رد: دليل المسافر في رمضـــــــــان ...
رخص السفر
لما كان السفر قطعة من العذاب ، وفيه من المشاق الشيء الكثير ، كان من رحمة الله بعباده أن شرع لهم رخصاً يترخصون بها حال سفرهم ، رفعا للعنت ودفعاً للحرج . والله عز وجل يقول : {ما جعل عليكم في الدين من حرج } ويقول سبحانه: { ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج }
وههنا جمعنا جملة من الرخص المتعلقة بالسفر والتي يحتاج أن يعرفها المسافر . وما هي إلا نقاط مختصرة ، وتذكرة سريعة ، وإنما يبحث عن التفاصيل في مظانها وسؤال أهل العلم عنها .
أولا : قصر الصلاة الرباعية : بحيث تصلى ركعتين قال تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً} (النساء:101) وعن يعلي بن أُمَيَّةَ قال قلت لِعُمَرَ بن الْخَطَّابِ { فليس عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا من الصَّلَاةِ إن خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا } فَقَدْ أَمِنَ الناس . فقال : عجبت مما عجبت منه . فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك . فقال: ((صدقة تصدق الله بها عليكم . فاقبلوا صدقته ((رواه مسلم
ثانيا : الجمع بين الصلاتين : فيسن للمسافر إذا جدَّ به السير أن يجمع بين الظهر والعصر وكذا المغرب والعشاء جمع تقديم أو تأخير يفعل الأيسر عليه ، لحديث عبد اللَّهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما قال : رأيت رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم إذا أعجله السير في السفر ، يؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء . قال سالم : وكان عبد الله يفعله إذا أعجله السير. رواه البخاري ومسلم .
وعن أَنَسِ بن مَالِكٍ رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس ، أخر الظهر إلى وقت العصر ، ثم يجمع بينهما ، وإذا زاغت ، صلى الظهر ثم ركب" رواه البخاري ومسلم .
وعن مُعَاذٍ رضي الله عنه قال : "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك . فكان يصلي الظهر والعصر جميعا . والمغرب والعشاء جميعا" . رواه مسلم
ثالثا : الفطر في رمضان : قال تعالى: { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (البقرة:184) وعن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ رضي الله عنهما قال : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره" . فرأى رجلا قد اجتمع الناس عليه . وقد ظلل عليه . فقال : ((ماله ؟)) قالوا : رجل صائم . فقال رسول الله عليه وسلم : ((ليس من البر أن تصوموا في السفر )) رواه مسلم ، في رواية صحيحة عند النسائي ((عليكم برخصة الله التي رخص لكم فاقبلوها))
رابعا : زيادة مدة المسح على الخفين : عن شُرَيْحِ بن هَانِئٍ قال : أتيت عائشة رضي الله عنها أسألها عن المسح على الخفين ، فقالت : عليك بابن أبي طالب فسله . فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . فسألناه فقال : جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوما وليلة للمقيم. رواه مسلم
خامسا : عدم وجوب صلاة الجمعة على المسافر : لأن من شروط وجوب الجمعة الإقامة والمسافر ليس مقيما ولم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي الجمعة في سفره . قال ابن عمر رضي الله عنهما : ليس للمسافر جمعة . رواه عبد الرزاق 3/172 وقد حكاه ابن عبد البر رحمه الله تعالى إجماعا . الاستذكار 2/36
وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى: " ولا صلى بهم في أسفاره صلاة جمعة يخطب ثم يصلي ركعتين بل كان يصلي يوم الجمعة في السفر ركعتين كما يصلي في سائر الأيام . وكذلك لما صلى بهم الظهر و العصر بعرفة صلى ركعتين كصلاته في سائر الأيام و لم ينقل أحد أنه جهر بالقراءة يوم الجمعة في السفر لا بعرفة ولا بغيرها ولا أنه خطب بغير عرفة يوم الجمعة في السفر فعلم أن الصواب ما عليه سلف الأمة و جماهيرها من الأئمة الأربعة و غيرهم من أن المسافر لا يصلي جمعة " ا.هـ الفتاوى 17/480
سادسا : التنفل على الراحلة : يجوز للمسافر أن يصلي قيام الليل والوتر وصلاة الضحى وغيرها من النوافل داخل السيارة وهي تسير به أينما اتجهت لحديث سَعِيدِ بن يَسَارٍ قال كنت أسير مع عبد الله بن عمر بطريق مكة ، فقال سعيد : فلما خشيت الصبح نزلت فأوترت ، ثم لحقته ، فقال عبد الله بن عمر : أين كنت ؟ فقلت : خشيت الصبح فنزلت فأوترت ، فقال عبد الله : أليس لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ؟ فقلت : بلى والله ، قال : فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر على البعير . . رواه البخاري ومسلم .
وعن ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به ، يومىء إيماء ، صلاة الليل إلا الفرائض ، ويوتر على راحلته. رواه البخاري ومسلم
سابعا : ترك السنن الرواتب عدا سنة الفجر : عن حَفْصِ بن عَاصِمِ بن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ قال : صحبت ابن عمر في طريق مكة . قال فصلى لنا الظهر ركعتين . ثم أقبل وأقبلنا معه . حتى جاء رحله . وجلس وجلسنا معه . فحانت منه التفاتة نحو حيث صلى . فرأى ناسا قياما . فقال : ما يصنع هؤلاء ؟ قلت : يسبحون . قال : لو كنت مسبحا لأتممت صلاتي . يا ابن أخي ! إني صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر . فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله . وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله . وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله . ثم صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله . وقد قال الله {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} رواه مسلم
وهذه الرخص ينبغي على المسافر المحافظة عليها لقوله صلى الله عليه وسلم" ((عليكم برخصة الله التي رخص لكم فاقبلوها))
فإتيان الرخص الشرعية عبادة يغفل عنها كثير من الناس فيشقون على أنفسهم بتركها ظانين أن الأفضل تركها بينما الأفضل والأكمل والأكثر أجراً هو اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم سفراً وحضراً عزيمة ورخصة ,
شروط الترخص برخص السفر :
الأول : أن يكون السفر مسافة قصر : وهي أربعة برد ، وتعادل تسعة وثمانين كيلو متراً على رأي كثير من العلماء ، لما رواه عطاء بن أبي رباح أن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم كانا يصليان ركعتين ركعتين ويفطران في أربعة برد فما فوق ذلك . رواه البيهقي .
وقد رجح كثير من المحققين أن الضابط في السفر الذي يترخص فيه هو العرف: فكل ما عدّه الناس سفراً فهو سفر، سواء طالت المسافة أم قصرت، طال الوقت أم قصر ، والعبرة في ذلك العرف العام . وقد جاء عن ابن عمر أنه قصر فيما دون أربعة برد . وللعلماء أقوال كثيرة في مسافة القصر . قال ابن تيمية رحمه الله تعالى " ولم يحد النبي صلى الله عليه وسلم قط السفر بمسافة لا بريد ولا غير بريد ولا حدها بزمان " ا.هـ الفتاوى 24/127 وفي صحيح مسلم عن يحيى بن يَزِيدَ الْهُنَائِيِّ قال : سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة ؟ فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج ، مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ ، ( شعبة الشاك ) صلى ركعتين " رواه مسلم
الثاني : مفارقة محل الإقامة
يظن كثير من المسافرين أن المسافر لا يحل له الترخص حتى يقطع مسافة القصر وهذا خلاف الصحيح بل للمسافر أن يترخص بتلك الرخص إذا تجاوز البنيان لحديث أَنَسِ رضي الله عنه قال عن أنس رضي الله عنه قال : صليت الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعا ، والعصر بذي الحليفة ركعتين . رواه البخاري.
الثالث : أن لا يكون السفر سفر معصية عند جمهور العلماء
فهذه الرخص مشروعة لمن سفره سفر طاعة أو سفراً مباحاً . أما العاصي بسفره كقاطع الطريق فلا يترخص بها لأن الرخص لا تُناط بالمعاصي ومن ثم لا يستبيح العاصي بسفره شيئا من رخص السفر . وفي الإذن للعاصي بالترخص إعانة له على معصيته والعاصي لا يعان .
|