذلك. كلمة السر في إطفاء السخط العام محاربة الفساد ووقفه ومحاكمة المتسببين أيا كانوا ؛فمصلحة الوطن واستقراره أكبر من برستيج كل اللصوص والحرامية والمرتزقة والصلعان ؛فسياساتهم وأفاعيلهم استهدفت ضرب قواعد الولاء التقليدي للدولة في القطاعات الاجتماعية العشائرية والبيروقراطية المدنية والعسكرية،وها نحن نلمح نتائج الغباء اليوم!
لاحاجة بي للتأكيد بأن الجنوب و أهله يتطلعون لمن يحاورهم بلغة بسيطة وواضحة ومفهومة ويستمع لمطالبهم البسيطه ،والجنوب وجع تنموي يمتد عبر جنبات الأطراف الأردنية كلها ،خذ مثلا مطالب ذيبان التي تتحرك منذ أمد بعيد،بالأمس تتقدم بمطالبها وهي بسيطة جدا ومنطقية جدا !! لكن من يسارع من المسؤولين الآن الآن وليس غدا لتلبيتها؟!الأهل في ذيبان لا يطلبون الكثير،لماذا نخلق بؤر توتر ؟وبؤر احتجاج؟وبؤر استثمار للمعارضة؟لماذا لا نجلس مع الشباب على دوار ذيبان وفي الشمس وعلى الهواء ؟يطلبون حل مشكلة أبناء اللواء الدارسين في الجامعة الاردنية الذين جرى فصلهم على خلفية مشاجرة جرت في حرم الجامعة ! أين المعجزة؟! ويطالبوا بأن تكون مياه الهيدان لأنباء اللواء في ظل شح المياه! أين الصعوبة؟ ويطالبون بترحيل مركز أمن ذيبان خارج المدينة !وإخلاء سبيل المعتقلين وإنشاء جامعة داخل اللواء وإنشاء مستشفى عسكري!ياسادة، إن من يطلب إعادة طلبة الى الجامعة،ويطلب جامعة في محيطه وديرته،وينشد مشفى عسكري في منطقته،ومياها ليزرع ويقلع ويعيش ،والله إنه لا يريد إلا الخير كل الخير لبلده ووطنه ولديرته ولأجيال المستقبل،،، الأمل معقود على حراك حكومي فاعل للتواصل مع الناس ومحاورتهم وتلبية مطالبهم المحقة، لماذا لا تتشكل لجنة حكومية- أهلية مشتركة لتدرس مطالب الناس وأوجاعهم في مناطق التوتر واحدة واحدة!؟ سعدت كثيرا للنشاط الكبير للديوان الملكي برئاسة د.خالد الكركي ورفيقيه المستشار لشؤون العشائر الشريف عبدالله زبن عبدالله ،ويوسف العيسوي المستشار لشؤون المبادرات الملكية في المرحلة الأخيرة في تفعيل التواصل التقليدي والتاريخي للديوان مع قطاعات الشعب،وفتح قنوات الحوار مع الشرائح المجتمعية كلها،وفي تنشيط دبلوماسية العشائر،وفي التواصل مع الشيوخ والوجهاء والقيادات الاجتماعية على مستوى العشائر والشباب والأحزاب والنقابات ،وغيرها،لماذا لا
يتكرر اللقاء مع شخصيات الطفيلة ، مع أبناء الأطراف كلها،لاسيما التي تشهد توترات . صحيح أن الرموز التقليدية التي صنعتها الدولة واستثمرت فيها كثيرا أصبحت على الأغلب الأعم منبتة عن الواقع إلى حد كبير ،وليس لديها القدرة على التأثير في مناطقها،لكن فضيلة التواصل مطلوبة مع القيادات الشعبية الصاعدة ومع القيادات التقليدية الآفلة!
تجفيف منابع الاحتجات يتأتى عبر الحوار والحلول والسياسات والشفافية،والعودة لتقاليدنا الأردنية في الحوار، المشرعة نوافذه على المدى بين الدولة والشعب ،عبر الحكومات،وعبر الديوان،وعبر الاعلام،وعبر الحميمية الأردنية الرائعة التي تجعل الناس تتلاقى وتتعارف وتتبادل الآراء والهموم والأفكار بانسيابية عز نظيرها في العالم!
وعود على بدء ،أقول لرموز المعارضة السياسية: الجنوب مغلق في وجوهكم مغلق،،،الجنوب وجع التنمية الأردنية ،لكنه معقل الولاء التقليدي للقيادة الهاشمية وللدولة الأردنية ،الجنوب فيه ولع فطري للحرية ،ورفض أصيل للظلم ،لكن فيه وعي مشتعل، وفيه صبر وعفة،وعندما يجد الجد فإن أشاوسه هم هم ،كما كانوا على الدوام لا يقفون إلا في خندق الأردن الدولة والهوية والمستقبل ،ويرفضون العبث بمستقبله . وفي الجنوب يشتم الناس رائحة المؤامرة قبل أن تحاك!ويقلمون أظافر العابثين قبل أن تنبت!! صباح الخير يا جنوب الشهداء والجنود والفلاحين والرعاة والعمال والمبدعين والمثقفين والناس الطيبين الذين يعشقون الجنوب لكنهم يعشقون الأردن أكثر.
بقلم الدكتور بسام البطوش