رد: قصة الاندلس ...
محمد بن أبي عامر ت 392 هـ= 1002 م
كان محمد بن أبي عامر يملك طموحات ضخمة وآمال كبيرة أطمعته في أن يكون واليًا على هذه البلاد، ولتحقيق هذا الحلم قام بعدة مكائد غاية في الظلم والقسوة، فعمل على الآتي:
أولًا:
فكر في التخلص من الوصيين اللّذَيْن كانا معه على هشام بن الحكم، فدبر مكيدة سجن فيها الحاجب (جعفر بن عثمان المصحفي) ثم قتله بعد ذلك، ثم نظر إلى أمر أم هشام بن الحكم فوجد أن موقفها ضعيف بالنسبة له كقائد شرطة فتركها في قصرها، ثم تقلّد هو الأمور وحده، وبدأ يحكم بلاد الأندلس باسم الخليفة الصغير هشام بن الحكم.
ثانيًا:
أراد محمد بن أبي عامر بعد ذلك أن يقوّي جانبه أكثر مما كان عليه، فتزوج من ابنة أمير الجيش غالب بن عبد الرحمن، وبذلك يكون قد حيّد جانب أمير الجيش، وضمن ولاء الجيش الأندلسي له، وحين انتبه غالب بن عبد الرحمن (أمير الجيش ووالد زوجته) له وعلم نيّاته وخطته وأفصح له عن ذلك، دبّر محمد بن أبي عامر له مكيدة أيضًا ثم قتله.
ثالثًا:
لم يكتف محمد بن أبي عامر بذلك، فقد قام باستدعاء جعفر بن علي بن حمدون قائد الجيش الأندلسي في المغرب، (كانت المغرب قد ضمت إلى بلاد الأندلس في عهد الحكم بن عَبْد الرَّحْمَن النَّاصِر كما ذكرنا) استدعاه إليه وقربه منه، واستفاد كثيرًا من قوته، ثم دبّر له مكيدة أيضا وقتله، وكان كلما قتل شخصا عيّن مكانه مَن يعمل برأيه وبوصاية منه، وبذلك يكون قد تملّك من كل الأمور في الأندلس.
رابعًا:
وبنظرة طويلة إلى الأمام بدأ محمد بن أبي عامر يقنع الخليفة الصغير هشام بن الحكم بالاختفاء في قصره بعيدًا عن العيون؛ وذلك - كما يزعم - خوفاً عليه من المؤامرات، وأن على الخلفاء أن يتفرغوا للعبادة ويتركوا أمور الناس لرئاسة الوزراء أو لقوة الشرطة أو غيرهما، وهكذا أقنعه، وقام هو بإدارة دفّة البلاد، ورُبّي ونشأ هشام بن الحكم الطفل الصغير على هذا الفهم.
بروز نجم محمد بن أبي عامر (الحاجب المنصور)
مرت السنوات ومحمد بن أبي عامر يتولى كل شيء في بلاد الأندلس، وهشام بن الحكم يكبر في السن لكنه لم يكن يعرف شيئًا عن الحكم وتحمُّل المسئولية، وفي 371 هـ= 982 م وبعد حوالي خمس سنوات من تولي هشام بن الحكم الأمور ووصاية محمد بن أبي عامر عليه، كان الأمر قد استَتَبَّ لمحمد بن أبي عامر ولقّب نفسه بالحاجب المنصور.
وكان من عادة الخلفاء قبل ذلك أن يطلقوا على أنفسهم ألقابًا تميزهم ويُعرفون بها وعليها كانوا يؤملون، وذلك مثل: الناصر بالله، الحاكم بأمر الله، المؤيد بالله، لكن هذه هي أول مرة يقوم فيها الوصي أو رئيس الوزراء أو الحاجب بأخذ لقب لنفسه وهو المنصور، الأمر الذي تطور كثيرًا حتى أصبح يُدعى له على المنابر مع الخليفة هشام بن الحكم، ثم نقش اسمه على النقود وعلى الكتب والرسائل.
وإتمامًا لذلك وكما أنشأ عَبْد الرَّحْمَن النَّاصِر رحمه الله مدينة الزهراء في الشمال الغربي من مدينة قرطبة لتكون مركزًا لخلافته، قام محمد بن أبي عامر بإنشاء مدينة جديدة في شرق قرطبة سمّاها مدينة الزاهرة أو مدينة العامرية.
وبدأ محمد بن أبي عامر ينقل الوزارات ودواوين الحكم إلى مدينة الزاهرة، وأنشأ له قصرًا كبيرًا هناك، وبدأ يجمّل فيها كثيرًا، حتى أصبحت مدينة الزاهرة أو مدينة العامرية هي المدينة الأساسية في الأندلس وبها قصر الحكم.
|