رد: قصة الاندلس ...
الفترة الأولى من الإمارة الأموية فترة القوة
تمثّل هذه الفترة عهد القوة في فترة الإمارة الأموية، كانت البداية فيها -كما ذكرنا - لعَبْد الرَّحْمَن الدَّاخِل - رحمه الله - ثم خلفه من بعده ثلاثة من الأمراء، كان أوّلهم هشام بن عَبْد الرَّحْمَن الدَّاخِل، وقد حكم من سنة 172 هـ= 788 م حتى سنة 180 هـ= 796 م.
عهد هِشَام بن عَبْد الرَّحْمَن الدَّاخِل
بعد فترة طويلة من الاختبارات والمشاورات كان عَبْد الرَّحْمَن الدَّاخِل قد استقرّ أمره على ابنه هشام خليفة له، فولاّه العهد مع كونه أصغر من أخيه سليمان، وقد صدق حدسه فيه؛ حيث كان الناس يشبهونه بعد ذلك بعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في علمه وعمله وورعه وتقواه.
وقد بُويع له بعد ستة أيّام من وفاة أبيه سنة 172 هـ= 788 م
وقد كان هِشَام بن عَبْد الرَّحْمَن الدَّاخِل عالِمًا محبًّا للعلم، قد أحاط نفسه - رحمه الله - بالفقهاء، وكان له أثر عظيم في بلاد الأندلس بنشره اللغة العربية فيها، وقد أخذ ذلك منه مجهودًا وافرًا وعظيمًا، حتى لقد أصبحت اللغة العربية تُدرّس في معاهد اليهود والنصارى في داخل أرض الأندلس، ثم قام أيضا بنشر المذهب المالكي بدلًا من المذهب الأوزاعي، هذا فضلًا عن صولاته وجولاته الكثيرة في الشمال مع الممالك النصرانية.
وتوفي هِشَام بن عَبْد الرَّحْمَن الدَّاخِل في صفر سنة 180 هـ= أبريل 796 م فكانت خلافته سبع سنين وتسعة أشهر، وتوفي - رحمه الله - تعالى وهو ابن تسع وثلاثين سنة وأربعة أشهر وأربعة أيام، ودفن في القصر وصلى عليه ابنه الحكم...
عهد الحَكَم بن هِشَام بن عَبْد الرَّحْمَن الدَّاخِل
تولى بعد هشام بن عَبْد الرَّحْمَن الدَّاخِل ابنه الحكم، وذلك من سنة 180 هـ= 796 م وحتى سنة 206 هـ= 821 م لكن "الحكم" هذا لم يكن على شاكلة أبيه ولا على شاكلة جدّه، فكان قاسيًا جدًا، فرض الكثير من الضرائب، واهتمّ بالشعر والصيد، وقاوم الثورات بأسلوب غير مسبوق في بلاد الأندلس في عهد الإمارة الأموية، حيث كان يحرق بيوت الثائرين، وكان يطردهم خارج البلاد.
ومن أشهر الثورات التي قمعها الحكم بن هشام ثورة الربض ( 202 هـ= 808 م ) وهم قوم كانوا يعيشون في منطقة جوار قرطبة، وقد ثار أهلها ثورة كبيرة جدًا عليه، فأحرق ديارهم وطردهم خارج البلاد، ورغم ما في هذا الأمر من القسوة وغيرها فإنه حين طرد الربضيين خارج البلاد فقد انتقلوا إلى جزيرة كريت في عرض البحر الأبيض المتوسط، وأسسوا بها دويلة ( 212 هـ= 728 م ) ظلّت قائمة مائة عام متصلة.
ورغم أفعاله تلك إلا أن الحكم بن هشام لم يوقف حركة الجهاد؛ وذلك لأن الجهاد كان عادة في الإمارة الأموية سواء في بلاد الشام أو في بلاد الأندلس، لكن كانت له انتصارات وهزائم في نفس الوقت، وكنتيجه طبيعية لهذا الظلم الذي اتّصف به، وهذه العلاقة التي ساءت بين الحاكم والمحكوم سقطت بعض البلاد الإسلامية في يد النصارى، فسقطت "برشلونة" وأصبحت تُمثّل إمارة نصرانية صغيرة في الشمال الشرقي عرفت في التاريخ باسم إمارة أراجون، وكانت متاخمة لحدود فرنسا بجوار جبال البيرينيه في الشمال الشرقي للبلاد.
لكن الحكم بن هشام بفضل من الله ومنٍ عليه تاب عن أفعاله في آخر عهده، ورجع عن ظلمه، واستغفر واعتذر للناس عن ذنوبه، ثم اختار من أبنائه أصلحهم وإن لم يكن الأكبر ليكون وليًا لعهده، وكان من حسن خاتمته أنه قام بهذا الاعتذار وهذه التوبة وهو في كامل قوته وبأسه، وذلك قبل موته بعامين.
|