رد: في المسألة الليبية
وسط تصاعد الدعوات لفرض منطقة حظر طيران، تحدث الرئيس الأميركي عن انشغال الغرب بدراسة جملة من الخيارات بشأن التعامل مع القذافي، غير أن المحللين يرون بأن أوباما لا يبدو في عجلة من أمره للتخلص من القذافي، وبخاصة التحرك منفرداً بهذا الشأن. فقد اوضح أوباما أنه لن يكرر ما فعله سلفه بوش في العراق، ولا حتى ريغان عندما أرسل الطائرات لقصف طرابلس عام 1982 وذلك بغض النظر عما يتعرض له من ضغوط من قبل أعضاء مجلس الشيوخ أو المحافظين الجدد ممن يطالبونه بأن يكون أكثر قوة وحزماً مع الديكتاتور الليبي. وبانتظار ما ستتمخض عنه المشاورات مع الحلفاء الأوروبيين، فقد صدر عن الرئيس ما يكفي من اشارات على أن التدخل الأميركي في ليبيا سيكون: توجيهي الطابع ودولي الحجم بعيداً عن العمل المنفرد، وبأنه سيكون الأفارقة والمسلمون ومن الأفضل الليبيون أنفسهم في طليعة أي تحرك موجه ضد القذافي. وفي ذلك يقول لورنس كورب، من المركز الأميركي للتقدم- واشنطن، ومساعد وزير الدفاع السابق في ادارة ريغان «اذا ما أردت تلخيص رؤية أوباما الدولية في بضع كلمات فستكون التالي: التحرك التعددي ما أمكن، والمنفرد عند الحاجة الماسة، واستبعاد العسكري كخيار أول». ويضيف كورب «كما وأن أوباما يميز بين المصالح القومية الحيوية وما هو جيد الحصول عليه.. وهنا يصعب رؤية مصالح قومية أميركية في لبيبا».
موقف أوباما هذا، جعله عرضة لحملة انتقادات من الجمهوريين وبخاصة من رموز المحافظين الجدد، ممن لا يزالون على تمسكهم بعقيدة التدخل العسكري المباشر لتغيير الأنظمة في الشرق الأوسط . فهذا جون بولتون، سفير بوش السابق لدى الأمم المتحدة، يأخذ على أوباما تناقض هجومه الخطابي على القذافي مع تسليم القيادة في ادارة الأزمة للبريطانيين والفرنسيين بل وللسكرتير العام للأمم المتحدة بان كي مون.
وكان أوباما والمسؤولون في الادارة الأميركية، قد أوضحوا أن أكثر الجوانب ايجابية في الموقف الأميركي تجاه ما حصل في تونس ومصر، هو أن الجماهير في البلدين هي التي صنعت التغيير، وبالتالي فهي وحدها المالكة له. يضاف لذلك ان هناك مصدر قلق آخر لواشنطن في الحالة الليبية، وهو أن الناس في الشرق الأوسط قد ينظرون إلى التدخل العسكري الدولي في ليبيا باعتباره محاولة غربية (أو أسوأ من ذلك.. محاولة أميركية) للسيطرة على بلد نفطي مسلم، وهو ما يتلاءم تماماً وطروحات القاعدة.
وفي ظل هذه القيود التي فرضها أوباما على نفسه فيما يتعلق بالتحرك ضد القذافي، يصبح من غير الواضح ما اذا كانت الولايات المتحدة- بل وحتى الأمم المتحدة- ستتحرك أبعد مما تم اتخاذه حتى الآن، والذي لم يتجاوز قراراً بفرض عقوبات ضد نظام القذافي، والتركيز على معالجة الأزمة الإنسانية في ليبيا. وفي نفس الوقت فإن الناتو لن يتحرك على الأغلب باتجاه فرض منطقة حظر طيران دون قرار من مجلس الأمن، الأمر الذي سيصطدم بمعارضة قوية من الصين وروسيا اللتين ترتبطان بمصالح تجارية كبيرة مع نظام القذافي. يضاف لذلك ما صدر مؤخراً عن واشنطن نفسها من مؤشرات توحي بتراجع عن خيار فرض منطقة حظر الطيران. فقد تحدثت التقارير الأميركية عن ترجع ملموس في حجم الطلعات الجوية الليبية التي تستهدف الثوار، في توجه متعمد من جانب نظام القذافي لإجهاض المشروع الدولي الخاص بمنطقة الحظر. ويبدو أن الموقف الروسي والصيني الذي يربط موافقة موسكو وبكين على المشروع بتطور الأحداث على الأرض,سيدفع القذافي إلى محاولة تهدئة اللعبة الجوية بانتظار مرور العاصفة. كل هذا يعني بأنه بالرغم من رغبة أوباما المعلنة في التخلص من القذافي، والتي لا تجد طريقها للتنفيذ، فإن القذافي على الأغلب باق في السلطة لستة أشهر، وربما سنة، أخرى من الآن. وهنا يعيد البعض إلى الذاكرة بأن ممارسات القذافي السابقة بحق الأميركيين: تفجيرات برلين، واسقاط الطائرة فوق لوكربي، لم تمنع ادارة بوش من اعادة العلاقات الدبلوماسية مع نظامه الراعي للارهاب.
لا يبدو أن القادم من الأيام يحمل بشرى قرب التخلص من القذافي. وعلى الأغلب فإن مصير الرجل سيتحدد ليس في ميدان المواجهة مع الثوار، بل في أروقة المحكمة الجنائية الدولية حيث انضمت قضية القذافي إلى جملة قضايا مشابهة منها عدة قضايا افريقية.
|