الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على رسوله الأمين و بعد فبينالحين و الأخر نسمع عن إشاعات تبث و تنشر و أكاذيب تبعث و ترسل.
هذه الإشاعات التي لها خطر عظيم و شر كبير.
فكم دمرت من مجتمعات و هدمت من أسر، و فرقت بين أحبة.
كم أهدرت من أموال، و ضيعت من أوقات.
كم أحزنت من قلوب، و أولعت من أفئدة، و أورثت من حسرة.
و إذا أردت أن تعلم عظيم شرها، فانظر في حادثة الإفك: كيف أن النبي صلىالله عليه و سلم مكث شهرا كاملا وهو مهموم محزون، لا وحي ينزل يبين لهحقيقة الأمر، و لا يعرف عن أهل بيته إلا الطهر و العفاف.
و لقد فتن كثير من المسلمين بنشر هذه الإشاعات و ترديدها دون النظر فيالنتائج، و دون النظر في الشرور الناتجة عنها.
لقد عالج الإسلام قضية الإشاعة عن طريق ثلاث نقاط:
أ- النقطة الأولى: التثبت.
ب- النقطة الثانية: الناقل للإشاعة من الفاسقين.
ت- النقطة الثالثة: التفكر في عواقب الإشاعة.
و قبل البدء في تفصيل هذه النقاط لابد من التنبيه لأمر مهم جدا، ألاوهو : أن الله سبحانه و تعالى جعل العلاج لقضية الإشاعة من خلال الناقلينلها من المؤمنين أنفسهم دون التركيز على مصدر الإشاعة و ذلك لان مصدرالإشاعة قد يكون من أهل النفاق أو من الكفار أو من الأعداء، و هؤلاء لاحيلة معهم، فان من دأبهم نشر الإشاعة لإضعاف المسلمين. نعم قد ورد تحذير للمسلمين أن يكذبوا الكذبة ثم يبثوها( كما في حديث جابربن سمرة عند البخاري)
لكن هذه الإشاعات ما كان لها أن تنتشر لو قابلها المؤمنون بالمنهج الربانيلتلقي الأخبار و تلقي الإشاعات.
و إليك تفصيل تلك النقاط:
أ - النقطة الأولى: التثبت:
يقول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا(فأمر الله بالتبين و التثبت، لأنه لا يحل للمسلم أن يبث خبرا دون أن يكونمتأكدا من صحته.
و التثبت له طرق كثيرة؛ فمنها :
أ- إرجاع الأمر لأهل الاختصاص:
يقول الله تعالى: ( و إذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به و لو ردوهإلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم)
قال الشيخ السعدي: ( هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم غير اللائق ، و أنهينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة و المصالح العامة ؛ ما يتعلقبسرور المؤمنين أو الخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا و لا يستعجلوابإشاعة ذلك الخبر ، بل يردونه إلى الرسول و إلى أولي الأمر منهم ؛ أهلالرأي و العلم و العقل الذين يعرفون المصالح و ضدها.
فإن رأوا في إذاعته مصلحة و نشاطا للمؤمنين و سرورا لهم و تحرزا من أعدائهم : فعلوا ذلك.
فان رأوا ليس من المصلحة أو فيه مصلحة و لكن مضرته تزيد على مصلحته لميذيعوه ) فكم من إشاعة كان بالامكان تلافي شرها بسؤال أهل الاختصاص.
هذه الإشاعة الأخيرة التي انتشرت عن إدخال شمام به فيروس الايدز؛ ترىالواحد منا يرسل عشرات بل مئات الرسائل لهذه الإشاعات و لا يكلف نفسه أنيتصل على طبيب فيسأله: هل يمكن أن ينتقل هذا الفيروس به الطريقة ؟ لوأرجعنا هذه الإشاعة لولاة الأمر عبر الجهات المختصة لوجدنا عندها العلمبحال تلك الإشاعة.
ب- التفكر في محتوى الإشاعة:
إن كثير من المسلمين لا يفكر في مضمون الإشاعة الذي قد يحمل في طياته كذبتلك الإشاعة، بل تراه يستسلم لها و ينقاد لها و كأنها من المسلمات.
و لو أعطينا أنفسنا و لو للحظات في التفكر في تلك الإشاعات لما انتشرتإشاعة أبدا.
لقد بين الله حال المؤمنين الذين تكلموا في حادثة الإفك فقال سبحانه: ( إذتلقونه بألسنتكم و تقولون بأفواهكم ما ليس به علمإذ تلقونه بألسنتكم
انظر يا أخي:
أنه من البديهي أن الإنسان يتلقى الأخبار بسمعه لابلسانه ، و لكن أولئك النفر من الصحابة لم يستعملوا التفكير، لم يمروا ذلكالخبر على عقولهم ليتدبرا فيه، بل قال الله عنهم أنهم يتلقون حادثة الإفكبألسنتهم ثم يتكلمون بها بأفواههم من شدة سرعتهم في نقل الخبر و عدم التفكرفيه.
و لو تفكر الصحابة قليلا لوجدوا أنه من أمحل المحال أن يكون في فراش أطهرالخلق شيء يعيبه، كيف يمكن أن تتهم زوجة أفضل البشرية الذي اصطفاه اللهبتهمة الفاحشة؟ إن هذا لا يعقل أبدأ.
ب- النقطة الثانية: الناقل للإشاعة من الفاسقين.
في الآية السابقة يقول الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسقبنبأ فتبينوا ...) فجعل الله من نقل الخبر دون تثبت من الفاسقين.
فمجرد نقل الأخبار دون التأكد من صحتها موجب للفسق؛ و ذلك لان هذه الأخبارليس كلها صحيح، بل فيها الصحيح و الكاذب، فكان من نقل كل خبر و أشاعه؛ داخلفي نقل الكذب، لذا جعله الله من الفاسقين.
و قد صرح النبي بذلك ففي صحيح مسلم : ( كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع(فالمؤمن لابد له من الحذر في أن يكون عند الله من الفاسقين
( الكاذبين(و كفى - و الله - بذلك كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب فالعاقل يعلم أنه ليس كل ما يسمع يقال و لا كل ما يعلم يصلح للإشاعة و النشر
. بل قد يكون الخبر صحيحا و لكن لا مصلحة في نشره أبدا، كما مر معنا في كلامالشيخ السعدي.
ث- النقطة الثالثة: التفكر في عواقب الإشاعة.
و عودة مرة ثالثة للآية السابقة في سورة الحجرات يقول الله تعالى: ( أنتصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين(
هلا تفكرت في نتائج الإشاعة.
هلا تدبرت في عواقبها.
اعلم أخي:
إن كل خسارة، كل هم و غم أصاب أخاك المسلم، كل أموال أهدرت بسبب إشاعتكالتي نشرتها أو ساعدت في نشرها فلك نصيب من الإثم فيها.
( و تحسبونه هينا و هوعند الله عظيم)