السلطة في الضفة.. لماذا تصعد عدوانها على المقاومة...؟
عدنان سليم أبو هليل
التصعيد الذي تمارسه منظمة فتح وأجهزتها ومليشياتها في الضفة الفلسطينية المحتلة ضد حركات المقاومة وبالأخص منها حماس في مقابل استمرار أعمال التنسيق الأمني والاستخباري مع العدو قد بلغ حداً لا يمكن السكوت عليه إذ وصل الأمر لاعتقال الحرائر من نساء المجاهدين وأمهاتهم وأخواتهم كالأخوات تمام أبو السعود من نابلس وميسم سلاودة من رام الله وميرفت صبري ومهيا أشتية وغيرهن.. واعتقال الأسرى المحررين الذين أطلق سراحهم بعد السنين الطوال في سجون الاحتلال قبل أن يصلوا إلى بيوتهم أو يمارسوا حياتهم العادية فضلاً عن السياسية والفكرية.. كل ذلك في تناغم وتطابق تام مع العدو وإجراءاته الاحتلالية القمعية والإرهابية.. اللافت أن كل ذلك يأتي في وقت المقاومة فيه أهدأ ما تكون بالنسبة لعلاقاتها مع فتح حتى على مستوى المساجلات الكلامية.. ذلك يطرح السؤال عن سبب هذا التصعيد، ومعنى التوقيت الذي يأتي فيه، وعن الخلاصة التي ينبغي أن تسترعي النظر من كل هذا المشهد والسياق الذي يأتي فيه؟
وأقول: بداية؛ ادعت فتح أنها كشفت خلية تخطط لاغتيال المدعو جبرين البكري معين السلطة على محافظة نابلس؛ لم يعط أحد هذا الاتهام أية جدية لأن الاغتيال ليس نهيجة ولا سياسة ولا سلوكا لحماس ولا هو خيارها في التعامل الداخلي – كما رأينا – مهما كانت الخلافات البينية.. ويعلم الشعب الفلسطيني أن حماس لو كانت تريد هذا السلوك أو كان هذا قرارها واختيارها لاغتالت "المذكور" وعشرات رؤوس الفتنة الأكبر والأشد منه إضراراً بها وإفساداً للقيم الثورية والوطنية ممن ينتسبون لأجهزة دايتون ومولر وفياض المنخرطون في التنسيق للاحتلال والذين أصابوا دماء لا دماً واحداً لحماس.. دعوى التخطيط لاغتيال "البكري" فسرت بأنها تأتي في سياق محاولة كسب ثقة الاحتلال، ولتبرير اعتقالات استباقية محدودة تتناسب مع الدور المطلوب من السلطة في مثل هذه الحالة وبالأخص أنها جاءت عقب تسليم الاحتلال لهم المسؤولية الأمنية في محافظة نابلس.. وعليه فلا ينبغي الالتفات أو الانشغال بهذه الفرية..
نعود للسؤال الأساسي: لماذا كل هذا التصعيد؟ ولماذا في هذا الوقت بالذات؟ وأذكر هنا بخمس نقاط ترسم السياق وتشي بالجواب:
1- عملية التسوية توقفت وتعطلت ولا أمل قريباً في إطلاقها.
2- أمريكا تخلت عن دور الوسيط "حتى غير المحايد" ووزيرة خارجيتها – كلينتون – قالت لهم صراحة لا نستطيع الضغط على "إسرائيل" ولو استطعنا فلن نفعل، والمبعوث الأمريكي ميتشل أخبرهم هو أيضاً أنه بعد انتخابات الكونجرس النصفية حدث تحول لصالح "إسرائيل" وعليهم – أي الفلسطينيين – ألا يطمعوا في الكثير من الإدارة الأمريكية.
3- العرب من خلال لجنة المتابعة العربية لم يغطوا محمود عباس في خطوة تتجاوز مسألة الاستيطان وردوا عليه بتأكيد عدم تقبل إطلاق المفاوضات من دون موقف أمريكي واضح وتعهد صريح بجدية عملية التسوية.
4- الهارب من غزة والمنقلب على عرفات "محمد دحلان" شخصية إشكالية ومعروف بمؤامراته داخل فتح قبل خارجها هو الآخر بدأ يستثمر أزمة عباس لصالحه فراح ينسج خيوطه ضده على غرار ما فعل ضد الراحل أبو عمار قبل اغتياله.. عباس لاحظ ذلك فقام يلاحقه ويحوك التحالفات ضده وفي هذا السياق جاءت مصالحته مع فاروق القدومي الذي هو عدو للاثنين – عباس ودحلان – وسبق أن اتهمهما باغتيال وتسميم عرفات.. المتوقع أن يحاول عباس بهذه المصالحة أن يصفي "دحلان" سياسياً ووطنياً من خلال تركيز القدومي للتهمة على "دحلان" هذا وتبرئة عباس منها.
5- سلام فياض – رئيس وزراء عباس - رجع في هذا الظرف البئيس عن تعهداته بإعلان دولة فلسطينية من طرف واحد عام 2011 التي تعهد بها قبل سنة ونصف، وذهب أكثر من ذلك إلى وصفها لو قامت على هذه الطريقة بدولة "الميكي ماوس" استهزاء واستخفافاً بها وبمن يستكثرون اعتراف أربع دول من أمريكا الجنوبية بها حتى الآن..
وإذن فالأزمة صارت خانقة على عباس شخصياً وعلى تياره داخل السلطة وداخل منظمة فتح.. ما يخيفهم هو أن يؤدي كل ذلك لانتفاضة جديدة لا تكون هذه المرة على الاحتلال وحده ولكن عليه وعلى الذين خدعوا الشعب الفلسطيني عشرين سنة بأمل كاذب لم تثمر بين أيديهم سوى المزيد من التدهور والضياع وبضعة امتيازات لهم ولأبنائهم وزوجاتهم ومعارفهم.. هم يخشون انتفاضة على "دحلان وعباس" اللذين يغرقان في همومهما وحزازاتهما الشخصية وصارا يتنافسان على من يقدم للعدو أكثر.. هم يخافون انتفاضة على العدو وعلى الذين يخربون كل اليوم الوحدة الوطنية والرؤية الوطنية والقيم الوطنية والذين حصروا العمل السياسي في مناكفة حماس والتسول على باب أمريكا، وحولوا أجهزة الأمن المفترض أنها فلسطينية إلى حماية المحتل والمستوطنين وعمليات التهويد، وجعلوا الولاء القومي محصوراً في تسويق مواقف مشبوهة لبعض النظم العربية المتهرئة..
هم يخافون أن ينتفض الشعب الفلسطيني على "الفلسطينيين الجدد" الذين صنعهم دايتون وتتشكل منهم الأجهزة الأمنية الفلسطينية والذين لا يعرف أحدهم أباه ولا أخاه ولا يجيد سوى التعاون مع العدو ولا يمتاز إلا بالعمى في طاعة قادته، ولا يفكر إلا في راتب آخر الشهر وكيف يملأ بطنه وكيف يشبع غلمة شهوته.. نعم هم يخافون أن ينتفض عليهم الشعب الفلسطيني بعد أن فضحتهم الوثائق والمراسلات الأمريكية التي تسربت إلى موقع "ويكيليكس" والتي أكدت وثبتت ما كان موضع شك وأخذ ورد من أنهم طلبوا من "إسرائيل" مهاجمة غزة، وإنهم كانوا يعلمون بالعدوان عليها.. وهم يخافون أن تتفجر انتفاضة أو فتنة داخل "فتح" تؤدي لخروجها من المعادلة السياسية أو أن تتشظى تحت مفاعيل الخلاف الجديد والمباشر بين تياري دحلان وعباس.. والأمر في نظر المحللين والمراقبين ليس مجرد خلاف في وجهات النظر، وأنه ربما تصعب السيطرة عليه، ويتوقعون أن يكون هو السيناريو الجديد الذي يعده العدو – أو يبحث عنه – للضغط على عباس أو لتنحيته.. يتوقع المتنفذون على السلطة ومنظمة فتح أن التصعيد ضد حماس والمقاومة قد يجرها إلى معركة معهم في الضفة " تكون بضعفها واستقوائهم بالاحتلال عليها محسومة لصالحهم وتعالج مشكلاتهم الكثيرة التي يعانون منها ويرزحون تحتها، ويتوقعون أن ذلك سيعود عليهم بجملة مكتسبات؛ أولها: تخويف الشعب الفلسطيني وإرهابه عن التفكير في انتفاضة جديدة تحت طائل التهديد بمثل مصير معتقلي حماس لمن يفكر في ذلك، وثانياً: إرضاء العدو الذي قد يفكر في أن تعطيل عباس للتسوية يكفي أن يكون سبباً للانقلاب عليه وإزاحته، من هنا فالأرجح أنه يريد إيصال رسالة مفادها جملتان 1- أن مخرجات عملية التسوية مستمرة ولن يطرأ عليها تغيير 2- وأنه الرجل القوي والقادر على المناورة مع حماس بين المصالحة والاعتقال.. (ولعل هذا هو الجامع المشترك بين الحملتين اللتين تطلقهما السلطة على حماس وفي الوقت نفسه إحداهما هجوم مصالحة والأخرى هجوم استهداف واعتقال) ثالثاً: شغل الرأي العام الفلسطيني وصرف عناوين واهتمامات الصحف عن استحقاقات المرحلة إلى معالجة تفاقمات التصعيد، رابعاً: تشغيل قاعدة (معركة مع عدو خارجي تعالج ألف مشكلة داخلية) وبما أنهم أقل وأقصر من مواجهة الاحتلال فالعدو الخارجي وفق العقيدة الفكرية والسياسية التي صنعها لهم المنسق الأمريكي دايتون هي حماس الضفة وهي معركة أسهل والنصر فيها أقرب، خامساً: إبعاد "شبح" المصالحة الفلسطينية وما يترتب عليها من غضب الاحتلال وأمريكا والنظام المصري.. نائب نتنياهو ووزير داخلية العدو "إيلياهو يشاي" قال لهم صراحة: عليكم أن تختاروا بين المصالحة مع حماس وبين التسوية مع "إسرائيل" وهم يفهمون أن في ذلك ما فيه من التهديد والتذكير بأواخر عهد عرفات..
آخر القول: تصعيد سلطة فتح ضد حماس في الضفة ما هي إلا محاولة بائسة ويائسة للتهرب من مسؤولياتها ومن عقابيل فشل التسوية، ومن استحقاق رفع السقوف الوطنية والسياسية والثورية وإعادة المشروع الوطني إلى السكة.. والسؤال: ما نهاية هذا العبث؟ وهل بالفعل هم يتوقعون أن ينالوا رضا الاحتلال أو أن يفنوا حماس به؟
صحيفة الشرق القطرية