رد: يا حارقة الاكباد
ما يجري في تونس ـ هذه الأيام ـ بالغ الأهمية
فالمجتمع التونسي ظل مستسلما لمظلة القمع البوليسي لعقود طويلة بحجج
وتعتمد على فكرة أن "الإصلاح الاقتصادي" مقدم على "الإصلاح السياسي" ثم اكتشف التونسيون
بعد كل هذه السنوات ـ أنهم كانوا ستارا لخدمة الطبقة السياسية الانتهازية التي حكمت البلاد والعباد بالحديد والنار..
وأحالت فقرائها إلى جسد منهك،
تنتعش على مرضه وعوزه وجوعه وجثته ـ في النهاية ـ كروش وجيوب وحسابات كبار رجال المال والأعمال البنكية.
تونس اليوم تغلي،
وتحرك الشارع التونسي بعفوية،
ضد الفساد المالي والمحسوبية والواسطة والفقر والبطالة..
كان المجتمع التونسي هادئا ووديعا،
ولم يتوقع أحد أنه في يوم من الأيام سيتحرر من الخوف والرهبة مما يسمعه عن حفلات التعذيب داخل السجون والمعتقلات والزنازين الباردة والمظلمة..
فجأة وعلى غير موعد انفجر الشارع التونسي
ولم تعد أجهزة الأمن العاتية وصاحبة أسوأ سيرة وسجل
فيما يتعلق بحقوق الإنسان قادرة على مواجهته إلا بـ"المسايسة" ومراقبته من على بعد.
ثورة الجياع والفقراء في تونس بدأت بمحاولة انتحار شاب يدعى محمد بوعزيزي في باحراق نفسه
أمام مقر محافظة "سيدي أبو زيد"..
تقول التقارير الصحفية التي تابعت ما يجري في تونس إنه :
" شاب وديع حامل لشهادة جامعية وينحدر من أسرة فقيرة، وهو ما دفعه إلى أن يتحول إلى بائع متجول لإعالة أفراد عائلته الثمانية مستعينا بعربة والده التي تركها بعد موته. وبدل أن يراعي أعوان البلدية ظروفه، لاحقوه وصادروا بضاعته، وأهانوه ودفعوه إلى قمة الإحباط واليأس"
اندلعت المظاهرات في "أبو زيد" ثم انتشرت كالنار في "المكناسي وجلمة والرقاب وسيدي علي بن عون والمزونة وبئر الحفي وسوق الجديد"
بعد ان انتحر شاب آخر بائس وفقير أيضا من نفس المنطقة، حيث صعق نفسه بالكهربا.
المدهش..
أن الاحتجاجات الاجتماعية ـ والتي ما زالت مشتعلة حتى اليوم ـ اندلعت في معقل الحزب الحاكم "التجمع الدستوري الديمقراطي" وفي المنطقة التي يحظى فيها بحضور قوى لأسباب تاريخية تتعلق بدور أبناء هذه المنطقة الفقيرة في النضال الوطني ضد الاستعمار الفرنسي!
والملفت في المشهد التونسي اجمالا، أن هذه الاحتجاجات التي دخلت أسبوعها الثاني بلا انقطاع، أفرزت قياداتها المحلية الخاصة وتجاوزت القيادات الحزبية التقليدية التي أكل عليها الدهر وشرب،
وظلت لسنوات طويلة مختطفه الحركة الوطنية التونسية وتتحدث باسمها،
وتحولت إلى ما يشبه المعارضة المصرية الحالية..
جماعات مصالح مستأنسة نشأت في محاضن السلطة ولا تطيق فراقها،
وضحية إدمان شهوة الإعلام والمنظرة.
الدرس التونسي..
من شأنه أن يثير الفزع في قلوب قيادات .
لأن الوضع في تونس كان قبل عشرة أيام مضت، كان يتمثل بوداعته واستسلامه
ثم تحول فجأة وبدون أية مقدمات أو إرهاصات إلى مثل البحر الهائج الخارج عن السيطرة
|