رد: قصة الاندلس ...
وقفة مع معركة بلاط الشهداء
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الغَرُورُ] {فاطر:5}. فالملاحظ أن المسلمين قد اغتروا بهذه الدنيا التي فتحت عليهم فتنافسوها، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن عمرو بن عوف الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ.
فسنّة لله تعالى في خلقه أنه إن فُتحت الدنيا على المسلمين وتنافسوها كما تنافسها من كان قبلهم من الأمم السابقة، فإنها ستهلكهم لا محالة كما أهلكت تلك الأمم السابقة [فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلًا] {فاطر:43}.
أمر آخر كان في جيش المسلمين وكان من عوامل الهزيمة وهو العنصرية والعصبيّة القبليّة التي كانت بين العرب والبربر في هذه الموقعة، ولقد شاهد الفرنسيون أثر هذا الذي نشأ بين العرب وبين البربر، ووعت الكتب الفرنسية هذا الأمر جيدًا، وظل في ذاكرتها على مدار التاريخ حتى مرت الأيام والسنوات ودخلت فرنسا بلاد الجزائر واحتلتها من سنة 1830 م حتى سنة 1960 وقامت الحركات الاستقلاليّة منذ سنة 1920 م وما بعدها وفكرت فرنسا في القضاء على هذه الحركات الاستقلالية الناشئة ولم تجد أمامها إلا إشاعة الفتنة بين العرب والبربر وضرب بعضهم ببعض، فكانت تشيع داخل البربر أنهم قريبون من العنصر الآري (وهو العنصر الأوروبي)، وبعيدون عن العنصر السامي (وهم العرب)، أي أنتم منا ونحن منكم والعرب بيننا غرباء؛ وذلك للتشابه الكبير بين البربر والأوروبيين في الشكل الخارجي الأمر الذي لا يعترف به الإسلام ولا يقرّه على الإطلاق فمعيار التفاضل في الإسلام هو التقوى.
ولم تكتف فرنسا بذلك، بل قامت بتكثيف تعليم اللغة الفرنسية في مناطق البربر، في حين منعت تعليم اللغة العربية في هذه المناطق؛ وذلك حتى يتم فصل البربر عن العرب تمامًا في منطقة الجزائر، وهي وإن كانت قد نجحت في أمر اللغة بعض الشيء إلا إنها لم تفلح على الإطلاق في تحويل ديانة البربر الإسلامية إلى النصرانية، فظل البربر على إسلامهم وإن كانت لغتهم قد تغيّرت، في بادئ الأمر كان البربر الذين يعيشون في منطقة الجزائر تسمى قبائل الأمازيغ، وكانوا يمثّلون 15 % من شعب الجزائر، ورغم أن لهم لغة خاصة بهم وهي الأمازيغية إلا أنهم كانوا يتمسكون بالعربية، لكن حين قامت فرنسا بهذا الأمر بدأت تُذْكي الروح البربريّة في اللغة المنفردة لهذه القبائل؛ فبدأت تعلم اللغة الأمازيغية، حتى إنها أنشأت في فرنسا عام 1967 م أكاديمية خاصة لتعليم اللغة الأمازيغية، وبدأت تكتب اللغة الأمازيغية بحروف لاتينية رغم أنها كانت لغة منطوقة وليست مكتوبة، قامت فرنسا كذلك بحذف الكلمات العربية التي كانت قد دخلت هذه اللغة وأبدلتها بأخرى أصيلة في اللغة البربرية، وبدأت بالفعل في اجتذاب الشباب من البربر لتعليمهم اللغة الأمازيغية في فرنسا، حتى إنه في عام 1998 م أنشأت ما يُسَمّى بالأكاديمية العالمية للبربر، فبدأت تجمع البربر من مناطق المغرب العربي وغرب إفريقيا وتعلمهم اللغة الخاصة بهم، وكل ذلك لفصل العرب عن البربر، تلك الجموع التي ما هي إلا جموع إسلامية ارتبطت برباط العقيدة والدين، لكنها رأت آثار ذلك في وادي برباط وما تلاها فلم تتوان، وفي ذات الوقت الذي تعمل فيه فرنسا جاهدة على إقامة لغة غير العربية في بلد عربي، كانت هي نفسها التي رفضت المشروع الذي تقدم به "جوسبان" رئيس وزرائها إلى شيراك سنة 1999 م بإقرار بعض اللغات المحلية داخل فرنسا، والذي ردّ عليه شيراك بقوله: إنك بهذا تريد بلقنة فرنسا، أي جعلها كدول البلقان، بلاد متفرقة بحسب العرق وبحسب العنصر، فهذا الأمر حلال على الجزائر حرام على فرنسا!!
|