العقاب بالضرب في الإسلام
وعن حكم الإسلام في العقاب بالضرب يقول الشيخ عطية صقر في كتابه
(تربية الأولاد في الإسلام)
(والعقاب بالضرب موجود منذ القدم
في تأديب الأولاد في البيوت والمدارس
وقد رخص به الإسلام
في ضرب الزوجة الناشز
إذا لم تفلح الموعظة والهجر
وكما تقدم في حديث:
{مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع }
غير أنه ينبغي ألا يكون الضرب مبرحًا
وأن يستعمله عن من لا يقومّه إلا ذلك
وقد دخل ولد لعمر بن الخطاب عليه
وقد ترجَّل (مشَّط شعره) ولبس ثيابًا
حسنة فضربه بالدرة حتى أبكاه
فقالت حفصة:
{لِمَ ضربته؟ فقال: أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ
فأحببتُ أن أُصغرها إليه }
وجاء في فتوى نشرت بمجلة الأزهر
أن النبي قال لمرداس المعلم
{ إياك أن تضرب فوق الثلاث فإنك
إن تضربه فوقها اقتص منك}
واستنتجت الفتوى جواز الضرب
بما جرت به العادة وألا يكون على
المَقَاتِل أو الوجه أو الرأس وألا ينشأ
عن ذلك ضرر كتشويه لحم
أو كسر عظم فإن حصل منه شئ من ذلك ضمنه المعلم إذ لا يزال الضرر بالضرر
هذا
وقد قال العلماء:
ينبغي أن يكون العقاب جزاء على عمل
غير أخلاقي لا لدافع شخصي ينتهز
المؤدب فرصة غلط الناشئ فيتشفى
فيه بضربه أو عقابه
كما يردُّ ابن حجر الهيثمي المتوفي 974 هـ على أحد مؤدبي الأطفال ويقول:
(بأنه لا يجوز للمعلم ضرب الصغير إلا أذا أذن له أبوه ثم يشترط
في جوازه للمعلم أن يظُنَّه زاجرًا للتلميذ
إذا اقتضت الضرورة وألا يكون مبرحًا
فإذا ظن المعلم أن التلميذ لا ينفعه إلا الضرب المبرح وهو الشديد الإذاء
فلا يجوز إجماعًا ويعلل ذلك
بأن العقوبة إنما جازت بالنسبة
للصبي لظن أنها تفيد الإصلاح
فإذا كان الضرر سيأتي منها انتفت).
وقال ابن خلدون
ينبغي للمعلم في متعلميه والوالد
في ولده ألا يشتدوا عليهم في التأديب.
وقد قال أبو محمد ابن أبي يزيد
(لا ينبغي لمؤدب الصبيان أن يزيد
في ضربهم إذا احتاجوا إليه على
ثلاثة أسواط شيئاً)
ومن كلام عمر:
{ مَنْ لَمْ يُؤدِّبْهُ الشَّرْعُ لا أَدَّبَهُ اللهُ }
حرصًا على صون النفوس عن مذلَّة
التأديب عِلْماً بأن المقدار
الذي عيَّنه الشرع لذلك أملك له
فإنه أعلم بمصلحته وقد أرسل شريح القاضي مع ولده كتابًا
إلى معلمه يشكو فيه لعبه بالكلاب
جاء فيه:
تَرَكَ الصَّلاةَ لأَكْلُبٍ يَسْعَى لَهَا
طَلَبَ الهراشَ مع الغِوَاةِ الرُّجسِ
فَإِذَا أَتَاك فَعُضَّهُ بِمَلامَـــةٍ وَعِظْنَهُ مَوْعِظَ الرَّفِيقِ الأَكْيَـسِ
وَإِذَا هَمَمْتَ بِضَرْبِهِ فَبِـدُرَّةٍ فَإِذَا بَلَغْتَ بِهَا ثَلاثــاً فَاحْبِسِ
فإذا تقررت هذه المبادئ بوضوح
لم نلتفت إلى الصيحات الحديثة
التي تريد أن تُحَرِّم العقاب
لكي لا تتعقد نفس الطفل ولا يصيبه
الكبت فتصيبه من الناحية الأخرى
بالميوعة والتحلل
فوضع قاعدة مسبقة بتحريم
العقوبة الحسية أو تحريم العقوبة مطلقًا
مُفْسِدٌ في التربية كوضع قاعدة مسبقة بضرورة استخدامها
في كل حالة ولو لم تدع الضرورة إليها والمربي الحكيم يدرس حالة الطفل
الذي بين يديه ويقدر من دراسته
لظروفة الخاصة إن كان ممن
تصلح له المثوبة أو العقوبة
أو المداولة بين هذه وتلك.
وبذلك نضع الأمر في نصابه
ونعطي على هدى المنهج الرباني
كل ذي حق حقه آخذين
في اعتبارنا الفوارق الفردية
بين طفل وطفل والتي تقرر
مقدار الجرعة اللازمة من المثوبة
ومن العقوبة.
تنشئة الطفل المسلم
قسَّم الإسلام مراحل تربية الأولاد
إلى ثلاثة مراحل:
1.من لحظة ميلاده إلى سن السابعة (الطفولة).
2.من سن السابعة إلى سن الرابعة عشر (الصبوة).
3.من سن الرابعة عشر إلى
سن الحادي والعشرين (الشباب).
وذلك في الأثر الوارد عن الإمام علي والذي يقول فيه:
{ لاعبه سبعاً وأدبه سبعاً وصاحبه سبعاً }
وقد تحدثنا عن المرحلة الأولى
في المشاركات السابقة وسنتحدث
في هذه المشاركة عن المرحلة الثانية
والتى تبدأ من سن السابعة إى وقت
البلوغ وطريقة الإسلام في معالجة
هذه المرحلة وما بعدها هي
المعالجة الشاملة لكل الدوافع والغرائز
التي تسيطر على حواس الإنسان
وتنمية كل القوى المدركة في باطن
الإنسان ويشمل ذلك
إعداد الطفل بدنيًا وعقليا وروحيًا
حتى يكون عضواً نافعاً لنفسه ولأمته
وقد أفرد الإمام الغزالي لهذه الحقوق
جزءاً خاصاً قدم له بواجب الآباء
والمربين في توجيه أبنائهم
لتحسين أخلاقهم
فقال:
(اعلم أن الطريق في رياضة الصبيان
من أهم الأمور وأوكدها والصبي
أمانة عن والديه وقلبه الطاهر
جوهرة نفيسة ساذجه خالية
عن كل نقش وصورة وهو قابل
لكل ما نقش ومائل إلى كل ما يمال
به إليه فإن عُوِدَ الخير وعلمه
نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة
وشاركه في ثوابه أبوه وكل معلم له
ومؤدب وإن عود الشر وأهمل
إهمال البهائم شقي وهلك
وكان الوزر في رقبه عليه والوالي له
وقد قال الله
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ
وَأَهْلِيكُمْ نَاراً}
ومهما كان الأب يصونه عن نار الدنيا
فبأن يصونه عن نار الآخرة أولى
وصيانته بأن يؤدبه ويهذبه ويعلمه
محاسن الأخلاق ويحفظه من قرناء
السوء وأوجب أن تكون التربية
من أول مراحل الصبي ونشأته
وهي مرحلة الولادة والرضاعة
بألا تستعمل في حضانته وإرضاعه
إلا امرأة متدينه تأكل الحلال:
(فإن اللبن الحاصل من الحرام لا بركة
فيه فإذا وقع عليه نشوء الصبي
انعجنت طينته من الخبيث فيميل طبعه
إلى ما يناسب الخبائث)
أولا: الإعداد البدني
ويقصد به تهيئة الطفل ليكون سليم الجسم قوي البنية قادرًا على مواجهة الصعاب
التي تعترضه بعيدًا عن الأمراض
والعلل التي تشل حركته وتعطل
شأنه والإسلام وهو يحترم الطاقة
الجسمية احترامًا كاملًا لا يتركها
على حالها ولا يطلق لها العنان
إنه ينظمها ويضبط منصرفاتها لأنها
هكذا بطبيعتها
إذا تركت وشأنها لا تقف عند حد
وتدمر الكيان فليس هم الحياة
كما فطرها الله
مجرد أداء المطالب البيولوجية فحفظ
الحياة على وجه الأرض ليس هو
كل هدف الحياة بل هدفها حفظها
وترقيتها على الدوام ولذلك
لا يترك الإسلام الإنسان لشهواته
تستعبده وتجرفه إلى حيث لا يملك
لنفسه القياد بل يضبطها ويهذبها
وينطفها ولكنه لا يكبتها
فمنهج الإسلام في تربية النفس
أنه لا يكبت رغائبها فيقتل حيوتها
ويبدد طاقتها ويشتت كيانها
فلا تعمل ولا تنتج ولا تصلح
لعمارة الأرض وترقيَّة الحياة
وفي الوقت ذاته لا يطلق رغائبها
بلا ضوابط لأن ذلك يبدد طاقتها
من جانب آخر يبددها في نشاط
الحيوان وعلى مستوى الحيوان
ووسيلته إلى ذلك - كما قلنا -
هي الضبط إنه يعمل على تربية القوة الضابطة وتنميتها منذ نعومة الأظفار
وذلك بربط القلب البشري بالله
وخشيته وتقواه ومراقبته في كل عمل
وكل شعور وكل فكر والتطلع
إلى عطفه ورضاه وكذلك يربط القلب
باليوم الآخر ثم هو دائم التذكير
بأن هذه الشهوات ليست غاية
في ذاتها يستغرق الإنسان في
طلبها والانكباب عليها وإنما هي
وسائل إلى غايات أخرى أرفع منها
وأولى بالالتفات
وخذوا أمثلة على ذلك ....
فالطعام وسيلة لحفظ الأود:
{ما ملأ آدمي وعاء شرًا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه }
والجنس وسيلة لانتشار النوع:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا
وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء}
ووسيلة كذلك للسكن والراحة
لا للسعار والفتنة:
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ
بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً }
والمال وسيلة لإقامة الجماعة:
{وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي
جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً }
وطاقة القتال لجهاد الشَّرِّ في الأرض:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ }
ولضمان الحياة ضد الإعتداء:
{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
وهو يبعث النشاط الحيوي في إتجاهات
شتى تشمل كل كيان الإنسان
فلا تتدفق الطاقة الحيوية كلها
في جانب واحد جانب الجنس أو المال
أو الطعام ... إلخ بل يبعث النشاط
في العلم والعمل والتجارة والصناعة والزراعة والفتح والغزو
وعمارة الأرض وإقامة الدولة
وتنظيمها وسياستها ومراقبة الأمور
في المجتمع والأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر وهي كلها أمور تستغرق
النشاط الإنساني وتوزعه وتوسع مساحته
فلا يتكتل في بقعة واحدة
ويترك بقية الجوانب خواء.