منهج العناية بالطفل في الإسلام
أسرار الرضاعة الطبيعية
أكد الله على أَمْرٍ مهم تنصَّلت منه بعض الأمهات في عصرنا هذا وبدأن ينصحن أنفسهن بذلك لا سيما اللاتي يذهبن إلى ميادين الأعمال، حيث تنصح إحداهن الأخرى قائلة: إياك أن ترضعي طفلك رضاعة طبيعية لأن ذلك يجعل صدرك يتهدل ويصبح قوامك غير رشيق لكن الله كما قال في كتابه: }
إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ
فقد خرج علينا الطب الحديث
ليحذرهن من ترك الرضاعة الطبيعية عن طريق ثدي الأم
أو التهاون بها
لأن ذلك يعرض الأم لمرض سرطان الثدي والذي ثبت علميًا
أن الرضاعة الطبيعية هي خير وسيلة
لاكتساب المرأة المناعة من الإصابة به
فالمرأة التي تخشى من إرضاع طفلها خوفًا على مظهرها
قد تتعرض لإزالة الثديين بالكلية
إذا أصيبا بهذا الداء الخبيث
وصدق الله إذ يقول
وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ
لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ
(والحول هو سنة هجرية كاملة)
وكل الأحكام الخاصة بأمور النساء في القرآن
من حيض ونفاس وعدة وحمل ورضاع
تحسب بالأشهر الهجرية
لأنها هى التي نزلت بها الأحكام التشريعية
ولذا أمر الله بالرضاعة من ثدي الأم وحث عليه
حتى في أحلك الظروف
فهذا فرعون مصر عندما أصدر أمرًا لجنوده
بقتل كل مولود يولد ذكرًا لبني إسرائيل
خشية زوال ملكه
وكانت أم موسى حاملا به فأعدت خطة لإخفائه
عن فرعون وجنوده عقب ولادته
ولم تفكر في أمر الرضاعة
ولكن الله لإحاطته سبحانه وتعالى بأثر هذه الرضاعة الطبيعية
أشار عليها بذلك قائلاً
وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ
فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ
وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ
ومن أجل أن يؤكد لنا الله على أهمية هذه الرضاعة
حَرَّمَ على موسى أثداء النساء ووجه أخته لتقتفي أثره
وتتعرف على خبره، فلما وجدته لا يرضع دلتهم على أمه
فأرجعه الله إلى أمه ليرضع من ثديها حرصًا عليه
وإلى ذلك الإشارة بقول الله
وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ
وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ
عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ
فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ
وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ
لماذا كل هذه العناية من الإسلام بالرضاع من ثدي الأم؟
لأن بالثدي المعمل الإلهي الذي جهزه الله
لتغذية وإرواء وتحصين الولدان
ومهما تقدمت البشرية في العلم
واخترعت من أجهزة ومعدات
فلن يستطيع أفذاذ العلماء أن يجهزوا معملًا
لتغذية الطفل الرضيع بهذه الكيفية الإلهية
فإنه ينزل اللبن بقدر معلوم على قدر حاجة الصبي
فأول جرعة تخرج من هذا المعمل للطفل عقب ولادته
وتسمى(لبن المسمار) تحوي كل العناصر
التي يحتاجها جسم الطفل لتنشيط أعضاءه وتأهيله
لمواجهة هذه الحياة، كما أنها تحوي تطعيمًا واقيًا
لكل الأمراض التي يتعرض لها الطفل في هذه الفترة
وهكذا يقوم الثدي بإمداد الوليد بما يحتاج إليه
من عناصر غذائية وأمصال وقائية
كلما تقدمت به السن وليس هذا فقط
بل إنه يجعل اللبن للطفل حارًا شتاءًا باردًا صيفاً
حتى لا يتعرض الطفل للنزلات المعوية والإصابات الصدرية
التي يتعرض لها من يرضعون بالوسائل الصناعية
ويستغنون بها عن الرضاعة الطبيعية
والأعجب من هذا أن هناك جهازًا غير مرئي
يتخاطب بلغة ربانية بين معمل الألبان في ثدي الأم
وبين الطفل فعندما يحس الطفل بالجوع
تجد المعمل الرباني بالثدي وقد جهز الوجبة الكاملة
والأم تترجم عن ذل قائلة:
أشعر بأن اللبن كثير في ثديي
فقد طلبه الطفل بطريق غير مباشر فجهزه له الإله القادر
كيف يلتقم الطفل حلمة ثدي الأم؟
وكيف يقوم بمص الثدي ليدر اللبن؟
إن ذلك كله يتم بإلهام مباشر من الله
ولذلك حتى بعد نمو أسنانه فإنه لا يؤذي الثديين
بها بينما ينزل اللبن معقما تعقيما كاملًا
مع مراعاة تدرج النمو للطفل
فمثلًا عند ظهر أسنانه تجد نسبة الكالسيوم
تزيد في اللبن لحاجة الأسنان إلى هذا العنصر في نموها
ومن بديع صنع الله أن الأم التي ترضع طفلها من ثديها
يرجع رحمها إلى حالته العادية بإذن الله في وقت يسير
حيث أثبت الطب الحديث
أن هناك علاقة بين حركة مص الثديين للطفل
وانقباض عضلات الرحم
أضف إلى ذلك أن الرضاع يحفظ نسبة كبيرة من الأمهات
من الحمل أثناء رضاعها لطفلها
وقاية من الله وعناية منه سبحانه وتعالى بالأم وطفلها
تأثير الرضاع في الطباع
إن الأسرار الطبية والعلمية للرضاعة الطبيعية كثيرة جدًا
لا نستطيع حصرها في هذا المختصر
ولكن القرآن الكريم يلفت نظرنا إلى أمر غريب يحدث للطفل
الذي يرضع من ثدي أمه وهو أن الأم مع رضاعها لطفلها
تعطيه حنانها وتمده بعطفها، وتوليه شفقتها
وتؤثر فيه برحمتها فيشب الطفل حليمًا لا يغضب بسرعة
ولذلك تجد الطفل الذي يرضع بالوسائل الصناعية
سريع النرفذة، كثير الضجر، ملول
لأنه لم يرضع الحنان والعطف والشفقة من أمه
وقد قال الحكماء في ذلك:
إن الرضاع يغير الطباع
ومن أعجب ما روي في ذلك أن الإمام الحسن البصرى
وهو إمام التابعين في الزهد والورع والفقه
إنما يرجع السبب في ذلك إلى مصَّةِ لبنٍ مصَّها
من ثدي السيدة أم سلمة رضى الله عنها زوجة النبي
وتفصيل ذلك أن أمَّه كانت تخدمها
وكانت السيدة أم سلمة ترسلها في قضاء مصالحها
وترقب طفلها حتى تحضر، فكان أحيانًا يبكي
فكانت تعلله بوضعها لثديها في فمه وإن كان ليس به لبن
لأنها كانت قد تجاوزت الثمانين
وشاءت إرادة الله أن تحدث المعجزة ففي أحدى هذه المرات
إذا بالثديي يمتلئ باللبن ويرضع منه الطفل حتى يشبع
وقدأرجع العلماء سر علو شأنه في العلم والفقه والورع والزهد
إلى هذه الرضعة وقد حدث أيضًا أن أسلم رجل نصراني
على يد أحد الصالحين فسماه صهيبًا الرومي
وذات يوم قال له:
(يابُني زُرْ أُمَّكَ التي أرضعتْكَ لبنَ الإسلام)
فتعجب من هذا الكلام وذهب إلى أمه
وكانت قد هداها الله للإسلام وسألها عمن تكون المرأة
التي أرضعته غيرها
فأخبرته أنها بعد ولادته مرضت مرضًا شديدًا
وقد منعها ذلك من إرضاعه لمدة ستة أشهر كاملة
فتولى إرضاعه في تلك الفترة جَارَةٌ لهم مسلمة ذكرتها له
فعلم علم اليقين أن تلك الرضاعة وذلك اللبن
هما السبب في هدايته إلى التوحيد
وإصابته فطرة الله التي فطر الناس عليها
لهذا كله أمرنا الله ن نرضع الطفل من الأم
حتى أنه لو حدث شقاق بين الزوجين
وانفصلت الأم عن زوجها فإن الشريعةا لإسلامية
تلزم الأب أن يسلم الطفل إلى الأم لترضعه من ثديها
ويدفع لها الأب تكاليف رضاعها
ويعطيها أيضًا أجرًا على إرضاعها لطفلها
إلا إذا رفضت الأم ذلك
فعلى الأب أن يحضر للطفل امرأة أخرى ليرضع من ثديها أيضًا ويتحمل تكاليف ذلك
وإلى ذلك الإشارة بقول الله
وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ
لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ
رِزْقُهُنّ َوَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ
إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ
وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا
وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا
وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ
إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ
وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
وتلك عناية لم يسمع بها الأولون ولا الآخرون
نحو الطفل الرضيع وفي ذلك يقول الشيخ محمد على سلامة
في كتابه [خواطر إيمانية ص12]
إن الأم ترضع الولد مع لبنها الرحمة والعطف والحنان
والحب والوفاء والإخلاص والبر والود والإحسان
ومعان كثيرة تتعلق بصفات الأم من الإيمان والشجاعة
والثبات على المبدأ أو التفاني في سبيل الحق
والواجب وحب الوطن وغير ذلك
ويظهر ذلك من قول الله تعالى:
وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ
وما أحسن قول حافظ إبراهيم:
الأم مدرسة إذا أعددتهـا أعددت شعبًا طيب الإعراق
الأم روض إن تعهده الحيا بالري أَوْرَقَ أيَّمــا إيراق
الأم أستاذ الأساتذة الأولى شغلت مآثرهم مدى الآفاق
يتـــــــــــــــــبع إن شــــــــــــــــــــــــــــــــــاء الله