![]() |
تفسير لقرآن الكريم : سورة الفاتحة : تتمة شرح الحمد لله إلى آخر السورة .
الحمد ؛ كما قال عليه الصلاة والسلام :" الحمد رأس الشكر وما شكر الله تعالى عبد لم يحمده " . فالحمد حالة نفسية مبنية على معرفة بفضل الله عز وجل .
الكلمة الأولى في الإسلام الحمد لله ، الحمد لله على إيجادنا ، فأول نعمة هي نعمة الإيجاد ، فلان الفلاني ابن فلان ، وُلِد في دمشق عام كذا ، من أخرجك إلى هذا الوجود، قال تعالى : [سورة الإنسان] [سورة الحجرات] الحمـد لله تعني أن الذي خلقك يحبك ، يحبك أكثر مما تحب نفسك لذلك يعالجك ، ولولا المعالجة لما اهتديت . فموضوع الحمد لله موضوع واسع جداً ، لكن علماء البلاغة قالوا : الحمد مسلم به ، لكن لمن ؟ ربنا قال لله ، كلمة الحمد تقتضي وجود نعم ، والنعم ظاهرة لا ينكرها جاحد، حتى الذي ينكر وجود الله لا ينكر النعم ، يقول لك الطبيعة ، استثمار المياه في الطبيعة ، استثمار الخيرات ، تحسين النسل ، هذه موضوعات يعالجها الكفرة أيضاً ، فالنعم لا ينكرها أحد ، حتى الذين أنكروا وجود الله عز وجل لا يستطيعون إنكار النعم ، الهواء ، الماء ، الطعام ، الشراب ، النبات ، الأسماك الأطيار ، الأزهار ، هذه الشروط الدقيقة جداً التي خلقها الله عز وجل موافقةً لطبيعتنا ، هذه نعم لا ينكرها أحد ، ولكن المشكلة في الآية أن الحمد لله فقط .. أما أهل الدنيا فإنهم يحمدُ بعضهم بعضاً ويشكرُ بعضهم بعضاً . الحمـد لله ؛ فصار الحمد أمراً مؤكداً لا يمكن أن تحمد الله إلا إذا عرفته ، وقبل أن تعرفه لا تحمده ، بل تحمد أنداداً له ، تحمد شركاء ، تظنهم شركاءه فالحمد تقتضي المعرفة ، لذلك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم سُمي محمداً لأنه أحمد الخلق قاطبةً ، ما من مخلوق خلقه الله سبحانه وتعالى حمده أكثر منه عليه الصلاة والسلام ، كأن الحمد مقياس للقرب من الله عز وجل ، سيد الحامدين هو سيد الخلق ، فاسم أحمد ، ومحمد ، وحامد ، هذه كلها من الحمد ، والله سبحانه وتعالى خلق لنا النعم ، وعلمنا كيف نحمده عليها ، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك ، كيف أثنى الله على نفسه ؟ بقوله تعالى : الحمد لله رب العالمين ، لذلك فإن النبي الكريم قال: " عجبت لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر ، فكان ذلك له خير ، وإن أصابته ضراء صبر ، فكان ذلك له خير وليس ذلك لغير المؤمن " . الحمد لله على كل حال كما قال عليه الصلاة والسلام ، كان إذا أصابه شيء يسره يقول : الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وإذا جاءت الأمور على غير ما يريد ، تعسرت ، كان يقول : الحمد لله على كل حال . إذا أردت فرقاً أساسياً بين المؤمن وغير المؤمن ، لا أقول : كلمة الحمد التي يقولها الناس جميعاً ، بل حالة الحمد ، المؤمن يعيش حالةً دائمةً من الحمد لله عز وجل ، فهو شاكر ، جاء من أسرة فقيرة الحمد لله ، رزقه الله زوجة ليست صالحة ، كيف يفهم هذا الأمر؟ يفهم هذا الأمر أن الله سبحانه وتعالى رزقه هذه الزوجة ليصلحها ، ويكسب بها أجراً عند الله كبيراً ، رزقه الله أولاداً ذكوراً الحمد لله ، وإن رزقه إناثاً الحمد لله ، ذكوراً وإناثاً الحمد لله ، جعله الله عقيماً ، الحمد لله ، له وظيفة متعبة ، الحمد لله ، مريحة الحمد لله ، دخلها قليل الحمد لله ، كبير الحمد لله ، ولكن هناك نقطة دقيقة جداً ، إياكم أن تفهموا من هذا الكلام أنه في أي وضع تحمد الله عليه ، ولا تحاول تحسين هذا الوضع ، لا .. هذا يتنافى مع أخلاق المؤمن ، هو يحاول تحسين وضعه المادي ، يحاول تحسين وضعه العلمي ، يحاول رفع مستواه في كل الميادين ، فإذا بذل كل طاقته ، ووصل إلى هذا المستوى ، وليس في إمكانه أن يتجاوزه فيقول : الحمد لله ، هنا الحمد لله. قدم طالبٌ امتحاناً ، ولم ينجح ، الحمد لله ، إذا كنت باذلاً جهدك كله فالحمد لله ، إذا ما درست فهذا جزاء التقصير ، ليس له علاقة بالحمد ، هذا جزاء التقصير ، عندما يبذل الإنسان كل جهده ، ولا يُحقق مطلبه عندئذ الحمد لله على كل حال . فكأني أقول : إن الفرق بين المؤمن وغير المؤمن ، لا أقول كلمة الحمد ، بل حالة الحمد التي يحياها ، المؤمن لِمَ يحمد الله ، لأن الله بيده كل شيء ، لا إله إلا الله ، وهو الغني ، لم تهطل أمطار فالحمد لله ، وهو القدير على كل شيء ، ليس لله عز وجل أندادٌ يمنعونه من أي تصرفٍ ، صغيراً كان أم كبيراً ، وهو الغني هو القدير . أنت تعمـل في دائرة مثلاً ، المعلومات تصل إلى من هو فوقك غير صحيحة ، يثنى على المقصر ، ويذم المجتهد ، أما العلم الصحيح فهو عند الله ، لأنه سبحانه عليم ، هو الغني هو القدير هو العليم ، هو السميع ، وهو القريب ، تكلمت أم سكت ، يعلم السر وأخفى، لماذا الحمد لله ، لأنه لا إلــه إلا الله أولاً لا إله إلا الله الغني ، قال تعالى : [سورة الحجر] لا إله إلا الله القدير ، هو الواحد القهار ، والله يحكم لا معقب لحكمه، القاضي مثلاً يحكم في قضية ثم ترفع إلى قاض آخر على منه فينقض حكمه ، لكن الله سبحانه يحكم لا معقب لحكمه ، الحمد لله لأنه لا إله إلا الله ، والحمد لله لأنه غني ، والحمد لله لأنه قوي ، والحمد لله لأنه سميع ، والحمد لله لأنه بصير ، والحمد لله لأنه عليم ، والحمد لله لأنه رحيم ، فلمَ لا تحمد الله عز وجل ؟الحقيقة إذا عرفت أسماء الله فلا تحزن أبداً على أية حال كنت ،لأنك لا ترى إلا حكمة بالغةً في تصرفات الله عز وجل ، فالآية في مبدئها تشير إلى أن النعم التي أسبغها الله علينا ظاهرة ، وجلية ، وواضحة وناصعة ، وهي كالشمس ، لا يستطيع أحد على ظهر الأرض أن ينكرها ، ولكن المشكلة أن هذه النعم تُعزى لغير الله ، جاء قوله تعالى : الحمد لله. " إني والأنس والجن في نبأ عظيم ، أخلق ويُعبد غيري ، أرزق ويشكر سواي ، خيري إلى العباد نازل ، وشرهم إلي صاعد ، أتحبب إليهم بنعمي ، وأنا الغني عنهم ، و يتبغضون إلي بالمعاصي ، وهم أفقر شيء إلي ، المشكلة أن النعم لا ينكرها أحد ، ولكن المشكلة في أن هذه النعم تُعزى لغير الله : [سورة يوسف] أكلـت طعاماً ، مَن خَلَقـه ؟ من سخره ؟ من جعلـه مناسباً لنا ؟ طعماً ، ولوناً ، ورائحةً ، وقواماً ، ومضموناً ، وغذاءً من نوع هذه الأغذية ؟ البروتينات ، والفيتامينات والسكريات ، والمواد الدسمة ، من وزعها على هذا الطعام الذي بين أيدينا ؟ إذا أكلت لقمة خبز فمن خلق القمح ؟ الأرض ، والقمر ، والشمس ، والبحار اشتركت في صنع هذا الرغيف ، إن شربت كأس ماء من سخره لك ؟ إن لترَ الماء المحلى في دول النفط يكلف ثلاثة ريالات ، أيْ عشر ليرات سورية تقريباً ، هذا الينبوع ينبوع ، عين الفيجة الذي سخره الله لنا ، والذي بلغني مؤخراً أن حوضه الجيولوجي يمتد إلى حدود كبيرة جداً ، من سخره لنا ماءً عذبًا فراتًا ، الحمد لله على كأس الماء ، الحمد لله على رغيف الخبز ، الحمد لله على هذه التفاحة التي تأكلها ، إياك أن تظن أنك دفعت ثمنهـا لا .. دفعت ثمن خدمتها ، لو اجتمع أهل الأرض لا يستطيعون صنع تفاحة واحدة ، من جعل هذه الكميات بكميات معقولة ، لو كان التفاح قليلاً جداً لكان ثمن الكيلو مائتي ليرة ، من يأكله إذاً ، من عمل تناسباً بين الإنسان ومتطلباته ، لو أن الدجاجة تبيض في السنة بيضة لكان ثمنها ألف ليرة ، أما إذا كانت تبيض كل يوم بيضه فثمنها نصف ليرة ، هذه معقولة إذاً ، فالحمد لله ، الحليب ، البيض ، الجبن ، اللحوم ، هذه كلها من نعم الله ، فهذه النعم لا يستطيع أحد أن ينكرها ، لكن المشكلة في أن أهل الأرض معظمهم يعزونها إلى غير الله ، فجاء قوله تعالى : الحمد لله رب العالمين .. الحمد لله ، فكلما تعمقت في الإيمان بالحركة تحمده بالسكون ، فإذا نظرت إلى ابنك قلت : الحمد لله ، من جعله بهذه الصورة الحسنة ، إذا نظرت إلى زوجتك ، أو دخلت إلى بيتك ، وأشعلت المدفئة ، وأدرت المروحة ، من سخر هذه القوى ؟ من أودع في الأرض هذه المادة التي تُسمى الطاقة ، وعن طريقها تولدت الكهرباء ؟ الحمد لله . الحمد لله كلمة تعني الله المسير ، هناك خالق ، ورب ، وإله ، فالخالق الذي خلق، والرب هو الممد ، والإله هو المسير ، وتقريباً لأذهانكم أقول : هذه السيارة لها معمل صنعها، وتحتاج إلى إمداد مستمر بالزيت والوقود ، وما إلى ذلك ، وتحتاج إلى من يقودها ، فالذي يسيرها اسمه المسيِّر ، والذي يمدها اسمه الرب ، والذي صنعها اسمه الخالق ، فالحمد لله أمورك جميعها ، صغيرها ، وكبيرها ، عظيمها ، وحقيرها ، دقيقها ، وكبيرها ، بيد الله عز وجل ، إليه يُرجع الأمر كله ، هذا هو التوحيد . إذا كنت تريـد أن تلخص الإسلام في كلمات ففي كلمة لا إله إلا الله ، وكلمة الحمد لله ، هو كل شيء ، ويحمد على كل شيء ، وهو الأول ، والآخر ، والظاهر ، والباطن ، يحمد على كل شيء ، والحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه . ما من حادث يقع ، ما من مصيبة تقع ، ما من فقر ينزل بإنسان ، ما من مرض يلحق بجسم إنسان إلا بأمر الله ، قال تعالى : [سورة الحديد] [سورة آل عمران] ليس هناك إنسان أحب إنساناً على وجه الأرض كحب سيدنا أبي بكر لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ، ومع ذلك الحمد لله ، لو كنت متخذاً من العباد خليلاً لكان أبو بكر خليلي ، ولكن أخ وصاحب في الله ، من سخر هذا الصديق لهذا النبي العظيم ؟ الله عز وجل، لو خلق الصديق عام ألف وخمسمائة وخمسين لما التقى معه ، من جعله بعصره ؟ الله عز وجل ، إذاً الحمد لله رب العالمين . نسأل كل واحد منا : من جمعك بهذه الزوجة ؟ الله سبحانه وتعالى هو الذي قدر وجمع . من رزقك هؤلاء الأولاد ؟ الله سبحانه وتعالى . من أعطاك هذا الذكاء فحصلت ، وأصبحت لك خبرات ترتزق منها ؟ الله سبحانه وتعالى . طبيب ، محامٍ ، مهندس ، مدرس ، خبير ببعض الحاجات ، بيده مصلحة بأعلى مستوى تدر عليه أرباحاً طائلة ، الحمد لله ، لو أن نقطة دم كرأس الدبوس تجمدت في أحد شرايين الدماغ لفقدت كل ذاكرتك وخبراتك . فلان خبيـر بهذه المصلحة ، شغله نظيف جداً ، حتى تتمكن من إنجاز عمل عنده تحتاج إلى شهرين ، الفضل ؟ لله عز وجل ، إن كنت طبيباً ناجحاً ، أو مدرساً ناجحاً ، أو تاجراً ناجحاً ، أو صاحب معمل ناجحًا ، أو كان عندك مشروع زراعي ناجحٌ ، أو كنت أباً ناجحاً ، أو كنت موفقاً في زواجك فالحمد لله رب العالمين ، هذا هو الدين كله ، توحيد ، وحمد ، الكافر يحيا في شرك وسخط ، الكافر دائماً ساخط على كل شيء ، متشائم ، دائماً يشك في حكمة الله ، أحياناً يقول لك : فلان ليس أهلاً للنعمة .. يستكثر نعمة الله على بعض عباده ، ويستقلها على آخرين ، كأنه شاك في حكمة الله ، مع أنك لو تعمقت في الأمور ، وكُشف الغطاء ، وأطلعنا الله على كل شيء لكان هذا هو الصواب ، و لقلنا : الحمد لله رب العالمين ، قال تعالى : [سورة يونس] لكن المشكلة أن هذه الحياة الدنيا بالنسبة إلى الدار الآخرة لا شيء ، لذلك ربنا سبحانه وتعالى قد يضحي بها من أجل الهداية ، فإذا أغلق صاحب المحل محله مثلاً والصانع نسي شمعة شاعلة ، وفي الساعة الثانية ليلاً أبلغوه أن المحل احترق ، المحل فيه بضاعة بثلاثة ملايين ، فإذا أخذ يصلي على أثر هذا الحريق فهذا عند الله حكمة بالغة ، أما عند الناس فماذا يقولون ؟ ليت هذا الصانع لم ينس الشمعة شاعلة ، هي عند الله حكمة بالغة ، لأن هذا المحل بكل هذه البضاعة التي احترقت إذا أثمر احتراق المحل توبة لصاحبه فهذا خير كبير لا يعلمه إلا عند الموت ، قال تعالى : يوم يكشف عن ساق .. يعني يُكشف عن كل شيء ساقه الله إليك. ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون .. خجلاً ، وصغاراً ، وشعوراً بالخزي ، والعار . وكانوا يدعون إلى السجود من قبل وهم سالمون ، فالحمد لله رب العالمين ، وقع هنا بعض العلماء في حيرة ، أيهما أفضل كلمة لا إله إلا الله أم الحمد لله ؟. ملخص الملخص ، قال الإمام الغزالي : ليس في الإمكان أبدع مما كان ، بعضهم فهمَ هذا الكلام فهماً مغلوطاً ؛ والصواب في فهم العبارة : ليس في إمكان المخلوق أبدع مما أعطاه الله عز وجل ، الذي أعطاك الله عز وجل هو أنسب شيء إليك ، ولو كُشفت لك الحقائق لما اخترت إلا أن تكون كما كنت . بعض الناس يتمنى الغنى ، بعض الناس يتمنى الصحة ، لو كُشفت لك الحقائق لن تتمنى إلا أن تكون كما كنت ، لأن الله عز وجل يعلم ما كان ، ويعلم ما يكون ، ويعلم ما سيكون ، ويعلم ما لم يكن ، لو كان ، كيف كان يكون . لذلك ليس في الإمكان أبدع مما كان . هذه الزوجة أنسب امرأة لك ، يقول معترضاً : لأن الحق على أمي ، لا ليس الحق على أمك ، خطبتها بسرعة ، كانت مستعجلة ، رأوها في الليل ، وقعوا في الغش ، ليس في الإمكان أبدع مما كان ، علامة واحدة تصير مهندساً ، ليس في الإمكان أبدع مما كان ، اسمي ورد في القائمة ، آخر اسم ، كنت سأوفد في بعثة ، ليس في الإمكان أبدع مما كان ، لو نظرت إلى الأمور بعين التوحيد لرأيت أن الله وحده بيده كل شيء ، قدم ، وأخر ، وسمح، ومنع ، وسهل ، وعسر ، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً .. إذا أرد الله إنفاذ أمر أخذ من كل ذي لب لبه .. [سورة الرعد] [سورة فاطر] [سورة الرعد] الإله نفسه رب العالمين ، الممد ، هذا عطاؤنا ، المياه من عطاء الله عز وجل ، نهر الأمازون ثلاثمائة ألف متر مكعب بالثانية ، نبع الفيجة أحياناً بأيام الخير يفيض ، يلبي حاجة دمشق بكاملها ، ويفيض عن حاجتها نصف كثافته ، يرفد بها نهر بردى ، ربنا ممد ، فأمدنا بالماء . أحياناً يكون شح بالماء ، ترى النباتات صفراء ، قال لي صديق : والله دفعت في الأسبوع الماضي خمسمائة ليرة ، كل أربعة أيام أدفع خمسمائة ليرة ثمن ماء لسقي المزروعات في المزرعة ، الأمر صعب جداً ، وإلا تموت الأشجار ، فالذي أمدنا بالماء هو الله سبحانه وتعالى ، نهر الفرات بلغ عرضه أحياناً في أيام الفيضانات أحد عشر كيلو متراً ، بعمق كبير جداً ، الآن ممكن الإنسان يمشي فيه إلى ركبتيه ، الحمد لله رب العالمين ، على عطائه ، وعلى منعه ، عطاؤه عطاء ، ومنعه عطاء ، الحمد لله رب العالمين ، المُمِدُّ بكل نعمة ، لكن ربنا عز وجل يمد هذه الأجسام بكل ما تحتاج من الهواء ، إلى الماء ، إلى الطعام ، إلى الشراب ، إلى كل شيء ، سواء أكان هذا الشيء أساسياً أو ثانوياً ، الأساسي الطعام ، والشراب ، والثانوي الأزهار ، هل تؤكل هذه ؟ لا تؤكل ، هذا الجمال الذي بثه الله في الأرض ، هذه السماء التي زينها بالنجوم ، هذه الأماكن الجميلة التي جعلها منتجعاً لنا ، كلها من عطاء الله ، الحمد لله رب العالمين . ولكن معنى الربوبية يشمل التربية النفسية أيضاً ، فكل أنواع المصائب مشتقة من قولـه تعالى : الحمد لله رب العالمين ، الأب مثل مصغر ، يمد ابنه بكل ما يحتاج ، حاجاته أدواته ، كتبه ، دفاتره ، ألبسته الصيفية ، الشتوية ، غرفته ، بما فيها تدفئة لغرفته ، طاولة إنارة ، سرير ، وسائد مثلاً ، فرش وثيرة ، أغطية مناسبة ، صيفية وشتوية ، هذا إمداد ، فإذا ضبطه يكذب فقد يضربه ، والضرب أيضاً تربية ، فالتربية لها معنيان ، معنى الإمداد بما تحتاجه من مواد ، والمعنى الثاني التربية النفسية . فكل إنسان يتلقى من الله عز وجل تربيتين ، يتلقى تربية لجسمه ، ويتلقى تربية لنفسه ، فكل ما يحدث لك فهو من الله عز وجل ، بناءً على واقعك ، وعلى نفسيتك ، الحمد لله رب العالمين . في درس سابق فلت لكم : إن كلمة رب تقتضي العلم ، وتقتضي الخبرة ، وتقتضي الغنى ، وتقتضي الإشراف الدائم ، وتقتضي الحكمة ، وتقتضي الرحمة ، لابد أن يكون رب العالمين قوياً ، وغنياً ، وحكيماً ، وعليماً ، وخبيراً ، ورحيماً ، وقيوماً ، دائم الإشراف ، لا يُسمى المربي ناجحاً إذا غاب عن الذي يربيه ، لا يُسمى المعلم ناجحاً إذا تغيب عن الطلاب، لا بد أن يكون رب العالمين قوياً ، وغنياً ، وقديراً ، وحكيماً ، ورحيماً ، ودائم الإشراف قيوماً ، الحمد لله رب العالمين . كلمة رب فيها عطاء ، ربنا ما قال : الحمد للإله ، ما قال : الحمد للخالق ، بل قال : الحمد لله رب العالمين ، يعني أنك لك رب ، ذات مرةً سمعت في الطريق رجلاً يقول وهو في حالة غضب ، إذا ليس له أب ليس له رب ؟ تأثرت بهذه الكلمة ، قد ينشأ أحدنا يتيماً، ولا أب له ، لكن الله موجود . وإذا العناية لاحظتك جفونها نـــــم فالمخاوف كلهن أمان *** *** كن مع الله تر الله معك واترك الكل وحاذر طمعك *** [سورة مريم آية45] [سورة الأنعام] الرحيـم صفة أفعاله ، أما الرحمن صفة ذاته ، الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، ماذا بقي ؟ .. هو الإله ، وهو الرب ، وهو الرحمن الرحيم ، والرحمن الرحيم اسم جامع لأسماء الله الحسنى ، فقوته ضمن رحمته ، ولطفه من رحمته ، وبطشه من رحمته ، وأفعاله نابعة من رحمته ، لذلك هناك أسماء جامعة ، الرحيم من الأسماء الجامعة ، الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم . لكن مالك يوم الدين ، لو عقلنا معناها لارتعدت فرائصنا ، أنتم الآن مخيرون ما دام في القلب حياة ، ما دام القلب ينبض فأنت مخير ، كل شيء ممكن الآن ، الإصلاح ممكن، والتوبة ممكنة ، قال تعالى : [سورة طه] افعل ما شئت ، أعط أولا تعط ، اعدل أو اظلم ، أحسن أو لا تحسن ، اعملوا ما شئتم، يوم الدين يوم الجزاء ، عاملت زوجتك بالإحسان ، فهو لك ، وإن أسأت فعليك ، أنفقت مالك في سبيل الله فهو لك ، لم تنفق فمغبة البخل عليك . [سورة البقرة آية 286] [سورة الروم] [سورة آل عمران آية 102] في العام الدراسي مثلاً ، الطالب يأتي للمدرسة ، يحب أن يدرس ، أو لا يدرس ، يجتهد أو لا يجتهد ، يراجع أو لا يراجع ، يذاكر أو لا يذاكر ، يكتب وظائفه ، أو لا يكتبها ، أو يكتبها نقلاً من رفاقه ، يستطيع لأنه مخير ، لكن إذا قُرع جرس الامتحان في آخر العام وطرحت الأسئلة ، هذا اليوم يوم الجزاء ، و في الامتحان يكرم المرء أو يهان ، أما في أثناء العام الدراسي فلا إهانة للكسول ، معه مهلة ، أعطي فرصة ، ونحن الآن كذلك ، الآن نحن في فرصة ، أنت حر ، تحب أن تأتي إلى هذا المجلس ، أو لا تأتي ، هناك من يسهر وراء جهاز لهو ، يقول لك : والله هذه المحطة أمتع ، لكن تلك المحطة ناشفة ، وبرامجها هزيلة ، اليوم دار عمل ، لكن الآخرة دار جزاء ، قالوا : الدنيا دار تكليف والآخرة دار تشريف ، في الآخرة ؛ انتهى الاختيار انتهى التكليف ، انتهت كلمة حرام وحلال ، أنت في جنة عرضها السماوات والأرض ، لا غض بصر في الآخرة ، ولا استيقاظ لصلاة الصبح باكراً ، وليس هناك بذل مال ، ولا مشي في الشموس ، ولا حر ، في جنة عرضها السماوات والأرض ، قال ربنا عز وجل : [سورة يس] [سورة الصافات] [سورة المطففين] [سورة الذاريات] [سورة الحاقة] بعد هذه المقدمة ، الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين . حينمـا قال النبي عليـه الصلاة والسلام: " جمـع القرآن في الفاتحة " ، والله معه الحق، لأن كل شيء في الفاتحة ، الألوهية ، والحمد ، والربوبية ، واسم الله الأعظم ، الرحمن الرحيم ، والمصير الذي لا مفر منه ، مالك يوم الدين ، الآن موقفك المنطقي ؛ إياك نعبد وإياك نستعين ، لو أن الله عز وجل قال : نعبد إياك لاختلف الأمر ، إذا سبق المفعول به الفعل فهذا أسلوب الحصر ؛ أيْ نعبدك ، ولا نعبد أحداً معك ، لو قال : نعبد إياك شيء ، وإياك نعبد شيء آخر ، إياك نعبد ، لذلك فإن أعلى مرتبة يبلغها الإنسان في الأرض أن يدرك أن حق العبادة لله وحده ، وأعلى مقام بلغه النبي أنه كان عبداً لله ، عبداً حقيقياً ، فتطابقَ اختياره مع أمر الله تماماً ، نحن أحياناً لا يتطابق اختيارنا مع أمر الله ، نطبق مثلاً تسعين بالمئة ، وهناك مثلاً عشرة بالمئة لم تطبقها في عملك ، فلست إذاً عبداً كاملاً ، أما العبودية الكاملة أن يكون اختيارك موافقاً مائة بالمائة لما أمر الله عز وجل ، إذاً أنت عبد لله، وإن لم تكن عبداً لله فلا بد أن تكون عبداً لشهوتك ، " تعس عبد الدرهم والدينار ، تعس عبد الفرج تعس عبد الخميصة " . إن لم تكن عبداً لله فأنت عبد لشهوتك ، وإن لم تكن عبداً لشهوتك فأنت عبد لعبد من عبيد الله ، فأنت عبد لعبد لئيم ، كن للهِ عبداً فعبد الله حر . فإياك نعبد إن العبادة : طاعة تامة ، مبنية على معرفة ، ومنتهية بسعادة ، التعريف الدقيق : طاعة تسبقها معرفة ، وتعقبها سعادة ، وإلا لما كانت لها هذه الأهمية ، قال تعالى : [سورة الذاريات] [سورة الأنبياء] http://www.quran-radio.com/tafseer_n...s/image023.gif http://www.quran-radio.com/tafseer_n...s/image024.gif [سورة طه] الكافر عنده أمل طويل ، قال تعالى : [سورة الكهف] ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً .. مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين . لكن العبادة لله عز وجل تحتاج إلى عون من الله عز وجل ، فأنت في الركوع تعلن عن خضوعك لله ، وفي السجود تطلب العون منه ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام : " لكن سورة حظها من الركوع والسجود " . تقول : اهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم ، الأنبياء الصديقين ، الصالحين ، المؤمنين ، أهل العقل أهل اللب ، الطيب ، وذوي النفوس الزكية ، صراط الذين أنعمت عليهم . [سورة الفاتحة] يقول لك الله عز وجل وكأنه يخاطبك في الصلاة : [سورة النور] يعني كل آية تقرؤها في الصلاة لها ركوع خاص ، بحسب مضمونها ، ولها سجود خاص ، بحسب مضمونها ، تبدأ : لا نعبد إلا إياك ، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، لكننا ضعاف : [سورة النساء] [سورة يوسف] عندئذ تتوجه إلى الله عز وجل هؤلاء الناجحون ، هؤلاء المفلحون ، هؤلاء المؤمنون السعداء في الدارين ، الذين عرفوك ، وأطاعوك ، وتقربوا إليك ، وعقلوا عنك ، وسعدوا بقربك ، صراط الذين أنعمت عليهم ، من يطع الله ورسوله يحشره الله عز وجل مع النبيين ، والصديقين ، والشهداء ، والصالحين . هؤلاء الذين عرفوا الله ، وحادوا عن شريعته ، سمعنا وعصينا ، هذا الذي يقول : نحن عبيد إحسان ، لسنا عبيد امتحان ، وثمة أدعية من صنع أحدهم : أمرتنا فما ائتمرنا ، ونهيتنا فارتكبنا ، ولا يسعنا إلا فضلك ، هؤلاء مغضوب عليهم . عرفت الله ، وتعصيه ، قال رجل لابن الأدهم : إيذن لي بالمعصية ، قال نعم : قال : أشياء خمس إذا فعلتها لن تضرك المعصية ، قال : وما هي قال : إذا أردت أن تعصيه فلا تسكن أرضه ، قال : وأين أسكن إذاً ؟ قال : فكيف إذاً تسكن أرضه ، وتعصيه ؟ قال الثانية : قال : إذا أردت أن تعصيه فاجهد ألا تأكل من رزقه ، قال : وماذا آكل إذاً ؟ قال : كيف إذاً تسكن أرضه ، وتأكل رزقه ، وتعصيه ؟ قال : هات الثالثة : قال : إذا أردت أن تعصيه فاجهد ألا يراك قال : وكيف لا يراني، وهو رب العالمين ؟ قال : تسكن أرضه ، وتأكل رزقه ، وتعصيه ، ويراك ؟! لذلك : نختم هذا الدرس بقوله عليه الصلاة والسلام : " القرآن كله في الفاتحة " . تقرؤها في كل ركعة ، ولا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ، والبطولة أن تقرأ الفاتحة ، وأنت متمثل لمعانيها . عند إياك نعبد ، وإياك نستعين بدأ موقفك العملي ، ما دام الله سبحانه وتعالى رب العالمين ، وهو الرحمن الرحيم ، الذي لا إله إلا هو ، يُحمد على كل شيء ، فماذا تنتظر .. إياك نعبد وإياك نستعين . ألا أنبئكم بمعنى لا حول ولا قوة إلا بالله ، هكذا قال عليه الصلاة والسلام : لا حول عن معصيته إلا به ، ولا قوة على طاعته إلا به يعني إياك نعبد وإياك نستعين .. ، في سورة سيدنا يوسف مثلاً ، قال تعالى : الإنسان عندما يطيع الله عز وجل ، وهو مفتقر إليه يعينه على طاعته ، فإذا اعتمد على نفسه أوكله الله إليها ، لذلك الإمام أحمد رضي الله عنه قَبْل أن تدركه المنية كان يقول : كلا ليس بعدُ كلا ليس بعدُ ، فحار تلامذته في ذلك ، فلما تُوفي رحمه الله رآه بعض تلامذته في المنام ، فقال له يا سيدي : كنت تقول : كلا بعد كلا بعدُ ، فقال : يا بني جاءني الشيطان فقال : قد نجوت مني يا أحمد ، فقلت : كلا ليس بعد ، حتى تُنزع الروح من الجسد ، وأنا على الإيمان ، أما الآن - بعد الموت - فقد نجوت ، ما دام الإنسان على قيد الحياة ، فمن الممكن أن يصيبه كبر ، ويقع في المعصية ، أو يصيبه اعتزاز ، ويقع في الشرك . فإياك نعبد وإياك نستعين ، ودائماً كن في افتقار إلى الله عز وجل ، هل من الممكن أن يعبد نبي صنماً ، مستحيل ، ورد هذا في القرآن الكريم حينما دعا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ربه ، فقال : [سورة إبراهيم] http://www.quran-radio.com/tafseer_n...s/image027.gif http://www.quran-radio.com/tafseer_n...s/image035.gif http://www.quran-radio.com/tafseer_n...s/image036.gif [سورة النور ـ سورة البقرة آية 83 ـ سورة النحل ] طبعاً "المغضوب عليهم" عرفوا ، وحرفوا ، و"الضالين" ما عرفوا أصلاً ، الضالون كثيرون ، أما المغضوب عليهم أكثر .. أكثر المسلمين يعرف أن له رباً ، وفي الآخرة جنة ونار ، ومع ذلك يأكل حراماً ، ويطعم حراماً ، ولا يبالي بأمر الله ، ويعصي الله ، ويقول : نحن ضعاف ، نحن عبيد إحسان ، لا عبيد امتحان ، وهكذا ، هؤلاء مغضوب عليهم ، وأما الضالون فهم الذين ما عرفوا الله أصلاً ، وأما الذين أنعم الله عليهم فهم من النبيين ، والصديقين ، والشهداء ،والصالحين ، هؤلاء الذين أنعم الله عليهم ، اهدنا الصراط المستقيم، في سورة حمد .. الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم . وفيها مصير مخيف .. مالك يوم الدين . وفيها موقف عملي .. إياك نعبد وإياك نستعين . وفيها تفصيلات .. اهدنا الصراط المستقيم . حمدت الله ، المسير ، الرحمن ، الرحيم ، وعلمت أن يوم الدين هو يوم الجزاء ، ولا اختيار لك ، ثم رجوت الله ، وأعلنت عن عبوديتك لله ، وعن استعانتك به ، ثم طلبت منه هدايتك للصراط المستقيم ، المنهج الصحيح ، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ، ولا الضالين . كلمة آمين : يعني استجب يا رب ، ثم تأتي الصلاة فتأتي القرآن والحمدلله رب العالمين تفسير القرآن الكريم لفضيلة الدكتور العلامة محمد راتب النابلسي |
رد: تفسير لقرآن الكريم : سورة الفاتحة : تتمة شرح الحمد لله إلى آخر السورة .
جزاكِ الله خيرا
|
الساعة الآن 06:34. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. , Designed & TranZ By
Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
Developed By Marco Mamdouh
جميع الحقوق محفوظة لشبكة و منتديات صدى الحجاج