الحـب في الإســلام
ما معلوماتك عن الإسلام؟: الانقياد التام للخالق بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله. فهو تسليم كامل من الإنسان لله تعالى فيكل شئون حياتهونحن كلنا نعرف وتربينا وكبرنا على أن الإسلام يضم بين دفتيه كل معاني الدنيا الراقية والسامية من إخلاص وتسامح وتقارب وألفة وسكن ومودة و...حب إذن الإسلام قائم على الحب ويدعو إلى الحب..
لكن أي حب هذا؟علماء الدين يقسمون الحب في الإسلام إلى أكثر من نوعأولها وأعظمها بالطبع هو "الحب الإلهي" وهو بدوره ينقسم إلى نوعين الأول هو محبه الله تعالى لعباده من خلال نعمه عليهم وإكرامه لهم وتوفيقه إياهم في أعمال الخير والصلاح لهم ولدينهم ولوطنهم والثاني فيتمثل في محبة العباد لله سبحانه وتعالى والتقرب إليه والولاءلدينه والمحافظة على شرعه والتدبر في خلقه وصنعه وتنفيذ ما أمرنا به منفعل للعمل الطيب وابتعادا عن العمل الشريرأما النوع الثاني من الحب في الإسلام فهو "حب النبي" عليه الصلاة والسلام،وذلك يتأتى بأن تقتدي بشخصه الكريم في كل أفعالك وتصرفاتك وأن تسير علىنهجه وتتبع سيرته وسنته مخلصا ومحباوهناك أيضا حب ثالث في الإسلام وهو "الحب في الله" وهو الذي يحدث بين ناس لا تجمعهم مصلحة فيتبادلون النصح والمحبةوالإخلاص لوجه الله تعالى دون انتظار أي مكافأة دنيوية لأفعالهم سوى أن يبادلهم الآخرون هذا الحب الخالص لوجه الله تعالى وهذا النوع الأخير من الحب يحدث بين الرجال وبعضهم البعض وبين النساءوبعضهن البعض ويحدث أيضا بين الرجال والنساء معا.. هذا هو الحب الذي يجمعبين قلبين فيقرب ما بينهما ويمتزجان معا وكأن كل واحد منهما هو نصف متممومكمل للآخر.. ليكون السؤال هل هذا الحب الذي يجمع ما بين شاب وفتاة هو حبيتفق مع الإسلام؟الإجابة المنطقية والفورية وربما الصادمة: طبعا.. أكيدالحب.. أساس الوجودمندهش وغير مصدق لما نقول؟اقرأ ما كتبه د.محمد المسير أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدينبجامعة الأزهر في كتابه "الحب والجمال والإسلام" فهو يصف الحب الذي يجمعبين الرجل والمرأة بأنه "الحب الذي بدأت به الحياة البشرية مضيفا أنه هوأساس الوجود وذلك استنادا لأن الله عز وجل قد خلق "آدم وحواء" وأسكنهماالجنة ثم أهبطهما الأرض لتنتشر الذرية من بعد ذلك تريد دليلا آخر.. إليك الحديث النبوي الشريف الذي روي فيه عن سيدنا محمدعليه الصلاة والسلام قوله: حُبـِّبَ إليّ النساء، والطيب وجُعِلتْ قرةُّعيني في الصلاةلاحظ هنا أنه "حب النساء" الطاهر الشريف جاء في مقدمة الحديث ليؤكد لنارسولنا الكريم أن الشعور بالميل والانجذاب نحو النساء وبالعكس هو أمر فطريوطبيعي يؤيده الإسلام ورسوله شريطة أن يكون في الإطار الشرعي لذلك، وهوالزواج بطبيعة الحالوعلماء الدين استقروا على قاعدة فقهية مهمة وهو أنه لا حكم شرعي فيمااستقر في القلب وإنما الحكم يتعلق بآثار ذلك الشعور وما يترتب عليه منحلال وحرام.. هو ذات القاعدة المطبقة تماما على الحب بين الرجل والمرأةفالحب -بمعنى ما استقر في القلب من شعور معين نحو فتاة أو شاب- لا يتعلق به حكم شرعي لأنه مكنون في صدر الشخص، وإنما ما يتعلق به الحكم هو نتيجةهذا الحب الساكن في الفؤاد فلو أخذت هذه المشاعر طريقها السوي الصحيح فنمتوكبرت في إطار شرعي علني يحيط به الأهل ويتوج في النهاية بالزواج فهذا أمرلا غبار عليه ولا يستطيع أحد أن يصفه بالحب الحرامفالله قد رفع الحرج عن عباده فيما هو بداخل النفس، بشرط ألاّ يؤدي إلى معصية، وهو ما يعني أن شعور الحب الذي يهاجم أي واحد منا لا شبهة حرام فيهمطلقا بشرط أن يتبع هذا استكماله بالزواج أما إذا أخذ طرقا أخرى غير ذلك -وهي لا تغيب عن الكثيرين- فلا يمكننا أن نصفه بالحب أصلاحب الرسول.. وحب أبي بكركتب السيرة والصحابة والتابعين فيها من الروايات والقصص التي تؤكد أنالإسلام يراعي ويحافظ على الحب بين الرجل والمرأة، بل ويعظم كثيرا هذهالمشاعر النقية الخالصة وهي في صورتها الأصلية الخالية من أي تلوث قديضيقه عليها البشر بأفعالهم وسلوكياتهمولنا في رسول الله أسوة حسنة، فبرغم كل أعبائه ورغم تحمله لرسالة سماويةجليلة فإنه لم يجد حرجا في أن يلاطف زوجته السيدة عائشة بل كان يضحك معهاويتودد إليها ولم يجد حرجا عندما سُئل عليه الصلاة والسلام: من أحبّ الناسإليك؟ في أن يقول: عائشةقيل: فمن الرجال؟ قال: أبوهاوهناك رواية جاءت في الصحيحين "البخاري ومسلم" ورغم ذلك لا يعرفها كثيرونوهي تؤكد رعاية الإسلام ورسوله الكريم واحترامها لمشاعر الحب.. والروايةتقول بأن "خنساء بنت خدام" زوَّجها أبوها رجلا فكرهت ذلك وجاءت إلى النبيعليه الصلاة والسلام لتقول له: إن أبي أنكحني أي زوّجني وإنّ عم ولدي أحنإليّأي أنها ترى أن أخا زوجها سيكون أحنّ عليها وعلى أولادها.. ولربما كانتتحمل نحوه مشاعر طيبة إلا أن حياءها منعها من أن تبوح بذلك للرسول الكريمبشكل مباشرترى ماذا كان حكم الرسول العطوف عليه الصلاة والسلام؟حَكم الرسول الكريم بألاّ تتزوج الرجل الذي اختاره أبوها لها وأن تطلق منه، ولا يرد بعد ذلك توضيح ما إذا كانت تزوجت ذات السيدة من أخي زوجها أملا، لكن الشاهد والمؤكد في هذه الرواية أنه لا إجبار في الزواج... ولازواج دون حب وألفة.. وهو ما يؤكد أن الحب في الإسلام مباح.. بل لعلنا لانغالي إذا قلنا بأنه ضروري ومهموإذا كان لنا المثال والقدوة في رسولنا الكريم فلا نجد من بعده خيرا منأبي بكر رضي الله عنه مثالا ونموذجا نتبع خطاه.. الحب ورقة المشاعرالمتبادلة بين الرجل والمرأة كانت حاضرة أيضا وبقوة في هذه القصةكان أبو بكر رضي الله عنه يمشي في أحد طرق المدينة وسمع امرأة تنشد وهي تطحن بالرحى قائلةوهـــويته من قبل قطع تمائمي متـــمايساً مثل القضـيب الناعم وكأن نور البدر سُنَّـة وجــهـــــهينمي ويصعد في ذؤابة هاشــمكانت تغني بألم وحرقة ويعلو صوتها بالبكاء.. رقّ لها قلب خليفة المسلمين أبي بكر الصديق فدقّ عليها الباب.. ولما خرجت إليه قال لها: أحرة أنت أممملوكة؟فقالت: بل مملوكة يا خليفة رسول اللهسألها عمن تغني وتنشد له: من هويت؟فبكت ثم قالت: بحق الله عليك اتركني وشأني.. لكن أبا بكر -رضي الله عنه- ألح في طلبه وقال لها إنه لن يترك المكان حتى تخبره: لا أريم أو تعلميني فقالت وأنا التي لعب الغرام بقــلبها فبكت لحب محمد بن القاسم فلما علم منها أبو بكر الصديق اسم الشخص الذي تهيم به ذهب إلى المسجد وبعثإلى مولاها فاشتراها منه ليعتقها.. ثم بعث إلى محمد بن القاسم بن جعفر بنأبي طالب وقال: هؤلاء فِتَنُ الرجال.. وكم مات بهن من كريم، وعطب عليهن منسليمأرأيت؟المرأة باحت بحبها ولم تخجل منه وإن فعلت ذلك في إطار خلوق ومهذب ويتماشى مع المسموح به في صدر الإسلاموماذا فعل "أبو بكر"؟لم ينهرها أو يعنفها وإنما تقبل مشاعرها الرقيقة هذه وسعى -بعد أن عتقها- إلى أن يزوجها بمن تحب ويحبهاهذا هو الإسلام.. وهذا هو الحب الذي نعيش في ظلاله.. فمن يستطيع أن يفعل مثل هذا