بلادة الحس مرة ثانية
لمّا دخل الصليبيون بلاد المسلمين، و عاثوا في الأرض فساداً من نهب و قتل، و قتلوا في بيت المقدس سبعين ألفاً في الحملات الصليبية الماضية،
و ذهب الناس على وجوههم هاربين من الشام إلى بغداد مستغيثين بالسلطان، منهم القاضي أبو السعد الهروي، لمّا سمع الناس ببغداد هذا الأمر الفظيع هالهم ذلك و تباكوا،
و نظم أبو سعد الهروي كلاماً قُرئ في الديوان و على المنابر فارتفع بكاء الناس،
و ندب الخليفة الفقهاء للخروج إلى البلاد ليحرضوا الناس على الجهاد، و منهم ابن عقيل خرج مع الفقهاء فساروا في الناس -الرواية تقول- فلم يفد شيئاً، (همم ساقطة، نفوس مغلقة)، قال: فساروا في الناس و لم يفد شيئاً، فإن لله و إنا إليه راجعون.
و يروي ابن تغري بردي أن قائلاً قال يستنهض الهمم و يصف الحال:
أحـل الـكـفـر بـالإسـلام ضـيـمـاً ***يـطـول علـيـه للدين النحـيبُ.
فــحــقٌ ضــائــعٌ و حــماٌ مــبــاحٌ*** و سـيـفٌ قـاطـعٌ و دمٌ صـبيبُ.
و كم من مسلمٍ أمسى سليباً*** و مسـلمـةٍ لـها حـرمٌ سـليبُ.
أمـــورٌ لــو تــأمــلــهـــن طــفــلٌ*** لطفّل في عوارضه المـشيبُ.
أتسـبى المسـلمات بـكـل ثـغـر*** و عيش المسلمين إذاً يطيب.
أما للـه والإسـلام حــق *** يدافع عنه شبان وشـيـب.
فـقل لذوي الـبصـائـر حيث كانوا*** أجـيـبـوا الله ويـحكـم أجـيـبـوا.
و يضيف ذلك المؤرخ المسلم أن شعراء و خطباء استمروا يستثيرون الهمم و لكن دون نتيجة، ثم علق على ذلك بقوله:
و المقصود أن القاضي و رفقته عادوا من بغداد إلى الشام بغير نجدة و لا حول و لا قوة إلا بالله.
و تُقدم لنا المصادر الإسلامية صوراً أقبح من تقاعس بعض أولئك الذين تولّوا مقاليد الأمور في تلك الفترة أمام الفظائع التي ارتكبها غزاة الصليبين في السواحل الشامية في القدس و غيرها،
و قد جمع أحد الوفود المستنجدة كيساً كبيراً (أنظر إلى أي درجة وصل تبلد الإحساس، مصيبة عظيمة) أحد الوفود المستنجدة من المسلمين جمع كيساً كبيراً مليئاً بقحف الجماجم (جماجم المسلمين جمعها و التقطها و وضعها في كيس) و شعور النساء و الأطفال، و نثروها بين أيدي بعض أولئك الرؤساء،
فكان جواب السلطان لوزيره: دعني، أنا في شيء أهم من هذا، حمامتي البلقاء لي ثلاثة أيام لم أرها. !!!
و قد كان يلهو بالحمام مولعاً به، و كان ذلك شائعاً بين الناس(مباريات)