|
أختيار الاستال من هنا
|
روسيا اليوم | الجزيرة | ناشونال جيوغرافيك | المملكه | رؤيا | الاقصى | الكوفيه | الرياضيه | عمون | يوتيوب | مركز رفع الصور |
صحابيات حول الرسول صلى الله عليه وسلم سلسلة من حياة الصحابيات حول الرسول الله صل الله عليه وسلم وأن شاء الله نتعرف بين فترة واخره على صحابية جديدة .. |
كاتب الموضوع | فلسطين | مشاركات | 3 | المشاهدات | 10324 | | | | انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
21-01-2010, 14:34 | رقم المشاركة : ( 1 ) | ||||||||||||
|
دور المرأة السياسي في عهد النبي ...
للمرأة قضايا تثار في كلِّ مجتمع مضطرب الموازين منحرف القيم أو جاهليٍّ أو ملحدٍ ، كان للمرأة قضيّة في العصر الجاهليّ في الجزيرة العربيَّة، وفي اليونان، وفي روما في عصور الانحلال والتفلّت. ولها قضيّة كُبْرى في الحضارة الغربيّة التي سحقت المرأة وسرقت شرفها، وحطّمت كرامتها ورمتها في فتنة الدنيا ووحول فسادها، مخدّرة لا تُحسُّ بحقيقة شقائها، خدّرتها الشهوة المتفلَّتة، أو الجري اللاهث وراء لقمة العيش، أو زهوة المراكز والمناصب والمسؤوليات. ولكن لم يكن للمرأة مشكلة في عصر النبوة الخاتمة، ولا في عصر الخلفاء الراشدين، ولا في أيّ عصر ساد فيه حكم الكتاب والسنَّة وكانت كلمة الله فيه هي العليا. ولكننا اليوم نعاني من هذه القضيَّة، قضيّة المرأة بعامة ومشاركتها في العمل السياسي بخاصة في الآونة الأخيرة، ونرى البعض يطلق مثل هذا الحكم: " الإسلام لم يُفَرِّق بين المرأة والرجل في ممارسة الحقوق السياسية فهما على قدم سواء". حكم عام يُطلق يكاد يوحي بأنه مستقى من نصّ من الكتاب والسنة، أو أنه يمثل ممارسة واضحة في التاريخ الإسلامي منذ عهد النبوّة. إِنّ هذا النصّ العام المطلق على هذه الصورة الجازمة والتي يطلقها بعض العلماء المعاصرين دون أي قيود، لا تصحّ إلا بتوافر نصّ ثابت من الكتاب والسنة، أو بتوافر ممارسة واقعية ممتدّة في المجتمع الإسلامي الملتزم بالكتاب والسنة، والذي تكون فيه كلمة الله هي العليا. ولكننا لا نجد في الكتاب والسنّة أيّ نصّ يجيز هذا الحكم العام المطلق الخالي من أي قيود، ولا نجد كذلك أيّ ممارسة عمليّة ممتدّة له في حياة المسلمين والمجتمع الإسلامي الملتزم منذ عهد النبوة الخاتمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وحياة الخلفاء الراشدين، وسائر فترات التاريخ التي التزم فيها المجتمعُ الإسلامَ. نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يمارسن النشاط السياسيّ مساويات للرجال على قدم سواء، ولا نساء الخلفاء الراشدين، ولا نساء العصور التي تلت، ولا نجد هذه الدعوة التي يطلقها بعض العلماء إلا في العصور الحديثـة المتأخرة التي انحسر فيها تطبيق الإسلام ، وغزا الفكر الغربي ديار المسلمين. وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شكا إلى زوجه أم سلمة ما حدث من أصحابه في الحديبية، فأشارت عليه برأيٍ استحسنه وأخذ به، فهذه حالة طبيعية في جوّ الأسرة المسلمة أن يُفرغ الرجل إلى زوجته بعض همومه، وأن يستشيرها في ذلك، وأن يستمع إلى رأيها، فإن وجد فيه خيراً أخذ به، وإن لم يجدْ تركه. هذه حادثة نتعلم منها أدب الحياة الزوجيّة في الإسلام، ونتأسَّى برسول الله صلى الله عليه وسلم ونسائه في ذلك، دون أن نعتبر ذلك نشاطاً سياسياً لنخرج منها بحكم عام مطلق ينطبق على جميع النساء في جميع العصور والأماكن في النشاط السياسي. وأم سلمة بعد ذلك لم يُعرَف عنها أنها شاركت في النشاط السياسيّ مساوية للرجال على قدم سواء، وكذلك سائر النساء لم يُعرف عنهن هذه المشاركة المساوية للرجـال في المجتمع المسلم. فهذه حادثة تكاد تكون فريدة لا تصلح لإطلاق حكم عام. وحين أنزل الله سبحانه وتعالى على عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم قوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً) [الأحزاب: 28- 29 ]. لم يكن الأمر أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم يتطلّعن إلى الزينة والحليّ والمتع الدنيوية، كما هو حال نساء الملوك والرؤساء حسب ما ذكر بعضهم. لقد كنّ يدركن وهن في مدرسة النبوة أن الإسلام نهج آخر، ولكن حياة النبيّ صلى الله عليه وسلم كان فيها شدة وتقشف وزهد لم يكن في سائر بيوت المؤمنين، فأردن المساواة مع مستوى غيرهنّ من المؤمنات، لا مستوى الملوك والرؤساء. وعندما ندرس هذه الآيات وما يتعلّق بنساء النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فإنما ندرسه ليس من منطلق الرغبات الدنيوية الظاهرة في حياة الملوك، وإنما ندرسه منطلقين من القاعدة الرئيسة التي نصّ عليها القرآن الكريم من أنهنّ أُمهات المؤمنين، لهن هذه الحرمة والمنزلة العظيمة. فجاءت هذه الآيات الكريمة لتذكّر المسلمين ونساء النبيّ صلى الله عليه وسلم والنساء المؤمنات بعامة أن هناك نهجين مختلفين للحياة في ميزان الإسلام: نهج الدار الآخرة وما يشمله من قواعد وأسس ونظام ، ونهج الدنيا وما يموج فيه من أهواء وشهوات. نهجان مختلفان: نهجـان قـد ميّـز الرحمن بينهمـا *** نهج الضلال ونهج الحقّ والرشَـدِ ولقد وَعَت أمهات المؤمنين -رضي الله عنهن- هذا التذكير، فاخترْن الله ورسوله والدار الآخرة، ليكُنّ بذلك القدوة للنساء المؤمنات أبد الدهر. ولا يتعارض هذا مع بقاء الطباع الخاصّة بالنساء، الطباع التي فُطرن عليها يهذّبها الإسلام ويصونها من الانحراف.لا يجمـع الله نهج المؤمنـين على *** نهـج الفساد ولا حقّـاً على فَنَـدِ ولقد خلق الله المرأة لتكون امرأةً، وخلق الرجل ليكون رجلاً، وجعل سبحانه وتعالى بحكمته تكويناً للمرأة في جسمها ونفسيّتها، وجعل للرجل تكويناً متميزاً في جسمه ونفسيّته، ومازال العلم يكتشف الفوارق التي تظهر بين الرجال والنساء. وعلى ضوء ذلك، جعل الله للرجل مسؤوليات وواجباتٍ وحقوقاً، وللمرأة مسؤوليات وواجبات وحقوقاً، لتكون المرأة شريكة للرجل لا مساويةً له، حتى يتكامل العمل في المجتمع الإسلامي، حين يوفي كلٌّ منهما بمسؤولياته، وقد عرف كلٌّ منهما حدوده كما بيّنها الله لهم جميعاً. وهناك حقوق مشتركة بين الرجل والمرأة. فالبيت المسلم هو ميدان التعاون في ظـلال المودّة والسكن والرحمة، دون أن يتحوّل الرجل إِلى امرأة أو المرأة إلى رجل. ومن حق المرأة أن تتعلم لأنَّ طلب العلم فريضة على كل مسلم، رجلاً كان أو امرأة ، " طلب العلم فريضة على كل مسلم"، (1) ومن حقّها وواجبها أن تكون مدرِّسة للنساء، وطبيبة للنساء، وفي كل نشاط مارسته النساء المؤمنات في مجتمعات يحكمها منهاج الله وكلمة الله فيها هي العليا، دون أن يتشبّهْن بالرجال: فعن ابن عباس -رضي عنه- عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لعنَ الله المتشبّهات من النساء بالرجال، والمتشبّهين من الرجال بالنساء. "(2) وعن عائشة -رضي الله عنها- عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " لعنَ الله الرَّجُلةَ من النساء " (3) . وأمثلة كثيرة لا مجال لحصرها هنا تبيّن أن للإسلام نهجاً مختلفاً عن نهج الاشتراكية والعلمانية والديمقراطية، وتبيّن بالنصوص والتطبيق كما أسلفنا أن المرأة ليست مساوية للرجل في النشاط السياسي في الإسلام، إلا إذا نزعنا إلى نهج آخر أخذت تدوّي به الدنيا، وأخذنا نبحث عن مسوّغات له في دين الله . ومن أهم ما أمر به الإسلامُ المرأة متميّزاً بذلك من غيره طاعتها لزوجها، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ) لو كنتُ آمراً أحداً أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، ولا تؤدّي المرأة حقَّ الله -عزّ وجلَّ- عليها كلَّه حتى تؤدّي حقَّ زوجها عليها كله ، ...) (4)إلى آخر الحديث. فعندما ندرس المرأة وحقوقها ومسؤولياتها في الإسلام فيجب أن ننطلق من حماية الأسرة ورعاية الأطفال وتربيتهم، فالأسرة والبيت المسلم هو ركن المجتمع الإسلامي وأساسه، وهو المدرسة الأولى التي تبني للأمة أجيالها، لا تتركهم للخادمات وغيرهن. في الإسلام لابد من عرض التصوّر الكامل المترابط لنشاط المرأة، دون أن نأخذ جُزْءاً وندع أجزاءً، ونركّز على أمر لم يركّز عليه الإسلام، ولم يبرزه لا في نصوصه ولا في ميدان الممارسة. فالحياة الإسلامية متكاملة مترابطة في نهج الإسلام، لا تتناثر قطعاً معزولة بعضها عن بعض. ولا يمنع شيء أن يخرج من بين النساء المؤمنات عالمات مبدعات شاعرات، مفتيات موهوبات. ولكن هذا كله ليس هو الذي يحدّد دور المرأة في الإسلام، فالذي يحدّده شرع الله بنصوصه الواضحة دون تأويل وبالممارسة الممتدّة الواضحة. والمرأة حين تكون عالمة أو فقيهة أو أديبة، فهي أحرى أن تصبح أكثر تمسّكاً بقوله سبحانه وتعالى: (.... فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله...) [النساء: 34] ومما يثير العجب حقّاً أن الرجل الشيوعي جوربا تشوف، أدرك خطورة غيـاب المرأة عن بيتها وواجباتها فيه، واجباتها التي ليس لها بديل. فلنستمع إلى ما يقوله: " ... ولكن في غمرة مشكلاتنا اليوميّة الصعبة كدنا ننسى حقوق المرأة ومتطلباتها المتميّزة المختلفة بدورها أماً وربّة أسرة، كما كدنا ننسى وظيفتها التي لا بديل عنها مربّية للأطفال" . ويتابع فيقول: " ... فلم يعد لدى المرأة العاملة في البناء والإنتاج وقطاع الخدمات، وحقل العلم والإبداع، ما يكفي من الوقت للاهتمام بشؤون الحياة اليومية، كإدارة المنزل وتربية الأطفال، وحتى مجرّد الراحة المنزليّة. وقد تبيّن أن الكثير من المشكلات في سلوكية الفتيان والشباب، وفي قضايا خلقية واجتماعية وتربويّة وحتى إنتاجية، إنما يتعلّق بضعف الروابط الأسرية والتهاون بالواجبات العائلية... "(5) في دراستهم للمجتمع وللصناعة والإنتاج، انطلقوا كما نرى، ولو متأخرين، من البيت، من الأسرة، من دور المرأة في البيت، الدور الذي لا بديل له. ونحن المسلمين، وقد فصّل لنا الإسلام نظام حياتنا منطلقاً من تحديد مسؤوليات الفرد، الرجل والمرأة، ثم البيت والأسرة- تركنا ذلك وقفزنا لنبحث في حق المرأة أن تكون وزيرة أو عضواً في البرلمان أو رئيسة دولة، أو رئيسة شركة، ونضع من أَجل ذلك قانوناً عاماً مطلقاً دون قيود " :الإسلام لم يفرّق بين المرأة والرجل في ممارسة الحقوق السياسية!" وحسبُنا تطبيق الصحابة والخلفاء الراشدين، فهل كانت المرأة مساوية للرجل في الحقوق السياسية؟! أم أن الصحابة والخلفاء الراشدين أخطؤوا ولم يدركوا هذه الحقوق فظلموا المرأة وحرموها من حقوقها؟! لا نقول: إِنّ المرأة عامة، أو أن النساء كلهن لا يصلحن للمهمات الكبيرة بحكم كونهنّ نساء. لا نقول هذا. ولكن نقول: إن الله الذي خلق الرجل والمرأة حدّد مسؤوليات الرجل والمرأة، ومارس المسلمون ذلك في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم، وفي عهد الخلفاء الراشدين، وفي عصور كثيرة أخرى. وقد يكون بعض النساء أكبر موهبة أو طاقة من بعض الرجال، فهل هذا يعني أن تنزل المرأة معتركاً مختلفاً فيه أجواء كثيرة، وتترك قواعد الإسلام تأسّياً بنساء غير مؤمنات، أو مجتمعات غير ملتزمة بالإسلام. وغفر الله لمن قال، كما نشرته إحدى الصحف: " إنّ الرسول صلى الله عليه وسلم لو كان يعلم أنه سيظهر بين النساء أمثال جولدا مائير، أنديرا غاندي، تاتشر، ما قال حديثه الشريف: (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) . فالمؤسف أنَّ من الناس من يعتبر أنَّ هؤلاء النساء أفلح بهنّ قومهن. عجباً كل العجب! هل أصبح الكفر وزينة الدنيا ومتاعها هو ميزان الفلاح! وأين قوله سبحانه وتعالى: (وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) [ الزخرف : 33-35] نِعْمَ البيت الواسع والسرر المريحة للرجل الصالح. ونعمت القوّة والسلاح والصناعة للمؤمنين. إننا نعتقد أنه لا يصح أن نستشهد بمجتمعات غير ملتزمة بالإسلام لنخرج بقواعد شرعية في الإسلام. أما حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة) ، فالحديث يرويه أحمد بن حنبل وأبو داود وابن ماجه والترمذي. ويأتي الحديث بألفاظ مختلفة ولكنها تجمع على المعنى والنص. وإنّ مناسبة الحديث ونصّ الحديث باللغة العربيّة يفيد العموم ولا يفيد الخصوص. ولا يعجز الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخصّ ذلك بأهل فارس لو أراد التخصيص. ولكن كلمة قوم نكرة تفيد العموم، وامرأة نكرة تفيد العموم، فلا حاجة لنا إلى تأويل الحديـث بما لا تحتمل اللغة، وربما لا مصلحة لنا في هذا التأويل. وبما أنَّ المرأة مطالبة بعبادة الله وإقامة دينه، فإنها كذلك مكلفة مثلها مثل الرجل بتقويم المجتمع وإصلاحه! ولكنّ الله سبحانه وتعالى جعل للرجل تكاليف في ذلك ليست للمرأة، وجعل للمرأة تكاليف ليست للرجل. وذلك حتى في أركان العبـادة ـ في الشعائر ـ فصـلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها في المسجد، وصلاة الرجل في المسجد خير من صلاته في البيت. والجهاد فرض على الرجال في ميدان القتال، وليس فرضاً على المرأة، وجهاد المرأة هو في بيتها ورعايته ورعاية زوجها: فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنَّ امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ! أنا وافدة النساء إليك! هذا الجهاد كتبه الله على الرجال، فإن يصيبوا أُجروا وإن قتلوا كانوا أحياء عند ربهم يرزقون. ونحن النساء نقوم عليهم فما لنا من ذلك؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أبلغي من لقيتِ من النساء أنَّ طاعة الزوج واعترافاً بحقه يعدل ذلك، وقليل منكنّ يفعله) . وعن أنس -رضي الله عنه- قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار ليسقين الماء ويداوين الجرحى " (6). وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته "وفيه :" ... والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم ) . (7) وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: يا رسول الله، أعلى النساء جهاد؟! قال: ( نعم ! عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة).(8) وبصورة عامة فإن الإسلام جعل الميدان الأول للمرأة البيت بنص الآيات والأحاديث والممارسة والتطبيق، وجعل ميدان الرجل الأول خارج البيت، ويبقى للمرأة دور خارج البيت غير مساوٍ للرجل، وللرجل دور في البيت غير مساوٍ لدور المرأة. ولا بد أن نؤكد أن للإسلام نهجاً متميّزاً غير نهج العلمانية والديمقراطية ومناهج الغرب في عمل المرأة والرجل. نهجان -كما ذكرنا- مختلفان. نحن نمرّ بمرحلة فيها عواصف غربية وأمواج تكاد تكتسح. ما بالنا نريد أن نخرج المرأة المسلمة من مكانها الكريم الذي وضعها الإسلام فيه، لنجاري الغرب في ديمقراطيته وعلمانيته.؟! ونكاد نخجل من اتهام العلمانية لنا وادعائها بأن الإسلام حجر على المرأة. إن أفضل ردّ عليهم لا يكون بأن ندفع المرأة المسلمة إلى بعض مظاهر الغرب لندفع عن أنفسنا ادّعاءَهم . إن أفضل ردّ أن نقول لهم إن الإسلام أكرم المرأة وأعزها وحفظ لها شرفها وطهرها، وأنتم أضعتم المرأة وأضعتم كرامتها، ثمَّ نعرض الإسلامَ كما هو، وكما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، وكما مارسه المسلمون في عهد النبوة والخلفاء الراشدين. المرأة المسلمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر في أجواء النساء، حيث لا يستطع الرجل أن ينشط هناك إلا في أجواء الاختلاط التي لم يعرفها الإسلام لا في نصوصه ولا في ممارساته. وللمرأة المسلمة أنشطة كثيرة تقوم بها دون أن تلج في أجواء لم يصنعها الإسلام. المنافقات يقمن بإفساد المجتمع مع المنافقين جنباً إلى جنب سواء بسواء كما نرى في واقع البشرية اليوم. أما المؤمنات فيصلحن في المجتمع بالدور الذي بيّنه الله لهنّ، غير مساويات للرجال ولا ملاصقات لهن. دور بيّنه الله للنساء وللرجـال، لا نجده في الديمقراطية، ولا في العلمانية، ولا في تاريخ الغرب كله. نعم! إن أول من صدّق رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت زوجه خديجة رضي الله عنها. ولكنها بتصديقها لرسول الله صلى الله عليه وسلم التزمت حدودها في رسالته، فلم تنطلق خديجة -رضي الله عنها- في أجواء النشاط السياسي أو ميادين القتال أو مجالس الرجال. وكذلك كانت سميّة أول شهيدة في الإسلام رضي الله عنها، وكانت قبل استشهادها ملتزمة حدود الإسلام. والنساء اللواتي قاتلن في أُحد أو حنين، كان ذلك في لحظات طارئة عصيبة لا تمثل القاعدة الدائمة الرئيسة للمرأة في الإسلام، كما بيناها قبل قليل، فلم نَرَهنّ بعد ذلك في مجالس الرجال أو ميادين السياسة سواء بسواء كالرجال، وإنما كنّ أول من التزمن حدودهن التي بينها لهنّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. المرأة التي قامت تردّ على عمر -رضي الله عنه- في المسجد، كانت في مكان تعبد الله فيه وتتعلم. وهو جو يختلف عن المجالس النيابية اليوم، وكانت في مجتمع يختلف عن مجتمعاتنا اليوم. وهذه المرأة نفسها لو عُرِض عليها الأجواء المعاصرة لأبت المشاركة فيها، وكثير من المسلمات اليوم يأبين المشاركة في الأجواء الحديثة. وأتساءل عن السبب الذي يدعو بعضهم إلى الحرص على إدخال المرأة المجالس النيابية العصرية! لقد أصبح لدينا تجربة غنيّة في المجالس النيابية تزيد عن القرن، فلننظر ماذا قدّمت للأمة المسلمة، هل ساعدت على جمعها أم على تمزيقها؟ وهل ساهمت في نصر أم ساهمت في هزائم؟ وهل هذه المجالس التي نريد أن نقحم المرأة المسلمة فيها هي صناعة الإسلام وبناؤه ، أم أنها مثل أمور أخرى غيرها استوردناها من الغرب مع الحداثة والشعر المتفلّت المنثور وغيره من بضاعة الديمقراطية والعلمانية؟! وبصـورة عامة، فإنّ هذا الموضوع: مساواة المرأة بالرجل كما يقول بعضهم: " لقد قرّر الإسلام مساواة المرأة بالرجل"! هكذا في تعميم شامل، شاع هذا الشعار في العالم الإسلامي، وأصبح له جنود ودعاة ودول تدعو إِليه. وكذلك: "مساواة المرأة بالرجل في ممارسة الحقوق السياسية"، هذا كله موضوع طُرق حديثاً مع تسلل الأفكار الغربية إلى المجتمعات الإسلاميـة، مع تسلل الديمقراطية والعلمانية، كما تسلّلت قبل ذلك الاشتراكية. هنالك عوامل كثيرة يجب أن تُدرس وتُراعى عند دراسة نزول المرأة إلى ميدان العمل السياسي الذي يفرض الاختلاط في أجواء قد لا يحكمها الإسلام من ناحية، ولا تحكمها طبيعة العمل نفسه. والاختلاط مهما وضعنا له من ضوابط، فقد أثبتت التجربة الطويلة في الغرب وفي الشرق إِلى انفلات الأمور، وإلى التورط في علاقات غير كريمة. وكذلك فنحن لسنا بحاجـة لنزول المرأة إلى الميادين، ففي الرجال عندنا فائض، والرجال بحاجة إلى أن تـُدرس حقوقهم السياسية التي منحهم إياها الإسلام. إن نزول المرأة إلى الميدان السياسي ذو مزالق خطيرة، فعندما يُطلق هذا ويُباح، فهل معظم النساء اللواتي سيمارسن هذا العمل نساء ملتزمات بقواعد الإِسلام كلّه، و بالحجاب واللباس عامة؟ إنَّ إطلاق هذا الأمر ونحن لم نَبْنِ الرجل ولا المرأة، والتفلّت في مجتمعاتنا واضح جليّ ومتزايد في الرجال والنساء، دون أن ينفي هذا وجود بعض النساء الملتزمات والرجال الملتزمين، إنَّ إطلاق هذا الأمر قد يقود إلى فتنة يصعب السيطرة عليها. وإني لأتساءل: لأيّ مجتمع تصدر مثل هذه الآراء؟! لأيّ رجل وأي امرأة؟ هل المجالس النيابية الحاليّة تصلح ميداناً للمرأة المسلمة لتمارس النشاط السياسي؟ أين هو المجتمع الذي يطبّق شرع الله كاملاً، لتُطلق فيه مثل هذه الأمور؟ وهل هذه المجالس مجالس يسودها شرع الله؟! وميادين العمل المباح للنساء واسعة جداً وكافية لهن، وكلها منضبطة بقواعد الإسلام مثل المدرسات والطبيبات، وكل عمل ليس فيه باب من أبواب الفتنة أو الاختلاط، مع توافر جميع الشروط الشرعية الأخرى عند مزاولة هذه الأنشطة. لا بدّ من الاستفادة مما حلَّ بأقوام آخرين حين انطلقت المرأة في المجتمع في هذا الميدان أو ذاك. وإذا نزلت ميدان السياسة فما الذي يمنعها أن تنزل إلى المصانع وسائر الميادين الأخرى، كما نراها في العالم الغربي؟! وكذلك أتساءل: لماذا هذه الضجّة الكبيرة عن المرأة وحقوقها؟ ألا تنظرون إلى الرجل وحقوقه؟ في عالمنا اليوم فَقَدَ كثير من الرجال حقوقهم، فلماذا تكون الضجّة على حقوق المرأة وحدها، ففي ذلك ظلم للمرأة وللرجل. والإسلام في نهجه جعل الحقوق والواجبات متوازنة في الحياة كلها من خلال منهاج رباني أصدق من سائر المناهج وأوفى وأعدل. وأخيراً أقول: قبل أن نطلق مثل هذه الآراء اليوم، فلنبن الرجل ولنبن المرأة ولنبن المجتمع المسلم. فلنبنِ الأمة، فلنبنِ الرجل والمرأة، والبيت المسلم، والمجتمع المسلم الملتزم، ولنبنِ الأمة المسلمة الواحدة الملتزمة بالكتاب والسنة. حيث تكون كلمة الله هي العليا، فيكون هذا المجتمع أقدر على تحديد دور الرجل والمرأة. إلى ذلك يجب أن تتجه الجهود متكاتفة بدلاً من أن تتمزَّق في قضايا جزئية لا تساعد إلا على تمزيق الأمة: أيها العلماء والفقهاء والدعاة والمسلمون، أقيموا الإسلام حقّ الإقامة أولاً في نفوسكم رجالاً ونساءً، وأقيموه في الأرض، كما يأمركم الله سبحانه وتعالى، وبلّغوه الناس وتعهّدوهم عليه، ثمَّ انظروا في حقوق المرأة والرجل تجدوها بيّنة جليّة لا تحتاج إلى فتوى، كما وجدها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون المتقون في العصور كلِّها! المصدر: شبكة ومنتديات صدى الحجاج |
||||||||||||
|
|||||||||||||
21-01-2010, 14:48 | رقم المشاركة : ( 2 ) | |||||||||||||||
|
رد: دور المرأة السياسي في عهد النبي ...
اختى فلسطين كل يوم تاتى فى جديد قلمك اشكرك على هذه الفته الجميله وهذا راى اخر فى المراه عن زمن الرسول ".. (قضايا المرأة) تعرّضت في المجتمع الإسلامي بعد عصر الراشدين – إلى ألوان من البعد عن معطيات المصادر الأولى في القرآن والسنة وعمل الصحابة مما مثّل في مجموعة (رجعة) إلى عصور ما قبل الإسلام .." بهذه المقدمة يبدأ د. محمد بلتاجي أستاذ ورئيس قسم الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم – جامعة القاهرة، تقديمه لـ"دراسة تاريخية في ضوء قواعد علم الحديث، عن (دور المرأة السياسي)، في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – والخلفاء الراشدين، وبها تحقيق تاريخي وفقهي وتشريعي لِفهمِ دَور السيدة عائشة في أحداث الفتنة"، للأستاذة: أسماء محمد أحمد زيادة؛ حيث عملت على التعمق في دراسة الموضوع وما يتفرع عنه ويتقاطع معه من علوم ونظريات، أفادت منها الباحثة سواء في علوم الشريعة أو العلوم الإنسانية المعاصرة، مما جعل أ.د. فهمي عبد الجليل محمود، يقول في تقديمه، عن الباحثة (إنها تمتلك القدرة على الاجتهاد في القضايا الفقهية التشريعية؛ والقضايا المتصلة بتأويل بعض آيات القرآن التي تناولت شئون المرأة..). يقول أحد الأكاديميين من ذوي التخصصات الشريعية: (رأيت عدة (بحوث) أُنجزت في موضوع المرأة في السنوات الأخيرة، أو سُجّلت لنيل بعض الشهادات، وبالاستقراء كانت القضايا المدروسة في أغلب هذه البحوث هي هي! والمنهجية المتبعة هي هي! والنتائج المتوصلة إليها هي هي!)، والسبب في ذلك كما يرى هو أن البحث يخرج بمعنى (التأليف): أي جمع لما هو موجود من العلم، وتصنيف له، ثم عرض له بمنهج إنشائي! أما ما جعل دراستنا المقصودة في هذا العرض، كرسالة علمية تقدمت بها الباحثة لنيل درجة الماجستير من كلية دار العلوم، جامعة القاهرة – قسم التاريخ والحضارة الإسلامية – الذي يميز (البحث) وهو كشف عن مجهول، أنه تجديد في بناء العلم، أو زيادة - مهما قلت - في صرحه وعمرانه، لذلك قررت اللجنة المناقشة بالإجماع منح الباحثة درجة الماجستير في العلوم الإسلامية بتقدير: (ممتاز)، مع التوصية بطبع الرسالة، وتبادلها مع الجامعات الأخرى. البحث في الدور السياسي للمرأة على مساحة العصر النبوي وعصر الخلفاء الراشدين، هو موضوع الدراسة، فهي تتناول هذا الدور السياسي للمرأة في أهم عصور التاريخ الإسلامي، وأشدها اقتراباً من حقيقة الإسلام: قيمه، ومبادئه، ومُثُله. وذلك من خلال دراسة أهم أشكال الممارسة السياسة للمرأة خلال هذه الحقبة بداية من اعتناق المسلمات الأُوَل للدين، وهجرتهن في سبيل الله، ومبايعاتهن المختلفة على العهد للنبي صلى الله عليه وسلم، وخلفائه الراشدين، وجهادهن، وممارساتهن السياسية في أحداث الفتنة التي ألمت بالأمة الإسلامية. وإذا كان النشاط السياسي، في التعريف المعاصر، هو النشاط المتعلق بطريقة تشكيل السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، ثم المنهج الذي تسير عليه هاتان السلطتان، والأعمال التي تقومان بها، وإذا كان مما يهيئ لمثل هذا النشاط اهتمام الفرد بأمور السياسة، وذلك مما يُرشد فهمه لما يجري في محيطه من أحداث، وهذا بدوره يوفر الوعي، ويرشِّد النشاط السياسي، فإن الدخول في الإسلام مع معارضة الأهل والسلطة الحاكمة، ثم ما يتبعه من الاهتمام بأخباره، أو التعرض للتعذيب بسببه، أو الهجرة من الوطن، أو المبايعة، أو الجهاد، كل هذا يعتبر نشاطاً سياسياً حسب التعبير المعاصر، ويدخل فيه – بلا أدنى اختلاف مع المفهوم المعاصر – كل ما يتصل بالموقف من الحكومات، وطرق سيرها ونظمها، وطريقة اختيار الحاكم، ودور الأمة في إقامة الحدود، وهو ما مثلته السيدة عائشة رضي الله عنها – على وجه الخصوص- في أحداث الفتنة، كما فصلت ذلك الباحثة بوضوح. والدراسة تبحث في هذه القضايا من خلال منهج واضح، ومحدد سلفاً، ينظر إلى هذا الدرس التاريخي من زاوية التصور الإسلامي، التي تؤكد على العلاقة بين هذا التاريخ الإسلامي، وبين العقيدة التي شكلت هذا التاريخ، فمنحته خصوصيات التاريخ الإسلامي، وبين العقيدة التي شكلت هذا التاريخ، فمنحته خصوصيات خاصة به، دون أي تاريخ لأي أمة أخرى، كما تبحث هذه القضايا من خلال نقد الروايات التاريخية في ضوء قواعد المحدّثين، وهو منهج يوظف للمرة الأولى – حسب ما تذكر الباحثة – في بحث قضية الدور السياسي للمرأة في عهد النبوة، وعهد الخلفاء الراشدين، خاصة فيما يتصل بتقييم موقف السيدة عائشة رضي الله عنها في أحداث الفتنة. وهو ما جعله يقدم للحقيقة التاريخية صورة مغايرة تماما لما كان يبدو لنا من قبل كحقائق مسلم بها، بينما هي استنباطات خاطئة، أخذت مكانها من كثرة تكرارها الناتج من تقليد الدراسات بعضها لبعض، ومتابعتها لبعضها البعض، دون مراجعة، أو بحث جاد، والدراسة وهي تقوم على المادة التاريخية، إلا أنها لا تغفل عن معطيات المادة السياسية، والفقهية، والحديثية، والدراسات الحديثة التي عرضت للمسألة. إن أهداف هذا البحث تنطلق من أهداف البحث الإسلامي عامة، وأخلاقياته، التي تصفها بأنها أهداف تدور مع مصالح المسلمين، ومحاولة دفع الضرر عنهم كيفما دارت هذه المصالح، فهي ترى أن ما تقوم به من فروض الكفاية على المسلمين. فهو بحث أرادته متجرداً عن الحقيقة التاريخية في شأن الموقف الإسلامي العملي من دور المرأة السياسي، وهو محاولة تصفها بالـمتواضعة في تنقية الإسلام وتاريخه من الشوائب التي أُدخلت عليه في هذا الدور السياسي للمرأة تدليساً، وتزويراً في محتواه، وسياسته، وخططه. تقول الباحثة إنها تسعى (إلى تجاوز منطق الدفاع عن المرأة – قدر الإمكان – لكي تجعل الحقائق التاريخية المجردة نفسها تشكل في ذهن القارئ النسق الحقيقي للأحداث، وتدفع عنها كل ما علّق بها الماضي والحاضر من تهاويل وإضافات ومفتريات، ما كان لها أن تصمد أمام الواقعة التاريخية الصحيحة، إذا ما تم البحث عنها بتجرد، وأخلاق، وليس غير الواقعة التاريخية حكماً، وقاضياً. وفي الطريق إلى ذلك فإنها تردّ تهماً ومفتريات وجّهت، أو توجه إلى الإسلام، أو إلى نبي الإسلام، أو إلى النظم الإسلامية، أو إلى الصحابة والصحابيات. وهذه الدراسة – تهدف من خلال النظر إلى الجوانب التطبيقية التي قامت بها المرأة في هذه المرحلة التي هي أشد عصور التاريخ تأثيراً في حياتنا – إلى إضاءة هذه الجوانب المهمة وإبرازها، فقد تستطيع هذه الجوانب حسم الكثير من الجدل النظري في مسألة الدور السياسي للمرأة، وعلى فرض أنها لم تحسم الخلاف حسما كاملاً، فإنها – على أقل تقدير – تضيق من نطاق الاختلاف، خاصة إذا ما تبين للكثيرين أن مساحة واسعة من الروايات التي تم الاستدلال بها، والتي زادت من حجم الاختلاف كانت روايات لا أساس لها من الصحة التاريخية، وهو ما يجعل مردود هذه الدراسة في ميدانها التطبيقي واضحاً على الممارسة السياسية الفعلية للمرأة المسلمة المعاصرة، وعلى حجم الجدل الدائر بشأنها، فالباحثة تعد الدراسة، داخلة فيما يسمى بتوظيف المباحث النظرية في الدور السياسي للمرأة، بحيث يمكن أن تكون لها ثمرة علمية، نخرج بها عما هو مذموم شرعاً من الاشتغال بالمباحث النظرية التي ليس لها ثمرة علمية. فالدراسة ببحثها في الممارسة السياسية الحقيقية للمرأة في صدر الإسلام، رد علمي عملي، يحمل الدليل الأكثر عمقاً، والأشد أصالة، والأسبق تاريخاً من كل الآراء التي حجرت على المرأة أن تشارك في بناء وتسديد خطا أمتها، وهي رد أيضاً على أولئك الذين زعموا أن التاريخ الإسلامي لم يعرف للمرأة مشاركة في ميادين السياسة. وهي تحاول أن تشارك في إنهاء حالة الجمود والتقليد، المذموم شرعاً، التي يعانيها البحث التاريخي إزاء المصادر والنصوص القديمة، وإزاء التسليم بكل ما انتهي إليه من استدلالات في الدراسة الحديثة، والترديد لها دون إعمال فكر في حقيقتها، وما استندت إليه من أدلة وبراهين. وهي تخرج عن خط الدراسات الإسلامية التي تم بها النظر من قبل في الأدوار السياسية للمرأة في صدر الإسلام، وهي بين دراسات تاريخية لا تتجاوز السرد إلى التحليل والاستنتاج، بعد اجتياز مراحل النقد المعتبرة للرواية التاريخية، أو دراسات حاولت القيام بعملية التحليل والاستنتاج، إلا أنها لم تبحث في صحة ما قامت بتحليله من روايات، بل لم تقدم أي رؤية تم على أساسها الاختيار للروايات التي تم بناء التحليل عليها، فأغلبها عند التحقيق استنتاجات باطلة قائمة على غير حقيقة تاريخية، ككتاب (عائشة والسياسة) لسعيد الأفغاني، وكتاب( الفتنة، جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر)، لـ د.هشام جعيط، وغيرها من عشرات الرسائل التي عرضت لجزء من المرحلة التاريخية التي تدرسها الباحثة، وظهرت نقاشاتها واضحة في ثنايا المجلد. وتواصل وصفها في مقدمة البحث [ص11-29]، أنها (بين دراسات شرعية فقهية، عرضت لمسألة المرأة والعمل السياسي عامةً، من خلال جمع آراء الفقهاء في القضية، دون أن تحاول الاجتهاد، أو التجديد باتجاه تأصيل حياتنا الفكرية في ضوء المتغيرات التي تحدث في عالمنا المعاصر. أو دراسات جامعة للنصوص القرآنية والنبوية في شأن الحق السياسي، تناولت عمل المرأة السياسي من زوايا قانونية، ركزت على التنظيم القانوني لحقوق المرأة، كحق الترشيح، والانتخاب، والوظائف العامة، وغير ذلك، وبين دراسات حاولت بحث العمل السياسي للمرأة برؤية إسلامية، حاولت التجديد من خلال النظر في علوم السياسة ودراسات المرأة، والدراسات الإسلامية، إلا أنها ليست في الشأن التاريخي المعنيّ بتحقيق الرواية التاريخية أولاً، ثم بناء الحقيقة التاريخية وتكوين الاستنتاج على أساسها. ولعل هذه الدراسة بما حاولت الالتزام به من منهج أن تكون قد ساهمت – مع المحاولات الجادة الأخرى – في تأصيل المنهج الإسلامي للتفسير التاريخي.. ذلك المنهج الذي يعتمد التصور الإسلامي للتاريخ، ويفيد من منهج المحدثين في التعامل مع الرواية التاريخية. ولعلها أيضاً بما قدمته من حقائق تاريخية مستندة إلى هذا المنهج أن تكون لبنة مع لبنات الجهود الجادة في بناء علم سياسة إسلامي قائم على تجربة تاريخية صحيحة وموثقة. منهج الدراسة: تتميز هذه الدراسة بطبيعة المنهج الذي تعتمده، وهو منهج قائم أولاً على تناول القضية التاريخية في ضوء الرؤية الإسلامية التي تنظر إلى حركة تاريخ هذه المرحلة من خلال فهم طبيعة العلاقة المتبادلة بين العقيدة، وبين الحركة التاريخية التي حدثت بتأثير قوي من هذه العقيد، وقائم ثانياً على الاستهداء بقواعد المحدثين في تحقيق الخبر التاريخي، وثالثاً على محاولة التزام المنهج التحليلي الموضوعي فيما تناولته من مباحث. إننا في خضم الدراسات التاريخية الحديثة نبحث عن النظرة الإسلامية الشاملة للتاريخ الإسلامي فلا نجدها. على حين نجد أعداءنا يحاربوننا بفلسفتهم الشاملة التي تقوم على المعايير المادية الوضعية. إنهم يقدمون لنا تاريخ البشرية وتاريخنا من خلال مناهجهم التي تتحكم فيها فلسفتهم وعقيدتهم. وحين يتلقى أبناء الأمة هذا التاريخ تدخل تلك الفلسفة المادية في البناء الفكري لهم، مشوهة معالم الفكرة الإسلامية في أذهانهم، فيهدمون عقيدتنا، ويبنون عقائدهم. بل إنه في ميادين البحث العلمي التاريخي في بلاد المسلمين، حيث تسود العقائد القومية، والعلمانية، أو حيث يسود عدم الانتماء إلى شيء أصلاً، وتتحكم مع هذه الحالة تقاليد العصر – بكل ضبابه وغيومه – فيما يقدمه البحث العلمي من دراسات.. نجد كثيراً من كتاب المسلمين الذين تناولون التاريخ الإسلامي عامة، والدور السياسي في صدر الإسلام خاصة، وأحوال الصحابة والصحابيات على الوجه الأخص، على ضوء توجهاتهم الفكرية، وتقاليدهم، يقسمون الصحافة إلى يمين ويسار ووسط، وكأنه لم يكن للإسلام في هذا العصر أدنى أثر. والذين فهموا تاريخ هذه المرحلة على هذا الوجه – بسبب تجاهلهم للعروة الوثقى بين العقيدة وبين الواقع التاريخي في هذه المرحلة، أو بسبب اعتمادهم على الروايات الضعيفة والموضوعة، كما سوف نرى في ثنايا البحث – "يعيدون إلى الأذهان تركيبة المجتمع قبل الإسلام، ويوهمون الناس بأن تربية الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة، وما ورد عنهم في القرآن الكريم، والحديث الشريف، والسيرة الصحيحة من بذلهم الأنفس والأموال في سبيل الله كانت وقتية، وقد زالت، ولا أثر لها. وهذا من أعظم الفرية والانتقاص للرسالة الإلهية ولرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولصحابته الكرام"، فضلاً عن كونه مخالفاً للحقيقة التاريخية الصحيحة عنهم. ولعلنا نحسّ بمدى ما يمثله القول بهذا الارتباط بين العقيدة والواقع التاريخي في هذه المرحلة من عدمه، وأثر ذلك في فهم وتفسير الواقعة التاريخية، إذا راجعنا، مثلاً، أغلب ما قُدم في شأن الدور السياسي للسيدة عائشة رضي الله عنها من تفسير تاريخي، فلسوف نجد أن أغلب ما جاء في تفسير مفردات هذا الدور كان يذهب – نتيجة تجاهل لهذا الارتباط – إلى تصوير مواقفها رضي الله عنها وكأنها مواقف مضادة للثوابت والمطالب والمعطيات الإسلامية، وكأن الإسلام لم يعد له من أثر يذكر في حياتها، وهو ما يستحيل عقلاً وديناً التسليم به في شأن السيدة عائشة رضي الله عنها، وهي في القمة من عدول الصحابة والصحابيات، بل ويخالف الواقع التاريخي الصحيح الذي سيتضح من خلال هذه الدراسة. "لقد أصبح التراث الإسلامي في العقود الأخيرة على وجه الخصوص، ساحة مفتوحة يصول فيها ويجول مفكرون لا يمتلكون قدراً كافياً من فهم أسس التصور الإسلامي ومقوماته، بل هم في كثير من الأحيان في خصام مع هذه الأسس، وعداء معها، الأمر الذي كان يقودهم إلى توظيف هذا التراث لتأكيد استنتاجاتهم باعتماد منهج منقوص لا يستقرئ هذا التراث لاستخلاص مؤشراته الأساسية في هذه الدائرة أو تلك من دوائر معطياته المعرفية الخصبة المتشابكة، ولكنه يمارس عملية انتقاء كيفي فجة تستبعد – بحكم التحزب والهوى – الكثير من عناصره الأصلية، ولا تستبقي سوى الشواهد التي تؤكد هذا الاستنتاج المحدود أو ذاك". ولذلك فلعله مما يميز هذه الدراسة أنها تُضَمّ إلى ما يمكن أن يسمى بالمحاولات المنهجية الضرورية لتعديل الوضع الخاطئ، الذي يحاول فك الارتباط بين العقيدة وبين الواقع التاريخي لهذه المرحلة التاريخية، وأنها تحاول أن تعيد الأمور إلى نصابها فيما تناولته من مباحث من خلال محاولة تلمس بطبيعة الارتباط المؤكد تاريخياً وعملياً بين العقيدة وبين الحدث التاريخي في التاريخ الإسلامي، على وجه الخصوص. والخلاصة في هذه القضية المنهجية أن التاريخ الإسلامي في صدر الإسلام وعصر الراشدين هو التطبيق المثالي للإسلامي، ومن ثم ينبغي على الباحث المسلم أثناء هذه الدراسة أن يقوم بشيئين في آنٍ واحد، كل منهما يخدم صاحبه: "أن يدرس ذلك المجتمع من خلال مبادئ الإسلام، وأن يدرس الإسلام من خلال التطبيق الواقعي في ذلك المجتمع". وإن أخطر ما عانته المباحث الخاصة بالمرأة عبر التاريخ أن الذين كتبوا فيها كانوا يعتمدون منهجاً معكوساً في البحث، إذ إنهم ينطلقون من فكرة مسبقة عندهم عن المرأة، ثم يجيئون إلى وقائع التاريخ يستلّون منها ما يؤيد فكرتهم، ويستبعدون ما دون ذلك، دون مبالاة بحال الخبر: ضعفاً، أو قوة، فهم أصحاب أفكار يريدون إثباتها وإظهارها، لا طلاب حق يسعون إلى البحث عنه، وهكذا فإن أغلب هذه المباحث قائم على الانتقاء الكيفي، أو التفاسير الاختيارية للنصوص التاريخية. ولذلك فإن هذه الدراسات التي تناولت الدور السياسي التاريخي للمرأة في القرن الهجري الأول – بما مارسته من أخطاء منهجية في البحث عن الحقيقة التاريخية – قد أدت إلى كثير من الأطروحات الخاطئة. وهو أمر طبيعي، فالخطأ لا ينتج إلا خطأ، والبعد عن الموضوعية لن يؤدي إلا إلى نتائج لا تحمل من روح العمل والجدية إلا قليلاً. ولذلك، ومن أجل الوصول إلى استدلالات راجحة، فإنه كان علينا، وقد واجهتنا الروايات التاريخية بكل تناقضاتها أن نحاول الالتزام – قدر الإمكان – بمنهج علمي محكوم بقواعد ثابتة، تمثل أهم شروط الدراسة التاريخية الجادة، إذا ما أريد لها أن تعتمد على أوثق المصادر، وأدق الأخبار، ولم يكن أمامنا، في سبيل تحقيق ذلك، أفضل من اللجوء إلى قواعد المحدّثين في نقد المصادر التاريخية نقداً يبحث في مصداقية هذه المصادر، ومدى قدرتها على منحنا الحقيقة التاريخية الصادقة، وفي سبيل ذلك قدمنا للدراسة بمبحث في تصنيف هذه المصادر والنظر في جرح العلماء وتعديلهم لأصحابها، ومصنفيها. معايير التعامل مع الروايات التاريخية التي استخدمتها الدراسة وبنفس منهج المحدثين أخذنا في التعامل مع الروايات التاريخية في الموضوع الواحد، وذلك من خلال الإفادة من علم "مصطلح الحديث"، وكتب "الجرح والتعديل"، ومن خلال هذا المنهج تبين لنا عدد من القواعد والمعايير الضابطة في التعامل مع الروايات التاريخية، أخذنا أغلبها من علماء أجلاء سبقونا إلى القول بها، وبدا لنا بعضها أثناء طريق البحث وهي قواعد تبقى فاعلة فيما يأتي من بحوث، بلا شك، هذه القواعد والمعايير يمكن تصنيفها في نوعين: أولهما: في معايير وضوابط للخبر التاريخي نفسه. والثاني: في شروط كلية عامة تحكم البحث التاريخي بصفة عامة، وهي شروط قد تختلف من بحث إلى آخر، ومع تراكم الخبرات التطبيقية في البحث التاريخي الجاد فإنه يمكن أن يضاف إلى هذه القواعد والضوابط الكثير. فأما النوع الأول من هذه القواعد التي استرشدت بها الدراسة – مع التحلي بقدر من المرونة يقتضيه الفرق بين الحديث والخبر – فإن منها: • أن الخبر لا يقبل إلا إذا كان مسنداً. • ولا يقبل الإسناد إلا إذا كان متصلاً ليس فيه انقطاع. • ولا يقبل الإسناد المتصل إلا إذا كان صحيحاً. • وبالإضافة إلى صحة المسند في الخبر يشترط ألا يكون في المتن علة قادحة في صحة الخبر، كأن يتناقض مع صريح القرآن، ويستحيل الجمع بين التأويل، أو يتناقض الخبر مع الحقائق الثابتة في الكون، أو مع بدهيات العقل، أو مع ما عرف من أخلاق الصحابة، ودينهم، أو أن يكون ركيكاً. • هذا مع مقابلة الروايات والنصوص في الموضوع الواحد، ومناقشتها وصولاً إلى الحقيقة التاريخية، ومتى أمكن الجمع بين الروايات فهو أولى من الترجيح. • الأخذ بالأرجح [حتى وإن كان المرجوح أكثر روائية وتشويقاً]. • نرجح الأوثق بالعدالة، والأضبط في الحفظ. • نرجح رواية الشاهد بنفسه المباشر لما رواه عن غيره. • نرجح الرواية المفصلة على الرواية المجملة إذا تعارضت معها. • إذا جاءت رواية في السيرة ثبتت صحتها بتعدد طرق رواياتها، وجاءت موافقة لسير الأحداث، ثم جاءت رواية على أنها من الحديث النبوي، تخالف شيئاً ثابتاً في السيرة فإن هذا يكون دليلاً، مع الأدلة والقرائن الأخرى، على بطلان تلك الرواية، أو عدم فهمها فهماً سليماً. • ومع كل ذلك فإننا "لسنا ندعي في أئمة الجرح والتعديل العصمة من الغلط النادر، ولا من الكلام بنفس حاد فيمن بينهم، وبينه شحناء، وقد عُلم أن كثيراً من كلام الأقران بعضهم في بعض مُهدر، لا عبرة به". وأما النوع الثاني من قواعد البحث التاريخي التي سارت عليها الدراسة، فإن منها: • أن الحادثة لا تفهم إلا في ضوء الرؤية التاريخية الشاملة للمرحلة التي تحدث فيها، وحتى يكون فهمنا لها مؤدياً إلى فهم شامل وواضح للحدث، وحتى لا يكون فهماً مبتوراً عن سياقه، وحتى تتأكد لنا صحته المبدئية، من خلال معرفة: هل يمكن أن تتجانس الحادثة في لحمتها وسداها مع نسيج تلك المرحلة لحمة، وسدى، أم لا؟ • مراعاة المدركات والمفاهيم السياسية السائدة زمن الواقعة التاريخية المدروسة. وبمعنى آخر فهم الخطاب التراثي فهماً مستقيماً بلغته دون إسقاط للمصطلح المعاصر عليه.. حتى لا يتم تلبيس المفاهيم التراثية بالمضامين الأوروبية المعاصرة لعلم السياسة. • بناء البحث التاريخي على الحادثة التاريخية نفسها، حتى لا تقع في مظنة اعتماد الهياكل المرسومة مسبقاً، ووجهات النظر المصنوعة سلفاً، ومحاولة تطويع الوقائع، وإرغامها على الانسجام مع هذه الهياكل، والوجهات، حتى ولو أدى هذا إلى تشويه ملامح الواقعة التاريخية. • المقارنة بين الروايات في الموضوع الواحد، لترجيح الرواية المتفقة مع الروايات الصحيحة، أو التي تتلاءم مع أخلاق الصحابة وعدالتهم. • ألا نجعل من أهداف الدراسة ملاحقة معطيات الآخرين بالنظرة النقدية، كشفاً عن خطأ فيها، أو تتبعاً لعورة من عوراتها، إلا أن يكون في العملية النقدية قدرٌ من الانحياز، يمثل دفاعاً عن قيمة من قيمنا التاريخية، أو الفكرية. وقد حاولت في هذه الدراسة بعد الاستهداء بالمنهج السالف التزام منهجين: التحليلي، والموضوعي للأحداث التاريخية. فأما المنهج التحليلي: فإنه يعني عدم الاكتفاء بسرد الحدث التاريخي، وإنما الغوص في نصوص هذه الأحداث، وتأملها، واستنباط الأحكام والدلالات السياسية منها، وهو ما نحتاجه في حياتنا السياسية الراهنة بلا جدال. وهذا المنهج لا يؤتي ثماره إلا بأن يبدأ أولاً بالبحث في مصداقية المصدر الذي نأخذ عنه الرواية، وإلا بأن نتسلح ثانياً بأن نكون ملمين إلماماً وافياً بالأحداث، مع قدرة على استيعابها مجتمعة في ظل التناقضات الشديدة بين رواياتها، وقدرة على الاختيار العلمي الدقيق للرواية الصحيحة، مع تحليلها لاستخراج الدلالات التي تدخل في نطاق الدراسة، أو المسألة البحثية. وأما المنهج الموضوعي: فالمقصود منه الالتزام بجمع المعلومات والأحداث التاريخية المتعلقة بموضوع واحد، وإعطاء فكرة متكاملة وشاملة عن هذا الموضوع، من خلال جمع شوارده وتنسيقها، وترتيبها، وهو منهج يؤدي إلى نوع من الدراسة العمودية التي تمكّن من الوصول إلى ملامح الموضوعات البحثية، وسماتها المتفردة. هذا المنهج يقف عند جزئيات الوقائع والحوادث التاريخية وقوفاً متأنياً، كأساس في البحث التاريخي الذي يبدأ من الواقعة الجزئية لفهمها والوقوف على شكلها، ثم ربطها بسياقها في الحركة التاريخية، ومن ثمّ الصعود إلى التحليل الحضاري الكلي لسلسلة الوقائع التي تحدث في الزمان والمكان بحيث تبرز لنا في نهاية الأمر المؤشرات الأكثر امتداداً لمعطيات التاريخ الإسلامي. وفائدة هذا المنهج – كما نعلم – أنه يمكّن أهل الاختصاص من الاستفادة من المادة المدروسة في مجالات تخصصاتهم التي يتعرض لها "الموضوع البحثي"، ذلك أن مجرد التزام المجرى الزمني، وغض الطرف عن التكامل في الموضوع يدفع الباحث إلى أن يخسر في النقطة الواحدة، أو المقطع الواحد مجموعة من الأحداث والوقائع المتناثرة والمتنافرة، كما تلجئه إلى تقطيع الواقعة التاريخية الواحدة إلى أجزاء متناثرة لا يضمها إطار واحد، ولا يوحدها تجانس نوعي. مباحث الرسالة: جاء هذا البحث للدور السياسي للمرأة في العهد النبوي وعهد الخلفاء الراشدين، في مجالاته الأكثر فاعلية وأثراً في حياتنا السياسية المعاصرة: اعتناق الدين، والهجرة في سبيله، والبيعة، والجهاد، والموقع من سياسة الحكم، والسعي في إقامة الحدود. فالرسالة مقسمة إلى ثلاثة أبواب، يسبقها مبحث تمهيدي عن مصادر التاريخ الإسلامي للفترة موضوع الدراسة، ولقد اعتبرت هذا المبحث ضابطاً أساسياً في تكوين طريقة التعامل مع أغلب ما جاء في الدراسة من روايات، كما قدمت للدراسة أيضاً بما اعتبرته ضابطاً ثانياً يضاف إلى سابقه في فهم هذه المرحلة التاريخية، وهو ما يتصل بعدالة الصحابة، كحقيقة تاريخية مسلّم بها، فأما أبواب الرسالة الثلاثة فهي: الباب الأول: دراسة لبعض "الممارسات السياسية العامة للمرأة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعهد الخلفاء الراشدين"، وأظهرت الدراسة أن السيدة خديجة كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار حراء في الليلة التي نزل عليه فيها الوحي، وفي الفصل الأول منه: درست قضية اعتناق المسلمات الأُوَل للإسلام، وسبقهن إليه، والنظر في طبقاتهن وأدوارهن في مرحلة الدعوة السرية، ثم دورهن في المرحلة الجهرية وتحملهن الاضطهاد في سبيل الدعوة، مع إيضاح دورهن في مرحلة دار الأرقم. وفي الفصل الثاني: عرضت الدراسة لأدوار المرأة في الهجرة: إلى الحبشة، وإلى المدينة، وعرضتُ للقيمة السياسية الواضحة لهاتين الهجرتين، وحكمهما الشرعي، كما قمتُ ببحث حجم مشاركة المرأة في هذا الحدث السياسي البارز، وطبقات النساء المهاجرات، ومعاناتهن، ودورهن في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وهل كانت المرأة مجرد تابع لزوجها في الهجرة، أم أن هناك صوراً أخرى تعظم فيها قيمة ومعنى مشاركة المرأة في الهجرة؟، وعرضت لما دلّت عليه الحركة التاريخية لهن في هذا الحدث من أن الهجرة كانت واجبة عليهن، كما هي واجبة على الرجال من المسلمين. وفي الفصل الثالث: عرضت الدراسة لبيعة النساء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأظهرت المعنى السياسي لهذه البيعة من خلال تتبع جملة المبايعات التي شاركت فيها الصحابيات، والتي تناثرت في كتب الأصول حتى اختفت معالمها، ولم يعد في الأذهان منها سوى بيعة العقبة وبيعة الرضوان. ثم عرضت لكيفية مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم، لهن، وللبنود التي كانت تتم البيعة عليها، وتحريرها بما يؤدي إلى الإجابة عن السؤال القائل: هل كانت هناك بيعة خاصة بالرجال، وأخرى خاصة بالنساء، وبما يؤكد على مكان المرأة السياسي في البيعة، ويدحض كل المحاولات التي حاولت التمييز بين المرأة والرجل في البيعة. مع تقديم ملحق بأسماء النساء المبايعات اللاتي ذكرهن ابن حجر في كتاب "الإصابة في معرفة الصحابة". وفي الفصل الرابع: عالجت قضية بيعة النساء على عهد الخلفاء الراشدين، ولماذا اختفت المرأة في بيعات الخلفاء رغم الظهور الكثيف لها في بيعات النبي صلى الله عليه وسلم، وبيّنت أثر النظر إلى هذا الغياب في ترويج بعض المفاهيم السياسية المعاصرة حول دور المرأة السياسي. وفي الباب الثاني من الرسالة، وعنوانه: "دور النساء في الجهاد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدين". وفي الفصل الأول منه: عرضٌ لفلسفة الجهاد في الإسلام، وصور استشراف الصحابيات للجهاد، من خلال فهم جديد لرواية أسماء بنت يزيد بن السكن في وفودها باسم النساء على رسول الله، في شأن الجهاد، ثم تتبع لمشاركة الصحابيات في الغزوات الكبرى على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عرضٌ للغزوات التي لم يرد لهن فيها ذكر، وقد تبين من خلال درسها أنها تنقسم إلى، سرايا وغزوات نتوقع أن تكون المرأة قد شاركت فيها، رغم سكوت المصادر عن القول بهذا، وبين سرايا وغزوات لم تشارك فيها، وتعرضت بالمناقشة والتحليل للأسباب الكائنة وراء تغيّبها عنها في ضوء فهم الملابسات التاريخية الشاملة لهذه الغزوات، ثم بينت الأدوار المتعددة التي قامت بها المرأة في هذه الغزوات, ثم عرضت بالتحليل والدرس للروايات الموحية بمنع النساء من الجهاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، للوصول إلى التحرير التام للحقيقة التاريخية في هذا الدور. وفي الفصل الثاني عرضٌ لمشاركة المرأة النساء في الجهاد من خلال حروب الردة سواء على عهد الرسول، أو عهد الصديق رضي الله عنه، وقد عرضت بالنقد والتحليل لطريقة التسجيل التأريخي لهذا الدور، ولإشكالية صغر حجم المشاركة النسائية في هذه الحروب، رغم القيمة العالية لما تم تسجيله في هذا الدور. وفي الفصل الثالث: عرضت لحجم المشاركة النسائية الكثيفة في حركة الفتوحات، وبينت الإهمال التأريخي في رصد هذا الدور، والتناقض في روايات الفتوحات، مع إيضاح طبيعة الأدوار النسائية في هذه الفتوحات، وقمت بتتبع هذه الأدوار في فتوح الشام والعراق كنموذجين. ومن طرائف هذا المبحث أنه عرض لقضية البطولات الخارقة المنسوبة إلى خولة بنت الأزور، أخت ضرار الفارس المشهور، وحقيقتها، ليكشف عن حقيقة هذه البطولات ووهمية الشخصية نفسها. والباب الثالث عن: "الدور السياسي للمرأة في أحداث الفتنة، على عهد أمير المؤمنين عثمان، وأمير المؤمنين علي"، وقد قسمت أحداثها إلى عدة مراحل، في عدة فصول: الفصل الأول: في أحداث الفتنة من بدايتها حتى مقتل عثمان رضي الله عنه، وفيها استعراض تاريخي لملخص أحداث الفتنة، وموقف أمهات المؤمنين، والصحابيات منها. والفصل الثاني: في دور أم المؤمنين السيدة عائشة خاصة في هذه الأحداث على عهد عثمان رضي الله عنه، وفيه توضيح لحقيقة مكانته عند السيدة عائشة رضي الله عنها – حسبما دلت عليه الروايات الصحيحة، مع نقد وتحليل الروايات التي زعمت تأليبها رضي الله عنها عليه، وقد عرضت لتحليل ونقد روايتين عند الطبري وأربع روايات عند غيره. وعلى ضوء ما سبق جاء الفصل الثالث في خروج السيدة عائشة إلى البصرة، وبدأته بذكر الأحداث السابقة على هذا الخروج، ثم التتبع لكيفية هذا الخروج، وتوضيح الاستقلال الفكري للسيدة عائشة في الإيمان بضرورة هذا الخروج، مع توضيح أن خروج الآلاف معها كان من قبيل إيمانهم أيضاً بأهمية هذا الخروج، وعرضت لموقف أمهات المؤمنين من هذا الخروج، وطبيعية أن تكون عائشة بالذات هي صاحبة هذا الدور الأبرز، مع توضيح الدافع لهذا الخروج، والهدف منه. وفي الفصل الرابع عن "الأحداث في البصرة" عرضت لتحرير وتحليل مسألة مرورها رضي الله عنها على ماء الحواب، لمعرفة مدى دلالة هذا الحدث سياسياً، وما جاء فيه من أحاديث نبوية دالة على إدانة خروجها رضي الله عنها من عدمه، ثم أتبعته بالنظر في الممارسات السلمية لها رضي الله عنها في البصرة، وتحليل ونقد الروايات المخالفة لهذه الممارسات، وفي ضوء ذلك عادت الدراسة لتحليل، وتحرير أهداف هذا الخروج، من خلال الإجابة على هذه الأسئلة: هل خرجوا ليقيموا الحد على قتلة عثمان رضي الله عنه، وهل فعلاً أمرت السيدة عائشة بالمثلة بالصحابي عثمان بن حنيف، وهل خرجوا لحرب علي رضي الله عنه، مع توضيح الغاية من خروج أمير المؤمنين علي في أثرهم، ودلالة ذلك على نظرته إلى هذا الخروج، وأصحابه، ثم عرضت للأحداث السابقة على موقعة الجمل، وكيف كان الدور السبئي من وراء نشوبها. وفي الفصل الخامس تناولت الدراسة ما أشاعه ذوو الأهواء من الكراهية المزعومة بين علي وعائشة رضي الله عنهما، والمظاهر والأسباب التي استند بعضهم إليها في تقرير القول بهذه الخصومة المزعومة في المصادر التاريخية، وكشفت زيفت هذه الادعاءات، كما أوضحت الخطأ المنهجي الذي يقف من وراء القول بها في الدراسات الحديثة. ومن أجل التحرير الكامل للحقيقة التاريخية عرضت الدراسة في الفصل السادس لحقيقة الروايات القائلة برفض الصحابة لخروج السيدة عائشة، وقمتُ بدراسة بعض هذه الروايات المتمثلة فيما ذكره أبوبكرة تعليقاً على موقعة الجمل، وفيما ذُكر من رفض السيدة أم سلمة، ورفض زيد بن صوحان، وعمار بن ياسر، وجارية ابن قدامة رضي الله عنهم جميعاً. بل وفي دعوى ندم السيدة عائشة رضي الله عنها على هذا الخروج، كدليل يعتمدون عليه في إدانة دورها السياسي، وعرضت الدراسة في هذا الفصل أيضاً لآراء بعض العلماء في هذا الخروج. وأخيراً خلاصة القول في الموقف السياسي للسيدة عائشة، وهي خلاصة تصدق على الموقف السياسي للمرأة عامة، إذا ما اتسم به موقف السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها.) من المقدمة [ص11-29] |
|||||||||||||||
|
||||||||||||||||
21-01-2010, 14:50 | رقم المشاركة : ( 3 ) | |||||||||||||||
|
رد: دور المرأة السياسي في عهد النبي ...
اختى فلسطين كل يوم تاتى فى جديد قلمك اشكرك على هذه الفته الجميله وهذا راى اخر فى المراه عن زمن الرسول ".. (قضايا المرأة) تعرّضت في المجتمع الإسلامي بعد عصر الراشدين – إلى ألوان من البعد عن معطيات المصادر الأولى في القرآن والسنة وعمل الصحابة مما مثّل في مجموعة (رجعة) إلى عصور ما قبل الإسلام .." بهذه المقدمة يبدأ د. محمد بلتاجي أستاذ ورئيس قسم الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم – جامعة القاهرة، تقديمه لـ"دراسة تاريخية في ضوء قواعد علم الحديث، عن (دور المرأة السياسي)، في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – والخلفاء الراشدين، وبها تحقيق تاريخي وفقهي وتشريعي لِفهمِ دَور السيدة عائشة في أحداث الفتنة"، للأستاذة: أسماء محمد أحمد زيادة؛ حيث عملت على التعمق في دراسة الموضوع وما يتفرع عنه ويتقاطع معه من علوم ونظريات، أفادت منها الباحثة سواء في علوم الشريعة أو العلوم الإنسانية المعاصرة، مما جعل أ.د. فهمي عبد الجليل محمود، يقول في تقديمه، عن الباحثة (إنها تمتلك القدرة على الاجتهاد في القضايا الفقهية التشريعية؛ والقضايا المتصلة بتأويل بعض آيات القرآن التي تناولت شئون المرأة..). يقول أحد الأكاديميين من ذوي التخصصات الشريعية: (رأيت عدة (بحوث) أُنجزت في موضوع المرأة في السنوات الأخيرة، أو سُجّلت لنيل بعض الشهادات، وبالاستقراء كانت القضايا المدروسة في أغلب هذه البحوث هي هي! والمنهجية المتبعة هي هي! والنتائج المتوصلة إليها هي هي!)، والسبب في ذلك كما يرى هو أن البحث يخرج بمعنى (التأليف): أي جمع لما هو موجود من العلم، وتصنيف له، ثم عرض له بمنهج إنشائي! أما ما جعل دراستنا المقصودة في هذا العرض، كرسالة علمية تقدمت بها الباحثة لنيل درجة الماجستير من كلية دار العلوم، جامعة القاهرة – قسم التاريخ والحضارة الإسلامية – الذي يميز (البحث) وهو كشف عن مجهول، أنه تجديد في بناء العلم، أو زيادة - مهما قلت - في صرحه وعمرانه، لذلك قررت اللجنة المناقشة بالإجماع منح الباحثة درجة الماجستير في العلوم الإسلامية بتقدير: (ممتاز)، مع التوصية بطبع الرسالة، وتبادلها مع الجامعات الأخرى. البحث في الدور السياسي للمرأة على مساحة العصر النبوي وعصر الخلفاء الراشدين، هو موضوع الدراسة، فهي تتناول هذا الدور السياسي للمرأة في أهم عصور التاريخ الإسلامي، وأشدها اقتراباً من حقيقة الإسلام: قيمه، ومبادئه، ومُثُله. وذلك من خلال دراسة أهم أشكال الممارسة السياسة للمرأة خلال هذه الحقبة بداية من اعتناق المسلمات الأُوَل للدين، وهجرتهن في سبيل الله، ومبايعاتهن المختلفة على العهد للنبي صلى الله عليه وسلم، وخلفائه الراشدين، وجهادهن، وممارساتهن السياسية في أحداث الفتنة التي ألمت بالأمة الإسلامية. وإذا كان النشاط السياسي، في التعريف المعاصر، هو النشاط المتعلق بطريقة تشكيل السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، ثم المنهج الذي تسير عليه هاتان السلطتان، والأعمال التي تقومان بها، وإذا كان مما يهيئ لمثل هذا النشاط اهتمام الفرد بأمور السياسة، وذلك مما يُرشد فهمه لما يجري في محيطه من أحداث، وهذا بدوره يوفر الوعي، ويرشِّد النشاط السياسي، فإن الدخول في الإسلام مع معارضة الأهل والسلطة الحاكمة، ثم ما يتبعه من الاهتمام بأخباره، أو التعرض للتعذيب بسببه، أو الهجرة من الوطن، أو المبايعة، أو الجهاد، كل هذا يعتبر نشاطاً سياسياً حسب التعبير المعاصر، ويدخل فيه – بلا أدنى اختلاف مع المفهوم المعاصر – كل ما يتصل بالموقف من الحكومات، وطرق سيرها ونظمها، وطريقة اختيار الحاكم، ودور الأمة في إقامة الحدود، وهو ما مثلته السيدة عائشة رضي الله عنها – على وجه الخصوص- في أحداث الفتنة، كما فصلت ذلك الباحثة بوضوح. والدراسة تبحث في هذه القضايا من خلال منهج واضح، ومحدد سلفاً، ينظر إلى هذا الدرس التاريخي من زاوية التصور الإسلامي، التي تؤكد على العلاقة بين هذا التاريخ الإسلامي، وبين العقيدة التي شكلت هذا التاريخ، فمنحته خصوصيات التاريخ الإسلامي، وبين العقيدة التي شكلت هذا التاريخ، فمنحته خصوصيات خاصة به، دون أي تاريخ لأي أمة أخرى، كما تبحث هذه القضايا من خلال نقد الروايات التاريخية في ضوء قواعد المحدّثين، وهو منهج يوظف للمرة الأولى – حسب ما تذكر الباحثة – في بحث قضية الدور السياسي للمرأة في عهد النبوة، وعهد الخلفاء الراشدين، خاصة فيما يتصل بتقييم موقف السيدة عائشة رضي الله عنها في أحداث الفتنة. وهو ما جعله يقدم للحقيقة التاريخية صورة مغايرة تماما لما كان يبدو لنا من قبل كحقائق مسلم بها، بينما هي استنباطات خاطئة، أخذت مكانها من كثرة تكرارها الناتج من تقليد الدراسات بعضها لبعض، ومتابعتها لبعضها البعض، دون مراجعة، أو بحث جاد، والدراسة وهي تقوم على المادة التاريخية، إلا أنها لا تغفل عن معطيات المادة السياسية، والفقهية، والحديثية، والدراسات الحديثة التي عرضت للمسألة. إن أهداف هذا البحث تنطلق من أهداف البحث الإسلامي عامة، وأخلاقياته، التي تصفها بأنها أهداف تدور مع مصالح المسلمين، ومحاولة دفع الضرر عنهم كيفما دارت هذه المصالح، فهي ترى أن ما تقوم به من فروض الكفاية على المسلمين. فهو بحث أرادته متجرداً عن الحقيقة التاريخية في شأن الموقف الإسلامي العملي من دور المرأة السياسي، وهو محاولة تصفها بالـمتواضعة في تنقية الإسلام وتاريخه من الشوائب التي أُدخلت عليه في هذا الدور السياسي للمرأة تدليساً، وتزويراً في محتواه، وسياسته، وخططه. تقول الباحثة إنها تسعى (إلى تجاوز منطق الدفاع عن المرأة – قدر الإمكان – لكي تجعل الحقائق التاريخية المجردة نفسها تشكل في ذهن القارئ النسق الحقيقي للأحداث، وتدفع عنها كل ما علّق بها الماضي والحاضر من تهاويل وإضافات ومفتريات، ما كان لها أن تصمد أمام الواقعة التاريخية الصحيحة، إذا ما تم البحث عنها بتجرد، وأخلاق، وليس غير الواقعة التاريخية حكماً، وقاضياً. وفي الطريق إلى ذلك فإنها تردّ تهماً ومفتريات وجّهت، أو توجه إلى الإسلام، أو إلى نبي الإسلام، أو إلى النظم الإسلامية، أو إلى الصحابة والصحابيات. وهذه الدراسة – تهدف من خلال النظر إلى الجوانب التطبيقية التي قامت بها المرأة في هذه المرحلة التي هي أشد عصور التاريخ تأثيراً في حياتنا – إلى إضاءة هذه الجوانب المهمة وإبرازها، فقد تستطيع هذه الجوانب حسم الكثير من الجدل النظري في مسألة الدور السياسي للمرأة، وعلى فرض أنها لم تحسم الخلاف حسما كاملاً، فإنها – على أقل تقدير – تضيق من نطاق الاختلاف، خاصة إذا ما تبين للكثيرين أن مساحة واسعة من الروايات التي تم الاستدلال بها، والتي زادت من حجم الاختلاف كانت روايات لا أساس لها من الصحة التاريخية، وهو ما يجعل مردود هذه الدراسة في ميدانها التطبيقي واضحاً على الممارسة السياسية الفعلية للمرأة المسلمة المعاصرة، وعلى حجم الجدل الدائر بشأنها، فالباحثة تعد الدراسة، داخلة فيما يسمى بتوظيف المباحث النظرية في الدور السياسي للمرأة، بحيث يمكن أن تكون لها ثمرة علمية، نخرج بها عما هو مذموم شرعاً من الاشتغال بالمباحث النظرية التي ليس لها ثمرة علمية. فالدراسة ببحثها في الممارسة السياسية الحقيقية للمرأة في صدر الإسلام، رد علمي عملي، يحمل الدليل الأكثر عمقاً، والأشد أصالة، والأسبق تاريخاً من كل الآراء التي حجرت على المرأة أن تشارك في بناء وتسديد خطا أمتها، وهي رد أيضاً على أولئك الذين زعموا أن التاريخ الإسلامي لم يعرف للمرأة مشاركة في ميادين السياسة. وهي تحاول أن تشارك في إنهاء حالة الجمود والتقليد، المذموم شرعاً، التي يعانيها البحث التاريخي إزاء المصادر والنصوص القديمة، وإزاء التسليم بكل ما انتهي إليه من استدلالات في الدراسة الحديثة، والترديد لها دون إعمال فكر في حقيقتها، وما استندت إليه من أدلة وبراهين. وهي تخرج عن خط الدراسات الإسلامية التي تم بها النظر من قبل في الأدوار السياسية للمرأة في صدر الإسلام، وهي بين دراسات تاريخية لا تتجاوز السرد إلى التحليل والاستنتاج، بعد اجتياز مراحل النقد المعتبرة للرواية التاريخية، أو دراسات حاولت القيام بعملية التحليل والاستنتاج، إلا أنها لم تبحث في صحة ما قامت بتحليله من روايات، بل لم تقدم أي رؤية تم على أساسها الاختيار للروايات التي تم بناء التحليل عليها، فأغلبها عند التحقيق استنتاجات باطلة قائمة على غير حقيقة تاريخية، ككتاب (عائشة والسياسة) لسعيد الأفغاني، وكتاب( الفتنة، جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر)، لـ د.هشام جعيط، وغيرها من عشرات الرسائل التي عرضت لجزء من المرحلة التاريخية التي تدرسها الباحثة، وظهرت نقاشاتها واضحة في ثنايا المجلد. وتواصل وصفها في مقدمة البحث [ص11-29]، أنها (بين دراسات شرعية فقهية، عرضت لمسألة المرأة والعمل السياسي عامةً، من خلال جمع آراء الفقهاء في القضية، دون أن تحاول الاجتهاد، أو التجديد باتجاه تأصيل حياتنا الفكرية في ضوء المتغيرات التي تحدث في عالمنا المعاصر. أو دراسات جامعة للنصوص القرآنية والنبوية في شأن الحق السياسي، تناولت عمل المرأة السياسي من زوايا قانونية، ركزت على التنظيم القانوني لحقوق المرأة، كحق الترشيح، والانتخاب، والوظائف العامة، وغير ذلك، وبين دراسات حاولت بحث العمل السياسي للمرأة برؤية إسلامية، حاولت التجديد من خلال النظر في علوم السياسة ودراسات المرأة، والدراسات الإسلامية، إلا أنها ليست في الشأن التاريخي المعنيّ بتحقيق الرواية التاريخية أولاً، ثم بناء الحقيقة التاريخية وتكوين الاستنتاج على أساسها. ولعل هذه الدراسة بما حاولت الالتزام به من منهج أن تكون قد ساهمت – مع المحاولات الجادة الأخرى – في تأصيل المنهج الإسلامي للتفسير التاريخي.. ذلك المنهج الذي يعتمد التصور الإسلامي للتاريخ، ويفيد من منهج المحدثين في التعامل مع الرواية التاريخية. ولعلها أيضاً بما قدمته من حقائق تاريخية مستندة إلى هذا المنهج أن تكون لبنة مع لبنات الجهود الجادة في بناء علم سياسة إسلامي قائم على تجربة تاريخية صحيحة وموثقة. منهج الدراسة: تتميز هذه الدراسة بطبيعة المنهج الذي تعتمده، وهو منهج قائم أولاً على تناول القضية التاريخية في ضوء الرؤية الإسلامية التي تنظر إلى حركة تاريخ هذه المرحلة من خلال فهم طبيعة العلاقة المتبادلة بين العقيدة، وبين الحركة التاريخية التي حدثت بتأثير قوي من هذه العقيد، وقائم ثانياً على الاستهداء بقواعد المحدثين في تحقيق الخبر التاريخي، وثالثاً على محاولة التزام المنهج التحليلي الموضوعي فيما تناولته من مباحث. إننا في خضم الدراسات التاريخية الحديثة نبحث عن النظرة الإسلامية الشاملة للتاريخ الإسلامي فلا نجدها. على حين نجد أعداءنا يحاربوننا بفلسفتهم الشاملة التي تقوم على المعايير المادية الوضعية. إنهم يقدمون لنا تاريخ البشرية وتاريخنا من خلال مناهجهم التي تتحكم فيها فلسفتهم وعقيدتهم. وحين يتلقى أبناء الأمة هذا التاريخ تدخل تلك الفلسفة المادية في البناء الفكري لهم، مشوهة معالم الفكرة الإسلامية في أذهانهم، فيهدمون عقيدتنا، ويبنون عقائدهم. بل إنه في ميادين البحث العلمي التاريخي في بلاد المسلمين، حيث تسود العقائد القومية، والعلمانية، أو حيث يسود عدم الانتماء إلى شيء أصلاً، وتتحكم مع هذه الحالة تقاليد العصر – بكل ضبابه وغيومه – فيما يقدمه البحث العلمي من دراسات.. نجد كثيراً من كتاب المسلمين الذين تناولون التاريخ الإسلامي عامة، والدور السياسي في صدر الإسلام خاصة، وأحوال الصحابة والصحابيات على الوجه الأخص، على ضوء توجهاتهم الفكرية، وتقاليدهم، يقسمون الصحافة إلى يمين ويسار ووسط، وكأنه لم يكن للإسلام في هذا العصر أدنى أثر. والذين فهموا تاريخ هذه المرحلة على هذا الوجه – بسبب تجاهلهم للعروة الوثقى بين العقيدة وبين الواقع التاريخي في هذه المرحلة، أو بسبب اعتمادهم على الروايات الضعيفة والموضوعة، كما سوف نرى في ثنايا البحث – "يعيدون إلى الأذهان تركيبة المجتمع قبل الإسلام، ويوهمون الناس بأن تربية الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة، وما ورد عنهم في القرآن الكريم، والحديث الشريف، والسيرة الصحيحة من بذلهم الأنفس والأموال في سبيل الله كانت وقتية، وقد زالت، ولا أثر لها. وهذا من أعظم الفرية والانتقاص للرسالة الإلهية ولرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولصحابته الكرام"، فضلاً عن كونه مخالفاً للحقيقة التاريخية الصحيحة عنهم. ولعلنا نحسّ بمدى ما يمثله القول بهذا الارتباط بين العقيدة والواقع التاريخي في هذه المرحلة من عدمه، وأثر ذلك في فهم وتفسير الواقعة التاريخية، إذا راجعنا، مثلاً، أغلب ما قُدم في شأن الدور السياسي للسيدة عائشة رضي الله عنها من تفسير تاريخي، فلسوف نجد أن أغلب ما جاء في تفسير مفردات هذا الدور كان يذهب – نتيجة تجاهل لهذا الارتباط – إلى تصوير مواقفها رضي الله عنها وكأنها مواقف مضادة للثوابت والمطالب والمعطيات الإسلامية، وكأن الإسلام لم يعد له من أثر يذكر في حياتها، وهو ما يستحيل عقلاً وديناً التسليم به في شأن السيدة عائشة رضي الله عنها، وهي في القمة من عدول الصحابة والصحابيات، بل ويخالف الواقع التاريخي الصحيح الذي سيتضح من خلال هذه الدراسة. "لقد أصبح التراث الإسلامي في العقود الأخيرة على وجه الخصوص، ساحة مفتوحة يصول فيها ويجول مفكرون لا يمتلكون قدراً كافياً من فهم أسس التصور الإسلامي ومقوماته، بل هم في كثير من الأحيان في خصام مع هذه الأسس، وعداء معها، الأمر الذي كان يقودهم إلى توظيف هذا التراث لتأكيد استنتاجاتهم باعتماد منهج منقوص لا يستقرئ هذا التراث لاستخلاص مؤشراته الأساسية في هذه الدائرة أو تلك من دوائر معطياته المعرفية الخصبة المتشابكة، ولكنه يمارس عملية انتقاء كيفي فجة تستبعد – بحكم التحزب والهوى – الكثير من عناصره الأصلية، ولا تستبقي سوى الشواهد التي تؤكد هذا الاستنتاج المحدود أو ذاك". ولذلك فلعله مما يميز هذه الدراسة أنها تُضَمّ إلى ما يمكن أن يسمى بالمحاولات المنهجية الضرورية لتعديل الوضع الخاطئ، الذي يحاول فك الارتباط بين العقيدة وبين الواقع التاريخي لهذه المرحلة التاريخية، وأنها تحاول أن تعيد الأمور إلى نصابها فيما تناولته من مباحث من خلال محاولة تلمس بطبيعة الارتباط المؤكد تاريخياً وعملياً بين العقيدة وبين الحدث التاريخي في التاريخ الإسلامي، على وجه الخصوص. والخلاصة في هذه القضية المنهجية أن التاريخ الإسلامي في صدر الإسلام وعصر الراشدين هو التطبيق المثالي للإسلامي، ومن ثم ينبغي على الباحث المسلم أثناء هذه الدراسة أن يقوم بشيئين في آنٍ واحد، كل منهما يخدم صاحبه: "أن يدرس ذلك المجتمع من خلال مبادئ الإسلام، وأن يدرس الإسلام من خلال التطبيق الواقعي في ذلك المجتمع". وإن أخطر ما عانته المباحث الخاصة بالمرأة عبر التاريخ أن الذين كتبوا فيها كانوا يعتمدون منهجاً معكوساً في البحث، إذ إنهم ينطلقون من فكرة مسبقة عندهم عن المرأة، ثم يجيئون إلى وقائع التاريخ يستلّون منها ما يؤيد فكرتهم، ويستبعدون ما دون ذلك، دون مبالاة بحال الخبر: ضعفاً، أو قوة، فهم أصحاب أفكار يريدون إثباتها وإظهارها، لا طلاب حق يسعون إلى البحث عنه، وهكذا فإن أغلب هذه المباحث قائم على الانتقاء الكيفي، أو التفاسير الاختيارية للنصوص التاريخية. ولذلك فإن هذه الدراسات التي تناولت الدور السياسي التاريخي للمرأة في القرن الهجري الأول – بما مارسته من أخطاء منهجية في البحث عن الحقيقة التاريخية – قد أدت إلى كثير من الأطروحات الخاطئة. وهو أمر طبيعي، فالخطأ لا ينتج إلا خطأ، والبعد عن الموضوعية لن يؤدي إلا إلى نتائج لا تحمل من روح العمل والجدية إلا قليلاً. ولذلك، ومن أجل الوصول إلى استدلالات راجحة، فإنه كان علينا، وقد واجهتنا الروايات التاريخية بكل تناقضاتها أن نحاول الالتزام – قدر الإمكان – بمنهج علمي محكوم بقواعد ثابتة، تمثل أهم شروط الدراسة التاريخية الجادة، إذا ما أريد لها أن تعتمد على أوثق المصادر، وأدق الأخبار، ولم يكن أمامنا، في سبيل تحقيق ذلك، أفضل من اللجوء إلى قواعد المحدّثين في نقد المصادر التاريخية نقداً يبحث في مصداقية هذه المصادر، ومدى قدرتها على منحنا الحقيقة التاريخية الصادقة، وفي سبيل ذلك قدمنا للدراسة بمبحث في تصنيف هذه المصادر والنظر في جرح العلماء وتعديلهم لأصحابها، ومصنفيها. معايير التعامل مع الروايات التاريخية التي استخدمتها الدراسة وبنفس منهج المحدثين أخذنا في التعامل مع الروايات التاريخية في الموضوع الواحد، وذلك من خلال الإفادة من علم "مصطلح الحديث"، وكتب "الجرح والتعديل"، ومن خلال هذا المنهج تبين لنا عدد من القواعد والمعايير الضابطة في التعامل مع الروايات التاريخية، أخذنا أغلبها من علماء أجلاء سبقونا إلى القول بها، وبدا لنا بعضها أثناء طريق البحث وهي قواعد تبقى فاعلة فيما يأتي من بحوث، بلا شك، هذه القواعد والمعايير يمكن تصنيفها في نوعين: أولهما: في معايير وضوابط للخبر التاريخي نفسه. والثاني: في شروط كلية عامة تحكم البحث التاريخي بصفة عامة، وهي شروط قد تختلف من بحث إلى آخر، ومع تراكم الخبرات التطبيقية في البحث التاريخي الجاد فإنه يمكن أن يضاف إلى هذه القواعد والضوابط الكثير. فأما النوع الأول من هذه القواعد التي استرشدت بها الدراسة – مع التحلي بقدر من المرونة يقتضيه الفرق بين الحديث والخبر – فإن منها: • أن الخبر لا يقبل إلا إذا كان مسنداً. • ولا يقبل الإسناد إلا إذا كان متصلاً ليس فيه انقطاع. • ولا يقبل الإسناد المتصل إلا إذا كان صحيحاً. • وبالإضافة إلى صحة المسند في الخبر يشترط ألا يكون في المتن علة قادحة في صحة الخبر، كأن يتناقض مع صريح القرآن، ويستحيل الجمع بين التأويل، أو يتناقض الخبر مع الحقائق الثابتة في الكون، أو مع بدهيات العقل، أو مع ما عرف من أخلاق الصحابة، ودينهم، أو أن يكون ركيكاً. • هذا مع مقابلة الروايات والنصوص في الموضوع الواحد، ومناقشتها وصولاً إلى الحقيقة التاريخية، ومتى أمكن الجمع بين الروايات فهو أولى من الترجيح. • الأخذ بالأرجح [حتى وإن كان المرجوح أكثر روائية وتشويقاً]. • نرجح الأوثق بالعدالة، والأضبط في الحفظ. • نرجح رواية الشاهد بنفسه المباشر لما رواه عن غيره. • نرجح الرواية المفصلة على الرواية المجملة إذا تعارضت معها. • إذا جاءت رواية في السيرة ثبتت صحتها بتعدد طرق رواياتها، وجاءت موافقة لسير الأحداث، ثم جاءت رواية على أنها من الحديث النبوي، تخالف شيئاً ثابتاً في السيرة فإن هذا يكون دليلاً، مع الأدلة والقرائن الأخرى، على بطلان تلك الرواية، أو عدم فهمها فهماً سليماً. • ومع كل ذلك فإننا "لسنا ندعي في أئمة الجرح والتعديل العصمة من الغلط النادر، ولا من الكلام بنفس حاد فيمن بينهم، وبينه شحناء، وقد عُلم أن كثيراً من كلام الأقران بعضهم في بعض مُهدر، لا عبرة به". وأما النوع الثاني من قواعد البحث التاريخي التي سارت عليها الدراسة، فإن منها: • أن الحادثة لا تفهم إلا في ضوء الرؤية التاريخية الشاملة للمرحلة التي تحدث فيها، وحتى يكون فهمنا لها مؤدياً إلى فهم شامل وواضح للحدث، وحتى لا يكون فهماً مبتوراً عن سياقه، وحتى تتأكد لنا صحته المبدئية، من خلال معرفة: هل يمكن أن تتجانس الحادثة في لحمتها وسداها مع نسيج تلك المرحلة لحمة، وسدى، أم لا؟ • مراعاة المدركات والمفاهيم السياسية السائدة زمن الواقعة التاريخية المدروسة. وبمعنى آخر فهم الخطاب التراثي فهماً مستقيماً بلغته دون إسقاط للمصطلح المعاصر عليه.. حتى لا يتم تلبيس المفاهيم التراثية بالمضامين الأوروبية المعاصرة لعلم السياسة. • بناء البحث التاريخي على الحادثة التاريخية نفسها، حتى لا تقع في مظنة اعتماد الهياكل المرسومة مسبقاً، ووجهات النظر المصنوعة سلفاً، ومحاولة تطويع الوقائع، وإرغامها على الانسجام مع هذه الهياكل، والوجهات، حتى ولو أدى هذا إلى تشويه ملامح الواقعة التاريخية. • المقارنة بين الروايات في الموضوع الواحد، لترجيح الرواية المتفقة مع الروايات الصحيحة، أو التي تتلاءم مع أخلاق الصحابة وعدالتهم. • ألا نجعل من أهداف الدراسة ملاحقة معطيات الآخرين بالنظرة النقدية، كشفاً عن خطأ فيها، أو تتبعاً لعورة من عوراتها، إلا أن يكون في العملية النقدية قدرٌ من الانحياز، يمثل دفاعاً عن قيمة من قيمنا التاريخية، أو الفكرية. وقد حاولت في هذه الدراسة بعد الاستهداء بالمنهج السالف التزام منهجين: التحليلي، والموضوعي للأحداث التاريخية. فأما المنهج التحليلي: فإنه يعني عدم الاكتفاء بسرد الحدث التاريخي، وإنما الغوص في نصوص هذه الأحداث، وتأملها، واستنباط الأحكام والدلالات السياسية منها، وهو ما نحتاجه في حياتنا السياسية الراهنة بلا جدال. وهذا المنهج لا يؤتي ثماره إلا بأن يبدأ أولاً بالبحث في مصداقية المصدر الذي نأخذ عنه الرواية، وإلا بأن نتسلح ثانياً بأن نكون ملمين إلماماً وافياً بالأحداث، مع قدرة على استيعابها مجتمعة في ظل التناقضات الشديدة بين رواياتها، وقدرة على الاختيار العلمي الدقيق للرواية الصحيحة، مع تحليلها لاستخراج الدلالات التي تدخل في نطاق الدراسة، أو المسألة البحثية. وأما المنهج الموضوعي: فالمقصود منه الالتزام بجمع المعلومات والأحداث التاريخية المتعلقة بموضوع واحد، وإعطاء فكرة متكاملة وشاملة عن هذا الموضوع، من خلال جمع شوارده وتنسيقها، وترتيبها، وهو منهج يؤدي إلى نوع من الدراسة العمودية التي تمكّن من الوصول إلى ملامح الموضوعات البحثية، وسماتها المتفردة. هذا المنهج يقف عند جزئيات الوقائع والحوادث التاريخية وقوفاً متأنياً، كأساس في البحث التاريخي الذي يبدأ من الواقعة الجزئية لفهمها والوقوف على شكلها، ثم ربطها بسياقها في الحركة التاريخية، ومن ثمّ الصعود إلى التحليل الحضاري الكلي لسلسلة الوقائع التي تحدث في الزمان والمكان بحيث تبرز لنا في نهاية الأمر المؤشرات الأكثر امتداداً لمعطيات التاريخ الإسلامي. وفائدة هذا المنهج – كما نعلم – أنه يمكّن أهل الاختصاص من الاستفادة من المادة المدروسة في مجالات تخصصاتهم التي يتعرض لها "الموضوع البحثي"، ذلك أن مجرد التزام المجرى الزمني، وغض الطرف عن التكامل في الموضوع يدفع الباحث إلى أن يخسر في النقطة الواحدة، أو المقطع الواحد مجموعة من الأحداث والوقائع المتناثرة والمتنافرة، كما تلجئه إلى تقطيع الواقعة التاريخية الواحدة إلى أجزاء متناثرة لا يضمها إطار واحد، ولا يوحدها تجانس نوعي. مباحث الرسالة: جاء هذا البحث للدور السياسي للمرأة في العهد النبوي وعهد الخلفاء الراشدين، في مجالاته الأكثر فاعلية وأثراً في حياتنا السياسية المعاصرة: اعتناق الدين، والهجرة في سبيله، والبيعة، والجهاد، والموقع من سياسة الحكم، والسعي في إقامة الحدود. فالرسالة مقسمة إلى ثلاثة أبواب، يسبقها مبحث تمهيدي عن مصادر التاريخ الإسلامي للفترة موضوع الدراسة، ولقد اعتبرت هذا المبحث ضابطاً أساسياً في تكوين طريقة التعامل مع أغلب ما جاء في الدراسة من روايات، كما قدمت للدراسة أيضاً بما اعتبرته ضابطاً ثانياً يضاف إلى سابقه في فهم هذه المرحلة التاريخية، وهو ما يتصل بعدالة الصحابة، كحقيقة تاريخية مسلّم بها، فأما أبواب الرسالة الثلاثة فهي: الباب الأول: دراسة لبعض "الممارسات السياسية العامة للمرأة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعهد الخلفاء الراشدين"، وأظهرت الدراسة أن السيدة خديجة كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار حراء في الليلة التي نزل عليه فيها الوحي، وفي الفصل الأول منه: درست قضية اعتناق المسلمات الأُوَل للإسلام، وسبقهن إليه، والنظر في طبقاتهن وأدوارهن في مرحلة الدعوة السرية، ثم دورهن في المرحلة الجهرية وتحملهن الاضطهاد في سبيل الدعوة، مع إيضاح دورهن في مرحلة دار الأرقم. وفي الفصل الثاني: عرضت الدراسة لأدوار المرأة في الهجرة: إلى الحبشة، وإلى المدينة، وعرضتُ للقيمة السياسية الواضحة لهاتين الهجرتين، وحكمهما الشرعي، كما قمتُ ببحث حجم مشاركة المرأة في هذا الحدث السياسي البارز، وطبقات النساء المهاجرات، ومعاناتهن، ودورهن في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وهل كانت المرأة مجرد تابع لزوجها في الهجرة، أم أن هناك صوراً أخرى تعظم فيها قيمة ومعنى مشاركة المرأة في الهجرة؟، وعرضت لما دلّت عليه الحركة التاريخية لهن في هذا الحدث من أن الهجرة كانت واجبة عليهن، كما هي واجبة على الرجال من المسلمين. وفي الفصل الثالث: عرضت الدراسة لبيعة النساء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأظهرت المعنى السياسي لهذه البيعة من خلال تتبع جملة المبايعات التي شاركت فيها الصحابيات، والتي تناثرت في كتب الأصول حتى اختفت معالمها، ولم يعد في الأذهان منها سوى بيعة العقبة وبيعة الرضوان. ثم عرضت لكيفية مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم، لهن، وللبنود التي كانت تتم البيعة عليها، وتحريرها بما يؤدي إلى الإجابة عن السؤال القائل: هل كانت هناك بيعة خاصة بالرجال، وأخرى خاصة بالنساء، وبما يؤكد على مكان المرأة السياسي في البيعة، ويدحض كل المحاولات التي حاولت التمييز بين المرأة والرجل في البيعة. مع تقديم ملحق بأسماء النساء المبايعات اللاتي ذكرهن ابن حجر في كتاب "الإصابة في معرفة الصحابة". وفي الفصل الرابع: عالجت قضية بيعة النساء على عهد الخلفاء الراشدين، ولماذا اختفت المرأة في بيعات الخلفاء رغم الظهور الكثيف لها في بيعات النبي صلى الله عليه وسلم، وبيّنت أثر النظر إلى هذا الغياب في ترويج بعض المفاهيم السياسية المعاصرة حول دور المرأة السياسي. وفي الباب الثاني من الرسالة، وعنوانه: "دور النساء في الجهاد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدين". وفي الفصل الأول منه: عرضٌ لفلسفة الجهاد في الإسلام، وصور استشراف الصحابيات للجهاد، من خلال فهم جديد لرواية أسماء بنت يزيد بن السكن في وفودها باسم النساء على رسول الله، في شأن الجهاد، ثم تتبع لمشاركة الصحابيات في الغزوات الكبرى على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عرضٌ للغزوات التي لم يرد لهن فيها ذكر، وقد تبين من خلال درسها أنها تنقسم إلى، سرايا وغزوات نتوقع أن تكون المرأة قد شاركت فيها، رغم سكوت المصادر عن القول بهذا، وبين سرايا وغزوات لم تشارك فيها، وتعرضت بالمناقشة والتحليل للأسباب الكائنة وراء تغيّبها عنها في ضوء فهم الملابسات التاريخية الشاملة لهذه الغزوات، ثم بينت الأدوار المتعددة التي قامت بها المرأة في هذه الغزوات, ثم عرضت بالتحليل والدرس للروايات الموحية بمنع النساء من الجهاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، للوصول إلى التحرير التام للحقيقة التاريخية في هذا الدور. وفي الفصل الثاني عرضٌ لمشاركة المرأة النساء في الجهاد من خلال حروب الردة سواء على عهد الرسول، أو عهد الصديق رضي الله عنه، وقد عرضت بالنقد والتحليل لطريقة التسجيل التأريخي لهذا الدور، ولإشكالية صغر حجم المشاركة النسائية في هذه الحروب، رغم القيمة العالية لما تم تسجيله في هذا الدور. وفي الفصل الثالث: عرضت لحجم المشاركة النسائية الكثيفة في حركة الفتوحات، وبينت الإهمال التأريخي في رصد هذا الدور، والتناقض في روايات الفتوحات، مع إيضاح طبيعة الأدوار النسائية في هذه الفتوحات، وقمت بتتبع هذه الأدوار في فتوح الشام والعراق كنموذجين. ومن طرائف هذا المبحث أنه عرض لقضية البطولات الخارقة المنسوبة إلى خولة بنت الأزور، أخت ضرار الفارس المشهور، وحقيقتها، ليكشف عن حقيقة هذه البطولات ووهمية الشخصية نفسها. والباب الثالث عن: "الدور السياسي للمرأة في أحداث الفتنة، على عهد أمير المؤمنين عثمان، وأمير المؤمنين علي"، وقد قسمت أحداثها إلى عدة مراحل، في عدة فصول: الفصل الأول: في أحداث الفتنة من بدايتها حتى مقتل عثمان رضي الله عنه، وفيها استعراض تاريخي لملخص أحداث الفتنة، وموقف أمهات المؤمنين، والصحابيات منها. والفصل الثاني: في دور أم المؤمنين السيدة عائشة خاصة في هذه الأحداث على عهد عثمان رضي الله عنه، وفيه توضيح لحقيقة مكانته عند السيدة عائشة رضي الله عنها – حسبما دلت عليه الروايات الصحيحة، مع نقد وتحليل الروايات التي زعمت تأليبها رضي الله عنها عليه، وقد عرضت لتحليل ونقد روايتين عند الطبري وأربع روايات عند غيره. وعلى ضوء ما سبق جاء الفصل الثالث في خروج السيدة عائشة إلى البصرة، وبدأته بذكر الأحداث السابقة على هذا الخروج، ثم التتبع لكيفية هذا الخروج، وتوضيح الاستقلال الفكري للسيدة عائشة في الإيمان بضرورة هذا الخروج، مع توضيح أن خروج الآلاف معها كان من قبيل إيمانهم أيضاً بأهمية هذا الخروج، وعرضت لموقف أمهات المؤمنين من هذا الخروج، وطبيعية أن تكون عائشة بالذات هي صاحبة هذا الدور الأبرز، مع توضيح الدافع لهذا الخروج، والهدف منه. وفي الفصل الرابع عن "الأحداث في البصرة" عرضت لتحرير وتحليل مسألة مرورها رضي الله عنها على ماء الحواب، لمعرفة مدى دلالة هذا الحدث سياسياً، وما جاء فيه من أحاديث نبوية دالة على إدانة خروجها رضي الله عنها من عدمه، ثم أتبعته بالنظر في الممارسات السلمية لها رضي الله عنها في البصرة، وتحليل ونقد الروايات المخالفة لهذه الممارسات، وفي ضوء ذلك عادت الدراسة لتحليل، وتحرير أهداف هذا الخروج، من خلال الإجابة على هذه الأسئلة: هل خرجوا ليقيموا الحد على قتلة عثمان رضي الله عنه، وهل فعلاً أمرت السيدة عائشة بالمثلة بالصحابي عثمان بن حنيف، وهل خرجوا لحرب علي رضي الله عنه، مع توضيح الغاية من خروج أمير المؤمنين علي في أثرهم، ودلالة ذلك على نظرته إلى هذا الخروج، وأصحابه، ثم عرضت للأحداث السابقة على موقعة الجمل، وكيف كان الدور السبئي من وراء نشوبها. وفي الفصل الخامس تناولت الدراسة ما أشاعه ذوو الأهواء من الكراهية المزعومة بين علي وعائشة رضي الله عنهما، والمظاهر والأسباب التي استند بعضهم إليها في تقرير القول بهذه الخصومة المزعومة في المصادر التاريخية، وكشفت زيفت هذه الادعاءات، كما أوضحت الخطأ المنهجي الذي يقف من وراء القول بها في الدراسات الحديثة. ومن أجل التحرير الكامل للحقيقة التاريخية عرضت الدراسة في الفصل السادس لحقيقة الروايات القائلة برفض الصحابة لخروج السيدة عائشة، وقمتُ بدراسة بعض هذه الروايات المتمثلة فيما ذكره أبوبكرة تعليقاً على موقعة الجمل، وفيما ذُكر من رفض السيدة أم سلمة، ورفض زيد بن صوحان، وعمار بن ياسر، وجارية ابن قدامة رضي الله عنهم جميعاً. بل وفي دعوى ندم السيدة عائشة رضي الله عنها على هذا الخروج، كدليل يعتمدون عليه في إدانة دورها السياسي، وعرضت الدراسة في هذا الفصل أيضاً لآراء بعض العلماء في هذا الخروج. وأخيراً خلاصة القول في الموقف السياسي للسيدة عائشة، وهي خلاصة تصدق على الموقف السياسي للمرأة عامة، إذا ما اتسم به موقف السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها.) من المقدمة [ص11-29] |
|||||||||||||||
|
||||||||||||||||
الموضوع الحالى: دور المرأة السياسي في عهد النبي ... -||- القسم الخاص بالموضوع: صحابيات حول الرسول صلى الله عليه وسلم -||- المصدر: شبكة ومنتديات صدى الحجاج -||- شبكة صدى الحجاج |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
أقوال عن المرأة والحب.. | م.محمود الحجاج | منتدى الاسره وشؤون المرأه | 5 | 03-01-2010 05:44 |
قيل في مدح المرأة | نشمي | المنتدى العام | 6 | 15-11-2009 23:59 |
اقوال عن المرأة والحب | نشمي | المنتدى العام | 4 | 29-10-2009 11:17 |
1000 سؤال وجواب الثقافه الاسلاميه | ابو الحارث | المنتدى الاسلامى العام | 4 | 08-03-2009 01:15 |
دور المرأة في إصلاح المجتمع | ضمير جوهر | المنتدى الاسلامى العام | 0 | 11-01-2008 19:02 |
|
عدد الزوار والضيوف المتواجدبن الان على الشبكة من الدول العربيه والاسلاميه والعالميه
انت الزائر رقم
كل ما يكتب في المنتديات لا يعبر بالضرورة عن رأي إدارة شبكة ومنتديات صدى الحجاج
شبكة ومنتديات صدى الحجاج لا تنتمي لاي حزب او جماعه او جهة او معتقد او فئه او
مؤسسة وانما تثمل المصداقيه والكلمه الحرة
...