![]() |
اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك
مهارات وفنون التعامل مع الناس في ظل السيرة النبوية حصيلة بحوث ودورات وذكريات أكثر من عشرين سنة لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ بقلم / د.محمد بن عبد الرّحمن العريفي |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
مقدمة ...
لما كنت في السادسة عشرة من عمري وقع في يدي- كتاب " فن التعامل مع الناس " لمؤلفه " دايل كارنيجي " كان كتاباً رائعاً قرأته عدة مرات .. كان كاتبه اقترح أن يعيد الشخص قراءته كل شهر .. ففعلت ذلك .. جعلت أطبق قواعده عند تعاملي مع الناس فرأيت لذلك نتائج عجيبة .. كان كارنيجي يسوق القاعدة ويذكر تحتها أمثلة ووقائع لرجال تميزوا من قومه .. روزفلت .. لنكولن .. جوزف .. مايك .. فبحثت في تاريخنا فرأيت أن في سيرة رسول الله e وأصحابه ومواقف المتميزين من رجال أمتنا ما يغنينا .. فبدأت من ذلك الحين أؤلف هذا الكتاب في فن التعامل مع الناس .. فهذا الكتاب الذي بين يديك ليس وليد شهر أو سنة .. بل هو نتيجة دراسات قمت بها لمدة عشرين عاماً .. ومع أن الله تعالى قد منَّ عليَّ بتأليف قرابة العشرين عنواناً إلى الآن .. إلا أني أجد أن أحب كتبي إليَّ وأغلاها إلى قلبي .. وأكثرها فائدة عملية - فيما أظن – هو هذا الكتاب .. كتبت كلماته بمداد خلطته بدمي .. سكبت روحي بين أسطره .. عصرت ذكرياتي فيه .. جعلتها كلمات من القلب إلى القلب .. وأقسم أنها خرجت من قلبي مشتاقة أن يكون مستقرها قلبك .. فرحماك بها .. ما أعظم سروري لو علمت أن قارئاً أو قارئة لهذه الورقات طبق ما فيه .. فشعر وشعر غيره بتطور مهاراته .. وازدادت متعته في حياته .. فسطر بيمينه الطاهرة – مشكوراً - رسالة عبر فيها عن رأيه .. وصوّر مشاعره بصدق وصراحة .. ثم أرسلها عبر بريد أو رسالة جوال sms إلى كاتب هذه السطور .. لأكون للطفه شاكراً .. وبظهر الغيب له داعياً .. أسأل الله أن ينفع بهذه الورقات .. وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم .. بداية .. ليست الغاية أن تقرأ كتاباً .. بل الغاية أن تستفيد منه .. |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
1. هؤلاء لن يستفيدوا .. أذكر أن رسالة جاءتني على هاتفي المحمول .. نصها : فضيلة الشيخ .. ما حكم الانتحار ؟ فاتصلت بالسائل فأجاب شاب في عمر الزهور .. قلت له : عفواً لم أفهم سؤالك .. أعد السؤال ! فأجاب بكل تضجر : السؤال واضح .. ما حكم الانتحار .. فأردت أن أفاجئه بجواب لا يتوقعه فضحكت وقلت : مستحب .. صرخ : ماذا ؟! قلت : أقول لك : حكم الانتحار أنه مستحب .. لكن ما رأيك أن نتعاون في تحديد الطريقة التي تنتحر بها .. ؟ سكت الشاب .. فقلت : طيب .. لماذا تريد أن تنتحر ؟ قال : لأني ما وجدت وظيفة .. والناس ما يحبونني .. وأصلاً أنا إنسان فاشل .. و ..وانطلق يروي لي قصة مطولة تحكي فشله في تطوير ذاته .. وعدم استعداده للاستفادة بما هو متاح بين يديه من قدرات .. وهذه آفة عند الكثيرين .. لماذا ينظر أحدنا إلى نفسه نظرة دونية ؟ لماذا يلحظ ببصره إلى الواقفين على قمة الجبل ويرى نفسه أقل من أن يصل إلى القمة كما وصلوا .. أو على الأقل أن يصعد الجبل كما صعدوا .. ومن يتهيب صعود الجبال *** يعش أبد الدهر بين الحفر تدري من الذي لن يستفيد من هذا الكتاب ، ولا من أي كتاب آخر من كتب المهارات ؟! إنه الشخص المسكين الذي استسلم لأخطائه وقنع بقدراته ، وقال : هذا طبعي الذي نشأت عليه .. وتعودت عليه ، ولا يمكن أن أغير طريقتي .. والناس تعودوا علي بهذا الطبع .. أما أن أكون مثل خالد في طريقة إلقائه .. أو أحمد في بشاشته .. أو زياد في محبة الناس له .. فهذا محال .. جلست يوماً مع شيخ كبير بلغ من الكبر عتياً .. في مجلس عام ، كل من فيه عوام متواضعو القدرات .. وكان الشيخ يتجاذب أحاديث عامة مع من بجانبه .. لم يكن يمثل بالنسبة لمن في المجلس إلا واحداً منهم له حق الاحترام لكبر سنه .. فقط .. ألقيت كلمة يسيرة .. ذكرت خلالها فتوى للشيخ العلامة عبد العزيز بن باز .. فلما انتهيت .. قال لي الشيخ مفتخراً : أنا والشيخ ابن باز كنا زملاء ندرس في المسجد عند الشيخ محمد بن إبراهيم .. قبل أربعين سنة .. التفت أنظر إليه .. فإذا هو قد انبلجت أساريره لهذه المعلومة .. كان فرحاً جداً لأنه صاحب رجلاً ناجحاً يوماً من الدهر .. بينما جعلت أردد في نفسي : ولماذا يا مسكين ما صرت ناجحاً مثل ابن باز ؟ ما دام أنك عرفت الطريق لماذا لم تواصل ..؟ لماذا يموت ابن باز فتبكي عليه المنابر .. والمحاريب .. والمكتبات .. وتئن أقوام لفقده .. وأنت ستموت يوماً من الدهر .. ولعله لا يبكي عليك أحد .. إلا مجاملة .. أو عادة ..!! كلنا قد نقول يوماً من الأيام .. عرفنا فلاناً .. وزاملنا فلاناً .. وجالسنا فلاناً !! وليس هذا هو الفخر .. إنما الفخر أن تشمخ فوق القمة كما شمخ .. فكن بطلاً واعزم من الآن أن تطبق ما تقتنع بنفعه من قدرات .. كن ناجحاً .. اقلب عبوسك ابتسامة .. وكآبتك بشاشة .. وبخلك كرماً .. وغضبك حلماً .. اجعل المصائب أفراحاً .. والإيمان سلاحاً .. استمتع بحياتك..فالحياة قصيرة لا وقت فيها للغم.. أما كيف تفعل ذلك ..فهذا ما ألفت الكتاب لأجله كن معي وسنصل إلى الغاية بإذن الله .. بقي معنا .. البطل الذي لديه العزيمة والإصرار على أن يطور مهاراته .. ويستفيد من قدراته .. |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
. ماذا سنتعلم ؟
يشترك الناس غالباً في أسباب الحزن والفرح .. فهم جميعاً يفرحون إذا كثرت أموالهم .. ويفرحون إذا ترقوا في أعمالهم .. ويفرحون إذا شفوا من أمراضهم .. ويفرحون إذا ابتسمت الدنيا لهم .. فتحققت لهم مراداتهم .. وفي الوقت نفسه .. هم جميعاً يحزنون إذا افتقروا .. ويحزنون إذا مرضوا .. ويحزنون إذا أُهينوا .. فما دام ذلك كذلك .. فتعال نبحث عن طرق نديم فيها أفراحنا .. ونتغلب بها على أتراحنا .. نعم .. سنة الحياة أن يتقلب المرء بين حُلوةٍ ومُرةٍ .. أنا معك في هذا .. ولكن لماذا نعطي المصائب والأحزان في أحيان كثيرة أكبر من حجمها .. فنغتم أياماً .. مع إمكاننا أن نجعل غمنا ساعة .. ونحزن ساعات على ما لا يستحق الحزن .. لماذا ..؟! أعلم أن الحزن والغم يهجمان على القلب ويدخلانه من غير استئذان .. ولكن كل باب هم يفتح فهناك ألف طريقة لإغلاقه .. هذا مما سنتعلمه .. تعال إلى شيء آخر .. كم نرى من الناس المحبوبين .. الذين يفرح الآخرون بلقائهم .. ويأنسون بمجالستهم .. أفلم تفكر أن تكون واحداً منهم ..؟ لماذا ترضى أن تبقى دائماً معجَـباً ( بفتح الجيم ) ولا تسعى لأن تكون معجِـباً ( بكسرها ) !! هنا سنتعلم كيف تصبح كذلك .. لماذا إذا تكلم ابن عمك في المجلس أنصت له الناس وملك أسماعهم .. وأعجبوا بأسلوب كلامه .. وإذا تكلمت أنت انصرفوا عنك .. وتنازعتهم الأحاديث الجانبية ؟! لماذا ؟ مع أن معلوماتك قد تكون أكثر .. وشهادتك أعلى .. ومنصبك أرفع .. لماذا إذن استطاع ملك أسماعهم وعجزت أنت ؟!! لماذا ذاك الأب يحبه أولاده ويفرحون بمرافقته في كل ذهاب ومجيء .. وآخر لا يزال يلتمس من أولاده مرافقته وهم يعتذرون بصنوف الأعذار .. لماذا ؟! أليس كلاهما أب ؟!! ولماذا .. ولماذا .. سنتعلم هنا كيفية الاستمتاع بالحياة .. أساليب جذب الناس .. والتأثير فيهم .. تحمل أخطائهم .. التعامل مع أصحاب الأخلاقيات المؤذية .. إلى غير ذلك .. فمرحباً بك .. كلمة .. ليس النجاح أن تكتشف ما يحب الآخرون .. إنما النجاح أن تمارس مهارات تكسب بها محبتهم .. |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
3. لماذا نبحث عن المهارات؟ |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
4. طور نفسك .. |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
5. لا تبك على اللبن المسكوب .. |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
6. كن متميزاً .. |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
7. أي الناس أحب إليك ؟ |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
8. استمتع بالمهارات .. |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
9. مع الفقراء .. عدد من الناس اليوم أخلاقهم تجارية .. فالغني فقط هو الذي تكون نكته طريفة فيضحكون عند سماعها .. وأخطاؤه صغيرة .. فيتغاضون عنها .. أما الفقراء فنكتهم ثقيلة .. يسخر بهم عند سماعها .. وأخطاؤهم جسيمة .. يصرخ بهم عند وقوعها .. أما رسول الله r فكان عطفه على الغني والفقير سواء .. قال أنس t : كان رجل من أهل البادية اسمه زاهر بن حرام .. وكان ربما جاء المدينة في حاجة فيهدي للنبي r من البادية شيئاً من إقط أو سمن .. فيُجهزه رسول الله r إذا أراد أن يخرج إلى أهله بشيء من تمر ونحوه .. وكان النبي r يحبه .. وكان يقول : ( إن زاهراً باديتنا .. ونحن حاضروه ).. وكان زاهراً دميماً .. خرج زاهر t يوماً من باديته .. فأتى بيت رسول الله r .. فلم يجده .. وكان معه متاع فذهب به إلى السوق .. فلما علم به النبي مضى إلى السوق يبحث عنه .. فأتاه فإذا هو يبيع متاعه .. والعرق يتصبب منه .. وثيابه ثياب أهل البادية بشكلها ورائحتها .. فاحتضنه r من ورائه ، وزاهر لا يُبصره .. ولا يدري من أمسكه .. ففزع زاهر وقال : أرسلني .. من هذا ؟ .. فسكت النبي عليه الصلاة والسلام .. فحاول زاهر أن يتخلص من القبضة .. وجعل يلتفت وراءه .. فرأى النبي r .. فاطمأنت نفسه .. وسكن فزعه .. وصار يُلصٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍق ظهره بصدر النبي r .. حين عرفه .. فجعل النبي r يمازح زاهراً .. ويصيح بالناس يقول :من يشتري العبد ؟ .. من يشتري العبد ؟ .. فنظر زاهر في حاله .. فإذا هو فقير كسير .. لا مال .. ولا جمال .. فقال : إذاً والله تجدني كاسداً يا رسول الله .. فقال r : لكن عند الله لست بكاسد .. أنت عند الله غال .. فلا عجب أن تتعلق قلوب الفقراء به وهو يملكهم بهذه الأخلاق .. كثير من الفقراء .. قد لا يعيب على الأغنياء البخل عليه بالمال والطعام .. لكنه يجد عليهم بخلهم باللطف وحسن المعاشرة .. وكم من فقير تبسمت في وجهه .. وأشعرته بقيمته واحترامه .. فرفع في ظلمة الليل يداً داعية .. يستنزل بها لك الرحمات من السماء .. ورب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لا يؤبه له .. لو أقسم على الله لأبره .. فكن دائم البشر مع هؤلاء الضعفاء .. إشارة .. لعل ابتسامة في وجه فقير .. ترفعك عند الله درجات .. |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
10. النساء .. كان جدي يستشهد بمثل قديم : " من غاب عن عنزه جابت تيس " .. بمعنى أن من لم تجد عنده زوجته .. ما يشبع عاطفتها .. ويروي نفسها .. فقد تحدثها نفسها بالاستجابة لغيره .. ممن يملك معسول الكلام .. وليس مقصودهم بهذا المثل تشبيه الرجل والمرأة بالتيس والعنز .. معاذ الله .. المرأة شقيقة الرجل .. ولئن كان الله قد وهب الرجل جسماً قوياً .. فقد وهبها عاطفة قوية .. وكم رأينا سلاطين الرجال وشجعانهم تخور قواهم عند قوة عاطفة امرأة .. ومن مهارات التعامل مع المرأة أن تعرف المفتاح الذي تؤثر من خلاله فيها .. العاطفة .. تقاتلها بسلاحها .. كان النبي e يوصيك بالإحسان إلى المرأة .. واحترام عاطفتها .. لأجل أن تسعد معها .. وأوصى الأب بالإحسان إلى بناته .. فقال : ( من عال جاريتين حتى تبلغا .. جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه ) .. ( ) وأوصى بها أولادها فقال فإنه لما سأله رجل فقال : من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : أمك .. ثم أمك .. ثم أمك .. ثم أبوك .. ( ) بل أوصى r بالمرأة زوجها .. وذمّ من غاضب زوجته أو أساء إليها .. وانظر إليه r وقد قام في حجة الوداع .. فإذا بين يديه مائةُ ألف حاج .. فيهم الأسود والأبيض .. والكبير والصغير .. والغني والفقير .. صاح r بهؤلاء جميعاً وقال لهم : ألا واستوصوا بالنساء خيراً .. ألا واستوصوا بالنساء خيراً .. ( ) وفي يوم من الأيام أطاف بأزواج رسول الله r نساء كثير يشتكين أزواجهن ..فلما علم النبي r بذلك .. قام .. وقال للناس : لقد طاف بآل محمد r نساء كثير يشتكين أزواجهن .. ليس أولائك بخياركم .. ( ) وقال : ( خيرُكم خيرُكم لأهله وأنا خيركم لأهلي ) .. ( ) بل .. قد بلغ من إكرام الدين للمرأة .. أنها كانت تقوم الحروب .. وتسحق الجماجم .. وتتطاير الرؤوس .. لأجل عرض امرأة واحدة .. كان اليهود يساكنون المسلمين في المدينة .. وكان يغيظهم نزولُ الأمر بالحجاب .. وتسترُ المسلمات .. ويحاولون أن يزرعوا الفساد والتكشف في صفوف المسلمات .. فما استطاعوا .. وفي أحد الأيام جاءت امرأة مسلمة إلى سوق يهود بني قينقاع .. وكانت عفيفة متسترة .. فجلست إلى صائغ هناك منهم .. فاغتاظ اليهود من تسترها وعفتها .. وودوا لو يتلذذون بالنظر إلى وجهها .. أو لمسِها والعبثِ بها .. كما كانوا يفعلون ذلك قبل إكرامها بالإسلام .. فجعلوا يريدونها على كشف وجهها .. ويغرونها لتنزع حجابها .. فأبت .. وتمنعت .. فغافلها الصائغ وهي جالسة .. وأخذ طرف ثوبها من الأسفل .. وربطه إلى طرف خمارها المتدلي على ظهرها .. فلما قامت .. ارتفع ثوبها من ورائها .. وتكشفت أعضاؤها .. فضحك اليهود منها.. فصاحت المسلمة العفيفة .. وودت لو قتلوها ولم يكشفوا عورتها .. فلما رأى ذلك رجل من المسلمين .. سلَّ سيفه .. ووثب على الصائغ فقتله ..فشد اليهود على المسلم فقتلوه .. فلما علم النبي r بذلك .. وأن اليهود قد نقضوا العـهد وتعرضوا للمسلمات .. حاصرهم .. حتى استسلموا ونزلوا على حكمه .. فلما أراد النبي r أن ينكل بهم .. ويثأر لعرض المسلمة العفيفة .. قام إليه جندي من جند الشيطان .. الذين لا يهمهم عرض المسلمات .. ولا صيانة المكرمات .. وإنما هم أحدهم متعة بطنه وفرجه .. قام رأس المنافقين .. عبد الله بن أُبيّ ابن سلول .. فقال : يا محمد أحسن في موالي اليهود وكانوا أنصاره في الجاهلية .. فأعرض عنه النبي r .. وأبـَى .. إذ كيف يطلب العفو عن أقوام يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا !! فقام المنافق مرة أخرى .. وقال : يا محمد أحسن إليهم .. فأعرض عنه النبي r .. صيانة لعرض المسلمات .. وغيرة على العفيفات .. فغضب ذلك المنافق .. وأدخل يده في جيب درع النبي r .. وجرَّه وهو يردد : أحسن إلى مواليّ .. أحسن إلى مواليّ .. فغضب النبي r والتفت إليه وصاح به وقال : أرسلني .. فأبى المنافق .. وأخذ يناشد النبي r العدول عن قتلهم .. فالتفت إليه النبي r وقال : هم لك .. ثم عدل عن قتلهم .. لكنه r أخرجهم من المدينة .. وطرَّدهم من ديارهم .. نعم المرأة العفيفة تستحق أكثر من ذلك .. كانت خولة بنت ثعلبة t من الصحابيات الصالحات .. وكان زوجها أوس بن الصامت شيخاً كبيراً يسرع إليه الغضب .. دخل عليها يوماً راجعاً من مجلس قومه .. فكلمها في شيء فردت عليه .. فتخاصما .. فغضب فقال : أنت علي كظهر أمي .. وخرج غاضباً .. كانت هذه الكلمة في الجاهلية إذا قالها الرجل لزوجته صارت طلاقاً .. أما في الإسلام فلا تعلم خولة حكمها .. رجع أوس إلى بيته .. فإذا امرأته تتباعد عنه .. وقالت له : والذي نفس خويلة بيده لا تخلص إلي وقد قلت ما قلت .. حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه .. ثم خرجت خولة إلى رسول الله e فذكرت له ما تلقى من زوجها .. وجعلت تشكو إليه ما سوء خلقه معها .. فجعل رسول الله e يصبرها ويقول : يا خويلة ابن عمك .. شيخ كبير .. فاتقي الله فيه .. وهي تدافع عبراتها وتقول : يا رسول الله .. أكل شبابي .. ونثرت له بطني .. حتى إذا كبرت سني .. وانقطع ولدي .. ظاهر مني .. اللهم إني أشكو إليك .. وهو e ينتظر أن ينزل الله تعالى فيهما حكماً من عنده .. فبينما خولة عند رسول الله e إذ هبط جبريل من السماء على رسول الله e .. بقرآن فيه حكمها وحكم زوجها .. فالتفت e إليها وقال : يا خويلة .. قد أنزل فيك وفي صاحبك قرآناً .. ثم قرأ " قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير " إلى آخر الآيات من أول سورة المجادلة .. ثم قال لها e مُريه فليعتق رقبة .. فقالت : يا رسول الله .. ما عنده ما يعتق .. قال : فليصم شهرين متتابعين .. قالت : والله إنه لشيخ كبير ما له من صيام .. قال : فليطعم ستين مسكيناً وسقاً من تمر .. قالت : يا رسول الله .. ما ذاك عنده .. فقال e : فإنا سنعينه بعرق من تمر .. قالت : والله يا رسول الله .. أنا سأعينه بعرق آخر .. فقال e : قد أصبت وأحسنت .. فاذهبي فتصدقي به عنه .. ثم استوصي بابن عمك خيراً .. ( ) فسبحان من وهبه اللين والتحمل مع الجميع .. حتى في مشاكلهم الشخصية .. يتفاعل معهم .. وقد جربت بنفسي .. التعامل باللين والمهارات العاطفية مع البنت والزوجة .. وقبل ذلك الأم والأخت .. فوجدت لها من التأثير الكبير .. ما لا يتصوره إلا من مارسه .. فالمرأة لا يكرمها إلا كريم .. ولا يهينها إلا لئيم .. وقفة .. قد تصبر المرأة على .. فقر زوجها .. وقبحه .. وانشغاله .. لكنها قل أن تصبر على سوء خلقه .. |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
11. الصغار .. |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
12. العبيد والمماليك .. |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
13. مع المخالفين .. |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
14. الحيوانات !! |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
15. 100 طريقة لكسب قلوب الناس كل صاحب هم يتفنن في صيد ما يريد .. عاشق المال يتفنن في جمعه وتنميته .. ويحرص على تعلم مهارات التجارة والربح .. القنوات الفضائية تتفنن في اصطياد الناس بتنويع البرامج واختيار الأساليب المتجددة .. وتدريب مقدمي البرامج على مهارات تجذب الناس لمتابعتها .. وقل مثل ذلك في وسائل الإعلام المقروءة .. والمسموعة .. ومثله مروجو البضائع المختلفة سواء كانت حلالاً أم حراماً .. كلهم يحرصون على إتقان المهارات التي تفيدهم في مجالهم الذي يحبونه .. وكسب القلوب فن من الفنون له طرقه وأساليبه .. هب أنك دخلت مجلساً فيه أربعون رجلاً .. فمررت بالناس تصافحهم .. فالأول مددت يدك إليه مسلماً فناولك طرف يده .. وقال ببرود : أهلاً .. أهلاً .. والثاني كان مشغولاً بحديث جانبي .. ففاجأته بالسلام .. فرد ببرود أيضاً وصافحك دون أن ينظر إليك .. والثالث كان يتحدث بهاتفه .. فمد يده إليك دون أن يتلفظ بكلمة ترحيب .. أو يبدي لك أي اهتمام .. أما الرابع .. فلما رآك مقبلاً قام مستعداً للسلام .. فلما التقت عينك بعينه ابتسم وأظهر البشاشة بلقياك .. وصافحك بحرارة .. واحتفى بقدومك .. وأنت لا تعرفه ولا يعرفك !! ثم أكملت سلامك على الناس .. وجلست .. بالله عليك ! ألا تشعر أن قلبك ينجذب نحو ذلك الشخص ؟ بلى .. ينجذب إليه .. وأنت لا تعرفه .. ولا تدري عن اسمه .. ولا تعلم وظيفته ولا مركزه .. ومع ذلك استطاع أن يسلب قلبك .. لا بماله .. ولا بمنصبه .. ولا بحسبه ونسبه .. وإنما بمهارات تعامله .. إذن القلوب لا تكسب بالقوة ولا بالمال ولا بالجمال ولا بالوظيفة .. وإنما تكسب بأقل من ذلك وأسهل .. ومع ذلك فقليل من يستطيع كسبها .. أذكر أن أحد طلابي في الكلية أصيب بمرض نفسي .. كان نوعاً صعباً من الاكتئاب .. كان والده ضابطاً يشغل منصباً عالياً .. جاء مراراً إلى الكلية وقابلني وتعاونّا على علاج ابنه .. كنت أذهب إلى بيتهم أحياناً فأراه قصراً منيفاً .. وأرى مجلس الأب مليئاً بالضيوف .. لا تكاد تجد فيه مكاناً فارغاً .. كنت أعجب من محبة الناس لهذا الرجل وإقبالهم عليه .. مضت سنوات وتقاعد الأب من منصبه .. فذهبت إليه زائراً .. دخلت القصر .. ثم دلفت إلى المجلس وفيه أكثر من خمسين كرسياً .. فلم أر في المجلس إلا الرجل يتابع برنامجاً في التلفاز .. وخادماً يخدمه بالقهوة والشاي .. جلست معه قليلاً .. فلما خرجت جعلت أتذكر حاله لما كان في وظيفته .. وحاله الآن .. ما الذي كان يجمع الناس فيما مضى ؟ ما الذي كان يجعلهم يلتمون عليه مؤانسين متحببين ؟! أدركت عندها أن الرجل لم يكسب الناس بأخلاقه ولطفه وحسن تعامله .. وإنما كسبهم بمنصبه ووجاهته وسعة علاقاته .. فلما زال المنصب زالت معه المحبة .. فخذ من صاحبنا درساً .. وتعامل مع الناس بمهارات تجعلهم يحبونك لشخصك .. يحبون أحاديثك وابتسامتك ورفقك وحسن معشرك .. يحبون تغاضيك عن أخطائهم .. ووقوفك معهم في مصائبهم .. لا تجعل قلوبهم معلقة بكرسيك وجيبك !! الذي يوفر لأولاده وزوجته المال والطعام والشراب لم يكسب قلوبهم .. وإنما كسب بطونهم .. والذي يغدق على أهله الأموال .. مع سوء التعامل .. لم يكسب قلوبهم .. إنما كسب جيوبهم .. لذلك لا تستغرب إذا وجدت شاباً تقع له مشكلة فيشكوها إلى صديق أو إمام مسجد أو مدرس .. ويترك أباه .. لأن الأب لم يكسب قلبه .. ولم يحطم الأسوار بينهما .. بينما كسب هذا القلب مدرس أو صديق .. وربما كسبه عدو حاقد !! وأمر آخر مهم .. ألا تلاحظ معي أن بعض الناس إذا دخل مجلساً مزدحماً .. وجعل يتلفت باحثاً عن مكان يجلس فيه .. رأيت الجالسين يتسابقون عليه كل يناديه ليجلس بجانبه !.. لماذا؟ هل دعيت يوماً إلى عشاء .. وكان بنظام ( البوفيه المفتوح ) .. بحيث إن كل شخص يأخذ طعامه في طبق ويجلس على إحدى الطاولات الدائرية .. ألم تر بعض الناس ما إن يملأ طبقه بالطعام حتى يتهافت عدد من الناس يشيرون إليه بوجود مكان فارغ .. ليجلس معهم .. بينما آخر يملأ طبقه بالطعام .. ويتلفت ولا أحد يناديه أو يقبل عليه .. حتى تسوقه قدماه إلى إحدى الطاولات .. لماذا حرص الناس على الأول دون الثاني .. ألا تشعر أن بعض الناس تقبل عليه القلوب أينما كان .. وكأن في يده مغناطيس يجذبها به جذباً !! عجباً ! كيف استطاع هؤلاء جميعا كسب الناس ؟! إنها طرق ذكية يستطيع بها الشخص أن يصيد بها القلوب .. قرار .. قدرتنا على أسر قلوب الآخرين .. وكسب محبتهم الصادقة .. تمنحنا جانباً كبيراً من المتعة بالحياة .. |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
16. أحسن النية.. لوجه الله .. جعلت أتأمل أساليب تعامل بعض الأشخاص .. وعشت معهم سنين .. لا أذكر أني رأيت منهم ابتسامة .. بل ولا حتى مجاملة بضحك على طرفة .. أو تفاعل مع متحدث .. كنت أظن أنهم نشئوا هكذا ولا يستطيعون غيره .. ثم تفاجأت برؤيتهم في مواطن معينة .. ومع بعض الناس – من الأغنياء وأصحاب النفوذ تحديداً – يحسنون الضحك والتلطف .. فأدركت أنهم ما يفعلون ذلك إلا لمصلحة .. فيفوتهم بذلك أجر عظيم .. إذن المؤمن يتعبد لله تعالى بأخلاقه ومهارات تعامله .. مع جميع الناس .. لا لأجل منصب أو مال .. ولا لأجل أن يمدحه الناس .. ولا لأجل أن يزوج أو يسلف مالاً .. وإنما ليحبه الله ويحببه إلى خلقه .. نعم .. من اعتبر حسن الخلق عبادة .. صار يتعامل بأحسن المهارات مع الغني والفقير .. والمدير والفراش .. لو مررت يوماً بعامل مسكين يكنس الشارع .. ومد يده إليك ؟ ودخلت يوماً آخر على مسئول كبير فمد يده .. هل هما متساويان ؟ في احتفائك بهما .. وتبسمك وبشاشتك ؟ لا أدري !! أما رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. فكانا عنده متساويين في الاحتفاء والنصح والشفقة .. وما يدريك لعل من تزدريه وتتكبر عليه يكون عند الله خيراً من ملء الأرض من مثل الذي تكرمه وتقبل عليه .. قال .. صلى الله عليه وسلم .. ( إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً ) ( ) .. وقال للأشج بن عبد قيس : ( إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله ) .. فما هما الخصلتان : قيام الليل ! صيام النهار ؟ .. استبشر الأشج t .. وقال : ما هما يا رسول الله ؟ فقال عليه الصلاة والسلام ( الحلم .. والأناة ) .. ( ) وسئل .. صلى الله عليه وسلم .. عن البر ؟.. فقال : ( البر حسن الخلق ) .. ( ) وسئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال : ( تقوى الله وحسن الخلق ) ..( ) وقال .. صلى الله عليه وسلم .. : ( أكمل المؤمنين إيماناً أحاسنهم أخلاقاً الموطؤون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ) .. ( ) وقال .. صلى الله عليه وسلم .. : ( ما شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق ) ..( ) وقال .. صلى الله عليه وسلم .. : ( إن الرجل ليبلغ بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار ) ..( ) ومن حسن خلقه ربح في الدارين .. وإن شئت فانظر إلى أم سلمة t .. وقد جلست مع رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. .. فتذكرت الآخرة وما أعد الله فيها .. فقالت : يا رسول الله .. المرأة يكون لها زوجان في الدنيا .. فإذا ماتت .. وماتا .. فإذا ماتت وماتا ودخلوا جميعاً إلى الجنة .. فلمن تكون ؟ فماذا قال ؟ تكون لأطولهما قياماً ؟ أم لأكثرهما صياماً ؟ أم لأوسعهما علماً ؟ كلا .. وإنما قال : تكون لأحسنهما خلقاً .. فعجبت أم سلمة .. فلما رأى دهشتها قال عليه الصلاة والسلام : ياااا أم سلمة .. ذهب حسن الخلق بخيري الدنيا والآخرة .. نعم ذهب بخيري الدنيا والآخرة .. أما خير الدنيا فهو ما يكون له من محبة في قلوب الخلق .. وأما خير الآخرة فهو ما يكون له من الأجر العظيم .. ومهما أكثر الإنسان من الأعمال الصالحات .. فإنها قد تفسد عليه إذا كان سيء الخلق .. ذُكر للنبي .. صلى الله عليه وسلم .. حالُ امرأة .. وذكر له أنها تصلي وتصوم وتتصدق وتفعل .. لكنها تؤذي جيرانها بلسانها ..( يعني سيئة الخلق ) .. فقال .. صلى الله عليه وسلم .. : ( هي في النار ) .. وقد كان النبي .. صلى الله عليه وسلم .. الأسوة الحسنة .. في كل خلق حميد .. كان أكرمَ الناس .. وأشجعَهم .. وأحلمَهم .. كان أشدَّ حياءً من العذراء في خدرها .. كان أميناً صادقاً .. يشهد له الكفار بذلك قبل المؤمنين .. والفساقُ قبل الصالحين .. حتى قالت خديجة t أول ما نزل عليه الوحي .. لما رأت تغير حاله .. قالت : والله لا يخزيك الله أبداً .. ( لمـــاذا ؟؟ ) .. إنك لتصل الرحم .. وتحمل الكل .. وتكسب المعدوم .. وتقري الضيف .. وتعين على نوائب الحق .. وتصدق الحديث .. وتؤدي الأمانة .. بل أثنى الله عليه ثناء نتلوه إلى يوم القيامة .. فقال : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) .. وكان .. صلى الله عليه وسلم .. خلقَه القرآن .. نعم خلقه القرآن .. فإذا قرأ ( وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ) .. أحسن .. نعم أحسن إلى الكبير والصغير .. والغني والفقير .. إلى شرفاء الناس ووضعائهم .. وكبارهم وصغارهم .. وإذا سمع قول الله : ( فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا ) .. عفا وصفح .. وإذا تلا : ( وقولوا للناس حسناً ) .. تكلم بأحسن الكلام .. فمادام أنه .. صلى الله عليه وسلم .. قدوتنا .. ومنهجه منهجُنا .. تأمل حياته .. صلى الله عليه وسلم .. .. كيف كان يتعامل مع الناس .. كيف كان يعالج أخطاءهم .. ويتحمل أذاهم .. كيف كان يتعب لراحتهم .. وينصب لدعوتهم .. فيوماً تراه يسعى في حاجة مسكين .. ويوماً يفصل خصومة بين المؤمنين .. ويوماً يدعو الكافرين .. حتى كبرت سنه .. ورق عظمه .. ووصفت عائشة حاله فقالت : كان أكثرُ صلاة النبي .. صلى الله عليه وسلم .. بعدما كبر جالساً ( لمـــاذا ؟؟ ) .. بعدما حطمه الناس .. نعم .. حطمه الناس .. وإذا كانت النفوس كباراً *** تعبت في مرادها الأجسام بل بلغ من حرصه .. صلى الله عليه وسلم .. على الخلق الحسن .. أنه كان يدعو الله فيقول – ( اللهم كما أحسنت خَلْقي فأحسن خُلقي ) ( ) .. وكان يقول : ( اللهم أهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، وأصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت ) ( ) فنحن نحتاج إلى أن نقتدي به .. صلى الله عليه وسلم .. في أخلاقه .. مع المسلمين لكسبهم ودعوتهم .. بل ومع الكافرين ليعرفوا حقيقة الإسلام .. إشارة .. أحسن النية .. لتكون مهارات تعاملك مع الآخرين عبادة تتقرب بها إلى الله .. |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
17. استعمل الطُّعم المناسب !! الناس بطبيعتهم يتفقون في أشياء كلهم يحبونها ويفرحون بها .. ويتفقون في أشياء أخرى كلهم يكرهونها .. ويختلفون في أشياء منهم من يفرح بها .. ومنهم من يستثقلها .. فكل الناس يحبون التبسم في وجوههم .. ويكرهون العبوس والكآبة .. لكنهم إلى جانب ذلك .. منهم من يحب المرح والمزاح .. ومنهم من يستثقله .. منهم من يحب أن يزوره الناس ويدعونه .. ومنهم الانطوائي .. ومنهم من يحب الأحاديث وكثرة الكلام .. ومنهم من يبغض ذلك .. وكل واحد في الغالب يرتاح لمن وافق طباعه .. فلماذا لا توافق طباع الجميع عند مجالستهم .. وتعامل كل واحد بما يصلح له ليرتاح إليك ؟ ذكروا أن رجلاً رأى صقراً يطير بجانب غراب !! فعجب .. كيف يطير ملك الطيور مع غراب !! فجزم أن بينهما شيئاً مشتركاً جعلهما يتوافقان .. فجعل يتبعهما ببصره .. حتى تعبا من الطيران فحطا على الأرض فإذا كلهما أعرج !! فإذا علم الولد أن أباه يؤثر السكوت ولا يحب كثرة الكلام .. فليتعامل معه بمثل ذلك ليحبه ويأنس بقربه .. وإذا علمت الزوجة أن زوجها يحب المزاح .. فلتمازحه .. فإن علمت أنه ضد ذلك فلتتجنب .. وقل مثل ذلك عند تعامل الشخص مع زملائه .. أو جيرانه .. أو إخوانه .. لا تحسب الناس طبعاً واحداً فلهم طبائع لست تحصيهن ألوان أذكر أن عجوزاً صالحة – وهي أم لأحد الأصدقاء – كانت تمدح أحد أولادها كثيراً .. وترتاح إذا زارها أو تحدث معها .. مع أن بقية أولادها يبرون بها ويحسنون إليها .. لكن قلبها مقبل على ذاك الولد .. كنت أبحث عن السرّ .. حتى جلست معه مرة فسألته عن ذلك .. فقال لي : المشكلة أن إخواني لا يعرفون طبيعة أمي .. فإذا جلسوا معها صاروا عليها ثقلاء .. فقلت له مداعباً : وهل اكتشف معاليكم طبيعتها ..!! ضحك صاحبي وقال : نعم .. سأخبرك بالسرّ .. أمي كبقية العجائز .. تحب الحديث حول النساء وأخبار من تزوجت وطلقت .. وكم عدد أبناء فلانة .. وأيهم أكبر .. ومتى تزوج فلان فلانة ؟ وما اسم أول أولادهما .. إلى غير ذلك من الأحاديث التي أعتبرها أنا غير مفيدة .. لكنها تجد سعادتها في تكرارها .. وتشعر بقيمة المعلومات التي تذكرها .. لأننا لن نقرأها في كتاب ولن نسمعها في شريط .. ولا تجدها – قطعاً – في شبكة الإنترنت !! فتشعر أمي وأنا أسألها عنها أنها تأتي بما لم يأت به الأولون .. فتفرح وتنبسط .. فإذا جالستها حركت فيها هذه المواضيع فابتهجت .. ومضى الوقت وهي تتحدث .. وإخواني لا يتحملون سماع هذه الأخبار .. فيشغلونها بأخبار لا تهمها .. وبالتالي تستثقل مجلسهم .. وتفرح بي !! هذا كل ما هنالك .. نعم أنت إذا عرفت طبيعة من أمامك .. وماذا يحب وماذا يكره .. استطعت أن تأسر قلبه .. ومن تأمل في تعامل النبي .. صلى الله عليه وسلم .... مع الناس وجد أنه كان يعامل مع كل شخص بما يتناسب مع طبيعته..في تعامله مع زوجاته كان يعامل كل واحدة بالأسلوب الذي يصلح لها .. عائشة كانت شخصيتها انفتاحية .. فكان يمزح معها .. ويلاطفها .. ذهبت معه مرة في سفر .. فلما قفلوا راجعين واقتربوا من المدينة .. قال .. صلى الله عليه وسلم ..للناس : تقدموا عنا .. فتقدم الناس عنه .. حتى بقي مع عائشة .. وكانت جارية حديثة السن .. نشيطة البدن .. فالتفت إليها ثم قال : تعاليْ حتى أسابقك .. فسابقته .. وركضت وركضت .. حتى سبقته .. وبعدها بزمان .. خرجت معه .. صلى الله عليه وسلم ..في سفر .. بعدما كبرت وسمنت .. وحملت اللحم وبدنت .. فقال.. صلى الله عليه وسلم ..للناس : تقدموا .. فتقدموا .. ثم قال لعائشة : تعاليْ حتى أسابقك .. فسابقته .. فسبقها .. فلما رأى ذلك .. جعل يضحك ويضرب بين كتفيها .. ويقول : هذه بتلك .. هذه بتلك .. بينما كان يتعامل مع خديجة تعاملاً آخر .. فقد كانت تكبره في السن بخمس عشرة سنة .. حتى مع أصحابه .. كان يراعي ذلك .. فلم يلبس أبا هريرة عباءة خالد .. ولم يعامل أبا بكر كما يعامل طلحة .. وكان يتعامل مع عمر تعاملاً خاصاً .. ويسند إليه أشياء لا يسندها إلى غيره .. انظر إليه .. صلى الله عليه وسلم ..وقد خرج مع أصحابه إلى بدر .. فلما سمع بخروج قريش .. عرف أن رجالاً من قريش سيحضرون إلى ساحة المعركة كرهاً .. ولن يقع منهم قتال على المسلمين .. فقام .. صلى الله عليه وسلم ..في أصحابه وقال : إني قد عرفت رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهاً .. لا حاجة لهم بقتالنا .. فمن لقي منكم أحداً من بني هاشم فلا يقتله .. ومن لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله .. ومن لقي العباس بن عبد المطلب عم رسول الله .. صلى الله عليه وسلم ..فلا يقتله .. فإنه إنما خرج مستكرهاً .. وقيل إن العباس كان مسلماً يكتم إسلامه .. وينقل أخبار قريش إلى رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. .. فلم يحب النبي.. صلى الله عليه وسلم ..أن يقتله المسلمون .. ولم يحب كذلك أن يظهر أمر إسلامه .. كانت هذه المعركة أول معركة تقوم بين الفريقين .. المسلمين وكفار قريش .. وكانت نفوس المسلمين مشدودة .. فهم لم يستعدوا لقتال .. وسيقاتلون أقرباء وأبناء وآباء .. وهذا رسول الله .. صلى الله عليه وسلم ..يمنعهم من قتل البعض .. وكان عتبة بن ربيعة من كبار كفار قريش .. ومن قادة الحرب .. وكان ابنه أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة .. مع المسلمين .. فلم يصبر أبو حذيفة .. بل قال : أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا ونترك العباس !! والله لئن لقيته لألحمنه بالسيف .. فبلغت كلمته رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .... فالتفت النبي عليه الصلاة والسلام .. فإذا حوله أكثر من ثلاثمائة بطل .. فوجه نظره فوراً إلى عمر .. ولم يلتفت إلى غيره .. وقال : يا أبا حفص .. أيضرب وجه عم رسول الله بالسيف ؟! قال عمر : والله إنه لأول يوم كناني فيه رسول الله .. صلى الله عليه وسلم ..بأبي حفص .. وكان عمر رهن إشارة النبي .. صلى الله عليه وسلم .... ويعلم أنهم في ساحة قتال لا مجال فيها للتساهل في التعامل مع من يخالف أمر القائد .. أو يعترض أمام الجيش .. فاختار عمر حلاً صارماً فقال : يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه بالسيف .. فمنعه النبي .. صلى الله عليه وسلم .... ورأى أن هذا التهديد كاف في تهدئة الوضع .. كان أبو حذيفة t رجلاً صالحاً .. فكان بعدها يقول : ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ .. ولا أزال منها خائفاً إلا أن تكفرها عني الشهادة .. فقتل يوم اليمامة شهيداً t .. هذا عمر .. كان .. صلى الله عليه وسلم ..يعلم بنوع الأعمال التي يسندها إليه .. فليس الأمر متعلقاً بجمع صدقات .. ولا بإصلاح متخاصمين .. ولا بتعليم جاهل .. وإنما هم في ساحة قتال فكانت الحاجة إلى الرجل الحازم المهيب أكثر منها إلى غيره .. لذا اختار عمر .. واستثاره : أيضرب وجه عم رسول الله بالسيف ؟! وفي موقف آخر .. يقبل النبي.. صلى الله عليه وسلم ..على خيبر .. ويقاتل أهلها قتالاً يسيراً .. ثم يصالحهم ويدخلها .. واشترط عليهم أن لا يكتموا شيئاً من الأموال .. ولا يغيبوا شيئاً .. ولا يخبئوا ذهباً ولا فضة .. بل يظهرون ذلك كله ويحكم فيه .. وتوعدهم إن كتموا شيئاً أن لا ذمة لهم ولا عهد .. وكان حيي بن أخطب من رؤوسهم .. وكان جاء من المدينة بجلد تيس مدبوغ ومخيط ووملوء ذهباً وحلياً .. وقد مات حيي وترك المال .. فخبئوه عن رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .... فقال .. صلى الله عليه وسلم .. لعم حيي بن أخطب : ما فعل مسك حيي الذي جاء به من النضير ؟ أي الجلد المملوء ذهباً .. فقال : أذهبته النفقات والحروب .. فتفكر .. صلى الله عليه وسلم ..في الجواب .. فإذا موت حيي قريب والمال كثير .. ولم تقع حروب قريبة تضطرهم إلى إنفاقه .. فقال .. صلى الله عليه وسلم ..: العهد قريب .. والمال أكثر من ذلك .. فقال اليهودي : المال والحلي قد ذهب كله .. فعلم النبي .. صلى الله عليه وسلم ..أنه يكذب .. فنظر e إلى أصحابه فإذا هم كثير بين يديه .. وكلهم رهن إشارته .. فالتفت إلى الزبير بن العوام وقال : يا زبير .. مُسَّه بعذاب .. فأقبل إليه الزبير متوقداً .. فانتفض اليهودي .. وعلم أن الأمر جد .. فقال : قد رأيت حُيياً يطوف في خربة ها هنا .. وأشار إلى بيت قديم خراب .. فذهبوا فطافوا فوجدوا المال مخبئاً في الخربة .. هذا في حاله .. صلى الله عليه وسلم ..مع الزبير .. يعطي القوس باريها .. وكان الصحابة يتعامل بعضهم مع بعض على هذا الأساس .. لما مرض رسول الله .. صلى الله عليه وسلم ..مرض الموت .. واشتد عليه الوجع .. لم يستطع القيام ليصلي بالناس .. فقال وهو على فراشه : مروا أبا بكر فليصل بالناس .. وكان أبو بكر رجلاً رقيقاً .. وهو صاحب رسول الله .. صلى الله عليه وسلم ..في حياته وبعد مماته .. وهو صديقه في الجاهلية والإسلام .. وهو أبو زوجة النبي .. صلى الله عليه وسلم ..عائشة .. وهو .. وكان يحمل في صدره جبلاً من حزن بسبب مرض النبي.. صلى الله عليه وسلم .... فلما أمر النبي .. صلى الله عليه وسلم ..أن يبلغوا أبا بكر ليصلي بالناس .. قال بعض الحاضرين عند النبي .. صلى الله عليه وسلم ..: إن أبا بكر رجل أسيف .. أي رقيق .. إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس .. أي من شدة التأثر والبكاء .. وكان النبي.. صلى الله عليه وسلم ..يعلم ذلك عن أبي بكر .. أنه رجل رقيق يغلبه البكاء .. خاصة في هذا الموطن .. لكنه .. صلى الله عليه وسلم .. كان يشير إلى أحقية أبي بكر بالخلافة من بعده .. يعني : إذا أنا غير موجود فأبو بكر يتولى المسئولية .. فأعاد .. صلى الله عليه وسلم ..الأمر : مروا أبا بكر فليصل بالناس .. حتى صلى أبو بكر .. ومع رقة أبي بكر .. إلا أنه كان ذا هيبة .. وله حدة غضب أحياناً تكسوه جلالاً .. وكان رفيق دربه عمر t يراعي ذلك منه .. انظر إليهم جميعاً .. وقد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة .. بعد وفاة النبي .. صلى الله عليه وسلم .... ليتفقوا على خليفة .. اجتمع المهاجرون والأنصار .. وانطلق عمر إلى أبي بكر واصطحبا إلى السقيفة .. قال عمر : فأتيناهم في سقيفة بني ساعدة .. فلما جلسنا تشهد خطيب الأنصار .. وأثنى على الله بما هو له أهل ثم قال : أما بعد فنحن أنصار الله .. وكتيبة الإسلام .. وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا .. وقد دفت دافة من قومكم وإذا هم يريدون أن يحتازونا من أصلنا .. ويغصبونا الأمر .. فلما سكت أردت أن أتكلم ، وقد زورت في نفسي مقالة قد أعجبتني ، أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر .. وكنت أداري منه بعض الحِدّة .. فقال أبو بكر : على رسلك يا عمر .. فكرهت أن أغضبه .. فتكلم وهو كان أعلم مني وأوقر .. فوالله ما ترك من كلمة أعجبتني من تزويري إلا قالها في بديهته .. أو قال مثلها .. أو أفضل منها حتى سَكَتَ .. قال أبو بكر : أما ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل .. ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش .. هم أوسط العرب نسباً وداراً .. وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم .. وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا .. ولم أكره شيئا مما قاله غيرها .. كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقرّبني ذلك إلى إثم .. أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر .. سكت الناس .. فقال قائل من الأنصار : أنا جذيلها المحكك .. وعذيقها المرجب .. منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش .. قال عمر : فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى تخوفت الاختلاف .. فقلت : ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته ، ثم بايعه المهاجرون ، ثم بايعه الأنصار .. نعم .. كل واحد من الناس له مفتاح تستطيع به فتح أبواب قلبه .. وكسب محبته والتأثير عليه .. وهذا تلاحظه في حياة الناس .. أفلم تسمع زملاء عملك يوماً يقولون : المدير .. مفتاحه فلان .. إذا أردتم شيئاً فاجعلوا فلاناً يطلبه لكم .. أو يقنع المدير به .. فلماذا لا تجعل مهاراتك مفاتيح لقلوب الناس .. فتكون رأساً لا ذيلاً .. نعم كن متميزاً .. وابحث عن مفتاح قلب أمك وأبيك وزوجتك وولدك .. اعرف مفتاح قلب مديرك في العمل .. زملائك .. ومعرفة هذه المفاتيح تفيدنا حتى في جعلهم يتقبلون النصح الذي يصدر منا لهم .. إذا أحسنا تقديم هذا النصح بأسلوب مناسب .. فهم ليسوا سواء في طريقة النصح .. بل حتى في إنكار الخطأ إذا وقع منهم .. وانظر إلى رسول الله .. صلى الله عليه وسلم ..وقد جلس يوماً في مجلسه المبارك يحدث أصحابه .. فبينما هم على ذلك .. فإذا برجل يدخل إلى المسجد .. يتلفت يميناً ويساراً .. فبدل أن يأتي ويجلس في حلقة النبي e .. توجه إلى زاوية من زوايا المسجد .. ثم جعل يحرك إزاره !! عجباً !! ماذا سيفعل ؟! رفع طرف إزاره من الأمام ثم جلس بكل هدوء .. يبول ..!! عجب الصحابة .. وثاروا .. يبول في المسجد !! وجعلوا يتقافزون ليتوجهوا إليه .. والنبي.. صلى الله عليه وسلم ..يهدئهم .. ويسكن غضبهم .. ويردد : لا تزرموه .. لا تعجلوا عليه .. لا تقطعوا عليه بوله .. والصحابة يلتفتون إليه .. وهو لعله لم يدر عنهم .. لا يزال يبول .. والنبي.. صلى الله عليه وسلم ..يرى هذا المنظر .. بول في المسجد .. ويهدئ أصحابه !! آآآه مااااا أحلمه !! حتى إذا انتهى الأعرابي من بوله .. وقام يشد على وسطه إزاره .. دعاه النبي.. صلى الله عليه وسلم .. بكل رفق .. أقبل يمشي حتى إذا وقف بين يديه .. قال له .. صلى الله عليه وسلم ..بكل رفق : إن هذه المساجد لم تبن لهذا .. إنما بنيت للصلاة وقراءة القرآن .. انتهى .. نصيحة باختصار .. فَهِم الرجل ذلك ومضى .. فلما جاء وقت الصلاة أقبل ذاك الأعرابي وصلى معهم .. كبر النبي.. صلى الله عليه وسلم ..بأصحابه مصلياً .. فقرأ ثم ركع .. فلما رفع e من ركوعه قال : سمع الله لمن حمده .. فقال المأمومون : ربنا ولك الحمد .. إلا هذا الرجل قالها وزاد بعدها : اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً !! وسمعه النبي .. صلى الله عليه وسلم .... فلما انتهت الصلاة .. التفت e إليهم وسألهم عن القائل .. فأشاروا إليه .. فناداه النبي.. صلى الله عليه وسلم .. فلما وقف بين يديه فإذا هو الأعرابي نفسه .. وقد تمكن حب النبي e من قلبه حتى ود لو أن الرحمة تصيبهما دون غيرهما .. فقال له .. صلى الله عليه وسلم .. معلماً : لقد تحجرت واسعاً !! أي إن رحمة الله تعالى تسعنا جميعاً وتسع الناس .. فلا تضيقها علي وعليك .. فانظر كيف ملك عليه قلبه .. لأنه عرف كيف يتصرف معه .. فهو أعرابي أقبل من باديته .. لم يبلغ من العلم رتبة أبي بكر وعمر .. ولا معاذ وعمار .. فلا يؤاخذ كغيره .. وإن شئت فانظر أيضاً إلى معاوية بن الحكم t .. كان من عامة الصحابة .. لم يكن يسكن المدينة .. ولم يكن مجالساً للنبي عليه الصلاة والسلام .. وإنما كان له غنم في الصحراء يتتبع بها الخضراء .. أقبل معاوية يوماً إلى المدينة فدخل المسجد .. وجلس إلى رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. وأصحابه .. فسمعه يتكلم عن العطاس .. وكان مما علم أصحابه أن إذا سمع المسلم أخاه عطس فحمد الله فإنه يقول له : يرحمك الله .. حفظها معاوية .. وذهب بها .. وبعد أيام جاء إلى المدينة في حاجة .. فدخل المسجد فإذا النبي عليه الصلاة والسلام يصلي بأصحابه .. فدخل معهم في الصلاة .. فبينما هم على ذلك إذ عطس رجل من المصلين .. فما كاد يحمد الله .. حتى تذكر معاوية أنه تعلم أن المسلم إذا عطس فقال الحمد لله .. فإن أخاه يقول له يرحمك الله .. فبادر معاوية العاطس قائلاً بصوت عالٍ : يرحمك الله . فاضطرب المصلون .. وجعلوا يلتفتون إليه منكرين . فلما رأى دهشتهم .. اضطرب وقال : وااااثكل أُمِّياه !!.. ما شأنكم تنظرون إليّ ؟ .. فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ليسكت .. فلما رآهم يصمّتونه صمت .. فلما انتهت الصلاة .. التفت.. صلى الله عليه وسلم .. إلى الناس .. وقد سمع جلبتهم وأصواتهم .. وسمع صوت من تكلم .. لكنه صوت جديد لم يعتد عليه .. فلم يعرفه .. فسألهم : من المتكلم .. فأشاروا إلى معاوية .. فدعاه النبي عليه الصلاة والسلام إليه .. فأقبل عليه معاوية فزعاً لا يدري بماذا سيستقبله .. وهو الذي أشغلهم في صلاتهم .. وقطع عليهم خشوعهم .. قال معاوية t : فبأبي هو وأمي .. صلى الله عليه وسلم .. .. والله ما رأيـت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه .. والله ما كهرني .. ولا ضربني .. ولا شتمني .. وإنما قال : يا معاوية .. إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس .. إنما هي التسبيح والتكبير .. وقراءة القرآن .. انتهى .. نصيحة باختصار .. ففهمها معاوية .. ثم ارتاحت نفسه .. واطمأن قلبه .. فجعل يسأل النبي عليه الصلاة والسلام عن خواصّ أموره .. فقال : يا رسول الله .. إني حديث عهد بجاهلية .. وقد جاء الله بالإسلام .. وإن منا رجالاً يأتون الكهان ( وهم الذين يدعون علم الغيب ) .. يعني فسألونهم عن الغيب .. فقال .. صلى الله عليه وسلم .. : فلا تأتهم .. يعني لأنك مسلم .. والغيب لا يعلمه إلا الله .. قال معاوية : ومنا رجال يتطيرون ( أي يتشاءمون بالنظر إلى الطير ) .. فقال .. صلى الله عليه وسلم .. : ذاك شيء يجدونه في صدورهم .. فلا يصدنهم ( أي لا يمنعهم ذلك عن وجهتهم .. فإن ذلك لا يؤثر نفعاً ولا ضراً ) .. هذا تعامله مع أعرابي بال في المسجد .. ورجل تكلم في الصلاة .. عاملهم مراعياً أحوالهم .. لأن الخطأ من مثلهم لا يستغرب .. أما معاذ بن جبل فقد كان من أقرب الصحابة إلى رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. .. ومن أكثرهم حرصاً على طلب العلم .. فكان تعامل النبي .. صلى الله عليه وسلم .. مع أخطائه مختلفاً عن تعامله مع أخطاء غيره .. كان معاذ يصلي مع رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. العشاء .. ثم يرجع فيصلي بقومه العشاء إماماً بهم في مسجدهم .. فتكون الصلاة له نافلة ولهم فريضة .. رجع معاذ ذات ليلة لقومه ودخل مسجدهم فكبر مصلياً بهم .. أقبل فتى من قومه ودخل معه في الصلاة .. فلما أتم معاذ الفاتحة قال " ولا الضالين " فقالوا " آمين " .. ثم افتتح معاذ سورة البقرة !! كان الناس في تلك الأيام يتعبون في العمل في مزارعهم ورعيهم دوابهم طوال النهار .. ثم لا يكادون يصلون العشاء حتى يأوون إلى فرشهم .. هذا الشاب .. وقف في الصلاة .. ومعاذ يقرأ ويقرأ .. فلما طالت الصلاة على الفتى .. أتم صلاته وحده .. وخرج من المسجد وانطلق إلى بيته .. انتهى معاذ من الصلاة .. فقال له بعض القوم : يا معاذ .. فلان دخل معنا في الصلاة .. ثم خرج منها لما أطلت .. فغضب معاذ وقال : إن هذا به لنفاق .. لأخبرن رسول الله .. صلى الله عليه وسلم ..بالذي صنع .. فأبلغوا ذلك الشاب بكلام معاذ .. فقال الفتى : وأنا لأخبرن رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. بالذي صنع .. فغدوا على رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. فأخبره معاذ بالذي صنع الفتى .. فقال الفتى : يا رسول الله .. يطيل المكث عندك ثم يرجع فيطيل علينا الصلاة .. والله يا رسول الله إنا لنتأخر عن صلاة العشاء مما يطول بنا معاذ .. فسأل الله النبي.. صلى الله عليه وسلم .. معاذاً : ماذا تقرأ ؟! فإذا بمعاذ يخبره أنه يقرأ بالبقرة .. و .. وجعل يعدد السور الطوال .. فغضب النبي .. صلى الله عليه وسلم .. لما علم أن الناس يتأخرون عن الصلاة بسبب الإطالة .. وكيف صارت الصلاة ثقيلة عليهم .. فالتفت إلى معاذ وقال : أفتان أنت يا معاذ ..؟! يعني تريد أن تفتن الناس وتبغضهم في دينهم .. اقرأ بـ "السماء والطارق" ، "والسماء ذات البروج" ، "والشمس وضحاها" ، "والليل إذا يغشى" .. ثم التفت .. صلى الله عليه وسلم ..إلى الفتى وقال له متلطفاً : كيف تصنع أنت يا بن أخي إذا صليت ؟ قال : أقرأ بفاتحة الكتاب .. وأسأل الله الجنة .. وأعوذ به من النار .. ثم تذكر الفتى أنه يرى النبي .. صلى الله عليه وسلم ..يدعو ويكثر .. ويرى معاذاً كذلك .. فقال في آخر كلامه : وإني لا أدري ما دندنتك ودندنة معاذ .. أي دعاؤكما الطويل لا أعرف مثله !! فقال .. صلى الله عليه وسلم .. : إني ومعاذ حول هاتين ندندن .. يعني دعاؤنا هو فيما تدعو به .. حول الجنة والنار .. فقال الشاب : ولكن سيعلم معاذ إذا قدم القوم وقد خبروا أن العدو قد أتوا .. ما أصنع .. يعني في الجهاد في سبيل الله .. سيتبين لمعاذ إيماني وهو الذي يصفني بالنفاق ! فما لبثوا أياماً .. حتى قامت معركة فقاتل فيها الشاب .. فاستشهد t .. فلما علم به .. صلى الله عليه وسلم .... قال لمعاذ : ما فعل خصمي وخصمك ؟ يعني الذي اتهمته يا معاذ بالنفاق .. قال معاذ : يا رسول الله ، صدق الله وكذبتُ .. لقد استشهد .. فتأمل الفرق في طبائع الرجال .. ومقاماتهم .. وكيف أدى إلى اختلاف تعامل النبي .. صلى الله عليه وسلم .. معهم .. بل .. انظر إلى تعامله.. صلى الله عليه وسلم .. مع أسامة بن زيد .. وهو حبيب رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .... وقد تربى في بيته .. بعث النبي .. صلى الله عليه وسلم ..أصحابه إلى الحرقات من قبيلة جهينة .. وكان أسامة بن زيد t من ضمن المقاتلين بالجيش .. ابتدأ القتال .. في الصباح .. انتصر المسلمون وهرب مقاتلو العدو .. كان من بين جيش العدو رجل يقاتل .. فلما رأى أصحابه منهزمين .. ألقى سلاحه وهرب ..فلحقه أسامة ومعه رجل من الأنصار .. ركض الرجل وركضوا خلفه .. وهو يشتد فزعاً .. حتى عرضت لهم شجرة فاحتمى الرجل بها .. فأحاط به أسامة والأنصاري .. ورفعا عليه السيف .. فلما رأى الرجل السيفين يلتمعان فوق رأسه .. وأحسَّ الموت يهجم عليه .. انتفض وجعل يجمع ما تبقى من ريقه في فمه .. ويردد فزعاً : أشهد أن لا إله إلا الله .. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .. تحير الأنصاري وأسامة .. هل أسلم الرجل فعلاً .. أم أنها حيلة افتعلها .. كانوا في ساحة قتال .. والأمور مضطربة .. يتلفتون حولهم فلا يرون إلا أجساداً ممزقة..وأيدي مقطعة..قد اختلط بعضها ببعض ..الدماء تسيل..النفوس ترتجف .. الرجل بين أيديهما ينظران إليه .. لا بد من الإسراع باتخاذ القرار .. ففي أي لحظة قد يأتي سهم طائش أو غير طائش .. فيرديهما قتيلين .. لم يكن هناك مجال للتفكير الهادئ .. فأما الأنصاري فكف سيفه .. وأما أسامة فظن أنها حيلة .. فضربه بالسيف حتى قتله .. عادوا إلى المدينة تداعب قلوبهم نشوة الانتصار .. وقف أسامة بين يدي النبي .. صلى الله عليه وسلم .... وحكى له قصة المعركة .. وأخبره بخبر الرجل وما كان منه .. كان قصة المعركة تحكي انتصاراً للمسلمين .. وكان .. صلى الله عليه وسلم ..يستمع مبتهجاً .. لكن أسامة قال : .. ثم قتلته .. فتغير النبي .. صلى الله عليه وسلم .... وقال : قال لا إله إلا الله .. ثم قتلته ؟!! قلت : يا رسول الله لم يقلها من قبل نفسه .. إنما قالها فرقا من السلاح .. فقال.. صلى الله عليه وسلم .. : قال لا إله إلا الله .. ثم قتلته !! هلا شققت عن قلبه حتى تعلم أنه إنما قالها فرقاً من السلاح .. وجعل .. صلى الله عليه وسلم .. بصره إلى أسامة ويكرر : قال لا إله إلا الله ثم قتلته ..!! قال لا إله إلا الله ثم قتلته ..!! ثم قتلته ..!! كيف لك بلا إله إلا الله إذا جاءت تحاجك يوم القيامة !! وما زال .. صلى الله عليه وسلم ..يكرر ذلك على أسامة .. قال أسامة : فما زال يكررها علي حتى وددت أني لم أكن أسلمت إلا يؤمئذ . رأي .. لا تحسب الناس نوعاً واحداً فلهم طبائع لست تحصيهن ألوان |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
18. اختر الكلام المناسب .. يتبع ما سبق أيضاً طريقة الكلام مع الناس ونوعية الأحاديث التي تثار معهم .. فإذا جلست مع أحد فأثر الأحاديث المناسبة له .. وهذا من طبيعة البشر .. فالأحاديث التي تثيرها مع شاب تختلف عن الأحاديث مع الشيخ .. ومع العالم تختلف عن الجاهل .. ومع الزوجة تختلف عن الأخت .. لا أعني الاختلاف التام .. بحيث إن القصة التي تحكيها للأخت لا يصح أن تحكيها للزوجة ! أو التي تذكرها للشاب لا يصح أن يسمعها الشيخ !! لا .. وإنما أعني الاختلاف اليسير الذي يطرأ على أسلوب عرض القصة وربما كيانها كله .. وبالمثال يتضح المقال .. لو جلست مع ضيوف كبار في السن جاوزت أعمارهم الثمانين أقبلوا زائرين لجدك .. فهل من المناسب أن تقص عليهم وأنت ضاحك مستبشر قصتك لما ذهبت مع زملائك للبر ؟! وكيف أن فلاناً سجل هدفاً أثناء لعب الكرة .. وكيف ثبت الكرة برأسه ثم ضربها بركبته .. لا شك أنه غير مناسب .. وكذلك لو تحدثت مع أطفال صغار .. من غير المناسب أن تذكر لهم قصصاً تتعلق بتعامل الأزواج مع زوجاتهم .. أظننا نتفق على ذلك .. إذن من أساليب جذب الناس اختيار الأحاديث التي يحبونها .. وإثارتها .. كأب له ولد متفوق .. من المناسب أن تسأله عنه .. لأنه بلا شك يفخر به ويحب أن يذكره دائماً .. أو رجل فتح دكاناً وكسب منه أرباحاً .. فمن المناسب أن تسأله عن دكانه وإقبال الناس عليه .. لأن هذا يفرحه .. وبالتالي يحبك ويحب مجالستك .. وقد كان النبي .. صلى الله عليه وسلم ..يراعي ذلك .. فحديثه مع الشاب يختلف عن حديثه مع الشيخ .. أو المرأة .. أو الطفل .. جابر بن عبد الله t الصحابي الجليل .. قتل أبوه في معركة أحد .. وخلف عنده تسع أخوات ليس لهن عائل غيره .. وخلف ديناً كثيراً .. على ظهر هذا الشاب الذي لا يزال في أول شبابه .. فكان جابر دائماً ساهم الفكر .. منشغل البال بأمر دَينه وأخواته .. والغرماء يطالبونه صباحاً ومساءً .. خرج جابر مع النبي .. صلى الله عليه وسلم ..في غزوة ذات الرقاع .. وكان لشدة فقره على جمل كليل ضعيف ما يكاد يسير .. ولم يجد جابر ما يشتري به جملاً .. فسبقه الناس وصار هو في آخر القافلة .. وكان النبي.. صلى الله عليه وسلم ..يسير في آخر الجيش .. فأدرك جابراً وجمله يدبُّ به دبيباً .. والناس قد سبقوه .. فقال النبي.. صلى الله عليه وسلم ..: مالك يا جابر ؟ قال : يا رسول الله أبطأ بي جملي هذا .. فقال النبي .. صلى الله عليه وسلم ..: أنخه .. فأناخه جابر وأناخ النبي .. صلى الله عليه وسلم ..ناقته .. ثم قال : أعطني العصا من يدك أو اقطع لي عصا من شجرة ..فناوله جابر العصا .. برَكَ الجمل على الأرض كليلاً ضعيفاً .. فأقبل .. صلى الله عليه وسلم ..إلى الجمل وضربه بالعصا شيئاً يسيراً .. فنهض الجمل يجري قد امتلأ نشاطاً .. فتعلق به جابر وركب على ظهره .. مشى جابر بجانب النبي .. صلى الله عليه وسلم .... فرحاً مستبشراً .. وقد صار جمله نشيطاً سابقاً .. التفت .. صلى الله عليه وسلم ..إلى جابر .. وأراد أن يتحدث معه .. فما هي الأحاديث التي اختارها النبي .. صلى الله عليه وسلم ..ليثيرها مع جابر .. جابر كان شاباً في أول شبابه .. هموم الشباب في الغالب تدور حول الزواج .. وطلب الرزق .. قال .. صلى الله عليه وسلم ..: يا جابر .. هل تزوجت ..؟ قال جابر : نعم .. قال : بكراً .. أم ثيباً .. قال : بل ثيباً .. فعجب النبي.. صلى الله عليه وسلم ..كيف أن شاباً بكراً في أول زواج له .. يتزوج ثيباً .. فقال ملاطفاً لجابر : هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك .. فقال جابر : يا رسول الله .. إن أبي قتل في أحد .. وترك تسع أخوات ليس لهن راعٍ غيري .. فكرهت أن أتزوج فتاة مثلهن فتكثر بينهن الخلافات .. فتزوجت امرأة أكبر منهن لتكون مثل أمهن .. هذا معنى كلام جابر .. رأى النبي.. صلى الله عليه وسلم ..أن أمامه شاب ضحى بمتعته الخاصة لأجل أخواته .. فأراد.. صلى الله عليه وسلم ..أن يمازحه بكلمات تصلح للشباب .. فقال له : لعلنا إذا أقبلنا إلى المدينة أن ننزل في صرار ( ) .. فتسمع بنا زوجتك فتفرش لك النمارق .. يعني وإن كنت تزوجت ثيباً إلا أنها لا تزال عروساً تفرح بك إذا قدمت وتبسط فراشها .. وتصف عليه الوسائد .. فتذكر جابر فقره وفقر أخواته .. فقال : نمارق !! والله يا رسول الله ما عندنا نمارق .. فقال .. صلى الله عليه وسلم ..: إنه ستكون لكم نمارق إن شاء الله .. ثم مشيا .. فأراد .. صلى الله عليه وسلم ..أن يهب لجابر مالاً .. فالفت إليه وقال : يا جابر .. قال : لبيك يا رسول الله .. فقال : أتبيعني جملك ؟ تفكر جابر فإذا جمله هو رأس ماله .. هكذا كان وهو كليل ضعيف .. فكيف وقد صار قوياً جلداً !! لكنه رأى أنه لا مجال لرد طلب رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .... قال جابر : سُمْه يا رسول الله .. بكم ؟ فقال .. صلى الله عليه وسلم ..: بدرهم !! قال جابر : درهم !! تغبنني يا رسول الله .. فقال.. صلى الله عليه وسلم ..: بدرهمين .. قال : لا .. تغبنني يا رسول الله .. فما زالا يتزايدان حتى بلغا به أربعين درهماً .. أوقية من ذهب .. فقال جابر : نعم .. ولكن أشترط عليك أن أبقى عليه إلى المدينة .. قال.. صلى الله عليه وسلم ..: نعم .. فلما وصلوا إلى المدينة .. مضى جابر إلى منزله وأنزل متاعه من على الجمل ومضى ليصلي مع النبي .. صلى الله عليه وسلم ..وربط الجمل عند المسجد .. فما خرج النبي .. صلى الله عليه وسلم ..قال جابر : يا رسول الله هذا جملك .. فقال.. صلى الله عليه وسلم ..: يا بلال .. أعط جابراً أربعين درهماً وزده .. فناول بلال جابراً أربعين درهماً وزاده .. فحمل جابر المال ومضى به يقلبه بين يديه .. متفكراً في حاله !! ماذا يفعل بهذا المال ؟! أيشتري به جملاً .. أم يبتاع به متاعاً لبيته .. أم .. وفجأة التفت رسول الله .. صلى الله عليه وسلم ..إلى بلال وقال : يا بلال .. خذ الجمل وأعطه جابراً .. جبذ بلال الجمل ومضى به إلى جابر .. فلما وصل به إليه .. تعجب جابر .. هل ألغيت الصفقة ؟! قال بلال : خذ الجمل يا جابر .. قال جابر : ما الخبر !!.. قال بلال : قد أمرني رسول الله.. صلى الله عليه وسلم ..أن أعطيك الجمل .. والمال .. فرجع جابر إلى رسول الله .. صلى الله عليه وسلم ..وسأله عن الخبر .. أما تريد الجمل !! فقال .. صلى الله عليه وسلم ..: أتراني ماكستك لآخذ جملك .. يعني أنا لم أكن أطالبك بخفض السعر لأجل أن آخذ الجمل وإنما لأجل أن أقدر كم أعطيك من المال معونة لك على أمورك .. فما أرفع هذه الأخلاق .. يختار ما يناسب الشاب من أحاديث .. ثم لما أراد أن يحسن إليه ويتصدق عليه .. غلف ذلك باللطف والأدب .. وفي أحد الأيام يجلس إلى النبي .. صلى الله عليه وسلم ..شاب اسمه جليبيب .. من خيار شباب الصحابة .. لكنه كان فقيراً معدماً .. وكان t في وجهه دمامة .. جلس يوماً عند رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .... فما هي الأحاديث التي حرص النبي.. صلى الله عليه وسلم .. على إثارتها معه ؟ شاب في ريعان شبابه .. أعزب .. هل يتحدث معه عن أنساب العرب والرفيع منها والوضيع ؟ أم يتحدث عن الأسواق وأحكام البيوع ؟ لا .. فهذا شاب له نوع خاص من الأحاديث يفضله على غيره .. أثار معه e موضوع الزواج والحديث حوله .. فلطالما طرب الشباب لهذه المواضيع .. ثم عرض عليه رسول الله التزويج .. فقال : إذن تجدني كاسداً .. فقال : غير أنك عند الله لست بكاسد .. فلم يزل النبي r يتحين الفرص لتزويج جليبيب .. حتى جاء رجل من الأنصار يوماً يعرض ابنته الثيب على رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .... ليتزوجها .. فقال .. صلى الله عليه وسلم ..: نعم يا فلان .. زوجني ابنتك .. قال : نعم ونعمين .. يا رسول الله .. فقال .. صلى الله عليه وسلم ..: إني لست أريدها لنفسي .. قال : فلمن ؟! قال : لجليبيب .. قال الرجل متفاجئاً : جليبيب !! جليبيب !! يا رسول الله !! حتى استأمر أمها .. أتى الرجل زوجته فقال : إن رسول الله يخطب ابنتك .. قالت : نعم .. ونعمين .. زوِّج رسول الله r .. قال : إنه ليس يريدها لنفسه .. قالت : فلمن ؟ قال : يريدها لجليبيب .. فتفاجأت المرأة أن تُزف ابنتها إلى رجل فقير دميم .. فقالت : حَلْقَى !! لجليبيب ..؟ لا لعمر الله لا أزوج جليبيباً .. وقد منعناها فلاناً وفلاناً .. فاغتم أبوها لذلك .. وقام ليأتي رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .... فصاحت الفتاة من خدرها بأبويها : من خطبني إليكما ؟ قالا : رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .... قالت : أتردان على رسول الله.. صلى الله عليه وسلم ..أمره ؟ ادفعاني إلى رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .... فإنه لن يضيعني .. فكأنما جلَّت عنهما .. واطمأنّا .. فذهب أبوها إلى النبي .. صلى الله عليه وسلم ..فقال : يا رسول الله .. شأنك بها فزوِّجها جليبيباً .. فزوجها النبي .. صلى الله عليه وسلم ..جليبيباً .. ودعا لها وقال : اللهم صب عليهما الخير صباً .. ولا تجعل عيشهما كداً كداً .. فلم يمض على زواجه أيام .. حتى خرج النبي .. صلى الله عليه وسلم ..في غزوة .. وخرج معه جليبيب .. فلما انتهى القتال .. وبدأ الناس يتفقد بعضهم بعضاً .. سألهم النبي.. صلى الله عليه وسلم ..: هل تفقدون من أحد قالوا : نفقد فلاناً وفلاناً .. فسكت قليلاً ثم قال : هل تفقدون من أحد ؟ قالوا : نفقد فلانا وفلانا .. فسكت ثم قال : هل تفقدون من أحد ؟ قالوا : نفقد فلاناً وفلاناً .. قال : ولكني أفقد جليبيباً .. فقاموا يبحثون عنه .. ويطلبونه في القتلى .. فلم يجدوه في ساحة القتال .. ثم وجدوه في مكان قريب .. إلى جنب سبعة من المشركين قد قتلهم ثم قتلوه .. فوقف النبي.. صلى الله عليه وسلم ..ينظر إلى جثته .. ثم قال : قتل سبعة ثم قتلوه .. قتل سبعة ثم قتلوه .. هذا مني وأنا منه .. ثم حمله رسول الله.. صلى الله عليه وسلم ..على ساعديه .. وأمرهم أم يحفروا له قبره .. قال أنس : فمكثنا نحفر القبر .. وجليبيب ماله سرير غير ساعدي رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .... حتى حفر له ثم وضعه في لحده .. قال أنس : فوالله ما كان في الأنصار أيم أنفق منها .. أي تسابق الرجال إليها كلهم يخطبها بعد جليبيب .. هكذا كان .. صلى الله عليه وسلم ..يختار لكل أحد ما يناسبه من أحاديث .. حتى لا تمل مجالسه .. جلس .. صلى الله عليه وسلم ..يوماً مع زوجه عائشة .. فما الأحاديث المناسب إثارتها بين الزوجين ..؟ هل كلمها عن غزو الروم ؟ ونوع الأسلحة التي استخدمت في القتال ؟ كلا فليست هي أبو بكر !! أم حدثها عن فقر بعض المسلمين وحاجتهم ؟ كلا فليست عثمان !! إنما قال لها بعاطفة الزوجية : إني لأعرف إن كانت راضية عني .. وإذا كنت غضبى .. !! قالت : كيف ؟ قال : إذا كنت راضية قلت : لا ورب محمد ( .. صلى الله عليه وسلم ..) .. وإذا كنت غضبى قلت : لا ورب إبراهيم ( e ) .. فقالت : نعم .. والله يا رسول الله لا أهجر إلا اسمك .. فهل نراعي هذا نحن اليوم ؟ وجهة نظر .. تحدث مع الناس بما يستمتعون هم باستماعه .. لا بما تستمتع أنت بحكايته .. |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
19. كن لطيفاً عند أول لقاء .. |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
20. الناس كمعادن الأرض .. لو تأملت في الناس لوجدت أن لهم طبائع كطبائع الأرض .. فمنم الرفيق اللين .. ومنهم الصلب الخشن .. ومنهم الكريم كالأرض المنبتة الكريمة .. ومنهم البخيل كالأرض الجدباء التي لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً .. إذن الناس أنواع .. ولو تأملت لوجدت أنك عند تعاملك مع أنواع الأرض تراعي حال الأرض وطبيعتها .. فطريقة مشيك على الأرض الصلبة .. تختلف عن طريقتك في المشي على الأرض اللينة .. فأنت حذر متأنِّ في الأولى .. بينما أنت مرتاح مطمئن في الثانية .. وهكذا الناس .. قال.. صلى الله عليه وسلم ..( إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض فجاء منهم : • الأحمر • والأبيض • والأسود • وبين ذلك • والسهل • والحزن • والخبيث • والطيب ) .. ( ) فعند تعاملك مع الناس انتبه إلى هذا – وانتبهي - سواء تعاملت مع : قريب كأب وأم وزوجة وولد .. أو بعيد كجار وزميل وبائع .. ولعلك تلاحظ أن طبائع الناس تؤثر فيهم حتى عند اتخاذ قراراتهم .. وحتى تتيقن ذلك .. اعمل هذه التجربة : إذا وقعت بينك وبين زوجتك مشكلة .. فاستشر أحد زملائك ممن تعلم أنه صلب خشن .. قل له : زوجتي كثيرة المشاكل معي .. قليلة الاحترام لي .. فأشر عليَّ .. كأني به سيقول : الحريم ما يصلح معهن إلا العين الحمراء !! دقَّ خشمها ! خل شخصيتك قوية عليها !! كن رجلاً !! وبالتالي قد تثور أنت ويخرب عليك بيتك بهذه الكلمات .. أكمل التجربة .. اذهب إلى صديق آخر تعرف أنه هين لين لطيف .. وقل له ما قلت للأول .. ستجد حتماً أنه يقول : يا أخي هذه أم عيالك .. وما فيه زواج يخلو من مشاكل .. اصبر عليها .. وحاول أن تتحملها .. وهذه مهما صار فهي زوجتك .. وشريكتك في الحياة .. فانظر كيف صارت طبيعة الشخص تؤثر في آرائه وقراراته .. لذلك نهى النبي .. صلى الله عليه وسلم ..أن يقضي القاضي بين اثنين وهو عطشان ! أو جوعان ! أو حابس لبول أو غائط ! لأن هذه الأمور قد تغير نفسيته .. وبالتالي قد تؤثر عليه في اتخاذ قراره في الحكم .. كان في الأمم السابقة رجل سفاح !! سفاح ؟! نعم سفاح .. لم يقتل رجلاً واحداً ولا اثنين .. ولا عشرة .. وإنما قتل تسعاً وتسعين نفساً .. لا أدري كيف نجا من الناس وانتقامهم .. لعله كان مخيفاً جداً إلى درجة أنه لا أحد يجرؤ على الاقتراب منه .. أو أنه كان يتخفى في البراري والمغارات .. لا أدري بالضبط .. المهم أنه ارتكب 99 جريمة قتل !! ثم حدثته نفسه بالتوبة .. فسأل عن أعلم أهل الأرض فدلوه على عابد في صومعته .. لا يكاد يفارق مصلاه .. يمضي وقته ما بين بكاء ودعاء .. هين لين عاطفته جياشة .. دخل هذا الرجل على العابد .. وقف بين يديه ثم فجعه بقوله : أنا قتلت تسعاً وتسعين نفساً .. فهل لي من توبة ؟ هذا العابد .. أظنه لو قتل نملة من غير قصد لقضى بقية يومه باكياً متأسفاً .. فكيف سيكون جوابه لرجل قتل بيده 99 نفساً .. انتفض العابد .. ولم يتخيل 99 جثة بين يديه يمثلها هذا الرجل الواقف أمامه .. صاح العابد : لا .. ليس لك توبة .. ليس لك توبة .. ولا تعجب أن يصدر هذا الجواب من عابد قليل العلم .. يحكم في الأمور بعاطفته .. هذا القاتل لما سمع الجواب .. وهو الرجل الصلب الخشن .. غضب واحمرت عيناه .. وتناول سكينه ثم انهال طعناً في جسد العابد حتى مزقه .. ثم خرج ثائراً من الصومعة .. ومضت الأيام .. فحدثته نفسه بالتوبة مرة أخرى .. فسأل عن أعلم أهل الأرض .. فدله الناس على رجل عالم .. مضى يمشي حتى دخل على العالم .. فلما وقف بين يديه فإذا به يرى رجلاً رزيناً يزينه وقار العلم والخشية .. فأقبل القاتل إليه سائلاً بكل جرأة : إني قتلت مائة نفس !! فهل لي من توبة ؟! فأجابه العالم فوراً : سبحاااان الله ..!! ومن يحول بينك وبين التوبة ؟!! جواب رائع !! فعلاً من يحول بينه وبين التوبة ؟! فالخالق في السماء لا تستطيع أي قوة في العالم ان تحول بينك وبين الإنابة إليه والانكسار بين يديه .. ثم قال العالم الذي كان يتخذ قراراته بناء على العلم والشرع .. لا بناء على طبيعته ومشاعره .. أو قل على عاطفته وأحاسيسه .. قال العالم : لكنك بأرض سوء .. عجباً ! كيف علم ؟ عرف ذلك بناء على كبر الجرائم وقلة الـمُدافع له الـمُنكِر عليه .. فعلم أن البلد أصلاً ينتشر فيها القتل والظلم إلى درجة أنه لا أحد ينتصر للمظلوم .. قال : إنك بأرض سوء .. فاذهب إلى بلد كذا وكذا فإن بها قوماً يعبدون الله فاعبد الله معهم .. ذهب الرجل يمشي تائباً منيباً .. فمات قبل أن يصل إلى البلد المقصود .. نزلت ملائكة الرحمة وملائكة العذاب .. فأما ملائكة الرحمة فقالت : أقبل تائباً منيباً .. وأما ملائكة العذاب فقالت : لم يعمل خيراً قط .. فبعث الله إليهم ملكاً في صورة رجل ليحكم بينهم .. فكان الحكم أن يقيسوا ما بين البلدين .. بلد الطاعة وبلد المعصية .. فإلى أيتهما كان أقرب .ز فإنه لها .. وأوحى الله تعالى إلى بلد الرحمة أن تقاربي .. وإلى بلد المعصية أن تباعدي .. فكان أقرب إلى بلد الطاعة فأخذته ملائكة الرحمة .. حتى المفتين في المسائل الشرعية تجد مع الأسف أن بعضهم تغلبه عاطفته أحياناً .. أذكر أن أحد جيراني كان كثير الخلافات مع زوجته .. اشتد الخلاف يوماً فطلقها تطليقه .. ثم راجعها .. ثم اشتد أخرى .. فطلقها ثانية .. ثم راجعها .. وكنت كلما قابلته أحذره وأوصيه .. وأذكره بأبنائه الصغار .. وأهمية اعتبارهم والعناية بهم .. وأكرر عليه : لم يبق لك إلا طلقة واحدة – الثالثة – فإن أوقعتها لم تحل لك مراجعتها إلا بعد زواجها من آخر وتطليقه لها .. فاتق الله .. ولا تخرب بيتك .. حتى جاءني يوماً متغير الوجه وقال : يا شيخ تخاصمنا وطلقتها الثالثة !! وهذا الكلام منه ليس غريباً .. إنما الغريب أنه قال بعدها : ما تعرف لي شيخاً حبيباً يفتيني الآن أراجعها !! فعجبت منه .. ثم تأملت في الحال فاكتشفت ما تقرر قبل قليل أن كثيراً من الناس تختلف آراؤهم – وربما اختياراتهم الفقهية – تأثراً بعاطفته وطبيعته .. وبعض الناس تعلم من طبيعته أنه شديد الحب للمال .. فلا تعجب إذا رأيته يذل نفسه لأرباب الأموال .. يهمل أولاده وبيته لأجل جمعه .. يقتر على من يعول .. لا تعجب فهو طماع .. بل إن اتخاذه لقراراته وتبنيه لقناعاته ينبني كثيراً على هذه الطبيعة .. فإذا أردت أن تتعامل معه أو تطلب منه شيئاً فضع في نفسك قبل أن تتكلم أنه محب للمال .. فحاول أن لا تعارض هذه الطبيعة فيه حتى تحصل على ما تريد منه .. ولأن الأمثلة مفاتيح الفهوم .. خذ مثالاً : نفرض أنك زرت مستشفى وقابلت مصادفة صديقاً قديماً كان زميلاً لك أيام الجامعة .. فدعوته إلى وليمة غداء في بيتك .. فوافق .. فذهبت إلى السوق واشتريت حاجات ثم رجعت إلى البيت لتستعد وجعلت تتصل بعدد من زملائكم السابقين تدعوهم لمشاركتكم الوليمة ورؤية صاحبك .. من بين هؤلاء صديق - من البخلاء الذين استولى حب المال على قلوبهم - اتصلت به فرحب وحيَّا .. فلما أخبرته عن الوليمة .. قال : آآه .. يا ليتني أستطيع الحضور ورؤية فلان .. لكني مرتبط بشغل هااام .. فبلغه سلامي .. ولعلي أراه في وقت آخر .. فأدركت أنت من معرفتك بطبيعته أنه يخشى أن يجيء .. فيضطر إلى أن يدعو الضيف إلى بيته ويصنع له وليمة تكلفه مبلغاً وقدره .. !! وهو يريد التوفير .. فقلت له : عموماً هذا الضيف لن يبقى في البلد سيسافر بعد الغداء مباشرة .. فقال : آآآ .. إذن سأؤجل شغلي وآتي لرؤيته !! وبعض من تخالطهم من الناس يكون اجتماعياً أسرياً .. يحب أسرته .. لا يصبر على فراقهم .. اطلب منه أي شيء إلا أن يبتعد عن أولاده بسفر أو نحوه .. فلا تكلفه ما لا يطيق .. إلى غير ذلك من طبائع الناس .. يعجبني بعض الناس الذي يملك فن اصطياد جميع القلوب .. فإذا سافر مع بخلاء اقتصد حتى لا يحرجهم فأحبوه .. وإن جالس عاطفيين زاد من نسبة عاطفته فأحبوه .. وإن مشى مع فكاهيين مرحين ضحك ومزح وجاملهم فأحبوه .. يلبس لكل حالة لبوسها .. إما نعيمها وإما بؤسها .. وعُد بذاكرتك قليلاً معي .. وانظر إلى رسول الله .. صلى الله عليه وسلم ..وقد أقبل بالكتائب لفتح مكة .. كان أبو سفيان قد خرج إلى النبي قبل أن يدخل مكة .. فأسلم .. في قصة طويلة .. الشاهد منها أنه لما أسلم قال العباس : يا رسول الله .. إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئاً .. فقال.. صلى الله عليه وسلم ..: " نعم .. من دخل دار أبي سفيان فهو آمن .. ومن أغلق عليه بابه فهو آمن .. ومن دخل المسجد فهو آمن .. فلما ذهب أبو سفيان لينصرف إلى مكة .. نظر إليه رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .... فإذا هو الذي استنفر قريشاً لحربه في بدر .. واستنفرها لحربه في أحد .. ثم استنفرها لحربه في الخندق .. وإذا رجل قائد .. قد طحنته الحرب وطحنها .. وإذا هو حديث عهد بإسلام .. فأراد رسول الله.. صلى الله عليه وسلم ..أن يريه قوة الإسلام .. فقال .. صلى الله عليه وسلم ..: " يا عباس .. قال : لبيك يا رسول الله .. قال : احبس أبا سفيان بمضيق الوادي عند خطم الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها .. أي أوقفه على طريق الجيش وهو يدخل مكة .. فخرج العباس بأبي سفيان .. حتى وقف معه بمضيق الوادي .. حيث تتدفق الكتائب كالسيل إلى مكة .. وجعلت الكتائب تمر عليه براياتها .. فلما مرت الكتيبة الأولى قال : يا عباس من هؤلاء ؟ قال العباس : سليم .. قال : مالي ولسليم ..!! ثم مرت به الثانية .. قال : يا عباس من هؤلاء ؟ قال : مزينة .. قال : مالي ولمزينة ..!! حتى نفدت الكتائب .. وهو ما تمر كتيبة إلا سأل العباس عنها .. فإذا أخبره .. قال : مالي ولبني فلان .. حتى مر رسول الله .. صلى الله عليه وسلم ..في كتيبته الخضراء .. وفيها المهاجرون والأنصار .. قد غطوا أجسادهم بالحديد .. فلا يرى منهم إلا عيونهم .. فقال : سبحان الله يا عباس ! من هؤلاء ؟ فقال العباس : هذا رسول الله .. صلى الله عليه وسلم ..في المهاجرين والأنصار .. قال : هذا الموت الأحمر .. والله ما لأحد بهؤلاء من قبل ولا طاقة .. ثم قال : والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً ! قال العباس : يا أبا سفيان .. إنها النبوة .. فقال أبو سفيان : فنعم إذن .. فلما تجاوزتهم الخيل .. صاح به العباس .. النجاءَ إلى قومك .. فمضى أبو سفيان سريعاً إلى مكة .. وجعل يصرخ بأعلى صوته : يا معشر قريش .. هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به .. فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن .. قالوا : قاتلك الله ! وما تغني عنا دارك ؟ قال : ومن أغلق عليه بابه فهو آمن .. ومن دخل المسجد فهو آمن .. فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد .. فلله در نبيه.. صلى الله عليه وسلم ..كيف أثر في نفس أبي سفيان بما يصلح له .. ومما يحسن ههنا .. أن تعرف طبيعة الشخص ونفسيته قبل أن تتكلم معه .. فإن معرفة طبيعته .. وماذا يناسبه .. يفيدك عند التعامل أو الكلام معه .. في غزوة الحديبية .. خرج رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .... بمن معه من المهاجرين والأنصار ومن لحق به من العرب .. كانوا ألفاً وأربعمائة .. ساقوا معهم الهدى وأحرموا بالعمرة ليعلم الناس أنهم إنما خرجوا زائرين لهذا البيت معظمين له .. وساق .. صلى الله عليه وسلم ..معه سبعين من الإبل .. هدياً إلى البيت الحرام .. وصلوا مكة .. فمنعتهم قريش من دخولها .. عسكر النبي.. صلى الله عليه وسلم ..بأصحابه في موضع اسمه الحديبية .. جعلت قريش ترسل إليه الرجل تلو الرجل للتفاوض معه .. فبعثوا إليه أولاً مكرز بن حفص .. كان مكرز رجلاً من قريش .. لكنه لا يلتزم بعهد ولا ميثاق .. بل هو فاجر غادر .. فلما رآه رسول الله.. صلى الله عليه وسلم ..مقبلاً قال : هذا رجل غادر .. فلما انتهى إلى رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .... كلمه بما يصلح لمثله .. وأخبره أنه ما جاء يريد حرباً .. إنما جاء معتمراً .. ولم يكتب معه عهداً لأنه يعلم أنه ليس أهلاً لذلك .. رجع مكرز إلى قريش فأخبرهم .. فبعثوا حليس بن علقمة .. سيد الأحابيش .. وكان الأحابيش قوم من العرب سكنوا مكة تعظيماً للحرم وعناية بالكعبة .. فلما رآه رسول الله .. صلى الله عليه وسلم ..قال : إن هذا من قوم يتألهون .ز أي يتعبدون .. فابعثوا الهدي في وجهه حتى يراه .. فلما رأى الهدي من إبل وغنم .. تسيل عليه من عرض الوادي في قلائده وحباله مربوطاً مهيئاً ليذبح في الحرم .. قد أكل أوباره من طول الحبس عن محله .. قد أضناه الجوع والعطش .. لما رأى سيد الأحابيش ذلك .. انتفض .. ولم يقابل رسول الله.. صلى الله عليه وسلم ..إعظاماً لما رأى .. وكيف يمنع المعتمرون عن البيت الحرام !! رجع إلى قريش .. فقال لهم ذلك .. فقالوا له : اجلس فإنما أنت أعرابي لا علم لك .. فغضب الحليس .. وقال : يا معشر قريش .. والله ما على هذا حالفناكم .. ولا على هذا عاهدناكم .. أيصد عن بيت الله من جاءه معظماً له ؟ والذي نفس الحليس بيده .. لتخلن بين محمد وبين ما جاء له من العمرة .. أو لأنفرن بالأحايش نفرة رجل واحد .. قالوا : مَهْ .. كُفَّ عنا .. حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به .. ثم أرادوا .. أن يبعثوا رجلاً شريفاً .. فاختاروا عروة بن مسعود الثقفي .. فقال : يا معشر قريش إني قد رأيت ما يلقى منكم من بعثتموه إلى محمد إذ جاءكم .. من التعنيف وسوء اللفظ .. وقد عرفتم أنكم والد وأني ولد .. قالوا : صدقت ما أنت عندنا بمتهم .. فخرج عروة .. وكان ملكاً في قومه .. له شرف ومكانة .. وله ترفع على الناس .. فلما أتى رسول الله .. صلى الله عليه وسلم ..جلس بين يديه ثم قال : يا محمد !! أجمعت أوشاب الناس ثم جئت بهم إلى بيضتك لتفضها بهم ؟ إنها قريش .. قد خرجت معها العوذ المطافيل .. قد لبسوا جلود النمور .. يعاهدون الله لا تدخلها عليهم عنوة أبداً .. وأيم الله لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غداً .. وكان أبو بكر خلف النبي.. صلى الله عليه وسلم .. .. واقفاً .. فقال أبو بكر : امصص بظر اللات ! أنحن ننكشف عنه ؟ تفاجأ ملك قومه بهذا الجواب .. فلم يتعود على مثله .. لكنه في الحقيقة كان يحتاج إلى جرعة كهذه تخفض ما في رأسه من كبرياء .. فقال عروة متأثراً : من هذا يا محمد ؟ قال : هذا ابن أبي قحافة .. قال : أما والله لولا يد كانت لك عندي لكفأتك بها .. ولكن هذه بهذه .. وجعل عروة يلين العبارات بعدها .. ويكلم النبي.. صلى الله عليه وسلم ...ويلمس لحية النبي .. والمغيرة بن شعبة الثقفي واقف وراء رأس رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .... قد غطى وجهه الحديد .. فكان كلما قرب عروة يده من لحية رسول الله r .. قرعها شعبة بطرف السيف .. ثم يمدها ثانية .. فيقرعها شعبة بطرف السيف .. فلما مدها الثالثة .. قال شعبة : اكفف يدك عن وجه رسول الله .. صلى الله عليه وسلم ..قبل ألا تصل إليك يدك .. أي أقطعها !! فقال عروة : ويحك ما أفظك وأغلظك ! ومن هذا يا محمد ؟ فتبسم رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .... وقال .. هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة الثقفي .. فقال عروة : أي غدر وهل غسلت سوأتك إلا بالأمس ! ثم قام عروة من عند النبي r .. وعاد إلى قريش .. فاسمع ما قال : قال : يا معشر قريش .. والله لقد رأيت كسرى وقيصر والنجاشي .. والله ما رأيت ملكاً يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمد محمداً .. فوقع في قلب قريش من الرهبة ما لم يقع من قبل .. فأرسلت قريش سهيل بن عمرو .. فمضى يمشي إلى رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .... فلما رآه رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .... قال : سهل أمركم .. ثم كتبوا بينهم صلح الحديبية .. هذا جانب من معرفته لأنواع الناس .. واستعمال المفتاح المناسب في التعامل مع كل أحد .. وهذه الأنواع من طباع الناس تلاحظها حتى في إلقاء الكلمات أو السواليف معهم .. ويمكنك أن تشاهد دليل ذلك بنفسك .. حاول أن تلقي قصة مبكية أمام جمع من الناس .. وانظر إلى أنواع تأثرهم .. أذكر أني ألقيت يوماً خطبة ضمنتها قصة مقتل عمر t .. ولما وصلت إلى كيفية طعن أبي لؤلؤة المجوسي لعمر رضي الله عنه .. قلت – بصوت عالٍ - : وفجأة خرج أبو لؤلؤة من المحراب على عمر .. ثم طعنه ثلاث طعنات .. وقعت الأولى في صدره والثانية في بطنه .. ثم استجمع قوته وطعن بالخنجر تحت سرته .. ثم جررررر الخنجر حتى خرجت بعض أمعائه .. لاحظتُ وأنا أنظر في الوجوه أن الناس تنوعوا في كيفية تأثرهم .. فمنهم من أغمض عينيه فجأة وكأنه يرى الجريمة أمامه .. ومنهم من بكى .. ومنهم من كان يستمع دون أدنى تأثر وكأنه ينصت إلى حكاية ما قبل النوم !! قل مثل ذلك لو عرضت قصة حمزة t لما وقع شهيداً في معركة أحد .. وكيف شقوا بطنه فأخرجوا كبده .. وقطعوا أذنيه .. وجدعوا أنفه .. وهو سيد الشهداء وأسد الله ورسوله .. وعموماً .. علمتني الحياة أن الناس لا يخلون من أن يوجد من بينهم غليظ غبي ..!! لا يحسن ضبط عباراته .. ولا مجاملة السامعين .. أذكر أن رجلاً من هذا الصنف جلس مرة في مجلس عام .. فذكر قصة وقعت له مع أحد البائعين .. فقال في معرض حديثه : وهذا البائع ضخم جداً كأنه حمار .. ثم قال : يشبه خالد !! وأشار إلى رجل بجانبه !! فلا أدري كيف صار يشبه خالداً .. وهو كأنه حمار !! وقبل الختام .. هنا سؤال كبير .. هل يمكنك تغيير طباعك لتتناسب مع طباع من تخالطه ..؟ نعم .. كان عمر t مشهوراً بين الناس بقوته وصرامته .. وفي يوم من الأيام .. اختلف رجل مع زوجته .. وجاء يسأل عمر كيف يتعامل معها .. فلما وقف عند بيت عمر وكاد أن يطرق الباب سمع زوجة عمر تصرخ به .. وعمر ساكت .. لم يصرخ .. لم يضرب .. فولى الرجل ظهره للباب وكرّ راجعاً متعجباً .. أحس عمر بصوت عند الباب فخرج ونادى الرجل : .. ما خبرك ؟ قال : يا أمير المؤمنين .. جئت أشتكي إليك امرأتي فسمعت امرأتك تصرخ بك !! فقال عمر : يا رجل إنها امرأتي .. حليلة فراشي .. وصانعة طعامي .. وغاسلة ثيابي .. أفلا أصبر منها على بعض السوء .. وعموماً : بعض الناس لا علاج له فلا بد من التكيف معه .. يشتكي إليَّ بعض الناس من شدة غضب أبيه .. أو بخل زوجته .. أو .. فأَعْرضُ عليه بعض طرق العلاج فيفيدني أنه جربها كلها ولم تنفع .. فما الحل ..؟! الحل أن يصبر على أخلاقهم .. ويغمرَ سيء أخلاقهم في بحر حَسَنِها .. ويتكيف مع واقعه قدر المستطاع .. فبعض المشاكل ليس لها حل .. نتيجة .. معرفتك بطبيعة الشخص الذي تخالطه تجعلك قادراً على كسب محبته .. |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
21. أستاذ الرياضيات .. كان يدرس مادة الرياضيات لطلاب المرحلة الثانوية .. السنة الأخيرة .. كان يلاحظ على عدد منهم الإهمال وعدم المتابعة .. فأراد أن يؤدبهم .. دخل عليهم يوماً .. وأول ما استقر على كرسيه فاجأهم بقوله : كل واحد يضع كتابه جانباً ويخرج ورقة وقلماً !! قالوا : لماذا يا أستاذ ؟! قال : اختبار .. اختبار مفاجئ .. بدأ الطلاب بنوع من التذمر ينفذون ما طلب .. ويتهامسون باستياء .. كان من بينهم طالب كبير الجسم صغير العقل .. مشاكس كثير المشاكل سريع الغضب متهور .. صاح بأستاذه : يا أستاذ .. لا نريد أن نختبر .. نحن بالكاد نجيب ونحن مذاكرون .. بالله كيف إذا كنا ما ذاكرنا ؟!! قالها الطالب بنبرة حادة .. ثار المدرس وهاج .. وقال : ما هو على كيفك .. تختبر غصباً عنك .. فاهم ؟! إذا ما هو عاجبك اطلع بَرّا !!! ثار الطالب .. وصاح : أنت اللي تطلع بَرّا .. توجه المدرس إلى الطالب وهو يصيح ويردد : يا قليل الأدب .. يا عديم التربية .. يا .. ويقترب أكثر وأكثر .. نهض الطالب واقفاً .. ثم .. كان ما كان مما لست أذكره فظن شراً ، ولا تسأل عن الخبر!! وصل الأمر إلى إدارة المدرسة .. عوقب الطالب بخصم درجتين وكتابة تعهد بالتزام الأدب .. أما المدرس فصار حديث القاصي والداني .. وأصبح مضرب الأمثال .. ومثار أحاديث الطلاب في كل المدرسة .. يمشي في ممراتها ويسمع التعليقات والهمسات .. حتى انتقل بعدها إلى مدرسة أخرى .. بينما مدرس آخر وقع له الموقف نفسه لكنه أحسن التصرف معه .. دخل على طلابه .. وفاجأهم بقوله : أخرج ورقة وقلماً .. اختبار مفاجئ .. وكان من بينهم طالب كذاك الطالب .. صاح : يا أستاذ !! ما هو على كيفك .. كان المدرس جبلاً يحس بثقل الرجل التي يحاول أن يصعد عليه !!.. يفهم أن العصبي لا يقابل بعصبية .. ابتسم ونظر إلى الطالب وقال : يعني يا خالد ما تريد أن تختبر ؟ فقال - صارخاً - : لا .. فقال المدرس بكل هدووووء : خلاص .. اللي ما يريد يختبر نتعامل معه بالنظام .. اكتبوا يا شباب : السؤال الأول : أوجد نتيجة هذه المعادلة : س + ص = ع + 15 .. ومضى يسوق الأسئلة .. لم يصبر الطالب المشاكس وقال : أقولك ما أريد أن أختبر .. نظر إليه المدرس وابتسم بهدوووء .. وقال : وهل ألزمتك أن تختبر .. أنت رجل ومسئول عن تصرفاتك .. لم يجد الطالب ما يثير غضبه أكثر .. فهدأ وأخرج ورقة وقلماً .. وبدأ يكتب الأسئلة مع زملائه .. ثم بعدها تمت محاسبته على سوء أدبه عن طريق إدارة المدرسة .. تذكرت هذه المفارقة في القدرة على التعامل مع المواقف وأنا أتأمل في مهارات الناس على إذكاء النيران وإخمادها .. فالتعامل مع العصبي بعصبية يؤدي إلى تفجر الموقف واحتدام الخلاف .. فمن الأمور المسلمة عند العقلاء .. أن من يلاقي النار بالنار يزدها شرراً واحتداماً .. وفي الجهة المقابلة تجد أحياناً أن من يقابل البرود – دائماً – ببرود .. لا تستقيم له الأمور .. فليكن رابطك مع الناس شعرة معاوية .. فقد سئل معاوية t كيف استطعت أن تحكم الناس أميراً عشرين سنة .. ثم تحكمهم خليفة عشرين سنة ؟ فقال : جعلت بيني وبينهم شعرة .. أحد طرفيها في يدي والآخر في أيديهم .. فإذا شدوها من جهتهم أرخيت من جهتي حتى لا تنقطع .. وإذا أرخوا من جهتهم شددت من جهتي .. صدق رضي الله عنه .. ما أحكمه !! أظن من المسلَّمات في حياتنا أنه لا يمكن أن يهنأ بالعيش زوجان كلاهما عصبي غضوب .. كما لا يمكن أن تطول علاقة صاحبين كلاهما كذلك .. أذكر أني ألقيت محاضرة في أحدى السجون .. وكان قدري أن تكون المحاضرة في العنبر الخاص بمرتكبي جرائم القتل .. لما انتهيت من محاضرتي .. تفرقوا إلى مهاجعهم وأقبل إلي أحدهم شاكراً .. وعرفني بنفسه وأنه المسئول عن الأنشطة الثقافية في العنبر .. سألته عن سبب ارتكاب جريمة القتل عند أكثر هؤلاء .. فقال : الغضب .. الغضب .. والله يا شيخ إن بعضهم قتل لأجل حفنة ريالات تخاصم عليها مع عامل في بقالة أو محطة وقود .. تذكرت عندها قول النبي .. صلى الله عليه وسلم ..: ( ليس الشديد بالصُّرَعَة .. إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) ( ) .. نعم ليس البطل هو قوي البدن الذي ما يصارع أحداً إلا غلبه .. لا .. فلو كان هذا هو مقياس البطولة لأصبحت الحيوانات والوحوش أفخر من الآدميين .. إنما البطل هو العاقل الذي يعرف كيف يتعامل مع المواقف بمهارة .. يتعامل مع زوجته .. أولاده .. مديره .. زملائه .. دون أن يفقدهم .. وفي الحديث : لا يقضي القاضي وهو غضبان ( ) .. وأمر e بتدريب النفس على الحلم فقال : إنما الحلم بالتحلم ( ) .. نعم بالتحلم .. يعني عند كظم الغضب في المرة الأولى ستتعب 100% ولكن في الثانية ستتعب 90% ثم في الثالثة إذا كظمت غضبك ستتعب 80% وهكذا حتى تتدرب ويصبح الحلم والهدوء عندك طبيعة .. ومن طرائف قصص الغضب أني ذهبت يوماً لمدينة أملج ( 300ك جنوب جدة ) لإلقاء محاضرة .. كان من بين الحاضرين شاب سريع الغضب ثائر الأعصاب جداً .. هذا الشاب سافر مرة بسيارته ولم يكن مستعجلاً فكان يمشي ببطء .. كان وراءه سيارة مسرعة تريده أن يفسح لها الطريق .. وهو يزداد بطئاً ويشير لهم بيده أن خففوا السرعة .. ضاق صاحب السيارة الأخرى بصاحبنا ذرعاً .. وتعداه بسرعة وانحرف عليه بسيارته مؤدباً .. ثم مضى .. ولم يصب أحد منهما بضرر .. ثارت أعصاب صاحبنا – وهي تثور على أقل من ذلك بكثيييير – فزاد سرعة سيارته .. وأخذ يصرخ ويزمجر .. ويشير لهم بأضواء السيارة مراراً حتى توقفوا .. فألقى غترته جانباً .. وتناول قطعة حديد - هي في الأصل مفك لفتح براغي العجلات عند الحاجة - .. ونزل من السيارة متوجهاً إليهم .. والغضب بادٍ عليه وقطعة الحديد في يده .. فإذا بالسيارة المقابلة ينزل منها ثلاثة شباب قد ضاقت ملابسهم بعضلاتهم .. وتباعدت أيديهم عن جنوبهم من عرض أكتافهم .. أقبلوا يركضون بانفعال إلى صاحبنا .. وقد رأوه تهيأ للقتال !! فلما رآهم انتفض .. وغص بريقه .. وهم ينظرون إليه وإلى ما في يده .. فلما لاحظ أنهم يحدون النظر إلى قطعة الحديد .. رفعها برفق وقال : عفواً .. أردت أن أنبهكم إلى أن هذه سقطت منكم .. !! فتناولها أحدهم بانفعال .. وولوا إلى سيارتهم .. وهو يشير بيده إليهم مودعاً ..!! معادلة .. عصبي + عصبي = انفجار |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
22. ماذا تستفيد من هذه المهارة ؟ |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
23. مراعاة النفسيات .. |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
24. اهتم بالآخرين .. الناس عموماً يحبون أن يشعروا بقيمتهم .. لذا تجدهم أحياناً يقومون ببعض التصرفات ليلفتوا النظر إليهم ..! وقد يخترعون قصصاً وبطولات لأجل أن يهتم الناس بهم أو يعجبوا بهم أكثر .. لو رجع رجل إلى بيته قادماً من عمله متعباً .. فلما دخل صالة البيت رأى أولاده الأربعة كل منهم على حال .. أكبرهم عمره أحدى عشرة سنة .. يتابع برنامجاً في التلفاز .. والثاني يأكل طعاماً بين يديه .. والثالث يعبث بألعابه .. والرابع يكتب في دفاتره .. فسلم الأب بصوت مسموع .. السلام عليكم .. فلم يلتفت إليه أحد .. ذاك منهمك مع برنامجه .. والثاني مأخوذ بألعابه .. والثالث مشغول بطعامه .. إلا الرابع .. فإنه لما التفت فرأى أباه .. نفض يده من دفاتره وأقبل مرحباً ضاحكاً .. وقبل يد أبيه .. ثم رجع إلى دفاتره .. أي هؤلاء الأربعة سيكون أحب إلى الأب ؟ أجزم أن جوابنا سيكون واحداً : أحبهم إليه الرابع .. ليس لأنه يفوقهم جمالاً أو ذكاءً .. وإنما لأنه أشعر أباه بأنه إنسان مهم عنده .. كلما أظهرت الاهتمام بالناس أكثر .. كلما ازدادوا لك حياً وتقديراً .. كان سيد الخلق يراعي ذلك في الناس .. يشعر كل إنسان أن قضيته قضيته .. وهمه همه .. قام.. صلى الله عليه وسلم ..على منبره يوماً يخطب الناس .. فدخل رجل من باب المسجد .. ونظر إلى رسول الله.. صلى الله عليه وسلم ..ثم قال : يا رسول الله .. رجل يسأل عن دينه .. ما يدري ما دينه ؟! فالتفت.. صلى الله عليه وسلم ..إليه .. فإذا رجل أعرابي .. قد لا يكون مستعداً أن ينتظر حتى تنتهي الخطبة .. ويتفرغ له النبي.. صلى الله عليه وسلم ..ليحدثه عن دينه .. وقد يخرج الرجل من المسجد ولا يعود إليه .. وقد بلغ الأمر عند الرجل أهمية عالية .. لدرجة أنه يقطع الخطبة ليسأل عن أحكام الدين !! كان.. صلى الله عليه وسلم ..يفكر من وجهة نظر الآخر لا من وجهة نظره هو فقط .. نزل من على منبره الشريف .. ودعا بكرسي فجلس أمام الرجل .. وجعل يلقنه ويفهمه أحكام الدين .. حتى فهم .. ثم قام من عنده .. ورجع إلى منبره وأكمل خطبته .. آآآه ما أعظمه وأحلمه .. تربى أصحابة في مدرسته .. فكانوا يظهرون الاهتمام بالآخرين .. والاحتفاء بهم .. ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم .. ومن ذلك ما فعله طلحة مع كعب .. كعب بن مالك شيخ كبير .. نجلس إليه .. بعدما كبر سنه .. ورق عظمه .. وكف بصره .. وهو يحكي ذكريات شبابه .. في تخلفه عن غزوة تبوك .. وكانت آخر غزوة غزاها النبي.. صلى الله عليه وسلم .... آذن النبي .. صلى الله عليه وسلم ..الناس بالرحيل وأراد أن يتأهبوا أهبة غزوهم .. وجمع منهم النفقات لتجهيز الجيش .. حتى بلغ عدد الجيش ثلاثين ألفاً .. وذلك حين طابت الظلال الثمار .. في حر شديد .. وسفر بعيد .. وعدو قوي عنيد .. كان عدد المسلمين كثيراً .. ولم تكن أسماؤهم مجموعة في كتاب .. قال كعب : وأنا أيسر ما كنت .. قد جمعت راحلتين .. وأنا أقدر شيء في نفسي على الجهاد .. وأنا في ذلك أصغي إلى الظلال .. وطيب الثمار .. فلم أزل كذلك .. حتى قام رسول الله .. صلى الله عليه وسلم ..غادياً بالغداة .. فقلت : أنطلق غدا إلى السوق فأشتري جهازي .. ثم ألحق بهم .. فانطلقت إلى السوق من الغد .. فعسر علي بعض شأني .. فرجعت .. فقلت : أرجع غدا إن شاء الله فألحق بهم .. فعسر عليَّ بعض شأني أيضاً .. فقلت : أرجع غدا إن شاء الله .. فلم أزل كذلك .. حتى مضت الأيام .. وتخلفت عن رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .... فجعلت أمشي في الأسواق .. وأطوف بالمدينة .. فلا أرى إلا رجلاً مغموصاً عليه في النفاق .. أو رجلاً قد عذره الله .. نعم تخلف كعب في المدينة .. أما رسول الله.. صلى الله عليه وسلم ..فقد مضى بأصحابه الثلاثين ألفاً .. حتى إذا وصل تبوك .. نظر في وجوه أصحابه .. فإذا هو يفقد رجلاً صالحاً ممن شهدوا بيعة العقبة .. فيقول .. صلى الله عليه وسلم ..: ما فعل كعب بن مالك ؟! فقال رجل : يا رسول الله .. خلّفه برداه والنظر في عطفيه .. فقال معاذ بن جبل : بئس ما قلت .. والله يا نبي الله ما علمنا عليه إلا خيراً .. فسكت رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .... قال كعب : فلما قضى النبي.. صلى الله عليه وسلم .. غزوة تبوك .. وأقبل راجعاً إلى المدينة .. جعلت أتذكر .. بماذا أخرج به من سخطه .. وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي .. حتى إذا وصل المدينة .. عرفتُ أني لا أنجو إلا بالصدق .. فدخل النبي.. صلى الله عليه وسلم ..المدينة .. فبدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين .. ثم جلس للناس .. فجاءه المخلفون .. فطفقوا يعتذرون إليه .. ويحلفون له .. وكانوا بضعة وثمانين رجلاً .. فقبل منهم رسول الله.. صلى الله عليه وسلم ..علانيتهم .. واستغفر لهم .. ووكل سرائرهم إلى الله .. وجاءه كعب بن مالك .. فلما سلم عليه .. نظر إليه النبي.. صلى الله عليه وسلم .... ثم تبسَّم تبسُّم المغضب .. أقبل كعب يمشي إليه.. صلى الله عليه وسلم .... فلما جلس بين يديه .. فقال له .. صلى الله عليه وسلم ..: ما خلفك .. ألم تكن قد ابتعت ظهرك ؟ يعني اشتريت دابتك .. قال : بلى .. قال : فما خلفك ؟! فقال كعب : يا رسول الله .. إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا .. لرأيت أني أخرج من سخطه بعذر .. ولقد أعطيت جدلاً .. ولكني والله لقد علمت .. أني إن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به علي .. ليوشكن الله أن يسخطك علي .. ولئن حدثتك حديث صدق .. تجد عليَّ فيه .. إني لأرجو فيه عفوَ الله عني .. يا رسول الله .. والله ما كان لي من عذر .. والله ما كنت قط أقوى .. ولا أيسر مني حين تخلفت عنك .. ثم سكت كعب .. فالتفت النبي.. صلى الله عليه وسلم ..إلى أصحابه .. وقال : أما هذا .. فقد صدقكم الحديث .. فقم .. حتى يقضي الله فيك .. قام كعب يجر خطاه .. وخرج من المسجد .. مهموماً مكروباً .. لا يدري ما يقضي الله فيه .. فلما رأى قومه ذلك .. تبعه رجال منهم .. وأخذوا يلومونه .. ويقولون : والله ما نعلمك أذنبت ذنباً قط قبل هذا .. إنك رجل شاعر أعجزت ألا تكون اعتذرت إلى رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. بما اعتذر إليه المخلفون !.. هلا اعتذرت بعذر يرضى عنك فيه .. ثم يستغفر لك .. فيغفر الله لك .. قال كعب : فلم يزالوا يؤنبونني .. حتى هممت أن أرجع فأكذب نفسي .. فقلت : هل لقي هذا معي أحد ؟ قالوا : نعم .. رجلان قالا مثل ما قلت .. فقيل لهما مثل ما قيل لك .. قلت : من هما ؟ قالوا : مرارة بن الربيع .. وهلال بن أمية .. فإذا هما رجلان صالحان قد شهدا بدراً .. لي فيهما أسوة .. فقلت : والله لا أرجع إليه في هذا أبداً .. ولا أكذب نفسي .. * * * * * * * * * ثم مضى كعب t .. يسير حزيناً .. كسير النفس .. وقعد في بيته .. فلم يمضِ وقت .. حتى نهى النبي .. صلى الله عليه وسلم ..الناس عن كلام كعب وصاحبيه .. قال كعب : فاجتنبنا الناس .. وتغيروا لنا .. فجعلت أخرج إلى السوق .. فلا يكلمني أحد .. وتنكر لنا الناس .. حتى ما هم بالذين نعرف .. وتنكرت لنا الحيطان .. حتى ما هي بالحيطان التي نعرف .. وتنكرت لنا الأرض .. حتى ما هي بالأرض التي نعرف .. فأما صاحباي فجلسا في بيوتهما يبكيان .. جعلا يبكيان الليل والنهار .. ولا يطلعان رؤوسهما .. ويتعبدان كأنهما الرهبان .. وأما أنا فكنت أشَبَّ القوم وأجلدَهم .. فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين .. وأطوف في الأسواق .. ولا يكلمني أحد .. وآتي المسجد فأدخل .. وآتي رسول الله .. صلى الله عليه وسلم ..فأسلم عليه .. فأقول في نفسي : هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا ؟ ثم أصلي قريباً منه .. فأسارقه النظر .. فإذا أقبلت على صلاتي .. أقبل إلي .. وإذا التفتُّ نحوه .. أعرض عني .. * * * * * * * * * ومضت على كعب الأيام .. والآلام تلد الآلام .. وهو الرجل الشريف في قومه .. بل هو من أبلغ الشعراء .. عرفه الملوك والأمراء .. وسارت أشعاره عند العظماء .. حتى تمنوا لقياه .. ثم هو اليوم .. في المدينة .. بين قومه .. لا أحد يكلمه .. ولا ينظر إليه .. حتى .. إذا اشتدت عليه الغربة .. وضاقت عليه الكربة .. نزل به امتحان آخر : فبينما هو يطوف في السوق يوماً .. إذا رجل نصراني جاء من الشام .. فإذا هو يقول : من يدلني على كعب بن مالك .. ؟ فطفق الناس يشيرون له إلى كعب .. فأتاه .. فناوله صحيفة من ملك غسان .. عجباً !! من ملك غسان ..!! إذن قد وصل خبره إلى بلاد الشام .. واهتم به ملك الغساسنة .. عجباً !! فماذا يريد الملك ؟!! فتح كعب الرسالة فإذا فيها : " أما بعد .. يا كعب بن مالك .. إنه بلغني أن صاحبك قد جفاك وأقصاك .. ولست بدار مضيعة ولا هوان .. فالحق بنا نواسك ".. فلما أتم قراءة الرسالة .. قال t : إنا لله .. قد طمع فيَّ أهل الكفر ..!! هذا أيضاً من البلاء والشر .. ثم مضى بالرسالة فوراً إلى التنور .. فأشعله ثم أحرقها فيه .. ولم يلتفت كعب إلى إغراء الملك .. نعم فُتح له باب إلى بلاط الملوك .. وقصور العظماء .. يدعونه إلى الكرامة والصحبة .. والمدينة من حوله تتجهمه .. والوجوه تعبس في وجهه .. يسلم فلا يرد عليه السلام .. ويسأل فلا يسمع الجواب .. ومع ذلك لم يلتفت إلى الكفار .. ولم يفلح الشيطان في زعزعته .. أو تعبيده لشهوته .. ألقى الرسالة في النار .. وأحرقها .. * * * * * * * * * ومضت الأيام تتلوها الأيام .. وانقضى شهر كامل .. وكعب على هذا الحال .. والحصار يشتد خناقه .. والضيق يزداد ثقله .. فلا الرسول .. صلى الله عليه وسلم ..يُمضي .. ولا الوحي بالحكم يقضي .. فلما اكتملت أربعون يوماً .. فإذا رسول من النبي.. صلى الله عليه وسلم ..يأتي إلى كعب .. فيطرق عليه الباب .. فيخرج كعب إليه .. لعله جاء بالفرج .. فإذا الرسول يقول له : إن رسول الله.. صلى الله عليه وسلم ..يأمرك أن تعتزل امرأتك .. قال : أُُطَلِّقها .. أم ماذا ؟ قال : لا .. ولكن اعتزلها ولا تقربها .. فدخل كعب على امرأته وقال : الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر .. وأرسل النبي.. صلى الله عليه وسلم ..إلى صاحبي كعب بمثل ذلك .. فجاءت امرأة هلال بن أمية .. فقالت : يا رسول الله .. إن هلال بن أمية شيخ كبير ضعيف .. فهل تأذن لي أن أخدمه ..؟ قال : نعم .. ولكن لا يقربنك .. فقالت المرأة : يا نبي الله .. والله ما به من حركة لشيء .. ما زال مكتئباً .. يبكي الليل والنهار .. منذ كان من أمره ما كان .. * * * * * * * * * ومرت الأيام ثقيلة على كعب ..واشتدت الجفوة عليه ..حتى صار يراجع إيمانه .. يكلم المسلمين ولا يكلمونه .. ويسلم على رسول الله .. صلى الله عليه وسلم ..فلا يرد عليه .. فإلى أين يذهب ..!! ومن يستشير !؟ قال كعب t : فلما طال عليَّ البلاء .. ذهبت إلى أبي قتادة .. وهو ابن عمي .. وأحب الناس إليَّ .. فإذا هو في حائط بستانه .. فتسورت الجدار عليه .. ودخلت .. فسلمت عليه .. فوالله ما رد علي السلام .. فقلت : أنشدك الله .. يا أبا قتادة .. أتعلم أني أحب الله ورسوله ؟ فسكت .. فقلت : يا أبا قتادة .. أتعلم أني أحب الله ورسوله ؟ فسكت .. فقلت : أنشدك الله .. يا أبا قتادة .. أتعلم أني أحب الله ورسوله ؟ فقال : الله ورسوله أعلم .. سمع كعب هذا الجواب .. من ابن عمه وأحب الناس إليه .. لا يدري أهو مؤمن أم لا ؟ فلم يستطع أن يتجلد لما سمعه .. وفاضت عيناه بالدموع .. ثم اقتحم الحائط خارجاً .. وذهب إلى منزله .. وجلس فيه .. يقلب طرفه بين جدرانه .. لا زوجة تجالسه .. ولا قريب يؤانسه .. وقد مضت عليهم خمسون ليلة .. من حين نهى النبي.. صلى الله عليه وسلم ..الناس عن كلامهم .. * * * * * * * * * وفي الليلة الخمسين .. نزلت توبتهم على النبي.. صلى الله عليه وسلم ..في ثلث الليل .. وكان .. صلى الله عليه وسلم ..في بيت أم سلمة .. فتلا الآيات .. فقالت أم سلمة t : يا نبي الله .. ألا نبشر كعب بن مالك .. قال : إذاً يحطمكم الناس .. ويمنعونكم النوم سائر الليلة .. فلما صلى النبي.. صلى الله عليه وسلم ..الفجر .. آذن الناس بتوبة الله عليهم .. فانطلق الناس يبشرونهم .. قال كعب : وكنت قد صليت الفجر على سطح بيت من بيوتنا .. فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله تعالى .. قد ضاقت علي نفسي .. وضاقت عليَّ الأرض بما رحبت .. وما من شيء أهم إليّ .. من أن أموت .. فلا يصلي عليَّ رسولُ الله .. صلى الله عليه وسلم .... أو يموت .. فأكون من الناس بتلك المنزلة .. فلا يكلمني أحد منهم .. ولا يصلي عليَّ .. فبينما أنا على ذلك .. إذ سمعت صوت صارخ .. على جبل سلع بأعلى صوته يقول : ياااااا كعب بن مالك ! .. أبشر .. فخررت ساجداً .. وعرفت أن قد جاء فرج من الله .. وأقبل إليَّ رجل على فرس .. والآخر صاح من فوق جبل .. وكان الصوت أسرع من الفرس .. فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني .. نزعت له ثوبيَّ فكسوته إياهما ببشراه .. والله ما أملك غيرهما .. واستعرت ثوبين .. فلسبتهما .. وانطلقت إلى رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .... فتلقاني الناس فوجاً .. فوجاً .. يهنئوني بالتوبة .. يقولون : ليهنك توبة الله عليك .. حتى دخلت المسجد .. فإذا رسول الله .. صلى الله عليه وسلم ..جالس بين أصحابه .. فلما رأوني والله ما قام منهم إليَّ إلا طلحة بن عبيد الله .. قام فاعتنقني وهنأني .. ثم رجع إلى مجلسه .. فوالله ما أنساها لطلحة .. فمشيت حتى وقف على رسول الله .. صلى الله عليه وسلم ..فسلمت عليه .. وهو يبرق وجهه من السرور .. وكان إذا سُرَّ استنار وجهه .. حتى كأنه قطعة قمر .. فلما رآني قال : أبشر بخير يوم مرَّ عليك منذ ولدتك أمك .. قلت : أمن عندك يا رسول الله .. أم من عند الله ؟ قال : لا .. بل من عند الله .. ثم تلا الآيات .. فجلست بين يديه .. فقلت : يا رسول الله ! إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله .. وإلى رسوله .. فقال : أمسك عليك بعض مالك .. فهو خير لك .. فقلت : يا رسول الله ! إن الله إنما نجاني بالصدق .. وإن من توبتي ألا أحدث إلا صدقاً ما بقيت .. نعم .. تاب الله على كعب وصاحبيه .. وأنزل في ذلك قرءاناً يتلى .. فقال عز وجل : ] لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ *وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [ .. والشاهد من هذه القصة .. أن طلحة t لما رأى كعباً قام إليه واعتنقه وهنأه .. فزادت محبة كعب له .. حتى كان يقول بعد موت طلحة .. وهو يحكي القصة بعدها بسنين : فوالله لا أنساها لطلحة .. وماذا فعل طلحة حتى يأسر قلب كعب ؟ فعل مهارة رائدة .. اهتمَّ به .. شاركه فرحته .. فصار له عنده حظوة .. الاهتمام بالناس ومشاركتهم في مشاعرهم يأسر قلوبهم .. لو كنت في زحمة الامتحانات .. ووصلت إلى هاتفك المحمول رسالة مكتوب فيها .. بشرني عن امتحاناتك والله إن بالي مشغول عليك وأدعو لك ، صديقك : إبراهيم .. أليس ستزداد محبتك لهذا الصديق ؟ بلى .. ولو كان أبوك مريضاً في المستشفى .. فبقيت معه في غرفته وأنت مشغول البال عليه .. واتصل بك صديق وسألك عنه .. وقال : تحتاج مساعدة ؟ نحن في خدمتك .. فشكرته .. ثم في المساء اتصل وقال : إذا الأهل يحتاجون أي شيء أشتريه لهم .. فأخبرني .. فشكرته ودعوت له .. ألا تشعر أن قلبك ينجذب إليه أكثر ..؟ بينما لو اتصل بك آخر وقال : فلان .. نحن خارجون إلى نزهة في البحر .. هاه تذهب معنا ؟ فقلت : والله والدي مريض ولا أستطيع .. فبدل أن يدعو له ويعتذر أن لم يسأل عن حاله .. قال لك : أدري أنه مريض لكن هو في المستشفى وعنده ممرضون ولن يستفيد من بقائك تعال معنا استمتع واسبح و .. قالها وهو يمازحك ضاحكاً .. وكأن مرض والدك لا يعنيه .. كيف ستكون نظرتك إليه ؟ بلا شك أن قدره في قلبك ينخفض لأنه لم يهتم بهمومك .. من أحرج ما وقع لي من مواقف .. أني كنت مسافراً إلى جدة لعدة أيام .. كنت مشغولاً جداً .. وصلتني رسالة خلالها على هاتفي من أخي سعود كتب فيها : أحسن الله عزاءك في ابن عمنا فلان توفي في ألمانيا .. اتصلت بأخي فأخبرني أن ابن عمنا هذا - وهو شيخ كبير - ذهب قبل يومين لعلاج القلب في ألمانيا وتوفي أثناء إجراء العملية .. وأن جثمانه سيصل قريباً إلى مطار الرياض .. دعوت له وترحمت عليه .. وأنهيت المكالمة .. بعدها بيومين انتهت أعمالي في جدة وذهبت إلى المطار أنتظر وقت إقلاع رحلتي للرياض .. في هذه الأثناء كان يمر بي عدد من الشباب فإذا رأوني عرفوني وأقبلوا مسلمين وكانوا أحياناً من الشباب المراهقين لهم قصات شعر غريبة .. ومع ذلك كنت أمازحهم وأطلق التعليقات عليهم تحبباً وتلطفاً .. انشغلت بمكالمة هاتفية .. فلما أنهيتها فإذا شاب يلبس بنطالاً وقميصاً .. يراني فيقبل مسَلّماً مصافحاً .. رحبت به وقلت مازحاً : ما هذه الأناقة .. أنت اليوم كأنك عريس .. ونحو هذه العبارات .. سكت الشاب قليلاً ثم قال : ما عرفتني .. أنا فلان .. الآن وصلت من ألمانيا معي جثمان أبي .. وأنا متوجه إلى الرياض الآن على أقرب رحلة .. في الحقيقة .. كأنما صب علي برميل ماء بارد .. صرت محرجاً جداً .. أبوه مات .. وجثمانه معه في الطائرة وأنا أمازحه وأضحك .. إن هذا لشيء عجاب !! سكتُّ قليلاً ثم قلت : آآآآسف .. والله ما انتبهت إليك .. فأنا هنا منذ أيام .. فأحسن الله عزاءك وغفر لوالدك .. وإن كنتُ في الحقيقة معذوراً في عدم انتباهي إلى شخصه .. فقد كنت لا أقابله إلا قليلاً .. وأراه بثوبه وغترته .. فلما لبس البنطال وجاءني فجأة في زحمة شباب من جدة .. لم يقع في نفسي أنه فلان .. فمن الاهتمام بالناس مشاركتهم في مشاعرهم وإشعارهم أن همهم هو همك .. وأنك تحب الخير لهم .. ومن هذا المنطلق تجد أن الشركات المتطورة يكون عندها إدارة للعلاقات العامة .. مهمتها إرسال التهاني والتبريكات في المناسبات .. وتقديم الهدايا .. ونحو ذلك .. الناس كلما أشعرتهم بقيمتهم وأظهرت الاهتمام بهم ملكت قلوبهم وأحبوك .. خذ أمثلة سريعة من الواقع : لو دخل شخص إلى مكان مليء بالناس فلم يجد مكاناً يجلس فيه .. فتفسحت قليلاً .. وأوسعت له مكاناً وقلت : تفضل يا فلان .. تعال هنا .. لشعر باهتمامك وأحبك .. أو لو كنتم في حفل عشاء .. وأقبل يحمل طعامه يتلفت يبحث عن طاولة فيها مكان فارغ .. فجهزت له كرسياً وقلت : حياك اله يا فلان .. تفضل هنا .. لشعر باهتمامك أيضاً .. عموماً أشعر الناس بقيمتهم .. يحبوك .. كان رسول الله .. صلى الله عليه وسلم ..يحرص على ذلك أيما حرص .. انظر إليه وقد قام يخطب على منبره يوم جمعة .. وفجأة فإذا بأعرابي يدخل إلى المسجد ويتخطى الصفوف .. وينظر إلى رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. .. ويصيح قائلاً : يا رسول الله .. رجل لا يدري ما دينه ! فعلمه دينه .. فنزل النبي .. صلى الله عليه وسلم ..من منبره .. وتوجه إلى الرجل وطلب كرسياً فجلس عليه .. ثم جعل يتحدث مع الرجل ويشرح له الدين إلى أن فهم .. ثم عاد إلى منبره .. قمة الاهتمام بالناس .. ومن يدري ربما لو أهمله لخرج الرجل وبقي جاهلاً بدينه إلى أن يموت .. ولو نظرت في شمائله .. صلى الله عليه وسلم .... لوجدت من بينها أنه كان إذا صافحه أحد لم ينزع .. صلى الله عليه وسلم ..يده من يد المصافح .. حتى ينزع ذاك يده أولاً .. وكان.. صلى الله عليه وسلم ..إذا كلمه أحد التفت إليه جميعاً .. أي التفت بوجهه وجسمه إليه يستمع وينصت .. تجربة .. الناس كلما أشعرتهم بقيمتهم وأظهرت الاهتمام بهم .. ملكت قلوبهم .. وأحبوك |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
25. أشعرهم أنك تحب الخير لهم .. |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
26. اِحفظ الأسماء .. وهذا من الاهتمام بالناس .. ما أجمل أن تقابل شخصاً ما في موقف عارض .. كلقاء عند بنك .. أو في طائرة .. أو في وليمة عامة .. فتتعرف على اسمه .. ثم تراه في موقف آخر .. فتقبل عليه قائلاً : مرحباً يا فلان .. لا شك أن ذلك يطبع في قلبه لك محبة وتقديراً .. حفظك لاسم الشخص الذي أمامك يشعره باهتمامك به .. فرق بين المدرس الذي يحفظ أسماء طلابه .. والذي لا يحفظ .. قولك للطالب : قم يا فلان .. أحسن من : قم يا طالب .. حتى في الرد على الهاتف .. أيهما أحب إليك .. أن يجيبك من تتصل به بقوله : نعم ..أو ألو .. أو يقول محتفياً : مرحباً يا خالد .. هلا أبو عبد الله .. بلا شك ان استماعك لاسمك له في القلب رنة قبل الأذن .. جرت العادة بعد المحاضرات العامة أن يزدحم علي بعض الشباب يصافحون ويشكرون .. كنت أحرص على ترديد كلمة : الاسم الكريم ؟ حياك الله من الأخ ؟ .. أقولها لكل واحد أسلم عليه لأبدي له اهتمامي به .. فكان كل واحد يجيبني مستبشراً : أخوك زياد .. ابنك ياسر .. وأذكر يوماً أنه بعدما سلم عدد كبير منهم ومضوا .. عاد أحدهم ليسأل .. فأول ما أقبل عليَّ قلت له : حياك الله يا خالد .. فابتهج وقال : ما شاء الله !! تعرف اسمي !! الناس عموماً يحبون مناداتهم بأسمائهم .. من المعروف أن الموظف العسكري يعلق لوحة صغيرة على صدره فيها اسمه .. فأذكر أني ألقيت محاضرة في إحدى المناطق العسكرية .. فازدحم أكثرهم مسلماً بعد المحاضرة .. كان أحدهم يقترب ويبتعد .. وكأنه يريد السلام لكنه يخجل من مزاحمة الآخرين .. التفت إليه ولمحت لوحة اسمه .. فمددت يدي إليه وقلت : مرحباً فلان !! فتغير وجهه وتعجب .. ومد يده مصافحاً وهو يتبسم ويقول : هاه !! كيف عرفت اسمي ؟ فقلت : يا أخي الذين نحبهم .. لازم نعرف أسماءهم .. فكان لهذا تأثير كبير عليه .. كثير من الناس يقتنع بهذا ويتمنى لو استطاع حفظ أسماء الآخرين .. أما أسباب عدم حفظ الأسماء .. فهي كثيرة .. منها .. عدم الاهتمام بالأشخاص أثناء مقابلتهم .. ومنها .. التشاغل وقت التعارف وعدم التركيز أثناء استماع الاسم .. ومنها .. موقفك تجاه الشخص المقابل .. كاعتقادك بأنك لن تقابله مرة أخرى .. فتقول في نفسك : لا داعي لحفظ الاسم .. أو كان إنساناً بسيطاً لا يستثير اهتمامك .. أو عندما لا تسمع الاسم جيداً وتشعر بحرج من طلب إعادة اسمه .. فهذه أسباب تجعل الناس لا يحفظون الأسماء .. أما العلاج لحفظ الأسماء .. فله طرق .. منها : الاقتناع بأهمية تذكر الاسم واستشعارك أنك بسماعك له ستسأل عنه بعد دقائق .. ومنها .. التركيز على وجه الشخص أثناء الاستماع إلى اسمه .. حاول أن تلاحظ الشخص المقابل وطبيعة حديثه وابتسامته لينطبع في ذاكرتك .. أثناء حديثك معه ناده باسمه مراراً .. صحيح يا فلان ..؟ سمعت يا فلان ..؟ أنت معي يا فلان ..؟ وكرره أكثر من مرة .. باختصار .. أشعرني باهتمامك بي .. بحفظك اسمي .. ونادني به .. لأحبك .. |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
27. كن لماحاً قسم كبير من الأشياء التي نمارسها في الحياة .. نفعلها لأجل الناس لا لأجل أنفسنا .. عندما تُدعى لوليمة عرس .. فتلبس أحسن ثيابك .. إنما تفعل ذلك لأجل لفت انتباه الناس وجذب إعجابهم .. لا لأجل لفت انتباه نفسك .. وتفرح إذا لاحظت أنهم أُعجبوا بجمال هيئتك .. أو رونق ثيابك .. وعندما تؤثث مجلس ضيوفك .. وتتكلف في تزويقه والعناية به .. إنما تفعل ذلك أيضاً لأجل نظر الناس .. لا لأجل نظر نفسك .. بدليل أنك تعتني بغرفة استقبال الضيوف أكثر من عنايتك بالصالة الداخلية .. أو بحمام أطفالك !! عندما تدعو أصحابك إلى طعام .. ألا ترى أن زوجتك – وربما أنت - تعتني بترتيب الطعام وتنويعه أكثر من العادة .. بلى .. وكلما زادت أهمية هؤلاء الأصحاب .. زادت العناية بالطعام .. وكم تكون سعادتنا غامرة عندما يثني أحد على لباسنا أو ديكورات بيوتنا .. أو لذة طعامنا .. وقد قال e : " وليأت إلى الناس الذي يحب أن يأتوا إليه " أي عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به .. كيف ..؟! رأيت على صاحبك ثوباً جميلاً .. انتبه له .. أثن عليه .. أسمعه كلمات رنانة .. ما شاء الله !! ما هذا الجمال !! اليوم كأنك عريس !! زارك يوماً فشممت من ثيابه عطراً فواحاً جميلاً .. أثن عليه .. تفاعل معه .. كن لماحاً .. فهو ما وضع الطيب إلا لأجلك .. ردد عبارات جميلة :.. ما هذه الروائح .. ما أحسن ذوقك .. دعاك شخص لطعام .. أثن على طعامه .. فإنك تعلم أن أمه أو زوجته أو أخته وقفت ساعات في المطبخ لأجلك .. أو لأجل المدعويين عموماً .. وأنت منهم .. أو أنه على الأقل تعب في إحضاره من المطعم ومحل الحلويات .. و .. فأسمعه كلمات تجعله يشعر أنك ممتن له بما قدم لك .. وأن تعبه لم يذهب سُدَى .. دخلت بيت أحد أصدقائك – أو دخلتي بيت إحدى صديقاتك – فرأيت أثاثاً جميلاً .. فأثن على الأثاث .. والذوق الرفيع .. ( لكن انتبه لا تبالغ حتى لا يشعر أنه استهزاء ) .. حضرت في مجلس عام .. فسمعت حمد يتكلم مع الحاضرين بانطلاق .. وقد أحيا المجلس .. وأسعد الحاضرين .. أثن عليه .. خذ بيده إذا قمتم .. قل له : ما شاء الله ..!! ما هذه القدرات !! بصراحة ما ملَّح المجلس إلا حضورك .. جرب افعل ذلك .. فسوف يحبك .. رأيت موقفاً جميلاً لولد مع أبيه .. قبَّل يدَه .. قرَّبَ إليه نعليه .. أثن على الولد .. كن لماحاً .. لبس ثوباً جديداً .. أثن عليه .. كن لماحاً .. زرت أختك .. رأيت عنايتها بأولادها .. كن لماحاً .. أثن عليها .. رأيت عناية صاحبك بأولاده .. أو روعة ترحيبه بضيوفه .. كن جريئاً .. لماحاً .. أثن عليه .. أخرج ما في صدرك من الإعجاب به .. ركبت مع شخص في سيارته .. أو استأجرت تاكسي .. لاحظت نظافة سيارته .. حُسنَ قيادته .. كن لماحاً .. أثن عليه .. قد تقول : هذه أمور عادية .. صحيح لكنها مؤثرة .. لقد جربت ذلك بنفسي .. ومارست هذه المهارة مع أعداد من الناس .. كباراً وصغاراً .. وعمالاً بسطاء .. ومدرسين .. بل مارستها مع أشخاص يشغلون مناصب عليا .. ورأيت من تأثرهم أعاجيب .. خاصة في الأشياء التي ينتظرها الناس منك .. كيف ؟ عريس .. رأيته بعد زواجه بأسبوع .. رجل حصل على شهادة عليا .. شخص سكن بيتاً جديداً .. كلهم بلا شك ينتظرون منك كلمات .. كن كما يتوقعون .. كان عبد المجيد - ابن عمي - شاباً في المرحلة الثانوية .. بعد تخرجه طلب مني الذهاب معه للجامعة لتسجيله فيها .. اتصلت به ذات صباح ومررت على بيته بسيارتي ليرافقني للجامعة .. كانت المشاعر تتزاحم في قلبه .. فهو ينتقل إلى مرحلة جديدة .. ويفكر في الكلية التي ستقبله .. أول ما ركب سيارتي شممت رائحة عطره .. كانت رائحة نفاثة جداً .. ويبدو أنه قد أفرغ العلبة كلها ذلك اليوم على ملابسه .. بصراحة خنقني بالرائحة .. فتحت النوافذ لأتنفس .. شعرت أن المسكين تكلف في تزويق ثيابه .. وتطييبها .. ثم التفتُّ إليه وابتسمت وقلت : ماااا شاااااء الله !!.. إيش هالروائح الحلوة !! أخاف عميد الكلية أول ما يشم هالرائحة الحلوة يصرخ بأعلى صوته يقول : مقبوووووول .. لا تتصور مدى السرور الذي غطى على قلبه .. والبشر الذي طفح على وجهه .. التفت إليَّ .. وقال بحماس : أشكرك يا أبا عبد الرحمن .. أشكرك .. والله إنه عطر غااال .. وأضعه دائماً والناس ما يلاحظونه .. ثم بدأ يشمه من طرف غترته ويقول : بالله عليك : ذوقي حلو ..؟! آآآه .. مر على هذا الموقف أكثر من عشر سنوات .. فقد تخرج عبد المجيد من الجامعة وتعين في وظيفة منذ سنوات .. إلا أن ذلك الموقف لا يزال عالقاً في أذنه .. ربما ذكرني به مازحاً في بعض اللقاءات .. نعم .. كن لماحاً .. التحكم بعواطف الناس وكسب محبتهم سهل جداً .. لكننا في أحيان كثيرة نغفل عن ممارسة مهارات عادية نكسبهم بها .. ولا تعجب إن قلت إن صاحب الخلق العظيم.. صلى الله عليه وسلم .. كان يمارس هذه المهارات .. وأحسن منها .. في أول سنين الإسلام .. لما ضيق على المسلمين في دينهم بمكة .. هاجروا إلى المدينة .. تركوا ديارهم وأموالهم .. قدم عبد الرحمن بن عوف المدينة مهاجراً .. وكان في مكة تاجراً ممكناً .. لكنه جاء المدينة فقيراً معدماً .. كحل سريع للمشكلة .. آخى النبي .. صلى الله عليه وسلم .. بين المهاجرين والأنصار .. آخى بين عبد الرحمن بن عوف وبين سعد بن الربيع الأنصاري .. كانت نفوسهم سليمة .. وقلوبهم صافية .. فقال سعد لعبد الرحمن : أي أُخيَّ .. أنا أكثر أهل المدينة مالاً .. فأقسم مالي نصفين .. فخذ نصفه وأبق لي نصفه .. ثم خشي سعد أن عبد الرحمن يريد أن يتزوج .. ولا يجد زوجة .. فعرض عليه أن يزوجه .. فقال عبد الرحمن : بارك الله لك في أهلك ومالك .. دُلّني على السوق ..!! صحيح .. عبد الرحمن ترك ماله في مكة واستولى عليه الكفار .. لكنه كان ذا عقل راجح .. وخبرة تجارية واسعة .. دله سعد على السوق .. فذهب فاشترى وباع فربح .. يعني اشترى بضاعة بالآجل ثم باعها حالة .. فصار عنده رأس مال تاجر فيه .. وكان يتقن فن البيع والشراء والمماكسة .. حتى جمع مالاً فتزوج .. ثم جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام .. وعليه ودْعُ زعفران .. أي أثر طيب نساء ..!! ليس غريباً فهو ( عريس ) .. النبي.. صلى الله عليه وسلم .. طبيب النفوس .. كان لماحاً .. يترقب الفرص لاصطياد القلوب .. أول ما رآه .. انتبه لهذا التغير .. وجعل ينظر إلى أثر الطيب ويقول لعبد الرحمن : " مهيم ؟ " .. أي ما الخبر ؟ ابتهج عبد الرحمن .. وقال : يا رسول الله .. تزوجت امرأة من الأنصار .. عجب النبي.. صلى الله عليه وسلم .. .. كيف استطاع أن يتزوج وهو حديث عهد بهجرة ..!! فقال : " فما أصدقتها ؟" فقال : وزن نواة من ذهب .. فأراد r أن يزيد من فرحته .. فقال " أولِمْ ولو بشاة " .. ثم دعا له النبي.. صلى الله عليه وسلم .. .. بالبركة في ماله وتجارته .. فحلت البركة عليه .. قال عبد الرحمن وهو يصف كسبه وتجارته : فلقد رأيتني ولو رفعت حجراً لرجوت أن أصيب ذهباً وفضة .. وكان .. صلى الله عليه وسلم .. لماحاً حتى مع الضعفاء والمساكين .. يشعرهم بقيمتهم .. يجعلهم يحسون أنه منتبه لهم .. وأنهم مهمون عنده .. وأنه يقدر لهم أعمالهم التي يقومون بها مهما كانت متواضعة .. فإذا افتقدهم .. ذَكَرهم بالخير .. وتلمّح أعمالهم .. فتشجع الآخرون أن يفعلوا كفعلهم .. كان في المدينة امرأة سوداء .. مؤمنة صالحة .. كانت تكنس المسجد .. كان .. صلى الله عليه وسلم .. يراها أحياناً .. فيعجب بحرصها .. مرت أيام .. ففقدها رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. .. فسأل عنها ؟ فقالوا : ماتت يا رسول الله .. فقال : أفلا كنتم آذنتموني .. فصغّروا أمرها .. وأنها مسكينة مغمورة لا تستحق أن يخبر عنها رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. .. وقالوا أيضاً : ماتت بليل .. فكرهنا أن نوقظك .. فحرص .. صلى الله عليه وسلم .. على أن يصلي عليها .. فعملها وإن رآه الناس صغيراً فهو عند الله كبير .. ولكن كيف يصلي عليها وقد ماتت ودفنت ؟! قال.. صلى الله عليه وسلم .. : دلوني على قبرها .. فمشوا معه حتى أوقفوه على قبرها .. دلوه فصلى عليها .. ثم قال.. صلى الله عليه وسلم .. : إن هذه القبور .. مملوءة ظلمة على أهلها .. وإن الله عز وجل ينورها لهم بصلاتي عليهم .. فبالله عليك .. ما هو شعور من رأوه .. صلى الله عليه وسلم .. ينتبه إلى هذا العمل الصغير من امرأة ضعيفة .. كيف سيكون حماسهم للقيام بمثل فعلها وأعظم .. دعني أهمس في أذنك : نحن في مجتمع لا يقدر أحياناً مثل هذه المهارات .. فانتبه !! لا يطفئْ حماسَك فريق من الثقلاء الغلاظ الذين مهما لمحت ما عندهم من لطائف .. وأثنيت عليهم بالكلمات الرقيقة الرنانة .. لم يتأثروا .. أو ردوا على تلطفك بكلمات سامجة ممجوجة .. لا طعم لها .. بل ولا لون ولا رائحة !! ومن لطائف هؤلاء .. أن شاباً – أعرفه – دُعي إلى وليمة كبيرة .. فيها أشخاص مهمون .. مر على السوق في طريقه .. ودخل محل عطور وأظهر أنه سيشتري فجعل الموظف يحتفي به .. ويرش عليه من أنواع العطور ما غلا ثمنه وزكا ريحه .. ليختار من بينها ما يناسبه .. فلما امتلأت ثياب صاحبنا طيباً .. قال للبائع بلطف : أشكرك .. وإن أعجبني شيء منها فقد أعود إليك .. ذهب سريعاً إلى الوليمة متداركاً رائحة العطر قبل أن تزول .. جلس على العشاء بجانب صديقه خالد .. لم يلاحظ خالد الرائحة .. ولم يعلق بكلمة .. فقال له صاحبنا باستغراب : ما تشم رائحة عطر جميلة ؟! قال خالد : لا .. فقال صحبنا : أكيد أنفك مسدود ..!! فأجاب خالد فوراً : .. لو كان أنفي مسدوداً .. ما شممت رائحة عرقك ..!! اعتراف .. مهما بلغ الشخص من النجاح .. إلا أنه يبقى بشراً يطرب للثناء .. |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
28. انتبه : كن لمّـّاحاًًًً للجمال فقط .. بعض الناس يتحمس كثيراً لأنْ يكون لماحاً .. فلا يكاد يسكت عن الملاحظة والثناء .. لكنهم قالوا قديماً : الشيء إذا زاد عن حده .. انقلب إلى ضده .. ومن تعجل الشيء قبل أوانه .. عوقب بحرمانه .. فكن لماحاً للأشياء الجميلة الرائعة .. التي يفرح الشخص برؤية الناس لها .. وينتظر ثناءهم عليها .. ويطرب لسماع ألفاظ الإعجاب بها .. أما الأشياء التي يستحي من رؤيتها .. أو يخجل من ملاحظتها فحاول أن تتعامى عنها .. مثلاً : دخلت بيت صاحبك فرأيت الكراسي قديمة .. فانتبه من أن تكون من الثقلاء الذي لا يكفون عن تقديم اقتراحات لم تطلب منهم .. انتبه من أن يفرط لسانك بقول : لماذا ما تغير الكراسي ؟! الثريات نصفها ما يشتغل ..!! لماذا لا تشتري ثريات جديدة !! دهان الجدار قديييييم .. لماذا ما تدهنه بألوان جديدة !! يا أخي هو لم يطلب منك اقتراحات .. ولست مهندس ديكور اتفق معك على أن يستفيد من آرائك .. ابق ساكتاً .. لعله لا يستطيع تغييرها .. لعله يمر بضائقة مالية .. لعله .. ليس أثقل على الناس ممن يحرجهم بالنظر إلى ما يستحون منه .. ثم يثيره ويبدأ في التعليق عليه .. ومثل ذلك .. لو كان ثوبه قديماً .. أو مكيف سيارته متعطل .. قل خيراً أو اصمت .. ذكروا أن رجلاً زار صاحباً له فوضع له خبزاً وزيتاً .. فقال الضيف : لو كان مع هذا الخبز زعتر !! فدخل صاحب الدار وطلب من أهله زعتراً للضيف فلم يجد .. فخرج ليشتري ولم يكن معه مال ..! فأبى صاحب الدكان أن يبيعه بالآجل .. فرجع وأخذ وأخذ مطهرته ( وهي الإناء الذي يضع فيه الماء ليتوضأ منه ) فخرج بها ودفعها إلى صاحب الدكان – رهناً – حتى إذا لم يسدد له قيمة الزعتر يبيع صاحب الدكان المطهرة ويستوفي الثمن لنفسه .. ثم أخذ الزعتر ورجع به إلى ضيفه .. فأكل .. فلما انتهى الضيف من الطعام قال : الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا .. وقنعنا بما آتانا .. فتأوَّه صاحب الدار تأوُّه الحزين وقال : لو قنّعَك الله بما آتاك .. لما كانت مطهرتي مرهونة !! وكذلك لو زرت مريضاً فلا تردد عليه : أووووه .. وجهك أصفر .. عيناك زائغتان .. جلدك يابس .. عجباً !! هل أنت طبيبه ؟ قل خيراً أو اصمت .. ذكروا أن رجلاً زار مريضاً .. فجلس عنده قليلاً .. ثم سأله عن علته .. فأخبره المريض بها .. وكانت علة خطيرة .. فصرخ الزائر : آآآآ .. هذه العلة أصابت فلاناً صاحبي فمات منها .. وأصابت فلاناً صديق أخي ولا يزال مقعداً منها أشهراً ثم مات .. وأصابت فلاناً جار زوج أختي ومات .. والمريض يستمع إليه ويكاد أن ينفجر .. فلما أنهى الزائر كلامه وأراد الخروج التفت إلى المريض وقال : هاه .. توصيني بشيء ؟ قال المريض : نعم .. إذا خرجت فلا ترجع إلي َّ .. وإذا زرت مريضاً فلا تذكر عنده الموتى .. وذكروا كذلك أن امرأة عجوزاً مرضت عجوز صديقة لها .. فجعلت هذه العجوز تلتمس من أبنائها واحداً وَاحداً أن يذهبوا بها لتلك المريضة لزيارتها وهم يتعللون ويعتذرون .. حتى رضي أحد أبنائها على مضض .. وذهب بها بسيارته .. فلما وصل بيت العجوز المريضة نزلت أمه وجعل ينتظرها في سيارته .. دخلت الأم على المريضة فإذا هي قد تمكّن منها المرض .. فسلمت عليها ودعت لها .. فلما مشت خارجة مرت ببنات المريضة وهن يبكين في صالة البيت .. فقالت بكل براءة : أنا لا يتيسر لي المجيء أليكن كلما أردت .. وأمكم مريضة ويبدو لي أنها ستموت .. فأحسن الله عزاءكم من الآن ..!! فانتبه يا لبيب .. كن لماحاً لما يفرح ويسر .. لا لما يحزن .. مشكلة : إذا اضطررت للمح سيء .. كوسخ ثوبه .. أو رائحة سيئة .. فأحسن التنبيه .. كن لطيفاً ذكياً .. |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
29. لا تتدخل فيما لا يعنيك .. من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه .. ما أجمل هذه العبارة وأنت تسمعها من الفم الزكي الطاهر .. فم رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. .. صحيح .. تركه ما لا يعنيه .. كم هم ثقلاء أولئك الذين يزعجونك بالتدخل فيما لا يعنيهم .. يشغلك إذا رأى ساعتك .. بكم اشتريتها .. فتقول : جاءتني هديه .. فيقول : هدية !! ممن ؟ فتجيب : من أحد الأصدقاء .. فيقول : صديقك في الجامعة .. أم في الحارة .. أم أين ؟! فتقول : والله .. آآآ .. صديقي في الجامعة .. فيقول : طيب .. ما المناسبة ؟! فتقول : يعني .. مناسبة أيام الجامعة .. فيقول : مناسبة إيش ؟!! نجاح .. أم كنتم في رحلة .. أو يمكن .. أأ .. ويستمر في استجوابه لك على قضية تافهة ..!! بالله عليك ألا تحدثك نفسك أن تصرخ به : لااااا تتدخل فيما لا يعنيك .. وقد يزداد الأمر سوءاً لو أحرجك بالسؤال في مجلس عام فسبب لك إحراجاً .. أذكر أني كنت في مجلس مع عدد من الزملاء .. بعد المغرب .. رن هاتف أحدهم .. كان جالساً بجانبي .. أجاب : نعم ؟ زوجته : ألو .. وينك يا حمار ؟! كان صوتها عالياً لدرجة أني سمعت حوارهما .. قال : بخير .. الله يسلمك ( !!! ) .. ( يبدو أنه كان قد وعدها أن يذهب بها بعد المغرب لبيت أهلها وانشغل بنا ) .. غضبت الزوجة : الله لا يسلمك .. أنت مبسوط أنك مع أصحابك وأنا أنتظر .. والله انك ثور ( !! ) .. قال : الله يرضى عليك .. أمرُّك بعد العشاء .. لاحظتُ أن كلامه لا يتوافق مع كلامها .. فأدركت أنه يفعل ذلك لكيلا يحرج نفسه .. انتهت مكالمته .. جعلت ألتفت إلى الحاضرين وأتخيل أن واحداً منهم سأله : من كلمك ؟ وماذا يريد منك ؟ ولماذا تغير وجهك بعد المكالمة ..؟!! لكن الله رحِمَه لأن أحداً لم يتدخل فيما لا يعنيه .. ومثله لو زرت مريضاً .. فسألته عن مرضه .. فأجابك بكلمات عامة : الحمد لله .. شيء بسيط .. مرض صغير وانتهى .. أو نحرها من العبارات التي لا تحمل جواباً صريحاً .. فلا تحرجه بالتدقيق عليه : عفواً .. يعني ما هو المرض بالضبط ؟ وضح أكثر ..!! ماذا تعني ..!! ونحو ذلك .. عجباً !! ما الداعي لإحراجه ..؟ من حسن إسلام المرء تركه ما يعنيه .. يعني .. تنتظر أن يقول لك : أنا مريض بالبواسير .. أو مصاب بجرح في .. أو .. ما دام أنه أجاب إجابة عامة فلا داعي للتطويل معه .. ولا أعني بهذا عدم سؤال المريض عن مرضه ؟ إنما أعني عدم التدقيق في الأسئلة .. ومثله .. الذي ينادي طالباً أمام الناس في مجلس عام .. ويسأله بصوت عالٍ : هاه يا أحمد .. نجحت .. فيقول : نعم .. فيسأله : كم نسبتك ؟ كم ترتيبك في الفصل ؟ إن كنت صادقاً في اهتمامك به فاسأله على انفراد بينك وبينه .. ثم لا داعي للتدقيق .. كم نسبتك .. لماذا لم تذاكر .. لماذا لم تقبل في الجامعة .. إن كنت مستعداً لإعانته فقف معه جانباً وحدثه بما تريد .. أما نشر غسيله أمام الناس .. فلا .. قال .. صلى الله عليه وسلم .. : من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه .. لكن انتبه !! لا تعط الموضوع أكبر من حجمه .. سافرت إلى المدينة النبوية قبل مدة .. كنت مشغولاً بعدد من المحاضرات .. فاتفقت مع شاب فاضل أن يأخذ ولدي عبد الرحمن وأخاه بعد العصر إلى حلقة تحفيظ أو مركز صيفي ترفيهي .. ويعيدهم بعد العشاء .. كان عبد الرحمن في العاشرة من عمره .. خشيت أن يسأله ذلك الشاب من باب الفضول أسئلة لا داعي لها .. ما اسم أمك ؟ أين بيتكم ؟ كم عدد إخوانك ؟ كم يعطيك أبوك من المال ؟ فنبهت عبد الرحمن قائلاً : إذا سألك سؤالاً غير مناسب .. فقل له : قال .. صلى الله عليه وسلم .. : من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه .. وكررت عليه الحديث حتى حفظه .. ركب عبد الرحمن وأخوه .. مع الشاب .. كان عبد الرحمن مشدوداً متهيباً .. قال الشباب متلطفاً : حياك الله يا عبد الرحمن .. فأجابه بحزم : الله يحييك .. أراد الشاب المسكين أن يلطّف الجو .. فقال : الشيخ عنده محاضرة اليوم ؟! حاول الولد أن يتذكر الحديث فلم تسعفه ذاكرته .. فصرخ قائلاً : لا تتدخل فيما لا يعنيك !! قال الشاب : لا .. أقصد .. بل حتى أحضر وأستفيد .. فظن عبد الرحمن أنه يتذاكى عليه : فأعاد الجواب : لا تتدخل فيما لا يعنيك .. قال الشاب : عفواً عبد الرحمن أعني .. فصرخ عبد الرحمن : لااااا تتدخل فيما لا يعنيك !! ولم يزل هذا حالهما حتى رجعا !! أخبرني عبد الرحمن بالقصة مفتخراً .. فضحكت وفهمته الأمر مرة أخرى .. ورشة عمل .. مجاهدة النفس على التحرر من التدخل في شئون الآخرين .. متعبة في البداية .. لكنها مريحة في النهاية .. |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
. كيف تتعامل مع "الملاقيف " ( ) ؟
أحياناً يتناول بعض الناس هاتفك الجوال - بدون استئذان - ويقرأ الرسائل التي فيه .. كان صاحبي في دعوة عامة .. وليمة عشاء عند أحد القضاة .. كل من في المجلس مشايخ فضلاء .. جلس صاحبي بينهم .. يتجاذب أطراف الحديث معهم .. ضايقه وجود هاتفه الجوال في جيبه فأخرجه ووضعه على الطاولة التي بجانبه .. كان الشيخ الذي بجانبه متفاعلاً في الحديث معه .. من باب العادة أخذ الشيخ الهاتف الجوال .. رفع إليه .. فلما نظر إلى الشاشة تغير وجهه .. وأرجعه مكانه .. كتم صاحبي ضحكة مدوية .. لما خرج ركبت معه في سيارته .. وقد وضع هاتفه الجوال بجانبه .. فرفعته إليَّ - كما فعل الشيخ – فلما نظرت إلى الشاشة ضحكت .. بل غرقت في الضحك .. تدري لماذا ؟ جرت عادة بعضهم أن يكتب عبارات على شاشة الهاتف .. يكتب اسمه .. أو "اذكر الله" .. أو غيرها .. أما صاحبي فقد كتب : " أرجع الجهاز يا ملقوف " .. كثير من الناس من هذا النوع يتدخلون في أمور الآخرين الشخصية .. فمن الطبيعي أن يركب معك في سيارتك ثم يفتح الدرج الذي أمامه .. وينظر ما بداخله ..!! وامرأة تفتح حقيبة امرأة أخرى لتأخذ أحمر الشفاه أو ظل العينين .. وقد يتصل بك فيسألك أين أنت فتقول " طالع مشوار " فيقول : أين ..؟ من معك ؟ مجموعة من الناس نخالطهم يعاملوننا بمثل هذا الأسلوب .. فكيف نتعامل معهم ؟ أهم شيء أن لا تفقده .. حاول أن تتجنب المصادمة معه .. حاول أن لا ( يزعل ) منك أحد .. كن ذكياً في الخروج من الموقف .. دون أن يحدث بينك وبينه مشكلة .. لا تتساهل بكسب الأعداء أو فقدان الأصدقاء .. مهما كانت الأسباب .. ومن أحسن الأساليب للتعامل مع الطفيليين .. هو إجابة السؤال بسؤال .. أو الانتقال إلى موضوع آخر تماماً لينسى سؤاله الأول .. فلو سألك مثلاً : كم مرتبك الشهري ؟ قل له بلطف وتبسم : لماذا هل وجدت لي وظيفة مغرية .. سيقول : لا .. لكن أريد أن أعرف .. قل : المرتبات هذه الأيام مشاكل .. ويبدو أن ذلك بسبب ارتفاع أسعار البترول !! سيقول : ما دخل البترول .. فقل : البترول هو الذي يتحكم فغي الأسعار .. ألا تلاحظ أن الحروب تقوم لأجله .. سيقول : لا .. ليس صحيحاً .. فالحروب لها أسباب أخرى .. والهالمم اليوم مليء بالحروب .. و .. وينسى سؤاله الأول .. ( هاه .. ما رأيك ألم تخرج من الموقف بذكاء ؟ ) .. وكذلك لو سألك عن وظيفتك .. أو أين ستسافر .. اسأله : لماذا .. هل ستسافر معي .. سيقول : لا أدري!! أول شيء أخبرني .. قل : لكن إن سافرت معي .. فالتذاكر عليك .. عندها سيدخل في موضوع التذاكر وينسى الموضوع الأصلي .. وهكذا .. نستطيع الخروج من مثل هذه المواقف من غير وقوع مشاكل بيننا وبين ألآخرين .. وقفة .. إذا ابتليت بمتدخل فيما لا يعنيه .. فكن خيراً منه .. أحسن الخروج من الموقف من غير أن تجرحه .. |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
31. لا تنتقد !! ركب سيارة صاحبه .. فكانت أول كلمة قالها : ياااه !! ما أقدم سيارتك !! ولما دخل بيته .. رأى الأثاث فقال : أووووه .. ما غيرت أثاثك ؟! ولما رأى أولاده .. قال : ما شاء الله .. حلوين .. لكن لماذا ما تلبسهم ملابس أحسن من هذه !! ولما قدّمت له زوجته طعامه .. وقد وقفت المسكينة في المطبخ ساعات .. رأى أنواعه فقال : ياااا الله .. لماذا ما طبختي رزّ ؟ أوووه .. الملح قليل ! لم أكن أشتهي هذا النوع !! دخل محلاً لبيع الفاكهة .. فإذا المحل مليء بأصناف الفواكه .. فقال : عندك مانجو ؟ قال صاحب المحل : لا .. هذه في الصيف فقط .. فقال : عندك بطيخ ؟ قال : لا .. فتغير وجهه وقال : ما عندك شيء .. ليش فاتح المحل ! وخرج .. ونسي أن في المحل أكثر من أربعين نوعاً من الفواكه .. نعم .. بعض الناس يزعجك بكثرة انتقاده .. ولا يكاد أن يعجبه شيء .. فلا يرى في الطعام اللذيذ إلا الشعرة التي سقطت فيه سهواً .. ولا في الثوب النظيف إلا نقطة الحبر التي سالت عليه خطئاً .. ولا في الكتاب المفيد إلا خطئاً مطبعياً وقع سهواً .. فلا يكاد يسلم أحد من انتقاده .. دائم الملاحظات .. يدقق على الكبيرة والصغيرة .. أعرف أحد الناس .. زاملته طويلاً في أيام الثانوية والجامعة .. ولا تزال علاقتنا مستمرة .. إلا أني لا ذكر أنه أثنى على شيء .. أسأله عن كتاب ألفته وقد أثنى عليه أناس كثيراً وطبع منه مئات الآلاف فيقول ببرود : والله جيد .. ولكن فيه قصة غير مناسبة .. وحجم الخط ما أعجبني .. ونوعية الطباعة أيضاً سيئة .. و .. وأسأله يوماً عن أداء فلان في خطبته .. فلا يكاد يذكر جانباً مشرقاً .. حتى صار أثقل علي من الجبل .. وصرت لا أسأله أبداً عن رأيه في شيء لأني أعرفه سلفاً .. قل مثل ذلك فيمن يفترض المثالية في جميع الناس .. فيريد من زوجته أن يكون بيتها نظيفاً 24ساعة 100% .. ويريدها أيضاً أن يبقى أطفالها نظيفين متزينين على مدى اليوم .. وإن زاره ضيوف افترض أن تطبخ أحسن الطعام .. وإن جالسها افترض أن تحدثه بأجمل الأحاديث .. وكذلك هو مع أولاده .. يريدهم 100% في كل شيء .. ومع زملائه .. ومع كل من يخالطه في الشارع والسوق .. و .. وإن قصّر أحد من هؤلاء أكله بلسانه وأكثر عليه الانتقاد وكرر الملاحظات .. حتى يمل الناس منه .. لأنه لا يرى في الصفحة البيضاء إلا الأسودَ .. من كان هذا حاله عذب نفسه في الحقيقة .. وكرهه أقرب الناس إليه واستثقلوا مجالسته .. إذا أنت لم تشرب مراراً على القذا ظمئت , وأي الناس تصفو مشاربه؟! إذا كـنت فـي كل الأمور معاتباً رفـيقك لن تلـق الـذي ستعاتبه قالت أمنا عائشة t وهي تصف حال تعامله .. صلى الله عليه وسلم .. معهم : ما عاب رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. طعاماً قط .. إن اشتهاه أكله وإلا تركه .. ( ) .. نعم ما كان يصنع مشكلة من كل شيء .. وقال أنس t : والله لقد خدمت رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. تسع سنين .. ما علمته قال لشيء صنعته : لم فعلت كذا وكذا ؟ ولا عاب عليّ شيئاً قط .. ووالله ما قال لي أفَّ قط .. هكذا كان .. وهكذا ينبغي أن نكون .. وأنا بذلك لا أدعو إلى ترك النصيحة أو السكوت عن الأخطاء .. ولكن لا تكن مدققاً في كل شيء .. خاصة في الأمور الدنيوية .. تعود أن تمشّي الأمور .. لو طرق بابك ضيف فرحبت به وأدخلته غرفة الضيوف فلما أحضرت الشاي تناول الفنجان .. فلما نظر إلى الشاي بداخله قال : لـمَ لم تملأ الفنجان ؟ فقلت : أزيدك ؟ قال : لا .. لا .. يكفي .. فطلب ماء فأحضرت له كأس ماء فشكرك وشربه .. فلما انتهى قال : ماؤكم حار .. ثم التفت إلى المكيف وقال : مكيفكم لا يبرّد !! وجعل يشتكى الحر .. ثم .. ألا تشعر بثقل هذا الإنسان .. وتتمنى لو يخرج من بيتك ولا يعود .. إذن الناس يكرهون الانتقاد .. لكن إن احتجت إليه فغلفه بغلاف جميل ثم قدمه للآخرين .. قدمه في صورة اقتراح .. أو بأسلوب غير مباشر .. أو بألفاظ عامة .. كان رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. إذا لاحظ خطئاً على أحد لم يواجهه به وإنما يقول : ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا .. يعني : إياكِ أعني واسمعي يا جارة .. في يوم من الدهر أقبل ثلاثة شباب متحمسين .. إلى المدينة النبوية .. كانوا يريدون معرفة كيفية عبادة النبي.. صلى الله عليه وسلم .. وصلاته .. سألوا أزواج النبي.. صلى الله عليه وسلم .. عن عمله في السر .. فأخبرتهم زوجات النبي.. صلى الله عليه وسلم .. أنه يصوم أحياناً ويفطر أحياناً .. وينام بعضاً من الليل ويصلي بعضه .. فقال بعضهم لبعض : هذا رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه .. ثم اتخذ كل واحد منهم قراراً ..! فقال أحدهم : أنا لن أتزوج .. أي سأبقى عزباً .. متفرغاً للعبادة .. وقال الآخر : وأنا سأصوم دائماً .. كل يوم .. وقال الثالث : وأنا لا أنام الليل .. أي سأقوم الليل كله .. فبلغ النبي r ما قالوه .. فقام على منبره .. فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ما بال أقوام !! ( هكذا مبهماً ، لم يقل ما بال فلان وفلان ) .. ما بال أقوام قالوا : كذا وكذا .. لكني أصلي وأنام .. وأصوم وأفطر .. وأتزوج النساء .. فمن رغب عن سنتي فليس مني ( ) . وفي يوم آخر .. لاحظ النبي.. صلى الله عليه وسلم .. أن رجالاً من المصلين معه .. يرفعون أبصارهم إلى السماء في أثناء صلاتهم .. وهذا خطأ فالأصل أن ينظر أحدهم إلى موضع سجوده .. فقال.. صلى الله عليه وسلم .. : ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم .. فلم ينتهوا عن ذلك واستمروا يفعلونه .. فلم يفضحهم أو يسمهم بأسمائهم .. وإنما قال : لينتهُنَّ عن ذلك .. أو لتخطفن أبصارهم ( ) .. وكانت بريرة جارية أمةً مملوكة في المدينة .. أرادت أن تعتق من الرق .. فطلبت ذلك من سيدها .. فاشترط عليها مالاً تدفعه إليه .. فجاءت بريرة .. إلى عائشة تلتمس منها أن تعينها بمال .. فقالت عائشة : إن شئت أعطيت أهلك ثمنك .. فتعتقين .. لكن يكون الولاء لي ..( ) فأخبرت الجارية أهلها فأبوا ذلك .. وأرادوا أن يربحوا الأمرين .. ثمن عتقها .. وولاءها !! فسألت عائشة النبي.. صلى الله عليه وسلم .. .. فعجب.. صلى الله عليه وسلم .. من حرصهم على المال .. ومنعهم للمسكينة من الحرية !! فقال لعائشة : ابتاعيها .. فأعتقيها .. فإنما الولاء لمن أعتق .. أي الولاء لك ما دام أنك دفعت المال .. ولا تلتفتي إلى شروطهم فهي ظالمة .. ثم قام رسول الل.. صلى الله عليه وسلم .. على المنبر فقال : ما بال أقوام ( ولم يقل آل فلان ) .. يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله .. من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله .. فليس له .. وإن اشترط مائة شرط ( ) .. نعم هكذا .. لوّح بالعصا من بعيد ولا تضرب بها .. فما أجمل أن تقول لزوجتك المهملة في نظافة بيتها : البارحة تعشينا عند صاحبي فلان .. وكان الجميع يثني على نظافة منزله .. أو تقول لولدك المهمل للصلاة في المسجد .. : أنا أعجب من فلان ابن جيراننا ما نكاد نفقده في المسجد أبداً ..!! يعني .. إياك أعني واسمعي يا جارة !! ويحق لك أن تسأل : لماذا يكره الناس الانتقاد ؟ فأقول : لأنه يشعرهم بالنقص .. فكل الناس يحبون الكمال .. ذكروا أن رجلاً بسيطاً أراد أن يكون له شيء من التحكم .. فعمد إلى ترمسي ماء أحدهما أخضر والثاني أحمر .. وعبأهما بالماء البارد .. ثم جلس للناس في طريقهم .. وجعل يصيح : ماء بارد مجاناً .. فكان العطشان يقبل عليه ويتناول الكأس ليصب لنفسه ويشرب .. فإذا رآه صاحبنا قد توجه للترمس الأخضر .. قال له : لا .. اشرب من الأحمر .. فيشرب من الأحمر .. وإذا أقبل آخر .. وأراد أن يشرب من الأحمر .. قال له : لا .. اشرب من الأخضر .. فإذا اعترض أحدهم .. وقال : ما الفرق ؟! قال : أنا المسئول عن الماء .. يعجبك هذا النظام أو دبر لنفسك ماءً .. إنه شعور الإنسان الدائم بالحاجة إلى اعتباره والاهتمام به .. نحلة .. وذباب !! كن نحلة تقع على الطيب وتتجاوز الخبيث .. ولا تك كالذباب يتتبع الجروح !! |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
32. لا تكن أُستاذيّاً !!.. قارن بين ثلاثة آباء .. رأى كل واحد ولده جالساً عند التلفاز في أيام الامتحانات .. فقال الأول لولده : يا محمد .. ذاكر دروسك .. وقال الثاني : ماجد .. إذا ما ذاكرت دروسك والله لأضربك .. وأحرمك من المصروف .. و .. أما الثالث فقال : صالح .. لو تذاكر دروسك .. أحسن لك من التلفاز .. صح ؟! أيهم أحسن أسلوباً ..؟ لا شك أنه الثالث .. لأنه قدم أمره على شكل اقتراح .. وكذلك في التعامل مع زوجتك .. سارة ليتك تعملين شاي .. هند أتمنى أتغدى مبكراً اليوم .. وكذلك .. عندما يخطئ إنسان .. عالج خطأه بأسلوب يجعله يشعر أن الفكرة فكرته هو .. ولدك يغيب عن الصلاة في المسجد .. قل له – مثلاً – : سعد .. ما تريد تدخل الجنة .. بلى .. إذن حافظ على صلاتك .. في يوم من الأيام .. وفي خيمة أعرابي في الصحراء .. جعلت امرأة تتأوه تلد .. وزوجها عند رأسها ينتظر خروج المولود .. اشتد المخاض بالمرأة حتى انتهت شدتها وولدت .. لكنها ولدت غلاماً أسود !! نظر الرجل إلى نفسه .. ونظر إلى امرأته فإذا هما أبيضان .. فعجِبَ كيف صار الغلام أسود !! أوقع الشيطان في نفسه الوساوس .. لعل هذا الولد من غيرك !! لعلها زنى بها رجل أسود فحملت منه !! لعل .. اضطرب الرجل وذهب إلى المدينة النبوية .. حتى دخل على رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. وعنده أصحابه .. فقال : يا رسول الله .. إن امرأتي ولدت على فراشي غلاماً أسود !! وإنا أهل بيت لم يكن فينا أسود قط !! نظر النبي .. صلى الله عليه وسلم .. إليه .. وكان قادراً على أن يسمعه موعظة حول حسن الظن بالآخرين .. وعدم اتهام امرأته .. لكنه أراد أن يمارس معه في الحل أسلوباً آخر .. أراد أن يجعل الرجل يحل مشكلته بنفسه .. فبدأ يضرب له مثلاً يقرب له الجواب .. فما المثل المناسب له ..؟ هل يضرب له مثلاً بالأشجار ؟ أم بالنخل ؟ أم بالفُرْس والروم ؟ نظر إليه .. صلى الله عليه وسلم .. فإذا الرجل عليه آثار البادية .. وإذا هو مضطرب تتزاحم الأفكار في رأسه حول امرأته .. فقال له .. صلى الله عليه وسلم .. : هل لك من إبل ؟ قال : نعم .. قال : فما ألوانها ؟ قال : حمر .. قال : فهل فيها أسود ؟ قال : لا .. قال : فيها أورق ؟ قال : نعم .. قال : فأنى كان ذلك ؟! يعني : ما دام أنها كلها حمر ذكوراً وإناثاً .. وليس فيها أي لون آخر .. فكيف ولدت الناقة الحمراء ولداً أورق .. يختلف عن لونها ولون الأب ( الفحل ) .. فكر الرجل قليلاً .. ثم قال : عسى أن يكون نزعه عرق .. يعني قد يكون من أجداده من هو أورق .. فلا زال الشبه باقياً في السلالة .. فظهر في هذا الولد .. فقال .. صلى الله عليه وسلم .. : فلعل ابنك هذا نزعه عرق ( ) .. سمع الرجل هذا الجواب .. فكر قليلاً فإذا هو جوابه هو .. والفكرة فكرته .. فاقتنع وأيقن .. ومضى إلى امرأته .. وفي يوم آخر .. جلس .. صلى الله عليه وسلم .. مع أصحابه .. فجعل يحدثهم عن أبوب الخير .. وكان مما ذكره .. أن قال : وفي بضع أحدكم صدقة .. أي وطء أحدكم امرأته له فيه أجر .. فعجب الصحابة وقالوا : يا رسول الله .. يأتي أحدنا شهوته .. ويكون له أجر ؟!! فأجابهم .. صلى الله عليه وسلم .. بجواب يشعرون به أن الفكرة فكرتهم .. فلا يحتاجون لنقاش لإقناعهم بها .. فقال .. صلى الله عليه وسلم .. : أرأيتم لو وضعها في حرام .. أكان عليه وزر .. قالوا : نعم .. قال : فكذلك لو وضعها في حلال كان له أجر .. بل حتى أثناء الحوار مع الآخر .. تدرج معه عند النصح في الأشياء التي أنتما متفقان عليها .. خرج r إلى مكة معتمراً في ألف وأربعمائة من أصحابه .. فمنعتهم قريش من دخول مكة .. ووقعت أحداث قصة الحديبية المشهورة .. في آخر الأمر وبعد مشاورات طويلة بين النبي .. صلى الله عليه وسلم .. وقريش .. اتفقوا على صلح .. كان الذي تولى الاتفاق على بنود الصلح من جانب قريش هو سهيل بن عمرو .. اتفق النبي .. صلى الله عليه وسلم .. مع سهيل على شروط .. منها : • أن يعود المسلمون أدراجهم إلى المدينة من غير عمرة .. • وأن من دخل في الإسلام من أهل مكة وأراد أن يهاجر إلى المدينة فإن المسلمين في المدينة لا يقبلونه .. • أما من ارتد عن إسلامه وأراد الذهاب إلى المشركين في مكة فإنه يقبل ..!! إلى غير ذلك من الشروط التي في ظاهرها أنها هزيمة للمسلمين وإذلال لهم .. كانت قريش في الواقع خائفة من هذا العدد الكبير من المسلمين .. وتعلم أن المسلمين لو شاءوا لفتحوا مكة .. ولهذا كانت قريش تضطر إلى التلطف والمصانعة .. وكأني بهم .. ما كانوا يحلمون أن يظفروا ولا بربع هذه الشروط .. كان أكثر الصحابة متضايقاً من شروط العقد .. لكن أنى لهم أن يعترضوا .. والذي يكتب العقد ويمضيه رجل لا ينطق عن الهوى .. كان عمر متحفزاً .. ينظر يميناً وشمالاً .. يتمنى لو يستطيع عمل شيء .. فلم يصبر .. وثب عمر فأتى أبا بكر .. وأراد أن يناقشه .. فمن حكمته .. لم يبدأ بالاعتراض .. وإنما بدأ بالأشياء التي هما متفقان عليها .. وجعل يسأل أبا بكر أسئلة جوابها .. بلى .. نعم .. صحيح .. فقال : يا أبا بكر .. أليس برسول الله ..؟! قال : بلى .. قال : أولسنا بالمسلمين ؟! قال : بلى .. قال : أوليسوا بالمشركين ؟! قال : بلى .. قال : أولسنا على الحق ؟ قال : بلى .. قال : أوليسوا على الباطل ؟ قال : بلى .. قال : فعلام نعطي الدنية في ديننا ؟! فقال أبو بكر : يا عمر .. أليس هو رسول الله .؟ قال : بلى .. قال : فالزم غِرْزه .. فإني أشهد أنه رسول الله .. أي كن وراءه تابعاً لا تخالفه أبداً .. كما أن غرزات الخيط في الثوب تكون متتابعة .. قال عمر : وأنا أشهد أنه رسول الله .. مضى عمر .. حاول أن يصبر .. فلم يستطع .. فذهب إلى رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. .. فقال : يا رسول الله .. ألست برسول الله ؟! قال : بلى .. قال : أولسنا بالمسلمين .. ؟ قال : بلى .. قال : أوليسوا بالمشركين .. ؟! قال : بلى .. قال : فعلام نعطي الدنية في ديننا ؟! فقال .. صلى الله عليه وسلم .. : أنا عبد الله ورسوله .. لن أخالف أمره .. ولن يضيعني .. سكت عمر .. ومضى الكتاب .. ورجع المسلمون إلى المدينة .. ومضت الأيام .. ونقضت قريش العهد .. وأقبل رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. فاتحاً مكة .. مطهراً البيت الحرام من الأصنام .. وأدرك عمر أنه كان في اعتراضه حينذاك على غير السبيل .. فكان يقول : ما زلت أصوم .. وأتصدق .. وأصلي .. وأعتق .. من الذي صنعت يومئذ .. مخافة كلامي الذي تكلمته يومئذ .. حتى رجوت أن يكون خيراً .. فلله در عمر .. ودر رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. قبله .. كيف نستفيد أكثر من هذه المهارة ؟ لو كان ولدك لا يعتني بحفظ القرآن .. وتريده أن يزداد حرصاً .. ابدأ بالأشياء التي أنتما متفقان عليها .. ألا تريد أن يحبك الله .. ألا تريد أن ترتقي في درجات الجنة .. سيجيبك حتماً : بلى .. عندها قدم النصيحة على شكل اقتراح .. : إذن فلو أنك شاركت في حلقة تحفيظ القرآن .. وكذلك أنتِ : لو رأيتِ امرأة لا تعتني بحجابها .. ابدئي معها بالأشياء التي أنتما متفقتان عليها .. أنا أعلم أنك مسلمة .. وحريصة على الخير .. ستقول : صحيح .. الحمد لله .. وامرأة عفيفة .. وتحبين الله .. ستقول : إي والله .. الحمد لله .. عندها قدمي النصيحة على شكل اقتراح : فلو أنك اعتنيت بحجابك أكثر .. وحرصت على الستر .. هكذا يمكننا أن نحصل على ما نريد من الناس من غير أن يشعروا .. بارقة .. تستطيع أن تأكل العسل دون تحطيم الخلية .. |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
33. أمسك العصا من النصف !! أشكرك على اختيارك مهنة التدريس .. وقد آتاك الله أسلوباً حسناً .. وطلابك يحبونك كثيراً .. و .. ولكن : ليتك ما تتأخر على الدوام في الصباح .. أنت جميلة .. والبيت مرتب .. ولا أنكر أن الأولاد متعبون .. و .. ولكن : أتمنى أن تهتمي بملابسهم أكثر .. هكذا كان أسلوب صالح مع الناس .. يذكر الجوانب المشرقة عند المخطئ ثم ينبهه على أخطائه .. ليكون عادلاً .. عندما تنتقد حاول أن تذكر جوانب الصواب في المخطئ .. قبل غيرها .. حاول دائماً أن تشعر الذي أمامك أن نظرتك إليه مشرقة .. وأنك عندما تنبهه على أخطائه لا يعني ذلك أنه سقط من عينك .. أو أنك نسيت حسناته ولا تذكر إلا سيئاته .. لا .. بل أشعره أن ملاحظاتك عليه تغوص في بحر حسناته .. كان النبي .. صلى الله عليه وسلم .. محبوباً بين أصحابه .. وكان يمارس أساليب رائعة في التعامل معهم .. وقف مرة بينهم .. فشخص ببصره إلى السماء .. كأنه يفكر أو يترقب شيئاً .. ثم قال : هذا أوانُ يختلس العلم من الناس .. حتى لا يقدروا منه على شيء .. أي : يُعرض الناس عن القرآن وتعلمه .. وعن العلم الشرعي .. فلا يحرصون عليه ولا يفهمونه .. فيُختلسُ منهم .. أي : يرفع عنهم .. فقام صحابي جليل .. هو زياد بن لبيد الأنصاري وقال بكل حماس : يا رسول الله ، وكيف يختلس منا ؟! وقد قرأنا القرآن ! فوالله لنقرأنه ، ولنقرئنه نساءنا وأبناءنا .. فنظر إليه النبي .. صلى الله عليه وسلم .. .. فإذا شاب يتفجر حماساً وغيرة على الدين .. فأراد أن ينبهه على فهمه .. فقال : ثكلتك أمك يا زياد ، إني كنت لأعدك من فقهاء أهل المدينة .. وهذا ثناء على زياد .. أن يقول له رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. أمام الناس إنه من فقهاء المدينة .. هذا ذكر لجوانب الصواب والصفحات المشرقة لزياد .. ثم قال.. صلى الله عليه وسلم .. : هذا التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى فماذا يغني عنهم ؟! ( ) .. أي ليست العبرة يا زياد بوجود القرآن .. وإنما العبرة بقراءته ومعرفة معانيه والعمل بأحكامه .. هكذا كان تعامله رائعاً .. وفي يوم آخر .. يمر .. صلى الله عليه وسلم .. ببعض قبائل العرب يدعوهم إلى الإسلام .. وكان يختار أحسن العبارات لأجل ترغيبهم في الاستجابة له والدخول في الإسلام .. فمر بقبيلة منهم .. اسمهم : بنو عبد الله .. فدعاهم إلى الله .. وعرض عليهم نفسه .. وجعل يقول لهم : يا بني عبد الله .. إن الله قد أحسن اسم أبيكم .. يعني لستم ببني عبد العزى .. أو بني عبد اللات .. وإنما أنتم بنو عبد الله .. فليس في اسمكم شرك فادخلوا في الإسلام .. بل كان من براعته.. صلى الله عليه وسلم .. أنه كان يرسل رسائل غير مباشرة إلى الناس .. يذكر فيها إعجابه بهم .. ومحبته الخير لهم .. فإذا بلغتهم هذه الرسائل .. عملت فيهم من التأثير أكثر مما تعمله – ربَّما – الدعوة المباشرة .. كان خالد بن الوليد بطلاً .. ولم يكن بطلاً عادياً .. بل كان بطلاً مغواراً .. يضرب له ألف حساب .. وكان النبي.. صلى الله عليه وسلم .. يتشوق لإسلامه .. لكن أنى له ذلك .. وخالد ما ترك حرباً ضد المسلمين إلا خاضها .. بل كان هو من أكبر أسباب هزيمة المسلمين في معركة أحد .. قال فيه النبي.. صلى الله عليه وسلم .. يوماً .. لو جاءنا لأكرمناه .. وقدمناه على غيره .. فكيف كان تأثير ذلك ؟ خذ القصة من أولها .. كان خالد من أشداء الكفار وقادتهم .. لا يكاد يفوت فرصة إلا حارب فيها رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. أو ترصّد له .. فلما أقبل رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. مع المسلمين إلى الحديبية .. وأرادوا العمرة .. خرج خالد في خيل من المشركين .. فلقوا النبي.. صلى الله عليه وسلم .. وأصحابه بموضع يقال له : عسفان .. فقام خالد قريباً منهم يتحين الفرصة ليصيب رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. برمية سهم أو ضربة سيف .. جعل يترصد ويترقب .. فصلى النبي.. صلى الله عليه وسلم .. بأصحابه صلاة الظهر أمامهم .. فهموا أن يهجموا عليهم .. فلم يتيسر لهم .. فكأن النبي .. صلى الله عليه وسلم .. علم بهم .. فصلى بأصحابه صلاة العصر صلاة الخوف .. أي قسم أصحابه إلى فريقين .. فريق يصلي معه وفريق يحرس .. فوقع ذلك من خالد وأصحابه موقعاً .. وقال في نفسه : الرجل ممنوع عنا .. أي هناك من يحميه ويمنع عنه الأذى !! ثم ارتحل .. صلى الله عليه وسلم .. وأصحابه .. وسلكوا طريقاً ذات اليمين .. لئلا يمروا بخالد وأصحابه .. وصل .. صلى الله عليه وسلم .. إلى الحديبية .. صالح قريشاً على أن يعتمر في العام القادم .. ورجع إلى المدينة .. رأى خالد أن قريشاً لا يزال شأنها ينخفض في العرب يوماً بعد يوم .. فقال في نفسه : أي شيء بقي ؟ أين أذهب ؟ إلى النجاشي ؟ .. لا .. فقد اتبع محمداً وأصحابه عنده آمنون .. فأخرج إلى هرقل ؟.. لا .. أخرج من ديني إلى نصرانية ؟.. أو يهودية ؟ وأقيم في عجم ؟.. فبنما خالد يفكر في شأنه .. ويتردد .. والأيام والشهور تمضي عليه .. إذ جاء موعد عمرة المسلمين .. فأقبلوا إلى المدينة .. دخل.. صلى الله عليه وسلم .. مكة معتمراً .. فلم يحتمل خالد رؤية المسلمين محرمين .. فخرج من مكة .. وغاب أياماً أربعة وهي الأيام التي قضاها النبي.. صلى الله عليه وسلم .. في مكة .. قضى النبي.. صلى الله عليه وسلم .. عمرته .. وجعل ينظر في طرقات مكة وبيوتها .. ويستعيد الذكريات .. تذكر البطل خالد بن الوليد .. فالتفت إلى الوليد بن الوليد .. وهو أخو خالد .. وكان الوليد مسلماً قد دخل مع النبي.. صلى الله عليه وسلم .. معتمراً .. وأراد .. صلى الله عليه وسلم .. أن يبعث إلى خالد رسالة غير مباشرة .. يرغبه فيها بالدخول في الإسلام .. قال.. صلى الله عليه وسلم .. للوليد : أين خالد ؟ فوجئ الوليد بالسؤال .. وقال : يأتي الله به يا رسول الله .. فقال.. صلى الله عليه وسلم .. : " مثله يجهل الإسلام !! ولو كان جعل نكايته وَحَدَّه مع المسلمين .. كان خيراً له .. ثم قال : ولو جاءنا لأكرمناه .. وقدمناه على غيره .. استبشر الوليد .. وجعل يطلب خالداً ويبحث عنه في مكة .. فلم يجده .. فلما عزموا على الرجوع للمدينة .. كتب الوليد كتاباً إلى أخيه : بسم الله الرحمن الرحيم .. أما بعد .. فإني لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام .. وعقلك عقلك ! ومثل الإسلام يجهله أحد ؟ وقد سألني رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. عنك وقال : أين خالد ؟ فقلت : يأتي الله به .. فقال : " مثله جهل الإسلام !! ولو كان جعل نكايته وَحَدَّه مع المسلمين .. كان خيراً له .. ولو جاءنا لأكرمناه .. وقدمناه على غيره .. فاستدرك يا أخي ما قد فاتك من مواطن صالحة .. قال خالد : فلما جاءني كتابه .. نشطت للخروج .. وزادني رغبة في الإسلام .. وسرني سؤال رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. عني .. وأرى في النوم كأني في بلاد ضيقة مجدبة .. فخرجت إلى بلاد خضراء واسعة .. فقلت : إن هذه لرؤيا حق .. فلما أجمعت الخروج إلى رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. قلت : من أصاحب إلى رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. ؟! فلقيت صفوان بن أمية .. فقلت : يا أبا وهب أما ترى ما نحن فيه ؟ إنما نحن كأضراس يطحن بعضها بعضاً .. وقد ظهر محمد على العرب والعجم .. فلو قدمنا على محمد واتبعناه .. فإن شرف محمد لنا شرف ؟ فأبى أشد الإباء .. وقال : لو لم يبق غيري ما اتبعته أبداً .. فافترقنا .. وقلت في نفسي : هذا رجل مصاب .. قتل أخوه وأبوه بمعركة بدر .. فلقيت عكرمة بن أبي جهل .. فقلت له مثل ما قلت لصفوان بن أمية .. فقال لي مثل ما قال لي صفوان بن أمية .. قلت : فاكتم علي خروجي إلى محمد .. قال : لا أذكره لأحد . فخرجت إلى منزلي .. فأمرت براحلتي فخرجت بها .. إلى أن لقيت عثمان بن طلحة .. فقلت : إن هذا لي صديق .. فلو ذكرت له ما أرجو .. ثم ذكرت من قتل من آبائه في حربنا مع المسلمين .. فكرهت أن أذكِّره .. ثم قلت : وما علي أن أخبره .. وأنا راحل في ساعتي هذه !.. فذكرت له ما صار أمر قريش إليه .. وقلت : إنما نحن بمنزلة ثعلب في جحر .. لو صُب عليه ذنوب من ماء لخرج .. وقلت له نحواً مما قلت لصاحبَيْ .. فأسرع الإستجابة وعزم على الخروج معي للمدينة !.. فقلت له : إني خرجت هذا اليوم .. وأنا أريد أن أمضي للمدينة .. وهذه راحلتي مجهزة لي على الطريق .. قال : فتواعدنا أنا وهو في موضع يقال له "يأجج " .. إن سبقني أقام ينتظرني .. وإن سبقته أقمت أنتظره .. فخرجت من بيتي آخر الليل سَحَراً .. خوفاً من أن تعلم قريش بخروجنا .. فلم يطلع الفجر حتى التقينا في "يأجج" .. فغدونا حتى انتهينا إلى الهدة .. فوجدنا عمرو بن العاص على بعيره .. قال : مرحباً بالقوم .. إلى أين مسيركم ؟ فقلنا : وما أخرجك ؟ فقال : وما أخرجكم ؟ قلنا : الدخول في الإسلام .. واتباع محمد .. صلى الله عليه وسلم .. .. قال : وذاك الذي أقدمني . فاصطحبنا جميعاً حتى دخلنا المدينة .. فأنخنا بظهر الحرة ركابنا .. فأُخبر بنا رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. فسر بنا .. فلبست من صالح ثيابي .. ثم توجهت إلى رسول الل.. صلى الله عليه وسلم .. .. فلقيني أخي فقال : أسرع .. فإن رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. . . قد أُخبر بك فسُرَّ بقدومك وهو ينتظركم .. فأسرعنا السّير .. فأقبلت إلى رسول الله أمشي .. فلما رآني من بعيد تبسّم .. فما زال يتبسم إليَّ حتى وقفت عليه .. فسلمت عليه بالنبوة .. فرد على السلام بوجه طلْق .. فقلت : إني أشهد أن لا إله إلا الله .. وأنك رسول الله .. فقال : " الحمد لله الذي هداك .. قد كنت أرى لك عقلاً .. رجوت ألا يسلمك إلا إلى خير " .. قلت : يا رسول الله .. إني قد رأيت ما كنت أشهد من تلك المواطن عليك .. معانداً للحق .. فادع الله أن يغفرها لي .. فقال.. صلى الله عليه وسلم .. : " الإسلام يجب ما كان قبله " .. قلت : يا رسول الله .. على ذلك .. فاستغفر لي .. قال : " اللهم اغفر لخالد بن الوليد .. كل ما أَوْضع فيه .. من صد عن سبيل الله " .. ومن يعدها كان خالد رأساً من رؤوس هذا الدين .. أما إسلامه فكان برسالة غير مباشرة وصلت إليه من رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. .. فما أحلمه.. صلى الله عليه وسلم .. وأحكمه .. فلنتبع مثل هذه المهارات في التأثير في الناس .. فلو رأيت شخصاً يبيع دخاناً في بقالة فأردت تنبيهه .. فأثن أولاً على بقالته ونظافتها .. وادعُ له بالبركة في الربح .. ثم نبهه على أهمية الكسب الحلال .. ليشعر أنك لم تنظر إليه بمنظار أسود .. بل أمسكت العصا من النصف .. كن ذكياً .. ابحث عن أي حسنات فيمن أمامك تغمر فيها سيئاته .. أحسن الظن بالآخرين .. ليشعروا بعدلك معهم فيحبوك .. لمحة .. عندما يقتنع الناس أننا نلحظ حسناتهم .. كما نلحظ سيئاتهم .. يقبلون منا التوجيه .. |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
34. اجعل معالجة الخطأ سهلة .. تتنوع الأخطاء التي تقع من الناس كبراً وصغراً .. ومهما كان حجم الخطأ فإنه يمكن علاجه .. نعم قد لا يفيد العلاج في إصلاح ما أفسده الخطأ 100% .. لكنه على الأقل يصلح أكثر الفاسد .. عدد غير قليل من الناس لا يسعى إلى إصلاح أخطائه لشكه في قدرته أصلاً على علاجها .. وأحياناً تكون طريقتنا في التعامل مع الأخطاء هي جزء من الخطأ نفسه .. يقع ولدي في خطأ فألومه وأحقره وأعظِّم عليه الخطأ حتى يشعر بأنه سقط في بئر ليس له قاع !! فييأس من الإصلاح .. ويبقى على ما هو عليه .. وقد تقع في الخطأ زوجتي أو يقع فيه صديقي .. فإذا أشعرته أنه أخطأ ولكن الطريق لم ينقطع بعد فمعالجة الخطأ سهلة .. والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل .. جاء رجل إلى النبي .. صلى الله عليه وسلم .. يبايعه على الهجرة .. وقال : إني جئت أبايعك على الهجرة .. وتركت أبوي يبكيان .. فلم يعنفه.. صلى الله عليه وسلم .. .. أو يحقر فِعْله .. أو يصغر عقله .. فالرجل جاء بنية صالحة ويرى أنه فعل الأصلح .. أشعره .. صلى الله عليه وسلم .. أن معالجة الخطأ سهلة فقال له بكل بساطة : ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما ..( ) .. وانتهى الأمر .. كان.. صلى الله عليه وسلم .. يتعامل مع الناس بأساليب تربي فيهم الرغبة في الخير وتشعرهم أنهم إلى الخير أقرب .. حتى وإن وقعوا في أخطاء .. وبين يدي حادثة مروّعة .. الشاهد منها آخرُها .. لكني سأوردها من أولها رغبة في الفائدة .. كان رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. إذا أراد أن يخرج سفراً أقرع بين نسائه .. فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه .. فلما أراد الخروج إلى غزوة بني المصطلق .. أقرع بينهن فخرج سهم عائشة .. فخرجت مع رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. .. وذلك بعدما أنزل الحجاب ..وكانت تحمل في هودج .. فإذا نزلوا نزلت من هودجها .. وقضت حاجاتها .. فإذا أرادوا الارتحال ركبت فيه .. فلما فرغ رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. من غزوته .. توجه قافلاً إلى المدينة .. حتى إذا كان قريباً من المدينة نزل منزلاً فبات به بعض الليل .. ثم آذن الناس بالرحيل .. فبدأ الناس يجمعون متاعهم للرحيل ..فخرجت عائشة لبعض حاجتها .. وفي عنقها عقد لها فيه جزع ظفار .. فلما فرغت من حاجتها .. انسل العقد من عنقها وهي لا تدري .. فلما رجعت العسكر .. وأرادت الدخول في هودجها .. لمست عنقها فلم تجد العقد .. وقد بدأ الناس في الرحيل .. فرجعت سريعاً إلى مكانها الذي قضت فيه حاجتها .. فأخذت تبحث عنه .. وأبطأت .. وجاء القوم فحملوا هودجها وهم يظنون أنها فيه .. فاحتملوه .. فشدوه على البعير .. ثم أخذوا برأس البعير فانطلقوا به .. وسار الجيش .. أما عائشة فبعد بحث طويل .. وجدت العقد .. فعادت إلى مكان الجيش .. * * * * * * * * * قالت عائشة : . فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب .. قد انطلق الناس .. فتيممت منزلي الذي كنت فيه وظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعون إلي .. فتلففت بجلبابي .. فبينما أنا جالسة في منزلي إذ غلبتني عيني فنمت .. فوالله إني لمضطجعة إذ مرَّ بي صفوان بن المعطل .. وكان قد تخلف عن العسكر لبعض حاجاته .. فلم يبت مع الناس .. فرأى سواد إنسان نائم .. فأتاني فعرفني حين رآني .. وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علينا .. فلما رآني قال : إنا لله وإنا إليه راجعون .. ظعينة رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. ؟ فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي .. ووالله ما كلمني كلمة .. ولا سمعت منه غير استرجاعه .. حتى أناخ راحلته .. فوطئ على يديها .. فركبت وأخذ برأس البعير فانطلق سريعاً يطلب الناس .. فوالله ما أدركنا الناس وما افتقدوني حتى أصبحنا .. فوجدناهم نازلين .. فبينما هم كذلك .. إذ طلع الرجل يقود بي البعير .. فقال أهل الإفك ما قالوا .. وارتجَّ العسكر .. ووالله ما أعلم بشيء من ذلك .. * * * * * * * * * ثم قدمنا المدينة .. فلم ألبث أن مرضت واشتكيت شكوى شديدة .. وأنا لا يبلغني من كلام الناس شيء .. وقد انتهى الحديث إلى رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. وإلى أبويَّ .. وهم لا يذكرون لي منه قليلاً ولا كثيراً .. إلا أني قد أنكرت من رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. بعض لطفه بي .. كنت إذا اشتكيت رحمني ولطف بي .. فلم يفعل ذلك بي في شكواي تلك .. بل كان إذا دخل علي وعندي أمي تمرضني قال : كيف تيكم ؟ لا يزيد على ذلك .. حتى وجدت في نفسي ..فلما رأيت جفاءه لي قلت : يا رسول الله .. لو أذنت لي فانتقلت إلى أمي فمرضتني .. قال : لا عليك .. * * * * * * * * * فانتقلت إلى أمي ولا علم لي بشيء مما كان .. حتى نقهت من وجعي بعد بضع وعشرين ليلة .. فخرجت ليلة لبعض حاجتي ومعي أم مسطح بنت خالة أبي بكر t .. فوالله إنها لتمشي معي إذ تعثرت في مِرطها .. وسقطت أو كادت .. فقالت : تعس مسطح .. قلت : بئس لعمر الله ما قلت .. تسبين رجلاً قد شهد بدراً ؟ فقالت : أي هنتاه .. أولم تسمعي ما قال ؟ أوما بلغك الخبر يا بنت أبي بكر .. قلت : وما الخبر ؟ فأخبرتني بالذي كان من قول أهل الإفك .. قلت : أوقد كان هذا ؟ قالت : نعم والله لقد كان .. فوالله ما قدرت على أن أقضي حاجتي ورجعت .. فازددت مرضاً إلى مرضي .. فوالله ما زلت أبكي .. حتى ظننت أن البكاء سيصدع كبدي .. وقلت لأمي : يغفر الله لك .. تحدث الناس بما تحدثوا يه .. ولا تذكرين لي من ذلك شيئاً .. قالت : أي بنية خففي عليك الشأن .. فوالله لقلَّ ما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها .. ولها ضرائر إلا كثّرن .. وكثّر الناس عليها .. قلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا ؟ فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت .. لا يرقأ لي دمع .. ولا أكتحل بنوم .. ثم أصبحت أبكي .. * * * * * * * * * هذا حال عائشة .. تتهم بذلك وهي الفتاة التي لم يتجاوز عمرها خمس عشرة سنة .. تتهم بالزنا .. وهي العفيفة الشريفة .. زوجة أطهر الناس .. التي ما كشفت سترها .. ولا هتكت عرضها .. هذا حالها تبكي في بيت أبويها .. أما حال رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. .. فلا يبعد حزناً وهماً .. عن عائشة .. فلا جبريل يرسل .. ولا القرآن ينزل .. ويبقى.. صلى الله عليه وسلم .. متحيراً في أمره .. وقد كبر عليه اتهام المنافقين .. وكلام الناس في عرضه زوجه .. * * * * * * * * * فلما طال الأمر عليه .. قام.. صلى الله عليه وسلم .. في الناس فخطبهم .. فحمد الله .. وأثنى عليه .. ثم قال : أيها الناس ما بال رجال يؤذونني في أهلي .. ويقولون عليهم غير الحق .. والله ما علمت عليهم إلا خيراً .. ويقولون ذلك لرجل .. والله ما علمت منه إلا خيراً .. ولا يدخل بيتاً من بيوتي إلا وهو معي .. فلما قال رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. تلك المقالة .. قام أمير الأوس سعد بن معاذ فقال : يا رسول الله إن يكونوا من الأوس نكفك إياهم .. وإن يكونوا من إخواننا من الخزرج فمرنا أمرك فوالله إنهم لأهل أن تضرب أعناقهم .. فلما سمع ذلك أمير الخزرج سعد بن عبادة قام .. وكان رجلاً صالحاً .. لكن أخذته الحمية .. قام فقال : كذبت لعمر الله .. ما تضرب أعناقهم .. أما والله ما قلت هذه المقالة إلا أنك قد عرفت أنهم من الخزرج ؟ ولو كانوا من قومك ما قلت هذا .. فقال أسيد بن حضير : كذبت لعمر الله .. والله لنقتلنه .. ولكنك منافق تجادل عن المنافقين .. ثم ثار الناس بعضهم إلى بعض .. حتى كادوا أن يقتتلوا .. ورسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. قائم على المنبر .. فلم يزل يخفضهم حتى سكتوا .. وسكت .. فلما رأى.. صلى الله عليه وسلم .. ذلك .. نزل فدخل بيته .. * * * * * * * * * ولما رأى أن الأمر لا يمكن حله من جهة عموم الناس .. أراد أن يجد حلاً من جهة أهل بيته .. وأخص الناس به .. فدعا علياً وأسامة بن زيد .. فاستشارهما .. فأما أسامة فأثنى على عائشة خيراً وقال : يا رسول الله .. أهلك وما نعلم منهم إلا خيراً .. وهذا الكذب والباطل .. وأما علي فإنه قال : يا رسول الله إن النساء لكثير .. وإنك لقادر على أن تستخلف .. وسل الجارية فإنها ستصدقك .. فدعا رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. بريرة .. فقال : أي بريرة .. هل رأيت من شيء يريبك من عائشة ؟ فقالت بريرة : لا .. والذي بعثك بالحق نبياً .. والله ما أعلم إلا خيراً .. وما كنت أعيب على عائشة شيئاً .. إلا أنها جارية حديثة السن .. فكنت أعجن عجيني .. فآمرها أن تحفظه فتنام عنه .. فتأتي الشاة فتأكله .. نعم .. كيف ترى الجارية على عائشة ريبة .. وهي الفتاة الصالحة التي رباها صديق الأمة أبو بكر .. وتزوجها سيد ولد آدم .. بل كيف تقع في ريبة .. وهي أحب الناس إلى رسول الله .. ولم يكن.. صلى الله عليه وسلم .. يحب إلا طيباً .. فهي البريئة المبرأة .. ولكن الله يبتليها ليعظم أجرها .. ويرفع ذكرها .. * * * * * * * * * وتمضي على عائشة الأيام .. والآلام تلد الآلام .. وهي تتقلب على فراش مرضها .. لا تهنأ بطعام ولا شراب .. وقد حاول رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. أن يحل المشكلة .. بخطبة على رؤوس الناس فكادت أن تقع الحرب بين المسلمين .. وحاول أن يحلها في بيته ويسأل علياً وزيداً .. فلم يخرج بشيء .. فلما رأى ذلك .. أراد أن ينهي الأمر من جهة عائشة .. قالت رضي الله عنها : وبكيت يومي ذلك لا ترقأ لي دمعه .. ولا اكتحل بنوم .. ثم بكيت ليلتي المقبلة لا ترقأ لي دمعه ولا أكتحل بنوم .. وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي .. * * * * * * * * * فأقبل يحث الخطى إلى بيت أبي بكر .. فاستأذن .. ودخل عليها وعندها أبوها وأمها.. وامرأة من الأنصار .. وهي أول مرة يدخل فيها بيت أبي بكر .. منذ قال الناس ما قالوا .. وما رأى عائشة منذ قرابة الشهر .. وقد لبث شهراً لا يوحى إليه في شيء في شأن عائشة .. دخل r على عائشة .. فإذا طريحة الفراش .. وكأنها فرخ منتوف من شدة البكاء والهم .. وإذا هي تبكي .. والمرأة تبكي معها .. لا يملكان من الأمر شيئاً .. فجلس رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. .. فحمد الله وأثنى عليه .. ثم قال : أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا .. وذكر.. صلى الله عليه وسلم .. خبر الإفك .. وما أشيع من وقوعها في خطأ كبير ..ثم أراد .. صلى الله عليه وسلم .. أن يبين لها أن الإنسان مهما وقع في خطأ فإن معالجة هذا الخطأ ليست صعبة .. فقال لها : فإن كنت بريئه فسيبرئك الله عز وجل .. وإن كنت ألممت بذنب .. فاستغفري الله عز وجل وتوبي إليه .. فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب .. تاب الله عليه .. هكذا .. حل سهل للخطأ – إن كان قد وقع – دون تعقيد وتطويل .. قالت عائشة : فلما قضى رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. مقالته .. قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة .. وانتظرت أبويَّ أن يجيبا عني رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. فلم يتكلما .. فقلت لأبي : أجب عني رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. فيما قال .. فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. ! .. فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. .. فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. ! ووالله ما أعلم أهل بيت دخل عليهم ما دخل على آل أبي بكر في تلك الأيام .. فلما استعجما علي .. استعبرت فبكيت ؟ ثم قلت : لا .. والله لا أتوب إلى الله مما ذكرت أبداً .. إني والله قد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به .. ولئن قلت لكم إني بريئة - والله عز وجل يعلم إني بريئة - لا تصدقوني .. وإن اعترفت لكم بأمر - والله يعلم أني منه بريئة - تصدقوني .. وإني والله لا أجد لي ولكم مثلاً إلا كما قال أبو يوسف : ] فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون [ .. قالت : ثم تحولت فاضطجعت على فراشي .. وأنا والله أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي .. ولكن والله ما كنت أظن أن يَنزِلَ في شأني وحيٌ يتلى .. ولشأني كان أحقرَ في نفسي من أن يتكلم الله فيَّ بأمر يتلى .. ولكن كنت أرجو أن يرى رسولُ الله.. صلى الله عليه وسلم .. في النوم رؤيا يبرئني الله عز وجل بها .. * * * * * * * * * فوالله ما برح رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. مجلسه .. ولا خرج من أهل البيت أحد .. حتى تغشاه من الله ما كان يتغشاه .. وأنزل الله على نبيه .. فأما أنا حين رأيته يوحى إليه .. فوالله ما فزعت .. وما باليت .. قد عرفت أني بريئة .. وأن الله غير ظالمي .. وأما أبواي فوالذي نفس عائشة بيده .. ما سُرّي عن رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. حتى ظننت لتخرجن أنفسهما .. فرقاً من أن يأتي من الله تحقيق ما قال الناس .. فلما سُرّي عنه.. صلى الله عليه وسلم .. .. فإذا هو يضحك .. فجعل يمسح العرق عن وجهه .. وكان أول كلمة تكلم بها أن قال : أبشري يا عائشة قد أنزل الله عز وجل براءتك .. فقلت : الحمد لله .. وأنزل الله تعالى : ] إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْأِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عظيم * لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ * لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ [ .. وتوعد الله أولئك بقوله : ] إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [ .. ثم خرج رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. إلى الناس .. فخطبهم .. وتلا عليهم ما أنزل الله من القران في ذلك .. ثم أقام حد القذف على من قذف .. إذن .. ينبغي أن تتعامل مع المخطئ على أنه مريض يحتاج إلى علاج .. لا أن تبالغ في كبته وتعنيفه .. لأنه قد يصل إلى درجة يشعر معها أنك فرحٌ بهذا الخطأ .. والطبيب الناصح هو الذي يهتم بصحة مرضاه أكثر من اهتمامهم هم بأنفسهم .. قال.. صلى الله عليه وسلم .. : إنما مثلي ومثل الناس .. كمثل رجل استوقد ناراً .. فلما أضاءت ما حوله .. جعل الفَرَاشُ وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها .. فجعل ينزعهن .. ويغلبنه فيقتحمن فيها !! فأنا آخذٌ بحجَزِكُم عن النار .. وأنتم تقحمون فيها .. رأي .. أحياناً تكون طريقتنا في التعامل مع الأخطاء أكبر من الخطأ نفسه .. |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
35. كما أن الناس يختلفون في طباعهم وأشكالهم .. كذلك هم يختلفون في وجهات نظرهم .. وفي قناعاتهم وتصرفاتهم .. فإذا شعرت أن أحداً خالف الصواب .. ونصحته وحاولت إصلاح خطئه ولم يقتنع .. فلا تصنف اسمه من بين أعدائك .. وخذ الأمور بأريحية قدر المستطاع .. فلو حاولت إصلاح خطأ عند أحد زملائك فلم يستجب .. فلا تقلب الصداقة عداوة .. وإنما استمر في التلطف فلعله أن يبقى على خطئه ولا يزيد .. وقد قيل : حنانيك بعض الشر أهون من بعض .. إذا تعاملت مع الناس بهذه الأريحية .. فلم تغضب على كل صغيرة وكبيرة .. عشت سعيداً .. قالت عائشة رضي الله عنها : • ما انتقم رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. لنفسه قط .. • وما ضرب شيئاً قط بيده .. ولا امرأة .. ولا خادماً .. إلا أن يجاهد في سبيل الله .. • وما نيل منه شيء قط .. فينتقم من صاحبه .. إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله .. ( ) إذن .. كان .. صلى الله عليه وسلم .. يغضب .. لكنه غضبه لله .. لا يغضب لنفسه .. وحتى نفهم الفرق بين الغضبين : افرض أن ولدك الصغير جاءك ذات صباح وطلب ريالاً أو ريالين مصروفاً للمدرسة .. فبحثت في محفظة نقودك .. فلم تجد إلا فئة الخمسمائة ريال .. فأعطيتها له .. وقلت : هذه خمسمائة ريال .. اصرف منها ريالين .. وأرجع الباقي .. وأكدت عليه وكررت .. فلما رجع بعد الظهر فإذا المال كله قد صرفه .. فماذا ستفعل ؟.. وكيف سيكون غضبك ..؟ قد تضرب وتعنف وتمنعه من مصروفه أياماً .. ولكن لو رجعت مرة من صلاة العصر ووجدته يلعب بالكمبيوتر .. أو عند التلفاز .. ولم يصل في المسجد .. فهل ستغضب كغضبك الأول ؟ أظننا نتفق أن غضبنا الأول سيكون أشد وأطول وأكثر تأثيراً من غضبنا الثاني .. أما رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. فكان غضبه لله .. وكان يعرض النصيحة أحياناً ولا تقبل .. فياخذ الأمر بهدووووء .. فالهداية بيد الله .. قدم رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. إلى تبوك على حدود الشام .. اقترب من مملكة الروم .. فبعث دحية الكلبي رسولاً إلى هرقل ملك الروم .. وصل دحية إلى هرقل .. دخل عليه .. ناوله كتاب رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. . فلما أن رأى هرقل الكتاب دعا قسيسي الروم وبطارقتها .. ثم أغلق عليه وعليهم الدار فقال : " قد نزل هذا الرجل حيث رأيتم .. وقد أرسل إليَّ أن يدعوني إلى ثلاث خصال .. يدعوني : • أن أتبعه على دينه .. • أو على أن نعطيه مالنا على أرضنا والأرض أرضنا .. • أو نلقي إليه الحرب .. ثم قال هرقل : والله لقد عرفتم فيما تقرأون من الكتب ليأخذن أرضنا .. فهلمَّ فلنتبعه على دينه .. أو نعطيه مالنا على أرضنا .. فلما سمع القساوسة ذلك .. ورأوا أنه يدعوهم لترك دينهم ! غضبوا .. ونخروا نخرة رجل واحد حتى خرجوا من برانسهم .. أي سقطت أرديتهم من شدة الغضب والانتفاض !! وقالوا : تدعونا إلى أن نذر النصرانية .. أو نكون عبيداً لأعرابي جاء من الحجاز .!! أسقط في يد هرقل .. وأيقن أنه تورط بعرضه عليهم .. وكان هؤلاء القساوية لهم سطوة وجمهور قوي .. فعلم هرقل أنهم إن خرجوا من عنده .. أفسدوا عليه الروم .. فجعل يهدئهم .. ويقول : إنما قلت ذلك لأعلم صلابتكم على أمركم .. كان هرقل يعلم أن النبي.. صلى الله عليه وسلم .. هو الرسول الذي بشر به عيسى عليه السلام .. . فأراد أن يتأكد من ذلك .. دعا هرقل رجلاً من عرب قبيلة "تجيب" .. كان من نصارى العرب .. وقال له : ادع لي رجلاً حافظاً للحديث .. عربيَّ اللسان .. أبعثه إلى هذا الرجل بجواب كتابه .. مضى ذاك التجيبي .. وجاء برجل من بني تنوخ .. من نصارى العرب .. دفع هرقل كتاباً لهذا التنوخي ليوصله لرسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. . وقال له : اذهب بكتابي إلى هذا الرجل .. فما سمعت من حديثه فاحفظ لي منه ثلاث خصال : • انظر هل يذكر صحيفته إلى التي كتب بشيء ..؟ • وانظر إذا قرأ كتابي فهل يذكر الليل ؟ • وانظر في ظهره هل به شيء يريبك ؟ مضى التنوخي كفارقاً للشام .. حتى وصل إلى تبوك .. فإذا رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. جالس بين ظهراني أصحابه .. محتبياً على الماء .. فوقف التنوخي عليهم .. وقال : أين صاحبكم ؟ قيل : ها هو ذا .. فأقبل يمشي حتى جلس بين يديه .. فناوله كتاب هرقل .. فأخذه.. صلى الله عليه وسلم .. .. فوضعه في حِجْره .. ثم قال : " ممن أنت " .. ؟ قال : أنا أخو تنوخ .. فقال.. صلى الله عليه وسلم .. " هل لك إلى الإسلام .. الحنيفية .. ملة أبيك إبراهيم ؟ كان .. صلى الله عليه وسلم .. راغباً في دخول هذا الرجل في الإسلام .. في الحقيقة لم يكن هناك ما يمنع التنوخي من اتباع الحق .. إلا التعصب لدين قومه .. فحسب !! فقال التنوخي بكل صراحة : إني رسول قوم .. وعلى دين قومي .. لا أرجع عنه حتى أرجع إليهم .. فما رأى.. صلى الله عليه وسلم .. هذا التعصب .. لم يغضب .. ولم يعمل مشكلة .. وإنما ضحك وقال : " إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين " .. ثم قال.. صلى الله عليه وسلم .. بكل هدوء : يا أخا تنوخ .. • إني كتبت بكتاب إلى كسرى فمزقه والله ممزقه وممزق ملكه .. • وكتبت إلى النجاشي بصحيفة فخرقها والله مخرق ملكه .. • وكتبت إلى صاحبك بصحيفة فأمسكها .. فلن يزال الناس يجدون منه بأساً ما دام في العيش خير " .. تذكر التنوخي وصية هرقل .. وقال في نفسه : هذه إحدى الثلاث التي أوصاني بها صاحبي .. فخشي أن ينساها .. فأخذ سهماً من جعبته فكتبها في جنب سيفه .. ثم إن رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. ناول الصحيفة رجلاً عن يساره .. فقال التنوخي : من صاحب كتابكم الذي يقرأ لكم ؟ قالوا : معاوية .. بدأ معاوية رضي الله عنه يقرأ .. فإذا هرقل قد كتب إلى النبي .. صلى الله عليه وسلم .. تدعوني إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين !! فأين النار ؟ فقال.. صلى الله عليه وسلم .. : " سبحان الله ! أين الليل إذا جاء النهار " . فانتبه التنوخي أن هذه الثانية التي أمره هرقل بترقبها .. فأخذ سهماً من جعبته فكتبه في جلد سيفه .. فلما أن فرغ معاوية من قراءة الكتاب .. التفت .. صلى الله عليه وسلم .. إلى التنوخي .. الذي لم يقبل النصح .. ولم يدخل في الدين .. وقال له متلطفاً : إن لك حقاً وإنك لرسول .. فلو وجدت عندنا جائزة جوزناك بها .. إنا سِفْر مُرمِلون .. يعني أتمنى أن أعطيك هدية .. لكننا كما ترانا مسافرين جالسين على الرمال !! فقال عثمان رضي الله عنه : أنا أجوزه يا رسول الله .. ثم قام عثمان ففتح رحله .. فأتى بحلة ولباس فوضعها في حجر التنوخي .. ثم قال r الكريم : " أيكم ينزل هذا الرجل ؟ " .. يعني يقوم بحق ضيافته !! فقال فتى من الأنصار : أنا .. فقام الأنصاري وقام التنوخي يمشي معه .. وباله مشغول بالأمر الثالث الذي أمره هرقل أن يتأكد له منه .. وهو خاتم النبوة بين كتفي النبي .. صلى الله عليه وسلم .. .. مشى التنوخي خطوات .. وفجأة .. إذا برسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. يصيح به : " تعال يا أخا تنوخ " ..!! فأقبل التنوخي يهوي مسرعاً .. حتى قام بين يدي النبي.. صلى الله عليه وسلم .. .. فحل .. صلى الله عليه وسلم .. حبوته .. ثم أسقط رداءه عن ظهره .. فانكشف ظهره للتنوخي .. فقال.. صلى الله عليه وسلم .. " هاهنا امض لما أمرت به " .. قال التنوخي : فنظرت في ظهره .. فإذا أنا بخاتم في موضع غضون الكتف مثل الحجمة الضخمة .. ( ) فكرة .. المقصود أن يدرك الناس أخطاءهم .. وليس شرطاً أن يصححوها أمامك .. فلا تغضب .. |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
36. قابل الإساءة بالإحسان .. عندما تتعامل مع الناس فإنهم يعاملونك في الغالب على ما يريدون هُم .. لا على ما تريد أنت .. فليس كل من قابلته ببشاشة بادلك بشاشة مثلها .. فبعضهم قد يغضب ويسيء الظن ويسألك : مم تضحك ؟! ولا كل من أهديت له هدية .. رد لك مثلها .. فبعضهم قد تهدي إليه ثم يغتابك في المجالس ويتهمك بالسفه وتضييع المال ..!! ولا كل من تفاعلت معه في كلامه .. أو أثنيت عليه وتلطفت معه في عباراتك قابلك بمثلها .. فإن الله قسم الأخلاق كما قسم الأرزاق .. والمنهج الرباني هو : ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) .. وبعض الناس لا حل له ولا إصلاح إلا أن تتعامل معه بما هو عليه .. فتصبر عليه أو تفارقه .. ذُكر أن أشعب سافر مع رجل من التجار .. وكان هذا الرجل يقوم بكل شيء من خدمة وإنزال متاع وسقي دواب .. حتى تعب وضجر .. وفي طريق رجوعهما .. نزلا للغداء .. فأناخا بعيريهما ونزلا .. فأما أشعب فتمدد على الأرض .. وأما صاحبه فوضع الفرش .. وأنزل المتاع .. ثم التفت إلى أشعب وقال : قم اجمع الحطب وأنا أقطع اللحم .. فقال أشعب : أنا والله متعب من طول ركوب الدابة .. فقام الرجل وجمع الحطب .. ثم قال : يا أشعب ! قم أشعل الحطب .. فقال : يؤذيني الدخان في صدري إن اقتربت منه .. فأشعلها الرجل .. ثم قال : يا أشعب ! قم أمسك علي لأقطع اللحم .. فقال : أخشى أن تصيب السكين يدي .. فقطع الرجل اللحم وحده .. ثم قال : يا أشعب ! قم ضع اللحم في القدر واطبخ الطعام .. فقال : يتعبني كثرة النظر إلى الطعام قبل نضوجه .. فتولى الرجل الطبخ والنفخ .. حتى جهز الطعام وقد تعب .. فاضجع على الأرض .. وقال : يا أشعب ! قم جهز سفرة الطعام .. وضع الطعام في الصحن .. فقال أشعب : جسمي ثقيل ولا أنشط لذلك .. فقام الرجل وجهز الطعام ووضعه على السفرة .. ثم قال : يا أشعب ! قم شاركني في أكل الطعام .. فقال أشعب : قد استحييت والله من كثيرة اعتذاري وها أنا أطيعك الآن .. ثم قام وأكل !! فقد تلاقي من الناس من هو مثل أشعب .. فلا تحزن .. وكن جبلاً .. كان المربي الأول..صلى الله عليه وسلم .. يتعامل مع الناس بعقله لا بعاطفته .. كان يتحمل أخطاء الآخرين ويرفق بهم .. وانظر إليه ..صلى الله عليه وسلم .. وقد جلس في مجلس مبارك يحيط به أصحابه .. فيأتيه أعرابي يستعينه في دية قتيل .. قد قتل - هو أو غيره -رجلاً .. فأقبل يريد من النبي..صلى الله عليه وسلم .. أن يعينه بمال .. يؤديه إلى أولياء المقتول .. فأعطاه رسول الله ..صلى الله عليه وسلم .. شيئاً .. ثم قال تلطفاً معه : أحسنت إليك ؟ قال الأعرابي : لا .. لا أحسنت ولا أجملت .. فغضب بعض المسلمين وهموا أن يقوموا إليه .. فأشار النبي ..صلى الله عليه وسلم .. إليهم أن كفوا .. ثم قام..صلى الله عليه وسلم .. إلى منزله .. ودعا الأعرابي إلى البيت فقال له : إنك جئتنا فسألتنا فأعطيناك .. فقلت ما قلت .. ثم زاده ..صلى الله عليه وسلم .. شيئاً من مال وجده في بيته .. فقال : أحسنت إليك ؟ فقال الأعرابي : نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً .. فأعجبه ..صلى الله عليه وسلم .. هذا الرضى منه .. لكنه خشي أن يبقى في قلوب أصحابه على الرجل شيء .. فيراه أحدهم في طريق أو سوق .. فلا يزال حاقداً عليه .. فأراد أن يسلَّ ما في صدورهم .. فقال له ..صلى الله عليه وسلم .. : إنك كنت جئتنا فأعطيناك .. فقلت ما قلت .. وفي نفس أصحابي عليك من ذلك شيء .. فإذا جئت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي .. حتى يذهب عن صدورهم .. فلما جاء الأعرابي .. قال ..صلى الله عليه وسلم .. : إن صاحبكم كان جاءنا فسألنا فأعطيناه فقال ما قال .. وإنا قد دعوناه فأعطيناه .. فزعم أنه قد رضي .. ثم التفت إلى الأعرابي وقال : أكذاك ؟ قال الأعرابي : نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً .. فلما هم الأعرابي أن يخرج إلى أهله .. أراد..صلى الله عليه وسلم .. أن يعطي أصحابه درساً في كسب القلوب .. فقال لهم : إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة فشردت عليه .. فاتبعها الناس .. يعني يركضون وراءها ليمسكوها .. وهي تهرب منهم فزعاً .. ولم يزيدوها إلا نفوراً .. فقال صاحب الناقة : خلوا بيني وبين ناقتي .. فأنا أرفق بها وأعلم بها .. فتوجه إليها صاحب الناقة فأخذ لها من قشام الأرض .. ودعاها .. حتى جاءت واستجابت .. وشد عليها رحلها .. واستوى عليها .. ولو أني أطعتكم حيث قال ما قال .. دخل النار .. يعني لو طردتموه .. لعله يرتدّ عن الدين .. فيدخل النار .. ( ) وما كان الرفق في شيء إلا زانه .. وما نزع من شيء إلا شانه . ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) .. ذُكر أنه ..صلى الله عليه وسلم .. لما فتح مكة .. جعل يطوف بالبيت .. فأقبل فضالة بن عمير .. رجل يظهر الإسلام .. فجعل يطوف خلف النبي..صلى الله عليه وسلم .. .. ينتظر منه غفلة .. ليقتله ..!! فلما دنا من النبي ..صلى الله عليه وسلم .. انتبه..صلى الله عليه وسلم .. إليه .. فالتفت إليه وقال : أفضالة !! قال : نعم .. فضالة يا رسول الله .. قال : ماذا كنت تحدث به نفسك ؟ قال : لاشيء .. كنت أذكر الله ..!! فضحك النبي ..صلى الله عليه وسلم .. .. ثم قال : أستغفر الله .. قال فضالة .. : ثم وضع رسول الله..صلى الله عليه وسلم .. يده على صدري .. فسكن قلبي .. فوالله ما رفع رسول الل..صلى الله عليه وسلم .. يده عن صدري .. حتى ما خلق الله شيء أحب إلي منه .. ثم رجع فضالة إلى أهله .. فمر بامرأة كان يجالسها .. ويتحدث إليها .. فلما رأته .. قالت : هلم إلى الحديث .. فقال : لا .. ثم قال .. قالت هلم إلى الحديث فقلت لا ** يأبى عليك الله و الإسلام لو ما رأيت محمداً وقبيله ** بالفتح يوم تكسَّر الأصنامُ لرأيت دين الضحى بينا ** والشرك يغشى وجهه الإظلام وكان فضالة بعدها من صالحي المسلمين .. كان..صلى الله عليه وسلم .. يملك قلوب الناس بالعفو عنهم .. يتحمل الأذى في سبيل التأثير فيهم .. وجرهم إلى الخير .. كان أبو طالب يكف عن النبي..صلى الله عليه وسلم .. كثيراً من أذى قريش .. فلما مات أبو طالب .. ضيقت قريش كثيراً على النبي ..صلى الله عليه وسلم .. في مكة .. ونالت من الأذى ما لم تكن نالته منه في حياة عمه أبي طالب .. فجعل..صلى الله عليه وسلم .. يفكر في مكان آخر يلجأ إليه .. يجد فيه النصرة والتأييد .. فخرج إلى الطائف يلتمس من قبيلة ثقيف النصرة والمنعة .. دخل الطائف .. فتوجه إلى ثلاثة رجال هم سادة ثقيف وأشرافهم .. وهم أخوة ثلاثة : عبد ياليل بن عمرو .. وأخوه مسعود .. وحبيب .. جلس اليهم .. دعاهم إلى الله .. كلمهم لما جاءهم له من نصرته على الإسلام .. والقيام معه على من خالفه من قومه .. فكان ردهم بذيئاً !! أما أحدهم فقال : أنا أمرط ثياب الكعبة .. إن كان الله أرسلك !! وقال الآخر : أما وجد الله أحداً يرسله غيرك ؟! وجعل الثالث يبحث متحذلقاً عن عبارة يرد بها .. حرص على أن تكون أبلغ من كلام صاحبيه .. فقال : والله لا أرد عليك أبداً .. لئن كنت رسولاً من الله كما تقول .. لأنت أعظم خطراً من أن أرد عليك الكلام .. ولئن كنت تكذب على الله .. فما ينبغي لي أن أكلمك .. فقام..صلى الله عليه وسلم .. من عندهم وقد يئس من خير ثقيف .. وخشي أن تعلم قريش أنهم ردوه .. فيزدادون أذى له .. فقال لهم : إن فعلتم ما فعلتم .. فاكتموا عليَّ .. فلم يفعلوا .. بل أغروا به سفهاءهم وعبيدهم .. فجعلوا يركضون وراء رسول الله..صلى الله عليه وسلم .. .. يسبونه ويصيحون به .. وقد اصطفوا صفين .. وهو يسرع الخطى بينهم .. وكلما رفع رجلاً رضخوها بالحجارة .. وهو..صلى الله عليه وسلم .. يحاول .. أن يسرع فيخطاه ليتقي ما يرمونه به من حجارة .. وجعلت قدماه الشريفتان..صلى الله عليه وسلم .. تسيلان بالدماء .. وهو الكهل الذي جاوز الأربعين .. فأبعد عنهم .. ومشى .. ومشى .. حتى جلس في موضع آمن يستريح .. تحت ظل نخلة .. وهو منشغل البال .. كيف ستستقبله قريش .. كيف سيدخل مكة .. فرفع طرفه إلى السماء وقال : اللهم اليك أشكو ضعف قوتي .. وقلة حيلتي .. وهواني على الناس .. يا أرحم الراحمين .. أنت رب المستضعفين .. وأنت ربي .. إلى من تكلني ! إلى بعيد يتجهمني .. أم إلى عدو ملكته أمري ! إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي .. ولكن عافيتك هي أوسع لي .. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات .. وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة .. من أن تنزل بي غضبك .. أو تحل عليَّ سخطك .. لك العتبى حتى ترضى .. ولا حول ولا قوة الا بك .. فبينما هو كذلك .. فإذ بسحابة تظله ..صلى الله عليه وسلم .. .. وإذا فيها جبريل عليه السلام .. فناداه : يا محمد .. إن الله قد سمع قول قومك لك .. وما ردوا عليك .. وقد بعث لك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم .. وقبل أن ينطق..صلى الله عليه وسلم .. بكلمة .. ناداه ملك الجبال .. السلام عليك يا رسول الله .. يا محمد .. إن الله قد سمع قول قومك لك .. وأنا ملك الجبال .. قد بعثني اليك ربك لتأمرني ما شئت .. ثم قبل أن ينطق..صلى الله عليه وسلم .. أو يختار .. جعل ملك الجبال يعرض عليه .. ويقول : إن شئت تطبق عليهم الأخشبين .. وهما جبلان عظيمان في جانبي مكة .. وجعل ملك الجبال ينتظر الأمر .. فإذا به..صلى الله عليه وسلم .. يطأ على حظوظ النفس .. وشهوة الانتقام .. ويقول : بل .. أستأني بهم .. فإني أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً .. كن بطلاً .. وإن الذي بيني وبين بني أبي وبين بني عمي لمختلف جداً فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجداً وليسوا إلى نصري سراعاً وإن هم دعوني إلى نصر أتيتهم شداً ولا أحمل الحقد القديم عليهم وليس رئيس القوم من يحمل الحقد |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
37. أقنعه بخطئه ليقبل النصح .. بعض الناس يشغل الآخرين بكثرة التوجيهات والملاحظات حتى يوصلهم إلى مرحلة الملل والاستثقال .. خاصة إذا كانت النصائح والتوجيهات مبنية على آراء وأمزجة شخصية .. كمن ينصحك بعد وليمة دعوت الناس إليها وتعبت في إعدادها وتعب معك أهلك ومالك ! ثم يقول لك هذا الناصح : يا أخي الوليمة ما كانت مناسبة .. وتعبك ذهب هدراً .. وكنت أظن أنها ستكون بمستوى أعلى من هذا .. فتقول لماذا ؟ فيقول : يا أخي أكثر اللحم كان مشوياً .. وأنا أحب اللحم المسلوق !! والسلطات كانت حامضة بسبب اللليمون .. وأنا لا أحب ذلك .. وكذلك الحلويات كانت مزينة بالكريمة .. وهذا يجعل طعمها غير مقبول .. ثم يقول لك : وعموماً أكثر الناس أيضاً تضايقوا .. وما أكلوا إلا مجاملة .. أو لأنهم اضطروا إليه .. فقطعاً .. أنت هنا ستنظر إلى هذا الناصح نظرة ازدراء وإعراض .. ولن تقبل منه نصيحته ؛ لأنها مبنية على آراء وأمزجة شخصية ..!! قل مثل ذلك فيمن ينصح آخر حول طريقة تعامله مع أولاده .. أو مع زوجته .. أو طريقة بنائه لبيته .. أو نوع سيارته .. بناء على ذوقه الخاص .. انتبه دائماً أن تكون هذه النصائح والانتقادات مبنية على مجرد أمزجة شخصية .. نعم لو طلب رأيك .. أبده له واعرضه عليه .. أما أن تتكلم معه وتنصح كما تنصح المخطئ .. فلا .. وأحياناً .. المنصوح لا يشعر أنه مخطئ فلا بد أن تكون حجتك قوية عند نصحه .. جلس أعرابي صلف مع قوم صالحين .. فتكلموا حول بر الوالدين .. والأعرابي يسمع .. فالتفت إليه أحدهم وقال : يا فلان .. كيف برك بأمك .. فقال الأعرابي : أنا بها بار .. قال : ما بلغ من برك بها ؟ قال : والله ما قرعتها بسوط قط !! يعني إن احتاج إلى ضربها .. ضربها بيده أو عمامته .. أما السوط فلا يضربها به .. من شدة البرّ!! فالمسكين ما كان ميزان الخطأ والصواب عنده مستقيماً .. فكن رفيقاً لطيفاً .. حتى يقتنع الذي أمامك بخطئه .. كان في عهده.. صلى الله عليه وسلم .. امرأة من بني مخزوم تستلف المتاع من النساء .. وتتغافل عن رده فإذا سألوها عنه جحدته .. وأنكرت أنها أخذت شيئاً .. حتى زاد أذاها في الجحد والسرقة فرفع أمرها إلى رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. .. فقضى فيها أن تقطع يدها .. فشق على قريش أن تقطع يدها وهي من قبيلة من كبار قبائل قريش .. فأرادوا أن يكلموا النبي.. صلى الله عليه وسلم .. ليخفف هذا الحكم إلى حكم آخر .. كجلد أو غرامة مال .. أو نحو ذلك .. وكلما توجه رجل منهم لنقاش النبي .. صلى الله عليه وسلم .. في هذا الأمر .. تردد ورجع .. فقالوا لن يجترئ على رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. إلا أسامة بن زيد .. حِبُّ رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. وابن حِبِّه .. تربى هو وأبوه في بيت النبي.. صلى الله عليه وسلم .. حتى صار كولده .. فكلموا أسامة .. أقبل أسامة إلى رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. .. فرحب به وأجلسه عنده .. جعل أسامة يكلم النبي.. صلى الله عليه وسلم .. ليخفف الحكم .. ويبين أن هذه المرأة من أشراف الناس .. وأسامة يواصل الكلام والنبي.. صلى الله عليه وسلم .. يستمع .. كان أسامة يحاول إقناع النبي.. صلى الله عليه وسلم ..برأيه ..نظر النبي.. صلى الله عليه وسلم .. إلى أسامة .. فإذا هو يحاول ويناقش .. بكل قناعة .. ولا يدري أنه يطلب منه ما لا يجوز ..!! فتغير النبي وغضب.. صلى الله عليه وسلم .. وكان أول كلمة قالها أن بين له خطأه فقال : أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة ؟ فكأنه يبين سبب غضبه لأسامة .. وأن حدود الله تعالى التي أوجب على عباده إقامتها لا تجوز الشفاعة فيها .. فانتبه أسامة .. وقال فوراً : استغفر لي يا رسول الله .. فلما كان الليل .. قام.. صلى الله عليه وسلم .. فخطب في الناس وأثنى على الله بما هو أهله .. ثم قال : " أما بعد .. فإنما أهلك الذين من قبلكم : أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه .. وإذا سرق فيهم الضعيف .. أقاموا عليه الحد .. وإني والذي نفسي بيده .. لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها .." ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها .. قالت عائشة.. صلى الله عليه وسلم .. فحسنت توبتها بعدُ .. وتزوجت .. وكانت تأتيني بعد ذلك .. فأرفع حاجتها إلى رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. ( ) .. أسامة له مواقف متعددة مع رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. .. كلها تفيض بالرحمة والتعامل الراقي .. قال أسامة بن زيد : بعثنا رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. إلى الحرقات من جهينة .. فهزمناهم وخرجنا في آثارهم .. فلحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم .. فلاذ منا بشجرة .. فلما أدركناه .. ورفعنا عليه السيف .. قال : لا إله إلا الله .. فأما صاحبي الأنصاري فخفض سيفه .. وأما أنا فظننت أنه يقولها فرقاً من السلاح .. فحملت عليه فقتلته .. فعرض في نفسي من أمره شيء .. فأتيت النبي.. صلى الله عليه وسلم .. .. فأخبرته .. فقال لي : أقال لا إله إلا الله .. ثم قتلته ؟! قلت : إنه لم يقلها من قِبَلِ نفسه .. إنما قالها فرقاً من السلاح .. فأعاد علي : أقال لا إله إلا الله .. ثم قتلته ؟! فهلا شققت عن قلبه .. حتى تعلم أنه إنما قالها فرقاً من السلاح .. سكت أسامة .. فهو لم يشق عن قلب الرجل فعلاً ..!! لكنه كان في ساحة حرب .. والرجل مقاتل !! فأعاد عليه .. صلى الله عليه وسلم .. لسؤال مستنكراً : أقال لا إله إلا الله .. ثم قتلته ؟! يا أسامة قتلت رجلاً بعد أن قال لا إله إلا الله !! كيف تصنع بلا إله إلا الله يوم القيامة ؟! فما زال يقول ذلك حتى وددت إني لم أكن أسلمت إلا يومئذ ( ) .. فتأمل كيف تدرج معه ببيان الخطأ وإقناعه به .. ثم وعظه ونصحه .. ولأجل أن يقتنع المنصوح بما تقول .. ناقشه بأفكاره ومبادئه هو قدر المستطاع .. نعم فكر من وجهة نظره .. بينما رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. في مجلسه المبارك .. يحيط به أصحابه ألأطهار .. إذ دخل شاب إلى المسجد وجعل يتلتفت يميناً وشمالاً كأنه يبحث عن أحد .. وقعت عيناه على رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. فأقبل يمشي إليه .. كان المتوقع أن يجلس الشاب في الحلقة ويستمع إلى الذكر .. لكنه لم يفعل ..! إنما نظر الشاب إلى رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. وأصحابه حوله .. ثم قال بكل جرأة : يا رسول الله .. ائذن لي بـ .. بطلب العلم ؟! لا .. لم يقلها .. ويا ليته قالها .. ائذن لي بالجهاد .. لا .. ويا ليته قالها .. أتدري ماذا قال ؟ قال : يا رسول الله .. ائذن لي بالزنا .. عجباً !! هكذا بكل صراحة ؟!! نعم .. هكذا : ائذن لي بالزنا .. نظر النبي .. صلى الله عليه وسلم .. إلى الشاب .. كان يستطيع أن يعظه بآيات يقرؤها عليه .. أو نصيحة مختصرة يحرك بها الإيمان في قلبه .. لكنه.. صلى الله عليه وسلم .. سلك أسلوباً آخر .. قال له.. صلى الله عليه وسلم .. بكل هدوء : أترضاه لأمك ؟ فانتفض الشاب وقد مرَّ في خاطره أن أمه تزني .. فقال : لا .. لا أرضاه لأمي .. فقال له.. صلى الله عليه وسلم .. بكل هدوء : كذلك الناس لا يرضونه لأمهاتهم .. ثم فاجأه سائلاً : أترضاه لأختك ؟! فانتفض الشاب أخرى .. وقد تخيل أخته العفيفة تزني .. وقال مبادراً : لا .. لا أرضاه لأختي .. فقال .. صلى الله عليه وسلم .. : كذلك الناس لا يرضونه لأخواتهم .. ثم سأله : أترضاه لعمتك ؟! أترضاه لخالتك ؟! والشاب يردد : لا .. لا .. فقال.. صلى الله عليه وسلم .. : فأحب للناس ما تحب لنفسك .. واكره للناس ما تكره لنفسك .. أدرك الشاب عند ذلك أنه كان مخطئاً .. فقال بكل خضوع : يا رسول الله .. ادعُ الله أن يطهر قلبي .. فدعاه.. صلى الله عليه وسلم .. .. فجعل الشاب يقترب .. ويقترب .. حتى جلس بين يديه .. ثم وضع يده على صدره .. وقال : اللهم اهد قلبه .. واغفر ذنبه .. وحصن فرجه .. فخرج الشاب وهو يقول : والله لقد دخلت على رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. . وما شيء أحب إليَّ من الزنا .. وخرجت من عنده وما شيء أبغض إليَّ من الزنا .. ثم انظر إلى استعمال العواطف .. دعاه .. وضع يده على صدره .. دعا له .. يعني استعمل جميع الأساليب لإصلاح من أمامه .. بعدما جعله يقتنع بشناعة الفعل ليتركه عن قناعة .. فلا يفعله أبداً .. لا أمامه ولا خلفه .. قاعدة .. إذا شعر المخطئ ببشاعة خطئه اقتنع بحاجته للنصيحة .. وصار قبوله أكثر .. وقناعته أكبر .. |
رد: اِسْـتـمـتِـعْ بـِحـَيـاتـِك ، بقلم / د.محمد العريفي ...
38. لا تلمني !! انتهى الأمر .. ؟ يظن بعض الناس أنه عندما يلوم الآخرين على أخطائهم التي ربما تكون لا ترى إلا بالمجهر .. يظن أنه يتقرب منهم أكثر .. أو أنه يقوي شخصيته بذلك .. والحق أنه ليس الذكاء والفطنة أن تستطيع اللوم .. وإنما هو أن تتجنبه قدر المستطاع .. وتسعى إلى إصلاح الأشخاص بأساليب لا تجرح .. ولا تحرج .. أحياناً تحتاج في بعض الأمور أن تتعامى .. خاصة الأشياء الدنيوية .. والحقوق الخاصة .. ليس الغبي بسيد في قومه 00 لكن سيد قومه المتغابي والملوم يعتبر اللوم سهماً حاداً يوجه إليه .. لأنه يشعره بنقصه .. هذا أولاً .. ثانياً : تجنب النصح في الملأ قدر المستطاع .. تغمدني بنصحك في انفرادي .. وجنبني النصيحة في الجماعة فإن النصح بين الناس نوع .. من التوبيخ لا أرضى استماعه بل .. إذا انتشر خطأ معين .. واضطررت إلى النصح العام .. فاعمل بقاعدة : ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا .. كما تقدم معنا .. إذن .. اللوم كالسوط الذي يجلد به اللائم ظهر الملوم .. وبعض الناس ينفر الآخرين إما بكثرة لومه .. أو بلومه على أمور انتهت ولا يقدم اللوم أو يؤخر فيها شيئاً .. أذكر أن رجلاً فقيراً .. تغرب عن أهله إلى بلد آخر .. واشتغل سائق شاحنة .. كان في أحد الأيام متعباً لكنه ركب الشاحنة ومضى بها في طريق طويل بين مدينتين .. غلبه النوم أثناء الطريق .. فجعل يصارعه وأسرع قليلاً .. فتجاوز سيارة أمامه دون أن ينتبه إلى الطريق فإذا أماه سيارة صغيره فيها ثلاثة أشخاص .. حاول أن يتفاداها .. لم يستطع .. فاصطدم بها وجهاً لوجه .. ثار الغبار .. وجعل المارة يوقفون سياراتهم ويتفرجون على الحادث .. نزل سائق الشاحنة .. ونظر إلى السيارة المصدومة .. وإلى من بداخلها فإذا هم موتى .. أنزلهم الناس واتصلوا بالإسعاف .. قعد سائق الشاحنة ينتظر ووصول الإسعاف .. ويفكر فيما سيحصل له بعد الحادث من سجن ودية .. ويفكر في أولاده الصغار .. وزوجته .. مسكين .. هموم انهدت عليه كالجبال ..!! جعل الناس يمرون به ويلومونه .. عجباً ..!! أهذا وقت اللوم .. ألا يمكن أن يؤجل قليلاً ؟ قال أحدهم : لماذا تسرع ؟ هذه عواقب السرعة .. وقال آخر : أكيد أنك كنت نعسان ومع ذلك استمريت في القيادة ..! لم توقف سيارتك وتنام ..؟ وقال ثالث : المفروض أن مثلك لا تصرف لهم رخص قيادة !! كانوا يقولون هذه العبارات بأسلوب حاد .. فيه تعنيف وصراخ .. كان الرجل واجماً .. جالساً على صخرة ساكتاً .. متكئاً برأسه على يديه .. وفجأة هوى على جنبه .. و .. و .. مااات .. قتلوه بلومهم .. ولو صبروا قليلاً لكان خيراً له ولهم .. ضع نفسك موضع الملوم ..المخطئ .. وفكر من وجهة نظره .. فأحياناً لو كنت مكانه قد تقع في خطأ أكبر من خطئه .. كان رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. يراعي ذلك كثيراً .. لما انصرف.. صلى الله عليه وسلم .. من خيبر.. أطالوا المسير حتى تعبوا .. فلما أقبل الليل .. نزلوا في موضع في الطريق ليناموا .. فقال.. صلى الله عليه وسلم .. : من رجل يحفظ علينا الفجر لعلنا ننام ؟ كان بلال متحمساً فقال : أنا يا رسول الله أحفظه عليك ؟ فاضطجع رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. .. ونزل الناس فناموا .. وقام بلال يصلي حتى تعب .. وقد كان متعباً من طول الطريق قبل ذلك .. فقعد واستند إلى بعيره مستريحاً .. واستقبل الفجر يرمقه .. فغلبته عينه .. فناااام .. كان الجميع في تعب شديد .. فطال نومه ونومهم .. ومضى الليل .. وطلع لاصبح .. والكل نيام .. ولم يوقظهم إلا حر الشمس .. استيقظ رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. .. وهبَّ الناس من نومهم .. فلما رأوا الشمس اضطربوا .. وكثر لغطهم .. الكل ينظر إلى بلال .. التفت .. صلى الله عليه وسلم .. إلى بلال وقال : ماذا صنعت بنا يا بلال ؟ فأجاب بلال بجواب مختصر .. لكنه موضح للواقع تماماً .. قال : يا رسول الله .. أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك .. يعني أنا بشر .. حاولت أن أقاوم النوم .. فلم أستطع .. غلبني النوم كما غلبكم !! فقال.. صلى الله عليه وسلم .. : صدقت .. وسكت عنه .. نعم فما فائدة اللوم هنا .. فلما رأى .. صلى الله عليه وسلم .. اضطراب الناس .. قال .. صلى الله عليه وسلم .. : ارتحلوا .. فارتحلوا .. فمشى شيئاً يسيراً .. ثم نزل ونزلوا .. فتوضأ وتوضئوا .. ثم صلى بالناس .. فلما سلم .. أقبل على الناس فقال : إذا نسيتم الصلاة .. فصلوها إذا ذكرتموها .. فلله دره ما أعقله وأحكمه.. صلى الله عليه وسلم .. .. كان مدرسة لكل قائد .. ليس مثل بعض الرؤساء اليوم لا تكاد عصا اللوم والتقريع تنزل من يده .. بل كان.. صلى الله عليه وسلم .. يضع نفسه مكان من تحته ويفكر بعقولهم .. ويتعامل مع القلوب قبل الأجساد .. يعلم أنهم بشر .. وليسوا آلات !! في السنة الثامنة من الهجرة .. جمع الروم جيشاً .. وأقبل من جهة الشام .. لقتال النبي.. صلى الله عليه وسلم .. وأصحابه .. وقيل إنه.. صلى الله عليه وسلم .. جمع جيشاً لغزوهم ابتداءً .. بدأ .. صلى الله عليه وسلم .. يجهز جيشاً لإرساله إليهم .. فلم يزل يحث الناس حتى جمع ثلاثة آلاف .. فزودهم بما وجد من سلاح وعتاد .. قال لهم : أميركم زيد بن حارثة .. فإن أصيب زيد .. فجعفر بن أبي طالب على الناس .. فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة .. وخرج معهم .. صلى الله عليه وسلم .. يودعهم .. وخرج الناس يودعون الجيش .. ويقولون : صحبكم الله ودفع عنكم وردكم إلينا صالحين .. كان عبد الله بن رواحة مشتاقاً إلى الشهادة .. فقال : لكنني أسأل الرحمن مغفرةً وضربةً ذات فرغ تقذف الزبدا أو طعنة بيدي حران مجهزة بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا حتى يقال إذا مروا على جدثي ياأرشد الله من غازٍوَقد رشدا ثم مضى الجيش حتى نزلوا "معان" من أرض الشام .. فبلغهم أن هرقل ملك الروم قد نزل من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم .. وانضم إليه من القبائل حوله مائة ألف .. فصار جيش الروم مائتي ألف .. فلما تيقن المسلمون من ذلك .. أقاموا في "معان" ليلتين ينظرون في أمرهم .. فقال بعضهم : نكتب إلى رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. نخبره بعدد عدونا .. فإما أن يمدنا بالرجال .. أو يأمرنا بما يشاء فنمضي له .. وكثر كلام الناس في ذلك .. فقام عبد الله بن رواحة .. ثم صاح بالناس وقال : يا قوم .. والله إن التي تكرهون هي التي خرجتم تطلبون .. الشهادة في سبيل الله .. تفرون منها !! وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة .. ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به .. فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين .. إما ظهور وإما شهادة .. فمضى الناس .. يسيرون .. حتى إذا دنوا من جيش الروم .. في موقعة "مؤتة" فإذا أعداد عظيمة لا قبل لأحد بها .. قال أبو هريرة: شهدت يوم مؤتة .. فلما دنا منا المشركون .. رأينا ما لا قبل لأحد به من العدة .. والسلاح .. والكراع .. والديباج .. والحرير .. والذهب .. فبرق بصري .. فقال لي ثابت بن أرقم : يا أبا هريرة .. كأنك ترى جموعاً كثيرة ؟ قلت : نعم .. قال : إنك لم تشهد بدراً معنا .. إنا لم ننصر بالكثرة .. ثم التقى الناس فاقتتلوا .. فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. حتى كثرت عليه الرماح وسقط صريعاً شهيداً.. فأخذ الراية جعفر بكل بطولة .. فاقتحم عن فرس له شقراء فجعل يقاتل القوم .. وهو يقول : يا حبذا الجنة واقـترابها طيبة وبارد شرابها والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها علي إن لاقيتها ضرابها أن جعفر أخذ اللواء بيمينه فقطعت .. فأخذ اللواء بشماله فقطعت .. فاحتضنه بعضديه حتى قتل وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة .. قال ابن عمر : وقفت على جعفر يومئذ .. وهو قتيل .. فعددت به خمسين بين طعنة وضربة ليس منها شيء في دبره .. فأثابه الله بذلك جناحين في الجنة يطير بهما حيث يشاء .. إن رجلاً من الروم ضربه يومئذ ضربة فقطعته نصفين .. فلما قتل جعفر .. أخذ عبد الله بن رواحة الراية .. ثم تقدم بها وهو على فرسه .. فجعل يستنزل نفسه .. ويتردد بعض التردد .. ويقول : أقسمت يا نفس لتنزلنه لتنزلن أو لتكرهنه إن أجلب الناس وشدوا الرنة مالي أراك تكرهين الجنة ثم قال : يا نفس إلا تقتلي تموتي هذا حمام الموت قد صليت وما تمنيت فقد أعطيت إن تفعلي فعلهما هديت ثم نزل .. فلما نزل أتاه ابن عم له بعرق من لحم .. شد بهذا صلبك .. فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت .. فأخذه من يده فانتهش منه نهشة .. ثم سمع الحطمة في ناحية الناس .. فقال : وأنت في الدنيا ! فألقاه من يده .. ثم أخذ سيفه ثم تقدم .. فقاتل حتى قتل t .. فوقعت الراية .. واضطرب المسلمون .. وابتهج الكافرون .. والراية تطؤها الخيل .. ويغلوها الغبار .. فأقبل البطل ثابت بن أرقم .. ثم رفعها .. وصاح .. يا معاشر المسلمين .. هذه الراية .. فاصطلحوا على رجل منكم .. فتصايح من سمعه وقالوا : أنت .. أنت .. قال : ما أنا بفاعل .. فأشاروا إلى خالد بن الوليد .. فلما أخذ الراية .. قاتل بقوة .. حتى إنه كان يقول : لقد اندقَّ في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف ، فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية .. ثم انحاز خالد بالجيش .. وانحاز الروم إلى معسكرهم .. خشي خالد أن يرجع بالجيش إلى المدينة من ليلته .. فيتبعهم الروم .. فلما أصبحوا .. غير خالد مواقع الجيش .. فجعل مقدمة الجيش .. في المؤخرة .. وجعل مؤخرة الجيش مقدمة .. ومن كانوا يقاتلون في يمين الجيش .. أمرهم بالانتقال إلى يساره .. وأمر من في الميسرة أن يذهبوا للميمنة .. فلما ابتدأ القتال .. وأقبل الروم .. فإذا كل سرية منهم ترى رايات جديدة .. ووجوهاً جديدة .. فاضطرب الروم .. وقالوا : قد جاءهم في الليل مدد .. فرعبوا في القتال .. فقتل المسلمون منهم مقتلة عظيمة .. ولم يقتل من المسلمين إلا اثنا عشر رجلاً .. وانسحب خالد بالجيش .. آخر النهار من ساحة القتال .. ثم واصل مسيره نحو المدينة .. فلما أقبلوا إلى المدينة .. لقيهم الصبيان يتراكضون إليهم .. ولقيتهم النساء .. فجعلوا يحثون التراب في وجوه الجيش .. ويقولون : يا فرار .. فررتم في سبيل الله .. فلما سمع النبي.. صلى الله عليه وسلم .. ذلك .. علم أنهم لم يكن أمامهم إلا ذلك .. وأنهم فعلوا ما بوسعهم .. فقال.. صلى الله عليه وسلم .. مدافعاً عنهم : ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار .. إن شاء الله عز وجل " . نعم انتهى الأمر .. وهم أبطال ماقصروا .. لكنهم بشر والأمر كان فوق طاقتهم .. إذن الصلاة على الميت الحاضر .. أحياناً انتهى الأمر فلا فائدة من اللوم .. كان هذا منهجه .. صلى الله عليه وسلم .. دائماً .. لما سمع الكفار برسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. قادماً بجيشه إلى مكة فاتحاً .. دخلهم الرعب .. فأرسل إليهم رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. من يقول لهم : • من دخل داره وأغلق عليه بابه فهو آمن .. • ومن دخل المسجد فعو آمن .. • ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن .. فبدأ الناس يفرون من بين يديه.. صلى الله عليه وسلم .. .. فاجتمع بعض فرسان قريش .. وأردوا أن يحاربوا .. فأبى عليهم قومهم .. فاجتمع نفر منهم في مكان يقال له الخندمة .. اجتمع صفوان بن أمية .. وعكرمة بن أبي جهل .. وسهيل بن عمرو .. وجمعوا ناساً معهم بالخندمة ليقاتلوا .. وكان حماس بن قيس .. يعد سلاحاً قبل قدوم النبي.. صلى الله عليه وسلم .. .. ويصلحه .. فقالت له امرأته : لماذا تعد ما أرى ؟ قال : لمحمد وأصحابه ..!! كانت امرأته تعلم بقوة المسلمين .. فقالت : والله ما أرى يقوم لمحمد وأصحابه شيء ! قال : والله إني لأرجو أن أخدمك بعضهم .. يعين ياسر بعضهم ويجيء بهم إليها خدماً .. ثم قال مفتخراً : إن يقبلوا اليوم فما لي علة هذا سلاح كامل وأله وذو غرارين سريع السلة ثم خرج من عندها .. إلى موقع "الخندمة" .. حيث اجتمع أصحابه .. فما هو إلا أن لقيهم المسلمون .. يتقدمهم سيف الله خالد بن الوليد .. فابتدأ القتال .. وصال الأبطال .. فقتل في لحظة واحدة .. أكثر من اثني عشر أو ثلاثة عشر .. من الكفار .. فلما رأى حماس بن قيس ذلك .. التفت إلى صفوان وعكرمة .. فإذا هما يفران إلى بيوتهما .. فانهزم معهم .. وذهب يعدو إلى بيته .. فدخله سريعاً .. وأخذ يصيح بامرأته فزعاً : أغلقي علي بابي .. فإنهم يقولون من دخل داره وأغلق بابه فهو آمن ..!! فقالت : فأين ما كنت تقول ؟ أن تهزمهم .. وتخدمني بعضهم ..!! فقال : إنك لو شهدت يوم الخندمة إذ فر صفوان وفر عكرمة وأبو يزيد قائم كالمؤتمة واستقبلتهم بالسيوف المسلمة يقطعن كل ساعد وجمجمة ضرباً فلا يسمع إلا غمغمة لهم نهيت خلفنا وهمهمة لم تنطقي في اللوم أدنى كلمة صحيح .. لو رأت امرأته ما رأى من شدة القتال .. ما نطقت في لومه كلمة .. وفي موقف آخر .. لما دخل النبي.. صلى الله عليه وسلم .. . مكة فاتحاً .. فقد كان يعلم عظمة البلد الحرام .. فقاتل قتالاً يسيراً .. ثم قال : إن الله حرم هذا البلد يوم خلق السموات والأرض .. وإنما حلَّ لي ساعة من نهار " .. فقيل له : يا رسول الله .. أنت تنهى عن القتل .. وهذا خالد بن الوليد في كتيبته .. يقتل من لقيه من المشركين ؟ فقال.. صلى الله عليه وسلم .. : " قم يا فلان .. فأت خالد بن الوليد .. فقل له : فليرفع يده من القتل " . هذا الرجل يعلم أنهم الآن يعيشون حالة حرب .. وأن النبي.. صلى الله عليه وسلم .. أمرهم قريشاً بالبقاء في بيوتهم لئلا يقتلوا .. فمن كان في غير بيته استحق المقاتلة .. ففهم من قول النبي.. صلى الله عليه وسلم .. : يرفع يده من القتل .. أي يقتل كل من وقف أمامه .. حتى يرفع يده بالسيف لأنه لا يجد من يقتل ..!! فأتى الرجل خالداً فصاح به : يا خالد .. إن رسول الله.. صلى الله عليه وسلم .. .. يقول : اقتل من قدرت عليه ! فقتل خالد سبعين إنساناً .. فأتي رجل النبي.. صلى الله عليه وسلم .. .. قال : يا رسول الله .. هذا خالد يقتل .. فعجب النبي .. صلى الله عليه وسلم .. .. كيف يقتل وقد نهاه ..؟! فأرسل إلى خالد ليأتيه .. فأتاه .. فقال.. صلى الله عليه وسلم .. : " ألم أنهك عن القتل ؟ " فعجب خالد وقال : يا رسول الله .. جاءني فلان فأمرني أن أقتل من قدرت عليه .. فأرسل النبي .. صلى الله عليه وسلم .. إلى ذاك الرجل .. فجاء ورأى خالداً .. فقال له.. صلى الله عليه وسلم .. : " ألم أقل يرفع يده من القتل ؟ " فأدرك الرجل خطأه .. لكن الأمر انتهى .. فقال : يا رسول الله .. أردتَّ أمراً .. وأراد الله أمراً .. فكان أمرُ الله فوق أمرك .. وما استطعتُ إلا الذي كان .. فسكت عنه النبي.. صلى الله عليه وسلم .. وما ردَّ عليه شيئاً .. من تأمل في مسيرة الحياة .. وجد هذا الأمر ظاهراً .. أحياناً يكون الشخص قد فعل أحسن ما يستطيع .. ركبت مع أحد الشباب في سيارته .. فإذا قيادته جيدة .. وكنت أعلم أنه وقع له حادث تصادم قبل اسبوع .. فسألته : ألاحظ أن قيادتك جيدة .. فلماذا صدمت قبل أسبوع ؟! قال : كان لا بد أن أصدم !! قلت عجباً !! قال : نعم .. كان لا بد أن أصدم .. أتدري لماذا ؟ قلت : لماذا ؟! قال : أقبلت بسيارتي على جسر .. وكنت مسرعاً .. فلما نزلت منه فإذا السيارات أمامي متوقفة صفوفاً .. لا أدري ما السبب .. حادث في الأمام .. أو نقطة تفتيش .. لا أدري .. المهم أني تفاجات بها .. كان أمامي أربعة مسارات كلها مليئة بالسيارات .. وكنت مخيراً بين أن أنحرف عنها كلها وأسقط من فوق الجسر .. أو أمسك فرامل بأقوى ما أستطيع وعندها ستلعب بي السيارة في الطريق .. أو الاختيار الثالث .. وهو أهونها .. قلت : وما هو ؟! قال : أن أصدم إحدى السيارات الأربع الواقفة أمامي .. ضحكت .. وقلت .. هاه وماذا فعلت ؟ قال : خففت سرعتي قدر استطاعتي .. واخترت أرخص السيارات التي أمامي .. و .. و .. صدمتها .. فكرت فيما قال .. فرأيت أنه لا يستحق اللوم كثيراً .. وذلك أن الاختيارات التي كانت أمامه محدودة .. يعني بعض المشاكل ليس لها حل .. شخص أبوه عصبي .. نصحه بجميع الأساليب .. ما نفع .. ماذا يفعل ؟ لفتة .. ضع نفسك موضع الملوم وفكر من وجهة نظره .. ثم احكم عليه .. |
الساعة الآن 16:35. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. , Designed & TranZ By
Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
Developed By Marco Mamdouh
جميع الحقوق محفوظة لشبكة و منتديات صدى الحجاج