رد: ثقـافة النقـــــد !!!...
والناس من النقد صنفان:
الصنف الاول؛ هو الذي ينقد نفسه قبل ان ينقده الاخرون،
اما الصنف الثاني فلا يتجرا على نقد نفسه، فتراه عرضة لنقد الاخرين دائما.
الاول هو الذي يتهم نفسه دائما، فيحاول ان ينقدها ويحاسبها بعد ان يراقبها،
اما الثاني فلا يراقب حاله ابدا، ولذلك تراه لا يقوم من سقطة الا ويقع في اختها، وهو كثير النقد من الاخرين.
الاول، يبدع ويحسن في الاداء دائما، اما الثاني، فيتصور انه قد احسن صنعا، وانه هو افضل من خلقه الله في اداء الاعمال، ولذلك لا يتطور ولا يبدع، بل قد يتراجع دائما، فيفشل.
ولان محاسبة النفس واتهامها ومراقبتها من قبل الذات، وليس من قبل الاخرين، صفة انسانية وحضارية مهمة، وهي حجر الزاوية في احترام الانسان لنفسه، وأحد اهم اسباب تقدم المرء، لذلك فان الاسلام حث عليها، وحرض عليها في الكثير من النصوص سواء القرآنية منها او تلك الواردة عن الرسول الكريم وائمة اهل البيت عليهم السلام.
ففي الحديث عن رسول الله (ص) انه قال
{ليس منا من لم يحاسب نفسه كل يوم وكل ليلة}
وفي حديث آخر
{حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا}.
السؤال هنا، هو؛
لماذا يحاسب البعض انفسهم دائما، فيما يتجاهل آخرون انفسهم، فليس في حياتهم اية محطات للمحاسبة الذاتية؟.
الجواب،
ربما بسبب ان من لم يحاسب نفسه يظن بان الناس (دبش) على حد قول المثل العراقي المعروف، اي انهم لا يفهمون وانهم يقبلون بكل ما يفعله، فلماذا يحاسب نفسه على تقصير او فشل او خطا؟.
كما ان اعتداد المرء بنفسه، ورضاه عنها بكل الاحوال، سبب من اسباب عدم محاسبة المرء لنفسه،
ولذلك حذر امير المؤمنين عليه السلام من هذه الصفة بقوله
{من رضي عن نفسه، كثر الساخط عليه}.
واحيانا تاخذه العزة بالاثم، حتى ازاء نفسه، فلا يتجرأ على محاسبتها او مراقبتها.
وفي احيان اخرى، يظن المرء، المسؤول المتصدي للشان العام على وجه التحديد، ان الموقع قضاء وقدر سيبقى فيه أنجح ام فشل، فلماذا المحاسبة اذن؟.
وفي احيان كثيرة تهون نفس الانسان عليه، فاهون عليه ان يحاسبه الاخرون على ان يحاسب نفسه، وكانه فقد حياءه، فتراه ينتظر متى يحاسبه الاخرون ومتى يتهمونه.
برايي، فان ذي الكرامة، ومن يشعر بالمسؤولية ازاء الله تعالى وازاء من ائتمنه على المسؤولية، يبادر الى اتهام نفسه ومراقبتها ومحاسبتها دائما، ليتجنب التقصير اولا، وليتجنب نقد الاخرين ثانيا، ولذلك حث الاسلام على نقد الذات ومحاسبتها قبل محاسبة الاخرين.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فان هناك من المتصدين للشان العام، من تراه مستعدا للمحاسبة او للنقد، الذاتي او من الاخرين، ولكن ليس عندما يكون في موقع المسؤولية، وانما بعد ان يترك الموقع، وهذه من المهازل التي يجب ان لا يرتكبها المتصدي المسؤول الشريف والعفيف، اذ ما فائدة ان ينقد المرء نفسه واداءه بعد ان يترك موقع المسؤولية؟.
ان هدف النقد
هو الاصلاح وتحسين الاداء، ولذلك يجب ان يقبله المسؤول وهو في موقعه، ليصلح ما افسد، فما فائدة النقد اذا كان المسؤول قد غادر موقعه؟.
ان من المهم جدا ان ندقق في توقيت النقد، فمثلما يجب ان نعرف على وجه الدقة ماذا نريد ان نقول عندما ننقد، علينا كذلك ان نعرف على وجه الدقة، متى نوجه النقد، وكذلك متى نقبله على وجه الدقة.
ومن اجل ان يكون النقد بناءا وفعالا، يلزم:
على كل المتصدين للشان العام ان يكونوا مستعدين لقبول النقد، او على الاقل للاصغاء الى الناقد، بغض النظر عن صحة النقد من عدمه، فان مجرد تمرين المسؤول نفسه على الاصغاء الى نقد الناقدين، يعد بمثابة رياضة معنوية يمارسها الانسان المتصدي، تعلمه على قبول النقد، وهذا من شروط نجاح المسؤول ونجاح المشاريع.
ان بعض المتصدين يضيق ذرعا من كل كلمة نقد توجه له، وكانه معصوم لا يجوز لاحد ان ينقده على ما يفعل، فيتضايق من النقد ويحبس انفاسه ويزمجر غضبا من النقد، وكل ذلك خطا فضيع على كل من يتصدى للشان العام ان لا يتورط فيه، بل عليه ان يكون مستعدا لسماع النقد في كل آن، من خلال التسلح بالروح الرياضية وسعة الصدر والقدرة على الاستيعاب،
ولنتذكر جميعا قول الامام امير المؤمنين عليه السلام
{من حذرك كمن بشرك}
ومعلوم فان النقد تحذير، ولذلك فهو بشارة لمن يوجه له، لانه يعينه على تصحيح الخطا والعودة عن الباطل.
يجب ان يبدي المسؤول استعدادا منقطع النظير لقبول النقد {فانه من استثقل الحق ان يقال له، او العدل ان يعرض عليه، كان العمل بهما اثقل عليه} كما يقول امير المؤمنين عليه السلام.
|