رد: قصة الاندلس ...
عبد الرحمن الناصر وفكره العسكري
ورث الأمير عبد الرحمن الناصر عن جده المؤسس للدولة الأموية في الأندلس عبد الرحمن الداخل مباديء أساسية للحرب ومنها:
مبدأ المباغته: وقد ظهرت المباغته في الأعمال القتالية للخليفة الناصر بشكل معقد جدًا مما يشير إلى درجة التعقيد التي وصلتها الأعمال القتالية في أيامه، فهو يعتمد أحيانًا على المباغتة الزمنية، حيث يعمل على حشد القوات في ظاهر قرطبة خلال مرحلة مبكرة عما هو معهود في توجيه الصوائف للغزو، وفي أحيان أخرى يلجأ إلى المباغتة المكانية حيث يضلل أعداءه ليظهر في مكان غير متوقع من مسرح العمليات، بحيث لا يعرف أعداء الشمال نوايا الناصر، وإلى اين سيوجه ثقل قوات الهجوم، وفي أحيان أيضًا تأخذ المباغتة عند الناصر شكل مباغتة على مستوى العمليات وأحيانًا على المستوى الاستراتيجي، إذ لم يكن التوجه إلى عواصم دول الشمال "ليون ونافار" إلا نوعا من المباغتة الاسترتيجية، كما أن طريقة زجّ القوات وحجمها كان نوعًا من المباغتة على مستوى العمليات، وكانت مباغتة العمليات والمباغتة الاستراتيجية مميزة بشدة تعقيدها لما تبرزه متابعة مسيرة الأعمال القتالية حيث تمتزج فيها المباغتة الزمانية بالمكانية بطرائق زجّ القوات لتأخذ شكلًا متقدمًا ومتطورًا لمفهوم المباغتة.
الموازنة بين إدارة الحرب وقيادة الأعمال القتالية:
أراد الخليفة الناصر في بداية حكمه إعطاء أمثولة للجهاد بنفسه، فكان يقود المعارك بنفسه مدفوعًاإيمان الشباب وحماسته للحرب وممارستها بصورة فعلية، إلى جانب توافر الرغبة لحشد قوى المسلمين وتوجيهها وإثارة حميتها، وقد حقق نجاحًا رائعًا في هذا المضمار، حتى إذا استقامت له الأمور، لم تعد هناك حاجة للإقدام على مجازفة غير محسوبة، تضر بالإسلام والمسلمين بأكثر مما تفيدهم، فكان إمساك الخليفة الناصر بالإدارة العليا للحرب أكثر أهمية من قيادته للأعمال القتالية بنفسه؛ إذ سمح له ذلك بالإشراف على تنظيم الجيوش بصورة مستمرة، وإعادة تنظيمها كلما تطلبت الحاجة، وتزجيهها إلى ميادين القتال وتحديد واجباتها بدقة، وتامين متطلباتها من الإمداد والتموين.
لقد بقيت الأندلس طوال عهد الناصر لدين الله في حرب مستمرة ومتواصلة وعلى كافة الميادين والجبهات، وكان ذلك يتطلب تأمين موارد غير محدودة، وقد أظهرت مسيرة الأعمال القتالية أن قوات المسلمين كانت في تعاظم مستمر، وأن متطلباتها كانت متوافرة، ولم تظهر ولو مجرد ظاهرة واحدة تشير إلى عيب أو خلل في التنظيم الإداري، وفي تأمين الإمداد للمقاتلين، وليس ذلك إلا برهانًا ساطعًا على تلك الكفاءة العالية التي ضمنت حشد الموارد الضرورية للقوات، الأمر الذي يعتبر في الجيوش القديمة والحديثة مقياسًا لكفاءة الإدارة المشرفة على الحرب، وهكذا فإن تخلّي الخليفة الناصر عن إدارة القتال قد ساعده على تحقيق واجب أكبر وهو الإدارة الشاملة للحرب، وتأمين متطلباتها، وضمان الظروف الموضوعية لتحقيق النصر.
وقد تميز الفكر العسكري للخليفة الناصر لدين الله بملامح كثيرة وهامة مما يضيق المقام عن ذكره في هذه العجالة....
|