شبكة ومنتديات صدى الحجاج - الحجاج بن يوسف الثقفي

الحجاج بن يوسف الثقفي

كيف تجرأ علي حصار مكة وضرب الكعبة بالمنجنيق!

وضع الحجاج بن يوسف كل مواهبه الدموية في خدمة الدولة الأموية، وتثبيت دعائمها وفي نفس الوقت سعي أن يصبح أقوي رجال هذه الدولة، حتي أن الناس كانت تهابه أكثر مما تهاب الخلفاء أنفسهم لأنه لم يعرف يوما شيئا اسمه الرحمة.. أو يعرف حقوق الناس، فاستوي أمامه الصالح والطالح.. والسيف عنده فوق ركاب الجميع!
وكانت أصعب الأدوار الذي قام بها، ولم ينسها له التاريخ عبر كل العصور، هو تصديه لعبدالله بن الزبير، وضربه في أثناء حصاره لمكة المكرمة والكعبة المشرفة بالمنجنيق حتي تصدعت دون أن تهتز منه شعرة من خشيه الله، واحترام بيته الحرام.
لقد قال للخليفة عبد الملك بن مروان عند الحديث عن عبد الله بن الزبير، واستقلاله بالحجار عن الدولة الأموية:
لقد رأيتني في المنام أمسك بعبد الله بن الزبير، ثم أقوم بسلخه، فابعثني إليه ودلني أن أقتاله.
ووافق الخليفة علي ذلك، وسار بقواته لحصار مكة، وحاصرها بالفعل، وأخذ يضرب الكعبة المشرفة بالمنجنيق. حتي يخضع عبد الله بن الزبير وهو من هو في شجاعته ومواقفه البطولية في الاسلام
وفي الفتوحات الاسلامية، انه ابن حواري رسول الله الزبير بن العوام، وأمه
السيدة أسماء بنت أبي بكرالصديق، وخالته عائشة أم المؤمنين وكان الناس
يحبونه لورعه وتقواه وشجاعته وكانت الناس تردد كلماته الراقية لأخيه مصعب بن عمير الذي قتل في العراق عندما قال فيما قال:
'إنا والله مانموت علي مضاجعنا، ولكن قعصا بالرماح، وموتا تحت ظلال السيوف، وليس كما يموت بنو مروان والله ماقتل منهم رجل في زحف في جاهلية ولا إسلام، إلا إنما الدنيا عارية من الملك القهار الذي لايزول سلطانه، ولايبيد ملكه فإن تقبل الدنيا علي، لم آخذها أخذ الأشر البطر، وأن تدبر عني لم أبك بكاء الخرق المهين، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم'
*****
قد حاصر الحجاج مكة خمسين ليلة، ولم يجد عبد الله بن الزبير نفسه إلا وقد هزم أصحابه، وعرف أنه لامحالة سيكون مع الشهداء وقد شجعته أمه أسماء بنت أبي بكر علي المقاومة لآخر لحظة من عمره.
لقد سأل أمه في هذا الموقف الصعب والموت محلق علي الرءوس:
خذلني الناس حتي ولدي وأهلي، فلم يبق إلا اليسير ممن ليس عنده أكثر من صبر ساعة، والقوم يعطونني ما أردت من الدنيا.. فمارأيك؟
تجيبه الأم العظيمة:
أنت والله يابني اعلم بنفسك وأن كنت تعلم أنك علي حق وإليه تدعو فامضي له فقد قتل عليه أصحابك، ولا تمكن من رقبتك يتلعب بها غلمان بني أمية.. وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت، أهلكت نفسك ومن معك.. وإن قلت كنت علي حق فإنها وهن أصحابي ضعفت عزيمتي، فهذا ليس من فعل الأحرار ولا أهل الدين.
كم خلودك في الدنيا؟.. القتل أحسن ماينزل بك يا ابن الزبير. فوالله لضربة بالسيف في عز أحب إلي من ضربة بالسوط في ذل.
فقال لها:
إني أخاف ان قتلني أهل الشام أن يمثلوا بي.
قالت له:
يابني إن الشاة لايضرها السلخ بعد ذبحها
وتقدم إليها عبد الله بن الزبير وقبل رأسها، وقاتل حتي قتل..
وصلب الحجاج جثة هذا التقي الورع عبد الله بن الزبير، وعندما مرت أمامه أسماء قالت:
اما آن لهذا الفارس أن يترجل.
ويأتي الخبر الي الخليفة فيأمر الحجاج بتسليم الجثة إلي أمه، وكان عبد الله بن الزبير يناهز من العمر اثنتين وسبعين سنة، ولم يرحم الحجاج شيخوخته، ودامت خلافته تسع سنين.
ولم يخجل هذا الحجاج أن يقول لاسماء بنت الصديق عندما لقيها
كيف ترينني صنعت بابنك؟
قالت له هذه الام العظيمة وقد أوهنتها السن:
أفسدت عليه دنياه،
وأفسد عليك آخرتك.
****
ويروي الرواة أن الحجاج أرسل إلي الخليفة رسالة يقول له فيها¢
إني حزت الحجاز بشمالي، وبقيت يميني فارغة!!
وقرأ الخليفة الرسالة، وكان والي العراق بشر بن مروان قد مات، فأمر الخليفة الحجاج أن يتولي أمر العراق!
وذهب الحجاج بن يوسف إلي العراق تسبقه شهرته في سفك الدماء، وكانت العراق يومها مليئة بالفتن، والحروب، والدسائس والمؤامرات، وقرر الحجاج أن يقضي علي كل الخارجين عن سلطان الخلافة، واستعان(بالمهلب) فقاتل الازارقة، وقام بحروب طويلة في الكوفة والبصرة، وانتهت بانتصاره في موقعه 'دير الجماجم' وهذه الموقعه استمرت مائة يوم.
*****
كان عام 75 هـ من الأعوام الهامة في حياة الحجاج.. إنه العام الذي صدر فيه الأمر بتوليه أمر العراق، والتاريخ يروي لنا كيف توجه إلي مسجد الكوفة، وصعد المنبر وهو يغطي وجهه، ولم يعرفه الناس أول الأمر، وتساءلوا فيما بينهم وبين أنفسهم عن هذا الذي صعد المنبر وأطال الصمت، ولكنه سرعان ماكشف عن وجهه، وأخد يهدد الناس، ويروع أحلامهم، ويثير في أعماقهم الخوف..
لقد قال لهم:
أنا ابن جلا وطلاع المنايا
متي أضع العمامة تعرفوني
يا أهل الكوفه:
أنني أري رءوسا قد أينعت وحان قطافها وإني لصاحبها.
وكأنني أنظر إلي الدماء بين العمائم واللحي
وقال:
هذا أوان الشد فاشتدي زيم (اسم فرسه)
قد لفها الليل بسواق حطم
ليس براعي ابل ولاغنم
ولابحزار علي ظهر وضم (وضم خشبته الجزار التي يقطع عليها اللحم)!
وبعد أن استشهد بالعديد من أبيات الشعر الذي يتوعد فيها الناس. ويواصل خطابه الذي يتوعد فيه أهل العراق بما سينالونه من عقاب علي يديه مالم يلزموا الطاعة، وقال فيما قال في هذه الخطبة الشهيرة:
والله لأحرمنكم حزم السلمة ( شجرة كثيرة الشوك) ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل، فانكم لكأهل قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان، فكفرت بأنعم اله، فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون وقال منهيا خطبته:
إن أميرالمؤمنين أمرني أن أعطيكم اعطياتكم، وأن أوجهكم لمحاربة

العدو مع (المهلب بن ابي صفرة). وان اقسم بالله لا أجد رجلا تخلف بعد أخذ عطائه بثلاثة أيام إلا ضربت عنقه ني'.
*****
لقد خشي منه الناس في العراق بعد هذه الخطبة، وبعدما شاهدوه وماسمعوا عن شدته وقسوته فالرجل الذي ضرب الكعبة بالمجانيق، وقطع رأس عبدالله بن الزبير، ولم يرع حرمة للبيت العتيق، ولا رعي نسب وشخصية عبدالله بن الزبير، في استطاعته ان يفعل بالناس مايريد، فهو لايناقش أحدا، ولايحاور احدا، ولايجرؤ احد ان يناقشه في أي أمر من الأمور، كما انه هو الاخر لايريد مشورة احد انما يريد ان يكون كلامه أوامر، وعلي الرعية السمع والطاعة، ومن لم يجيد السمع والطاعة عليه ان يلاقي ما يلاقي من عذاب، وعليه ان يتوجع تحت وقع السياط، او يدفن بعد قطع الركاب:
ومن هذا الذي يتجرأ علي رجل فلسفته في الحكم قد عبر عنها بقوله:
وقسما بالله لأخذن الولي بذنب مولاه، والمقيم بذنب الظاعن، والمطيع بذنب العاصي، حتي يلقي الرجل أخاه فيقول له:
انج سعد.. فقد هلك سعيد!!
*****
ولم ينج من مؤامراته حتي الرجل الورع العظيم الذي تولي الخلافة فيما بعد، وكان مصباحا اضاء ظلام الحياة.. عمر بن عبدالعزيز