هـو الشيـخ مشعان بن مغليث بن منديل بن هذال شيخ مشايخ عنزة في زمنه ، وآل هـذال من الحبلان من جيل من العمارات من بشر عنزة القبيلة الوائلية .
مولده وحياته :
من غير المعروف على وجه التحديد السنة التي ولد فيها مشعان ولا عُني أحد من جامعي شعره بذلك سوى طلال السعيد الذي قال أنه ولــد سنــة 1209هـ على وجه التقريب ، ولم يذكر مرجعه في ذلك .
وإذا أردنا الاستـدلال التقريبي نقول : إن أباه مغليث قتل سنة 1238هـ ( بمعنى أنه كان قادراً يومها على القتال ) ، ومشعان قتل بعده بسنتين وكانت أمه حية في تلك الفترة وهي التي حثته على الثأر لأبيه ، وعندما قتل مشعان أعقب أربعة أولاد لم يخلفوه في المشيخة بل خلفه ابن عمه زيد بن مهلهل مما يعني أن أبناءه كانوا صغاراً عندما قتل .
ومـن ذلك يمكننا الاستنتاج أن مشعـان قتل وهو في منتصف عمره أي قرابة الأربعين ، وبذلك يكون من مـواليد سنة 1200هـ أو قبلها أو بعدها بسنوات معدودة ، وبالتالي لسنا بعيدين عما ذكره السعيد .
ومن الحوادث التي مرت بمشعـان أن وفداً مبعوثاً من والي مصر عباس باشا جاء إليه يعرض شراء فرس يملكها من فصيلة " كحيلان كروش " بمبلغ 25 ألف ريال وفي نفس الليلة جاءه رسول من حاكم البحرين الشيخ محمد بن إبراهيم آل خليفة يطلب الفرس ذاتها هدية من مشعان .
وأخبر مشعان الوفدين بأنه سيخبـرهما بقــراره في صباح اليوم التالي ، واستشار قومه فأشاروا عليه أن يبيع الفرس ويهــدي حاكم البحرين فرساً أخرى معتذراً عن بيع الفرس التي أرادها لكن مشعـان قرر أن يهدي الفرس دون مقابل لابن خليفة فصلته أقرب [ كلاهما من قبيلة عنزة ] من صلة والي مصر .
ولمـا علم حاكم البحرين بما حدث أرسل إلى مشعان يدعوه إلى البحرين ، وهنــاك أكرمه بخيل وإبل كثيرة كما فوضه بأن يأخذ ما يشاء من أسواق البحرين ، وفي السوق رأي مملوكاً أسود يقوم بالإشراف على أحوال السوق ، وكــانت له مكانة كبيرة لدى الحاكم فأراد مشعان أخذه لما رأى من قوته وزينة ملبســه ، ولم يلفت المملوك من مشعان إلا بعد أن استرضاه الحاكم بمملوكين آخرين عوضاً عنه .
وعندما غـادر مشعان البحرين حمًّل الحاكم سفينتين بالهدايا والمؤن هدية لمشعان الذي أرسل إحداها إلى صديقه الشاعر مهنا العناقي في الأحساء هدية له .
يم يصلنـا الكثير من شعر مشعان ، ويبدو أنه لم يكن ينظم الشعر إلا في مناسبات تستثيـره ، وهذا واضح في أكثر من قصيدة كما أن ذلك راجع في رأينا لمقتله المفاجئ وعمره القصير نسبياً .
وشعر مشعان يمتــاز بالحماسة والحكمة ، وله قصائد متبادلة مع شاعر الأحساء في زمنه مهنا العناقي والشاعر نمر بن عدوان .
وترجع شهرة مشعــان في التراث النبطي في المقام الأول إلى قصيدته " الرائية " التي أخذت لقـب " الشيخـة " كدلالة علة قوتها ، [ والشيخات في الشعر النبطي مجموعة من القصــائد قد تشبه بالمعلقات في الشعر الجاهلي ولكنها رائعة تمتاز بالحماس والفخر ] .
وفاته :
إن الاختلاف في تحديد وفاة مشعان الهذال يتخذ شكلاً غريباً ، فالثابت أن ابن بشر المعاصر لمشعان أورد حادثة مقتله بالتفصيل ضمن حـوادث سنـة 1240هـ في كتابه الشهير " عنوان المجد في تاريخ نجــد " بينما كثير من المراجع المتأخرة ومن بينها مراجــع لباحثين مجتهدين يجزمون بأن مقتله حدث بعد ربع قـرن مــن ذلك التاريخ أي سنة 1266هـ ، ولا يشيرون للتاريخ الذي ذكره ابن بشر ولا نعرف سبباً لذلك .
وما نراه أن الاطمئنان أكثر إلى قوله ابن بشر ما لم يأت مخالفوه ببينتهم ، ولا نجد في شعر مشعـان أو سيرته ما ينفي تاريخ ابن بشر الذي يذكر أنه قتل " في مجاولة الخيل . قتلـه فارس من عسكر الترك " في شوال من سنة 1240هـ .
مصادر شهره :
اهتمـت كتـب الشعر النبطي ودواوينه بشعر مشعان الهذال منذ بدايات التـدوين ، ولكن ليس بالقدر الكافي وأكثر من اهتم بشعره عبدالله الحاتم في كتــابه " خيار ما يلتقط " وابن عبار في مؤلفاته ومنديل الفهد كما أورد له المستشرق الألماني تشارلز هوبر بعضاً من قصائده في مخطوطته التي تعود للقرن التاسع عشر الميلادي ، وشعر مشعان عموماً قليل نسبياً ويوجد متناثراً في كتـب الشعر النبطي ، وقد قام أخيراً الزميل إبراهيم الخالدي بجمع ديوان مشعان ونشره ضمن " سلسلة المختلف للتراث الشعبي " وقد استقينا معلومات هذه الكتابة من الفصل الأول من ذلك الديوان .
قصايد الشاعر مشعان الهذال :
قـم سـو فـنجال ٍ ترى البال منداش
لـعيـون من قرنه على المتن مرجود
فـي دلـة ٍ مـربـوبـة ٍ كنها شاش
وبـهـارهـا مقدار خمسة عشر عود
والـهـيل حطه لا تداني ولو جـاش
ومـن الـزباد اقنع على شذرة العود
أبـيـه رسـم ٍ لـلنشاما عن اللاش
فـالـلاش لا فاقـد ولا هـو بمفقود
تـر لـذة الـدنـيـا معاميل وفراش
وصـينية ٍ يركض بـها العبد مسعود
والـطيب سنة والردى كنـه الطاش
والـلي يريـد الجود ما هوب مردود
فـي ربـعـة ٍ يقعد بـها كل هتاش
يفـرح بـها اللي من دناياه مضهود
وصفرا تلوح بالضحى كـل مهبـاش
يصطي علـى قلـب المناعير بالعود
يالله طـلبتك عنـد قودات الادبـاش
ابـل ٍ مـغاتيـر ٍ ويبـرالهن سود
مربـاعها الصمان تبعـد عن الطاش
ومـقيضهـا دخنـة ليـا صرّم العود
أبـي ليـا جانـا من المال شوبـاش
وتـطاوحت من بين الاسلاف جلحود
مـن لا يروي شذرة السيف لا عاش
عـسـى عليه مـورّد الجيب مقدود
ومن قصائدة المشهوره جداً
أصيب مشعان بن هذال في إحدى السنوات بالرمد ... وطال سقمه كما ذكره بأبياته تسعين ليلة . . . وفي أحد الأيام أغار على جماعة مشعان غزاة فصاح الصياح وأخذت فرس مشعان بالصهيل وهي مربوطة حتى كادت تقطع الحديد . . . ولما سمع صهيلها نهض من مكانه مسرعا ورفع الرباط عن عينه لكي يركبها ويلحق بجماعته ولكنه لشدة حماسه أصاب جروح عينه المربوطة لشدة نزعه للرباط وسال منها الدم ولم يتمكن من الرؤية فعاد إلى مكانه وهو يتحسر لجلوسه مع النساء وكأنه منهن وقال هذه الأبيات :
(( يارب عجل ))
يـا رب عـجل بالنظر والعوافي
وافـرج لـعـيـن قد تدانا نظرها
تـسـعين ليلة ما تهنيت غافي
كـن الـحماط بموق عيني جمرها
وخمسة عشر ليلة جـرالي هفافي
أزريـت أمـيز شمسها من قمرها
يـا حـظ أبو من قام عدل وجافي
ومـشـى بريضان ٍ تخالف زهرها
صـاح الصياح وقيل مامن عوافي
وقـامـت ترادا سابقي من سكرها
وقـعـدت انا مـع لابسات الغدافي
مـا كن جرالي ساعة ٍ في ظهرها
واركـب واخلي الخيل تذهب مقافي
ويـفـرح بي اللي يرتجيني باثرها
يوم ٍ يشيب الراس يـبس الاشافي
شـبط الخليع يشيّب اللي حضرها
والـيا ركبنـا الخيل جاهـا هفافي
تـاطا شخانيب الوعـر من ذعرها
يـا خيلنا يـاما وطـت من فيافي
تـاطـا على كالدوح ناعم شجرها
الـيا هاب عشيّق البنـّي الهلافـي
أقـفـا وخـلا عورتـه ما سترها
ورّدتـها حوض ٍ من الموت صافي
وارويت انا عود القنا مـن حمرها
قـول ٍ بـلا فعـل ٍ علينا يشافـي
يـعـطي لسانـه لسنة ٍ من ذكرها
إن كنت أبو مشهور وإحسب سنافي
إنـي لاورد سـابـقي فـي بحرها