عرض مشاركة واحدة
قديم 30-08-2009, 11:39   رقم المشاركة : ( 1 )

http://sadaalhajjaj.net/vb/images/name/17.gif



 
لوني المفضل : #360000
رقم العضوية : 1129
تاريخ التسجيل : 22 - 5 - 2009
فترة الأقامة : 5775 يوم
أخر زيارة : 06-04-2010
العمر : 37
المشاركات : 2,677 [ + ]
عدد النقاط : 10
 
 
 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

براءة الحياة غير متصل

Thumbs up احد قصص كتاب سـنـوات الـضـيـاع للداعية سامي السبيعي







((ســـنـــوات الـــضـــيــــاع))

لم يزل حضورها في قلبي طرياً . .
ظل طيفها عالقاً في ذهني . .
وكأني أنظر إليها بعيني . .
عندما قرر صاحبها أن يصعد يوم اختار طريقاً علوياً للصعود . .
وها هو يهمس بقصته المؤثرة . . وعبراته تسابق عباراته . .
يحكي سـنـوات الـضـيـاع . . .

نشأت في بيت محافظ . . بناه أبي - رحمه الله - على أساس من الدين والخلق . . ترعرعت فيه حتى أصبحت شاباً يافعاً . . ولكن صغر سني . . وجهلي بما ينفعني . . قادني إلى الغياب المتكرر عن البيت . . فسقطت في شباك تلك "الـشـلـة" . .
وبدأ جنون المراهقة يجتثني من عروقي . . فوقعت في التدخين . . وتطور الحال إلى الجلوس في المقاهي والتسكع في الطرقات والسهر إلى آخر الليل . . وسني وقتها لم يتجاوز الخامسة عشرة . .

أمي المسكينة بانتظاري كل ليلة . . لا تنام حتى أعود إلى البيت . . فكانت تخشى سؤالي لأني أغضب من ذلك . . تخاف عليّ . . كم قالت لي : أنا خائفة عليك لا تغب عني . . قلبي يوجعني إذا لم أرك . . وملأتُ عينيَّ منك . .
فأقول : أبشري , إن شاء الله . .
ولكن وقتها أشعر بأني أصبحت رجلاً . . وأعرف مصلحة نفسي . . فجَرَّني ذلك إلى التوغل في ذلك الطريق المظلم . .
تدهورت حالتي . . ثم صرت أغيب عن البيت بالأيام . . وتركت دراستي . . وفي تلك الفترة كانت ظاهرة التفحيط قد انتشرت . . فسارعت وسابقت غيري في تعلمه . . كل ذلك بحثاً عن السعادة التي ما عرفت طريقها . . والشهرة التي أخطأت سبيلها . .

وحين أتذكر التفحيط "والهجولة" أذكر ما يَجُرُّ إليه من معاصٍ و مصائب . . مـخدرات وسرقات وفواحش و . . .

واصلت مسيرتي في التفحيط "والهجولة" حتى أصبحت رمزاً من رموزه المشهورين الذين يشار إليهم بالبنان . .
وكثر حولي الأصدقاء والمحبون والمعجبون . . حتى الأموال والسيارات كنت أستطيع الحصول عليها بكل يسر وسهولة عن طريق أولئك المعجبين . .
ولكني مع هذا كله لم أجد السعادة و الراحة التي كنت أبحث عنها . .

متعة زائلة . . أضحك في النهار . . وفي الليل أبكي وأحزن على واقعي الأليم . . كنت أحس أن في قلبي هماً وضيقاً وحزناً . . أعلم والله أن الهداية هي الحل . . ولكن البيئة لا تساعدني على ذلك . . لا أجد إلا المشجعين ومن يقول لي : يابطل . .
"كفو هز الحديد حبك يزيد" . . "وفلها وربك يحلها" فضلاً عن كيد الشيطان . .

اتسعت شهرتي كمفحط كبير وتطورت كما أظن . . وهذا بعد مشوار طويل يقارب الخمس عشرة سنة . . تجرعت فيها من الويلات و الحوادث و النكبات . .
وكل هذا يهون إذا ما ذكرت ما عانت منه والدتي الحبيبة التي كانت تأتيها بسبـبي كل يوم مصيبة وكارثة وحلَّ بها من الأمراض و الأسقام والبلاء ما الله به عليم ,
وأنـا السبب . .

كانت لا تهنأ بعيش ولا تلذ بطعام ولا شراب بل تسهر الليالي من أجلي . .
ياكم وكم اتصلت بي وأعادت الاتصال مرات وكـرات . . وأنا بكل برود لا أرد عليها إلا بعد ثلاثة أيام , هذا إن لم يكن جوالي مقفلاً . . لا تسمع عني إلا ما يحزن قلبها ويفتت كبدها ويدمع عينيها . . إما حادث حُمِلتْ على إثره إلى المستشفى أو أفاجئها برجال الأمن يبحثون عني . . أو لا تعلم إلا وأنا في السجن . .

ومع كل هذا كانت صابرة محتسبة لم تيأس مني . . ترفع يديها في كل وقت تدعو لي بالهداية والاستقامة والصلاح . .
وفي يوم لا يُنْسَى في حياتي . . بل في عصر " الهجولة والتفحيط " . . وأنا في إحدى الشوارع وقد تجمهرت المواكب واجتمع الشباب والمشجعون (لعيوني) كما زعموا . . وفي أثناء تلك النشوة الموهومة . . وأثناء تأديتي لأحد "الأشواط التفحيطية" . .
قدر الله عز وجل عليّ وأنا أسير بسرعة جنونية . . وفجأة . . رجة عنيفة . . قنبلة كان لها دوي . . انفجار في أحد عجلات السيارة . . انفجار من نوع فريد . .

فانـحرفت السيارة بي . .
فاصطدمت بثمانية من الجمهور تطايروا في الهواء كالكرات "وهذا المشهد قد عُرِض مرئياً للعظة والعبرة" . . والسعيد من اتعظ بغيره والشقي من اتعظ به غيره . . فيتساقطون على الأرض . . مات ولقي حتفه أحدهم (رحمه الله) , ومنهم من أصبحَ معاقاً ,
ومنهم من أصيب وأنجاه الله عز وجلّ . . يا لها من ساعة رهيبة وموقف هائل . .
وقتها كأني في حلم زائف طويل , وفي هذه اللحظة صحوت منه ولكن بعد ماذا ؟!!

سلمت نفسي . . وحُكِم عليّ بالسجن . . ولم تنتهِ القصة هنا !! فعندها هجرني وتركني رفقاء السوء والمصلحة , ذهبوا ليبحثوا عن غيري . . كعادتهم . .
وأما أمي الحزينة . . ففي أثناء سجني كانت تأتيني على سيارة أجرة وقد رَقَّ عظمها. . وكَبُر سنها . . واحدودب ظهرها . . تبكي بحسرةٍ وندامة . .وهي تراني خلف القضبان . .

مرَّ شهر . . ولم تزرني والدتي كعادتها وقد اشتقتُ لها كثيراً وأنا في السجن بل والله إني أبكي إذا تذكرت ما قد عملت بها . . والمعاناة التي تجرعتها بسبـبـي . .
وتأتـي الفاجعة والطامة والكارثة , عندما كنت في ذلك "العنبر" الكئيب وإذا بأحـدهم يقول لي:
يـا مـسـاعـد . . أمـك مـااااتـت . .

ماذا ؟ . .كيف ؟ . . لا أدري . . المهم أنها ماتت . .!!
والله في ساعتها تمنيت لو أن الأرض انشقت وابتلعتني . .
ليت أني مكانها . . وددت أني فديتها بروحي . .لم أكد أصدق الخبر . .
عندها سقطت على الأرض مغمى عليّ . .
بكيت دماً بدل الدمع . .
كدتُ أُجنّ . . مرّ عليّ شريط الحياة القديم . .
أتذكر حرصها عليّ . . تضحيتها من أجلي . .
دمعاتها إذا رأتني . . .

عرفت بعدها قيمة وضريبة ونهاية "الهجولة" ورفقاء السوء . . خسرت كل شيء . . مستقبلي . . أمي . . ديني . . ولكني بعد كل ذلك . . وقفت وقفة حازمة . . حاسبت نفسي . . تذكرت أن رحمة الله وسعت كلّ شيء . .
أعلنتها تــوبــة للـه . . وفي السجن وجدت السعادة التي كنت أبحث عنها طوال عمري . . ما أحلاها من حياة . .
تلك الحياة التي أكون فيها قريباً من الله . . آنس وأتلذذ بطاعته . . وأتنعم بعبادته . .

انتهت مدة سجني . .
فخرجت . . فاستقبلني بعض الدعاة وأصدقائي الذين منَّ الله عليهم بالهداية قبلي . . الصحبة الصالحة المباركة . . التي كانت تتمنى توبتي . .
عدت إلى بيت والدتي الحبيبة تائباً منيباً . . فلما وصلت وجدت البيت مظلماً مخيفاً . . وقفت . . ترددت في الدخول . . ولكني تشجعت ثم تقدمت . .
وإذا أنا بتلك الغرفة التي كانت تجلس بها أمي المسكينة . .
وتنتظرني على أحر من الجمر . .
وهذا مكانها الذي كانت تقعد فيه وقلبها يشتعل خوفاً عليّ وهذا الهاتف الذي كلما (رنَّ) تصدع فؤادها . . تتوقع أن أحداً ما سيفجعها بي . .

تلفت يميناً وشمالاً . . تجولت في البيت . . أُعِيد ذكريات أعز إنسانة في حياتي . . ودموعي تسيل على خدي . .
ثم ودعت طوافي بلا عودة لذلك المنـزل بدخولي غرفة نومها . .
وهناك انفجرت بالبكاء . . سقطت على ركبتي . . أجهشت بالدموع . . وأنا أنظر إلى سريرها . . ما بقي من ملابسها . .
أدوية كانت تتناولها . .
قمت وأنا أشعر أن الدمع قد جف من عيني . .
أمي الحنونة الغالية . . أنا تائب سامحيني . .
كم أنا والله مشتاق إليكِ . . إلى رؤيتكِ . . وسماع صوتكِ . . إلى الجلوس معكِ . . أتذكر حديثكِ الشيق . . ابتسامتكِ الجميلة . . قلبكِ الحنون . .




أمي لن أستطيع رؤيتكِ اليوم ولكني عاهدت ربي على البِرِّ بكِ . . لن أنساكِ . .


مــن الـدعـاء . . والـصـدقـة . . والاستغفار . .





وموعدنا - بإذن الله تعالى - في الجنة . . غفر الله لك ورحمك وجمعنا بك



في الفردوس الأعلى . . آمين . .




  رد مع اقتباس