![]() |
احد قصص كتاب سـنـوات الـضـيـاع للداعية سامي السبيعي
((ســـنـــوات الـــضـــيــــاع)) لم يزل حضورها في قلبي طرياً . . ظل طيفها عالقاً في ذهني . . وكأني أنظر إليها بعيني . . عندما قرر صاحبها أن يصعد يوم اختار طريقاً علوياً للصعود . . وها هو يهمس بقصته المؤثرة . . وعبراته تسابق عباراته . . يحكي سـنـوات الـضـيـاع . . . نشأت في بيت محافظ . . بناه أبي - رحمه الله - على أساس من الدين والخلق . . ترعرعت فيه حتى أصبحت شاباً يافعاً . . ولكن صغر سني . . وجهلي بما ينفعني . . قادني إلى الغياب المتكرر عن البيت . . فسقطت في شباك تلك "الـشـلـة" . . وبدأ جنون المراهقة يجتثني من عروقي . . فوقعت في التدخين . . وتطور الحال إلى الجلوس في المقاهي والتسكع في الطرقات والسهر إلى آخر الليل . . وسني وقتها لم يتجاوز الخامسة عشرة . . أمي المسكينة بانتظاري كل ليلة . . لا تنام حتى أعود إلى البيت . . فكانت تخشى سؤالي لأني أغضب من ذلك . . تخاف عليّ . . كم قالت لي : أنا خائفة عليك لا تغب عني . . قلبي يوجعني إذا لم أرك . . وملأتُ عينيَّ منك . . فأقول : أبشري , إن شاء الله . . ولكن وقتها أشعر بأني أصبحت رجلاً . . وأعرف مصلحة نفسي . . فجَرَّني ذلك إلى التوغل في ذلك الطريق المظلم . . تدهورت حالتي . . ثم صرت أغيب عن البيت بالأيام . . وتركت دراستي . . وفي تلك الفترة كانت ظاهرة التفحيط قد انتشرت . . فسارعت وسابقت غيري في تعلمه . . كل ذلك بحثاً عن السعادة التي ما عرفت طريقها . . والشهرة التي أخطأت سبيلها . . وحين أتذكر التفحيط "والهجولة" أذكر ما يَجُرُّ إليه من معاصٍ و مصائب . . مـخدرات وسرقات وفواحش و . . . واصلت مسيرتي في التفحيط "والهجولة" حتى أصبحت رمزاً من رموزه المشهورين الذين يشار إليهم بالبنان . . وكثر حولي الأصدقاء والمحبون والمعجبون . . حتى الأموال والسيارات كنت أستطيع الحصول عليها بكل يسر وسهولة عن طريق أولئك المعجبين . . ولكني مع هذا كله لم أجد السعادة و الراحة التي كنت أبحث عنها . . متعة زائلة . . أضحك في النهار . . وفي الليل أبكي وأحزن على واقعي الأليم . . كنت أحس أن في قلبي هماً وضيقاً وحزناً . . أعلم والله أن الهداية هي الحل . . ولكن البيئة لا تساعدني على ذلك . . لا أجد إلا المشجعين ومن يقول لي : يابطل . . "كفو هز الحديد حبك يزيد" . . "وفلها وربك يحلها" فضلاً عن كيد الشيطان . . اتسعت شهرتي كمفحط كبير وتطورت كما أظن . . وهذا بعد مشوار طويل يقارب الخمس عشرة سنة . . تجرعت فيها من الويلات و الحوادث و النكبات . . وكل هذا يهون إذا ما ذكرت ما عانت منه والدتي الحبيبة التي كانت تأتيها بسبـبي كل يوم مصيبة وكارثة وحلَّ بها من الأمراض و الأسقام والبلاء ما الله به عليم , وأنـا السبب . . كانت لا تهنأ بعيش ولا تلذ بطعام ولا شراب بل تسهر الليالي من أجلي . . ياكم وكم اتصلت بي وأعادت الاتصال مرات وكـرات . . وأنا بكل برود لا أرد عليها إلا بعد ثلاثة أيام , هذا إن لم يكن جوالي مقفلاً . . لا تسمع عني إلا ما يحزن قلبها ويفتت كبدها ويدمع عينيها . . إما حادث حُمِلتْ على إثره إلى المستشفى أو أفاجئها برجال الأمن يبحثون عني . . أو لا تعلم إلا وأنا في السجن . . ومع كل هذا كانت صابرة محتسبة لم تيأس مني . . ترفع يديها في كل وقت تدعو لي بالهداية والاستقامة والصلاح . . وفي يوم لا يُنْسَى في حياتي . . بل في عصر " الهجولة والتفحيط " . . وأنا في إحدى الشوارع وقد تجمهرت المواكب واجتمع الشباب والمشجعون (لعيوني) كما زعموا . . وفي أثناء تلك النشوة الموهومة . . وأثناء تأديتي لأحد "الأشواط التفحيطية" . . قدر الله عز وجل عليّ وأنا أسير بسرعة جنونية . . وفجأة . . رجة عنيفة . . قنبلة كان لها دوي . . انفجار في أحد عجلات السيارة . . انفجار من نوع فريد . . فانـحرفت السيارة بي . . فاصطدمت بثمانية من الجمهور تطايروا في الهواء كالكرات "وهذا المشهد قد عُرِض مرئياً للعظة والعبرة" . . والسعيد من اتعظ بغيره والشقي من اتعظ به غيره . . فيتساقطون على الأرض . . مات ولقي حتفه أحدهم (رحمه الله) , ومنهم من أصبحَ معاقاً , ومنهم من أصيب وأنجاه الله عز وجلّ . . يا لها من ساعة رهيبة وموقف هائل . . وقتها كأني في حلم زائف طويل , وفي هذه اللحظة صحوت منه ولكن بعد ماذا ؟!! سلمت نفسي . . وحُكِم عليّ بالسجن . . ولم تنتهِ القصة هنا !! فعندها هجرني وتركني رفقاء السوء والمصلحة , ذهبوا ليبحثوا عن غيري . . كعادتهم . . وأما أمي الحزينة . . ففي أثناء سجني كانت تأتيني على سيارة أجرة وقد رَقَّ عظمها. . وكَبُر سنها . . واحدودب ظهرها . . تبكي بحسرةٍ وندامة . .وهي تراني خلف القضبان . . مرَّ شهر . . ولم تزرني والدتي كعادتها وقد اشتقتُ لها كثيراً وأنا في السجن بل والله إني أبكي إذا تذكرت ما قد عملت بها . . والمعاناة التي تجرعتها بسبـبـي . . وتأتـي الفاجعة والطامة والكارثة , عندما كنت في ذلك "العنبر" الكئيب وإذا بأحـدهم يقول لي: يـا مـسـاعـد . . أمـك مـااااتـت . . ماذا ؟ . .كيف ؟ . . لا أدري . . المهم أنها ماتت . .!! والله في ساعتها تمنيت لو أن الأرض انشقت وابتلعتني . . ليت أني مكانها . . وددت أني فديتها بروحي . .لم أكد أصدق الخبر . . عندها سقطت على الأرض مغمى عليّ . . بكيت دماً بدل الدمع . . كدتُ أُجنّ . . مرّ عليّ شريط الحياة القديم . . أتذكر حرصها عليّ . . تضحيتها من أجلي . . دمعاتها إذا رأتني . . . عرفت بعدها قيمة وضريبة ونهاية "الهجولة" ورفقاء السوء . . خسرت كل شيء . . مستقبلي . . أمي . . ديني . . ولكني بعد كل ذلك . . وقفت وقفة حازمة . . حاسبت نفسي . . تذكرت أن رحمة الله وسعت كلّ شيء . . أعلنتها تــوبــة للـه . . وفي السجن وجدت السعادة التي كنت أبحث عنها طوال عمري . . ما أحلاها من حياة . . تلك الحياة التي أكون فيها قريباً من الله . . آنس وأتلذذ بطاعته . . وأتنعم بعبادته . . انتهت مدة سجني . . فخرجت . . فاستقبلني بعض الدعاة وأصدقائي الذين منَّ الله عليهم بالهداية قبلي . . الصحبة الصالحة المباركة . . التي كانت تتمنى توبتي . . عدت إلى بيت والدتي الحبيبة تائباً منيباً . . فلما وصلت وجدت البيت مظلماً مخيفاً . . وقفت . . ترددت في الدخول . . ولكني تشجعت ثم تقدمت . . وإذا أنا بتلك الغرفة التي كانت تجلس بها أمي المسكينة . . وتنتظرني على أحر من الجمر . . وهذا مكانها الذي كانت تقعد فيه وقلبها يشتعل خوفاً عليّ وهذا الهاتف الذي كلما (رنَّ) تصدع فؤادها . . تتوقع أن أحداً ما سيفجعها بي . . تلفت يميناً وشمالاً . . تجولت في البيت . . أُعِيد ذكريات أعز إنسانة في حياتي . . ودموعي تسيل على خدي . . ثم ودعت طوافي بلا عودة لذلك المنـزل بدخولي غرفة نومها . . وهناك انفجرت بالبكاء . . سقطت على ركبتي . . أجهشت بالدموع . . وأنا أنظر إلى سريرها . . ما بقي من ملابسها . . أدوية كانت تتناولها . . قمت وأنا أشعر أن الدمع قد جف من عيني . . أمي الحنونة الغالية . . أنا تائب سامحيني . . كم أنا والله مشتاق إليكِ . . إلى رؤيتكِ . . وسماع صوتكِ . . إلى الجلوس معكِ . . أتذكر حديثكِ الشيق . . ابتسامتكِ الجميلة . . قلبكِ الحنون . . أمي لن أستطيع رؤيتكِ اليوم ولكني عاهدت ربي على البِرِّ بكِ . . لن أنساكِ . . مــن الـدعـاء . . والـصـدقـة . . والاستغفار . . وموعدنا - بإذن الله تعالى - في الجنة . . غفر الله لك ورحمك وجمعنا بك في الفردوس الأعلى . . آمين . . |
رد: احد قصص كتاب سـنـوات الـضـيـاع للداعية سامي السبيعي
قصة مؤثرة ............ شكرا لك
|
رد: احد قصص كتاب سـنـوات الـضـيـاع للداعية سامي السبيعي
مشكورة ناديا على المرور.... |
رد: احد قصص كتاب سـنـوات الـضـيـاع للداعية سامي السبيعي
تحياتي براءة
كلما دخلت هنا وجدت ما يثير الإعجاب تقبلي شكري لك دوما ودمت كما تحبين |
رد: احد قصص كتاب سـنـوات الـضـيـاع للداعية سامي السبيعي
مشكور ابو ريان على المرور .. |
رد: احد قصص كتاب سـنـوات الـضـيـاع للداعية سامي السبيعي
قصة رائعه
يعطيكِ الف عافيه |
رد: احد قصص كتاب سـنـوات الـضـيـاع للداعية سامي السبيعي
قصة رائعة ومؤثرة
مشكورة على النقل المميز |
رد: احد قصص كتاب سـنـوات الـضـيـاع للداعية سامي السبيعي
مشكورة هبة على المرور:36_4_11[1]: |
رد: احد قصص كتاب سـنـوات الـضـيـاع للداعية سامي السبيعي
مشكور مشتاق على لمرور ..:36_4_11[1]: |
الساعة الآن 08:23. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. , Designed & TranZ By
Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
Developed By Marco Mamdouh
جميع الحقوق محفوظة لشبكة و منتديات صدى الحجاج