رد: نظرات في الفقه والتاريخ ...
كان من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم أن أخبر بالفتن الطارئة على أمته من بعده، لا يعصم الأمة عاصم من أن تجري عليها الأقدار فتتميز عن سائر الخلق، وما بلغت نصائحه الشريفة صلى الله عليه وسلم أكثر من أن ترسم دائرة واسعة، في حدودها يحتفظ بوحدة المجموع دون أن تقيد مسؤولية أحد ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة، وإن الله لسميع عليم.
غضبة الحسين عليه السلام
لا نشك لحظة أن الحسين بن علي رضي الله عنهما حين غضب غضبته وقام قومته إنما فعل لاعتقاده أن يزيد فسق عن أمر الله وقاد بغير القرآن وأضاع الصلاة، إن كان غيره قدر غير ذلك ورجح الطاعة فلا يعدو أن يكون مجتهدا
وإن سترت أجيال من علماء السنة كارثة قتل الحسين، أو أدانتها على استحياء، فما يهون من فداحة إخلالهم ذاك في أعيننا إلا وجود تلك النصوص الثابتة الكثيرة الداعية للحفاظ على الوحدة، تأولوا في ظلها سلوك يزيد وأمثاله، وسكتوا عن الذل والإذلال وهم يسمعون بني مروان ويرونهم يصفون السيف دواء لأمراض الأمة، وضرب الرقاب شفاء، ويطبقون.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر كما رأينا في الحديث الصحيح عند البخاري أن هلاك أمته يكون على يد أغيلمة من قريش.
نفهم كلمة الهلاك في النطق الشريف لا على أنه نهاية الأمة، فإن استمرارها منذئذ إلى يومنا أربعة عشر قرنا إلا أربعين عاما أو خمسين لا يقبل ذلك الفهم.
لكن الأغيلمة ما وصلوا إلى الحكم إلا لمكان النظام الوراثي العاض الفاسد المفسد.
ما كان لأمثالهم أن يتربعوا على السدة لو كان أمر الأمة شورى بينها ولو لم تلد العصبية المستيقظة من أسباب الأثرة والتسلط ما حال دون العدل، وحرف مقاصد القرآن، ودفع إلى المناصب العالية حاملي السيف لا أهل التقوى والإحسان.
وصول الأغيلمة للحكم واستمرار استبداد أهل العض والجبر كان النقض الأخطر إذ كان نقضا للعروة العليا. كان فساد السلطان توهينا للقرآن.
من شأن السلطان في دولة الإسلام أن يُخدم القرآن ويكون عنه وازعا مدافعا. فإذا أمسى السلطان مُزْوَرّاً عن القرآن، مخالسا له مخاتلا كما نرى في عصرنا، فهلاك الأمة مستمر. وعلى الله القوي العزيز التوكل في أن يقف الانحدار، ثم تبدأ مسيرة اقتحام العقبة، بجهد أهل القرآن بالعمل الدائب، بالعلم النافع، حتى يستقر السلطان في أيدي الأمناء الأقوياء، حتى تكون الدولة آلة طيعة في يد الدعوة تشرف بها على عملية انتشال الأمة من أودية الهلاك، والصعود بها إلى الذرى.
لا إله إلا الله محمد رسول الله
|