معركة الكرامة سجل تاريخي خالد بطله ملك هاشمي وجنود بواسل

كتب : جميل السعايدة
كثيرون من كتبوا ويكتبون عن معركة الكرامة وتاريخ ميلادهم ما بعدها او انهم يكتبون عنها بالاقوال المتواترة والروايات شبه المحرفة مع مرور الزمن وغياب بعض من شاهدوها او عاشوها او غياب المصادر الحقيقية التي تعطي كل انسان حقه في هذه الحياة سواء كان سلبا ام ايجابا.
ونظرا لما يسمعه او يشاهده من عايش المعركة من مخالفات لمجريات ما حدث عام 1968 على ارض الاردن من انتصار للكرامة العربية واعادة لهيبة الامة بعد مرور تسعة اشهر على هزيمة حزيران الجماعية عام 1967 وما يثار من انتقاص وتجاهل للدور الاردني العسكري فانني كنت احد الشهود على سير بعض مجريات المعركة خاصة ان بلدتي عيرا ويرقا كانت هدفا رئيسيا للعدو الصهيوني انذاك.
وما اكتبه اليوم ليس اكثر من انصاف لدور الجيش العربي الاردني ودور قائده المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال انذاك طيب الله ثراه.
ففي صباح يوم المعركة عندما كنت طالبا في مدرسة السلط الثانوية انذاك غادرت منزلي واحد زملائي في المدرسة للالتحاق بدوامنا مبكرين كالعادة اليومية لعدم وجود سيارات توصلنا للمدرسة سوى سيارة واحدة للبلدة - بكب - ورغم سماعنا لتبادل اطلاق النار في منطقة نهر الاردن لان هذا امر تعودنا عليه يوميا ولم نعلم بالهجوم الاسرائيلي الا بعد وصولنا مدينة السلط في حدود السادسة من صباح اليوم المذكور حيث نودي من خلال مآذن المساجد بان العدو بدأ هجوما على الاردن وتجاوز معابر جسري الملك حسين والامير محمد وجسر الملك عبدالله على محور سويمة حيث اغلق السوق واعلنت حالة الحرب وتعطلت الدراسة مما اضطرنا لمغادرة السلط بنفس السيارة عائدين للبلدة ، وفي منطقة القسام غرب جنوب السلط شنت طائرات العدو غارة جوية على بلدتنا حيث تركنا السيارة في احدى مزارع الزيتون المحاذية للطريق ولجأنا الى المزارع المجاورة وبعد دقائق بسيطة فوجئنا بسيارة عسكرية - لاند روفر - تقترب منا وينزل منها رجل يرتدي الزي العسكري - الفوتيك - ويمسك بيده علبة سجائر ومسدسه على جنبه فحدقنا البصر انا ورفيقاي اللذان يعمل احدهما حاليا مدرسا في جامعة مؤتة والثاني وهو سائق السيارة ما زال على قيد الحياة فتأكدنا ان العسكري هو المغفور له جلالة الملك الحسين ولم يكن معه أي حراسات سوى مأمور لاسلكي وسائق السيارة التي تركها تحت ضغط الغارات الاسرائيلية وتابع مسيره في الطريق العام باتجاه عيرا المعقل العسكري الاردني الاول في المنطقة للمدافع بعيدة المدى والتي كانت هدفا رئيسيا للعدو. فدب الحماس بنا وسرنا خلف جلالته باتجاه بلدتنا التي غطتها سحب الدخان وألسنة النيران وفي منتصف الطريق واثناء مرورنا بجانب مزرعة زيتون ثانية في بطنا شن العدو غارة قوية على الجيش في البلدة فجلس الحسين تحت شجرة زيتون وهو يدخن وقال بالحرف الواحد "الله يكون معكو.. الله ياخذ بيدكم يا جيشنا الباسل".
وبعد انتهاء الغارة تابع الملك مسيره حتى مشارف البلدة حيث غير مساره من الشارع العام الى المنطقة الجبلية وتوجه نحو المعقل العسكري الاردني الذي يعاني من ضربات صهيونية حيث لم تثن تلك الضربات والغارات المغفور له عن الوصول الى المعسكر سيرا على الاقدام لمشاركة اخوانه الجنود والضباط في صد العدوان عن الثرى الاردني حيث امضى سحابة ذلك اليوم بينهم جنديا مقاتلا وملكا مدافعا عن وطنه.
وفي اليوم الثاني - الجمعة 22 - 3 - 1968 قمنا صباحا مبكرين وسرنا باتجاه المعسكر الموجود وسط البلدة لنشاهد اثار العدوان فوجدنا الحسين طيب الله ثراه يجلس على جانب الطريق بين الجنود والضباط وهو يدخن وبزيه العسكري الذي شاهدناه فيه في اليوم السابق حيث شارك جلالته انذاك في حمل جثمان احد شهداء المعركة - ضابط الملاحظة الميدانية للمدفعية - فسمعنا جلالته يترحم على روح ذلك الشهيد - خضر يعقوب - الذي احضرته سيارة عسكرية من منطقة الاغوار - الكرامة.
انني اشاهد تحريفا وانكارا للموقف الاردني العسكري من قبل بعض مدعي القوة الوهمية التي لم تقف في وجه العدو ساعة واحدة وغادرت مواقعها في الاغوار منذ ساعات الفجر ووصلت الى جبال البلقاء قبل الساعة الثامنة من صباح يوم المعركة ولم تشارك في المعركة منها الا قلة قليلة ضمن حدود بلدة الكرامة وبمساندة الجيش الاردني.
ان الواقع والتاريخ واعتراف العدو الصهيوني بشدة المقاومة الاردنية في الكرامة ومعركة السلاح الابيض في الشونة الجنوبية ومحور الرامة والجندي المجهول هي حقيقة تاريخية تثبت للعالم ان الاردن وجيشه وقيادته الهاشمية كان الحصن المنيع لصد الهجوم العسكري الصهيوني عن الثرى الاردني ومن حق الاردنيين ان يحتفلوا بهذا النصر العربي العام بعيدا عن أي تشويهات او ملوثات من ابواق واقلام مسمومة بحق الاردن وقيادته ، لم يعرف بعضهم موقع المعركة ولم يدخل بلدة الكرامة طيلة حياته ولم يعرف عن المعركة شيئا سوى ما سمعه من مشوهي الصورة الاردنية العسكرية في المعركة الخالدة وممن يحاولون الانتقاص من الدور الاردني في الدفاع عن فلسطين والقضايا العربية بشكل عام.
وكما يقال فان الشمس لا تغطى بغربال وان التاريخ لن يقبل الزيف والتحريف وانما يسجل الحقائق والوقائع الصادقة بدقائقها لان التاريخ المزيف سرعان ما تتبخر معلوماته وتتعدد رواياته لانه لا يرتكز على قاعدة معلوماتية حقيقية.
التاريخ : 21-03-2010