![]() |
بائع العلكة
قصة قراتها اعجبتني
بائع العلكة مجدي السماك لا يبدو انه جاوز العقد الأول من عمره ، في وجهه الصغير آثار جروح قديمة ملتئمة تشي بكثرة العراك ، فبدت مثل الشوارع الخالية من المارة ، شعره مغبر وغير مصفف بالمرة ، ثيابه ممزقة و متسخة كأنه لم يستبدلها منذ ولادته ، لا شيء يشير إلى انه اغتسل في يوم ما .. يقف منتصبا و كأن مسامير تثبته بالأرض ، مع اقترابي منه حدقت بقطع العلكة التي يبيعها ، نوعها رديء لا يشتريها سوى المعدمون من البشر ، نظراته عنيدة وشرسة ، فبدا كأنه يخيفني كي يجبرني على الشراء منه .. شعرت بان كل مخزون الشعب الفلسطيني من قهر تشعه عيناه المتمردتان الثائرتان . أعطيته ثمن قطعتين و لم آخذهما ، انفرجت أساريره و أصبحت نظراته وديعة ومسالمة ، كأنه اطمأن إلى قوت يومه ، لقد ابتعت ابتسامته ، ربما أنني أبعدت عنه شبحا مجهولا كان بانتظاره .. تابعت السير إلى صندوق الصراف الآلي التابع للبنك كي استلم راتبي الشهري بعد إفراج أمريكا عنه اثر تشكيل حكومة الطوارئ ، وقفت في طابور طويل .. كأن الناس واقفة لاستلام ماء الحياة ، وقفت في الطابور كي أمارس سنّة انقطعت عنها منذ شهورعدة ، أخذت قدماي بالتململ و النمنمة لطول وقت الوقوف ، لم اعد أرى في حياتي شيئا سوى راتبي الشهري .. يبدوا أنني استبدلت به كل ما احمله من قيم و أماني ، وجدتني احدث نفسي المثقلة : راتبي الشهري هو معياري للحقيقة و به ازن الأشياء و المواقف . جاء دوري .. استلمت الراتب و أدرت ظهري مبتعدا بضع خطوات ، وقفت أحدق بالسماء كي أتأكد إن كانت تعج بالذنوب ، أم هي صافية كالبراءة المقتولة في بيت الجنرال المفدى .. لا اعرف لماذا تثاقلت خطاي أمام الطفل بائع العلكة الذي باغتني بالقول : خذ هاتين القطعتين لأنك دفعت ثمنهما ، قلت له أنا لا أريد علكة أنما أردت ... قاطعني بتمرد : أنا لست شحاذا ، أنت تمسخني من بائع إلى شحاذ .. شعرت بأنني أهنته دون قصد مني ، مددت يدي و أخذت منه العلكة الرديئة و سألته بشغف : هل تذهب إلى المدرسة ؟ فقال : لا . لقد تركتها بعد الصف الثاني الابتدائي . سألته : لماذا تركت المدرسة ؟ قال : كي اعمل وأعيل نفسي قلت : و اهلك لماذا لا ... قال مقاطعا : بعضهم قتلتهم إسرائيل و البعض الآخر في سجونها قلت : ستبقى كما أنت بائع علكة قال : لا . انتظر أن أصبح شابا كبيرا قلت متسائلا : لماذا ؟ و ماذا ستفعل عندما تكبر؟ قال : سوف أتحول إلى مقاتل قلت : قد تقتلك إسرائيل قبل أن تكبر قال : لا تفرق عند الخروف إن ذبح يوم العيد أو في يوم آخر شعرت بان كل كلمة من كلماته بمثابة رصاصة تصيب هدفها ، من الأفضل للإنسان أن يرسم مسار حياته مهما كانت وجهتها بدل أن يرسمها له الآخرون . حدقت بجسمه الصغير و كأنني أعاينه .. و بدوره ثبت عينيه في وجهي كأنه يبحث عن صديق .. لا اعرف ماذا تقول هذه النظرات الثاقبة الخارقة ، و لكنها بلا ريب متمردة . تبسمت ، تركته وغادرت امشي بلا خطى محدثا نفسي بتوتر : انه أفضل مني ، لقد رفض النقود .. و يعرف ماذا يريد من الدنيا . رأيته بعد مرور يومين أو ثلاثة قرب السوق .. اقتربت منه و سألته : هل تذكرني . أجاب : لا. شعرت وكأنه يقول لي : من تكون أنت حتى أذكرك .. أنت لست سوى شخص مخدوع يلهث وراء أوهامه .. أنت سراب . ذكرته بما دار بيننا من حديث في ذاك اليوم .. قال : آه ، لقد تذكرتك .. و ما أن قالها حتى شعرت بان نابليون بونابرت يبتسم في وجهي - وجدت ضالتي - كان يبيع علكة من نوع آخر ، لكنها رديئة أيضا .. سألته : لماذا لا تبيع شيئا آخر ؟ فقال : لا املك رأس مال ، الناس تحب أن تلوك شيئا في فمها .. سألته : أين تنام في الليل ؟ أجاب : إما في المقبرة صيفا أو في بيت مهجور شتاء و أحيانا أنام أسفل شاحنة بيرة .عرضت عليه أن يتقن صنعة ما ، فأبدى رغبته بتعلم الخراطة والحدادة .. و فهمت انه يريد هذه الصنعة بالذات كي يتقن صناعة الصواريخ .. صرخت به : أنت لا تفكر إلا بالحرب والموت .. فقال : هم بماذا يفكرون ؟ ثم تابع : كي يتحرر الأطفال من بعدي . أخذ يداوم كل يوم في المخرطة وقت الصباح .. وفي المساء يبيع العلكة الرديئة |
رد: بائع العلكة
|
رد: بائع العلكة
الله يعافيك يا حموووده ...
http://img488.imageshack.us/img488/9454/15uc1.gif |
الساعة الآن 08:43. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. , Designed & TranZ By
Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
Developed By Marco Mamdouh
جميع الحقوق محفوظة لشبكة و منتديات صدى الحجاج