رد: دِآر الْعَجُّــــــزَهْ
هشعور كريم لمؤمن يحب طاعة الله، إنك تمر في لحظات فتراجع فيها نفسك وتنظر إلى أسلوب تعاملك مع والديك الحبيبين إلى قلبك فترجع على نفسك باللوم وترجع عليها بالعتاب مما يصدر من بعض التصرفات التي لا تحمدها من نفسك والتي تشعر أنك لم تطع والديك فيها الطاعة التي فرضها الله تعالى عليك، فلربما انهمرت دموعك حسرة في حق والديك، وحُقَّ لك أن تتندم على ذلك؛ فإن هذين الوالدين هما أعظم إنسانيين عليك حقًّا بعد رسول الله - صلوات الله وسلامه عليه – ولا ريب أنك تحبهما الحب العظيم وتكنّ لهما الاحترام والتبجيل وما حملك على هذا الشعور إلا هذا الحب وهذه المودة، ولكن قد تغلبك نفسك ويسول لك الشيطان ببعض الوساوس التي تجعلك تخرج عن أمرهما، وربما خرجت إلى شيء من الإساءة في المعاملة سواء كان ذلك بالقول أو بالفعل، وهذا أمرٌ قد يقع لكثير من الشباب لاسيما في سنك، ولكن لابد من أن تنتبه إلى المحظور العظيم الذي يترتب على ذلك وهو أن الولد في هذه الحالة يكون عاقًا لوالديه مغضبًا إياهما ولو أنهما في الواقع صبرا عليها وتحملا منه الإساءة، ولكنه قد أغضب ربه عندما أغضبهما.
ألم تر أن الله جل وعلا قد نهاك مجرد أن تقول في وجههما (أف)، فمجرد التأفف عده الله جل وعلا من الذنوب العظام بل هو من كبائر الذنوب فكيف إذا انضاف إلى ذلك رفع الصوت أو النظر بحدة في وجوههم أو نفض اليد أمامهما أو عدم الالتفات إليهما ومخالفة أمرهما وإدارة ظهرك عنهما ونحو ذلك مما يقع لكثير من الشباب.. نعم أنت - بحمد الله عز وجل – لست بالشاب السيئ الذي يستهين بوالديه ولكن لابد من معرفة عظيم فضل والديك وعظيم حقهما عليك وأول ما تقوم به في هذا المقام أن تستحضر أن مخالفة الوالدين بغير وجه حق من العقوق الذي أعده الله جل وعلا من أكبر الكبائر؛ حتى قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أحدثكم بأكبر الكبائر)؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: (الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئًا فجلس: ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور) والحديث متفق عليه.
فلابد إذن أن تعلم أن ذنب العقوق من أعظم الذنوب، بل هو من أكبر الكبائر، فهذا يجعلك أحرص على طاعة الوالدين وأقرب إلى برهما، وهذا أيضًا لابد أن تضم إليه معرفة فضل البر؛ فإنك ببرك لوالديك تدخل بابًا عظيمًا من أبواب الخير الذي يوصلك إلى الجنة؛ ولذلك قال - صلوات الله وسلامه عليه -: (رغم أنف امرئ أدرك أبويه أحدهما أو كليهما فلم يدخلاه الجنة). فالنبي - صلوات الله وسلامه عليه – يدعو على هذا العبد بالذل والصغار والإهانة، وهذا معنى قوله: (رغم أنف امرئ) أي التصق بالرغام وهو التراب، إشارة إلى ذله وحقارته، وهو الذي يدرك أبويه فلا يبرهما برًّا يوصله إلى رضوان الله جل وعلا وإلى أبواب الجنة.
فبهذا النظر يحصل لك رغبة في طاعة والديك ويحصل لك خوفٌ من أن تعصيهما وأن تعقُّهما وتنتقل بعد ذلك إلى نظر آخر – وهي النظرة الثالثة – وهي: أن تنظر إلى إحسانهما بك؛ فتأمل كيف هو تعب والدتك عليك، كيف عانت فيك الأيام والليالي الطوال وكيف قاست فيك تلك الآلام، ثم لما أنجبتك وتحملت تلك المشاق التي لا يتحملها إنسان لولا إعانة الله جل وعلا وتثبيته؛ فإذا بها تمسكك وتضمك إلى صدرها وترضعك من صدرها فتسقيك الحنان قبل أن تسقيك اللبن الذي تتغذى به، وإذا بوالدك يفرح ويستبشر ويتهلل وجهه ويدعو الناس ويسميك بأفضل الأسماء ويفرح بك وينفق عليك ويتعب ويضنى لأجل أن يراك شابًا ناضجًا عاقلاً مؤمنًا؛ فلا همَّ له إلا سعادتك وأن تكون أنت الرجل الصالح الذي يعيش سعيدًا في دينه ودنياه، فهل هذا هو جزاءهما حينئذ؛ أن يقع منك العقوق في حقهما؟!
فبهذا النظر يحصل لك حرص على طاعتهما بل وحب في أن تبذل الخير لهما والإحسان لهما، فاعرف ذلك واحرص عليه فإنه من أعظم ما يعينك على استحضار بر الوالدين وفضله، واعلم أن رضى الله جل وعلا في رضى الوالدين كما ورد ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم – ولننتقل بعد ذلك إلى كيفية معاملتك لوالديك:
فقد أشرت مثلاً إلى أنك ربما خالفتهما في نصائحهما ولم تلتفت إليها أحيانًا لأنك تشعر أن هنالك من يقول لك إنك على صواب، فحينئذ فتواجه الشعور بأن تقول لنفسك: إنني سأطيع والداي، سأكسب برَّهما لأنني أريد أن أطيع ربي بطاعتهما، سأتنازل عن كثير من الأمور التي يخالفان فيها ولو كنت أنا أخالفهما فيها كسبًا لبرهما وتطييبًا لخاطرهما لأنال القرب عند الله جل وعلا، فحاول إذن أن تخاطب نفسك هذه المخاطبة وأن تعود نفسك على أن تتنازل لوالديك؛ كما أشار تعالى بقوله: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً}. فكن منخفضًا لوالديك، مقبِّلاً رأسيهما، مقبِّلاً يديهما، قم في الصباح وقد ابتسمت في وجه أمك وأول ما تلقاها أخذت يدها وقبَّلتها وسألتها أن ترضى عليك وسألتها أن تدعو لك، فهكذا فلتكن يا أخي.. وإذا جاء والدك من عمله فقم إليه واترك ما في يدك وقم وسلم عليه وخذ يده وقبِّلها ثم ساعده فيما يحتاج من المساعدة، وكن واقفًا على خدمته، فهكذا فلتكن الشاب المؤمن الصالح الذي يعرف كيف يكسب رضى والديه، فاحرص على هذه المعاني، فإن الله جل وعلا يعينك ويقويك لأن من أراد طاعة الله جل وعلا ونوى النية الصالحة وجد الإعانة من ربه بمنِّه وكرمه.
ونسأل الله عز وجل لك التوفيق والسداد وأن يشرح صدرك وأن ييسر أمرك وأن يجعلك من عباد الله الصالحين.
بارك الله فيك غاليتي انيسه وجعلنا الله من البارين بوالدينا المبرورين من ابنائنا واقر عيوننا بابنائنا وجعلنا واياهم جميعا ممن يستمعون القول ويتبعون افضله وممن يرجون رضا الله ورضوانه ويستمعون للقول ويتبعون افضله
وبالله التوفيق.
|