رد: زاوية نزار قباني
موت الخيول***************** نزار قباني
***********************************************
بشارع ( فردان ) كانت تموت الخيل الجميلة
بصمت
وتختار ميتتها النادرة
يقولون إن الخيول بفطرتها
تعاني من العشق أيضاً ..
وتعرف معنى الفراق ، ومعنى الشجن
وتقرأ أحسن منا جميعاً
كتاب الوطن ..
لماذا يسمونه مأتماً ؟
لقد كان أروع عرس رأته المدينة
ويا أم يوسف أنت العروس ..
ونحن شهودك ليل زففت لزين الشباب
ونحن رشقناكما بالملبس والورد ،
نحن رقصنا أمامكما رقصة السيف والترس ،
ونحن وضعناك فوق حصان العريس ..
وثوب زفافك ،
كان يلامس أشجار غزة والناصرة ..
لماذا يقولون : إن الخيول ..
_ إذا قتلت _ تفقد الذاكرة ؟
لقد كان عرساً جميلاً ..
وكانت فلسطين تستقبل الناس في زيها الوطني ..
وكان رجال الصحافة يلتقطون تصاويرها ..
بين أولادها الربعة ..
لقد زوجتهم جميعاً ..
وكانت جميع الخيول ..
تمد إلى الشمس أعناقها العالية
وتركض .. تركض .. تركض ..
نحو حقول أريحا ..
وتلعب فوق بساتينها السندسية
لماذا يقولون : إن الخيول الكريمة ..
لا تعرف الحب .. والقصص العاطفية ؟
صديقي كمال ،
صديق الدفاتر ، والحبر ، والكلمات الجديدة
أكل الرصاص الذي أطلقوه علينا ؟
لقتل قصيدة ؟
أكل الثقوب التي تركوها على شفتيك ؟
لقتل قصيدة ؟
لقد كان عرساً جميلاً ..
وكنا نزفك بين رنين الدفوف .. وضوء المشاعر
وكنت تغني .. ونحن نلملم عن شفتيك ..
ألوف السنابل ..
وكنت تعلمنا كيف نلغي المسافة ..
بين الأديب وبين المقاتل ..
وكنت تعلمنا يا صديقي ،
بأن المسدس لا يستطيع اغتيال البلابل ..
بشارع ( فردان ) كانت تموت الخيول الأصيلة
وكان رجال السياسة في الـ (دولتشه فيتا)
يعيشون كالحلزون الكسول على فضلات الجرائد
كانوا يسبون كل كبير ..
وكل صغير ..
وكل الحكومات والأنظمة ..
وكان رجال العقيدة يستشهدون بأفكار (ماو)
ويحترفون النضال ..
على علب ( المالبورو|) الفارغة
وكان الجواسيس
يصطحبون النساء علانية
ويرتشفون نبيذ البقاع
ويستمتعون بشمس شواطئنا الساحرة ..
وكانت فلسطين بين المحيط وبين الخليج ،
تفتش عن غرفة شاغرة ..
|