تحذيرات باليمن من "تأبيد" الرئاسة
هيمنت قضية تمديد ولاية الرئيسعلي عبدالله بن صالح على مجريات ندوة "التعديلات الدستورية بين التأبيد والتمديد" التي نظمها منتدى الأحمر بمدينة صنعاء أمس حيث حذر المتحدثون من مغبة التفرد بإقرار أي تعديلات تنال من ثوابت اليمنيين.
وكان مجلس النواب اليمني قد أعطى موافقته المبدئية على التعديلات الدستورية التي اقترحها الحزب الحاكم والتي من شأنها أن تسهل تولي الرئيس أكثر من ولايتين متتاليتين.
واعتبر الأمين المساعد للجنة التحضيرية للحوار الوطني عيدروس النقيب خلال مداخلته بالندوة، أن ما ورد بالتعديلات المقترحة من حديث عن حصة المرأة أو حكم محلي واسع الصلاحيات ما هو إلا مجرد "بهارات" لتمرير التعديل على المادة 112 من الدستور بهدف تأبيد المنصب الرئاسي.
أما عضو المجلس الأعلى لأحزاب اللقاء المشترك سلطان العتواني فنفى ما يروج له حزب المؤتمر الشعبي الحاكم من أن التعديلات تم الاتفاق عليها مع المعارضة، واعتبر ذلك هروبا من مرجعية اتفاق فبراير/شباط المتضمن تطوير النظام السياسي والانتخابي وليس الانقلاب على الثورة والوحدة.
وأوضح العتواني للجزيرة نت أن التعديلات ليست للإصلاح السياسي بل "لنزع العداد الرئاسي الذي سيفضي إلى تأبيد الحكم في شخص واحد"، ودعا الرئيس إلى الخلود للراحة وإفساح المجال للآخرين وإلا "فإن البلد ووحدته أمام انهيار حقيقي".
وبدوره قدم أستاذ القانون الدستوري بجامعة صنعاء وزير المغتربين السابق صالح سميع في ورقته نقدا لاذعا للتعديلات الدستورية التي أضافت -في رأيه- المزيد من تكريس القبضة الحديدية على منصب الرئاسة الذي شرعه الدستور النافذ للتداول بالطرق السلمية.
واتهم الباحث النظام القائم في اليمن بتجريد الأمة من سيادتها والتعبير عن رغباتها بآليات شورية وقانونية والاتجاه نحو سلطة الفرد بتكييف الواقع القانوني والاجتماعي والإعلامي على نحو يجعل الحاكم هو مصدر النظام وقطب رحاه وليس الأمة.
المال الظلامي
واستشهدت دراسة سميع بتسخير النظام لما وصفه بـ"المال الظلامي" الذي مكنه من شق النخبة السياسية وتسخير الوظيفة العامة لصالحه بهدف تشكيل جهاز إداري كبير سماه "حزبا سياسيا" تحول إلى أهم مخالبه في خلق "أغلبية مشتراة" داخل البرلمان توفر له الغطاء القانوني لتفصيل النصوص الدستورية.
وحسب الدراسة فإن "النظام استطاع الهيمنة على السلطتين التنفيذية والقضائية وتسخير مؤسستي الجيش والأمن لأوامره عبر تقديم الأموال والأراضي المملوكة للدولة لشراء الذمم وإنشاء أجهزة للرقابة المالية والإدارية توظف نتائج أعمالها لابتزاز الأتباع عند اللزوم".
وخلصت الدراسة إلى أن هذا الواقع أفرز طغيان ظاهرة الشخصنة في مناحي الحياة وتواري مبدأ سيادة القانون وخلق بيئات جاذبة للشر وطاردة للخيرات.
جانب من المشاركين بالندوة
خرف سياسي
من جانبه توقع عضو القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي نايف القانص وقوع عواقب كارثية في حال تمرير هذه التعديلات التي تنبئ حسب رأيه عن "خرف سياسي".
وبين القانص للجزيرة نت أن إصرار المحافظات الجنوبية على مقاطعة الانتخابات ومحاولة إفشالها إلى جانب المطالبة بالاستفتاء على انفصال الجنوب عن الشمال أهم المخاطر التي تتهدد اليمن جراء هذه التعديلات.
وطغت على مناقشات الندوة -التي حضرتها قيادات أحزاب اللقاء المشترك وشخصيات أكاديمية واجتماعية- قضية إصرار الحزب الحاكم على خوض الانتخابات منفردا وتمرير التعديلات.
واعتبر الناطق باسم أحزاب اللقاء المشترك محمد صالح أن ما حصل في مجلس النواب ليس مجرد تعديلات دستورية وإنما هي بمثابة دستور جديد حيث تم تغيير ما يقرب من نصف مواد الدستور، مما يشكل مساسا بما تبقى من مبادئ الثورة والجمهورية.
أما رجل الأعمال جمال المترب فانتقد تعديل الدستور ثلاث مرات خلال عشرين عاماً آخرها يهدف لنزع العداد الرئاسي، وقال "إذا كانت شهية الحاكم لا تزال مفتوحة للاستمرار في الكرسي فهذا شأنه، إنما نحن كشعب ونواب ينبغي ألا نقبل ببيع ضمائرنا ونوافق على تعديلات لا تخدم مصلحة الوطن ولا وحدته".