م.محمود الحجاج
27-11-2007, 14:56
الاعتداء على المرأة: هل هو ثقافة عامة أم حالة فردية؟
--------------------------------------------------------------------------------
لقد كان أمراً ساراً أن تلاقي مقالة "التحرش الجنسي الذي تواجهه المرأة أثناء تقديمها على وظيفة" اهتماماً واسعاً من طبقات مختلفة من المجتمع. في الحقيقة ليس أمراً شائعاً أن تجتمع مشارب فكرية مختلفة على تقبل فكرة بذاتها خصوصاً أننا لا نرى كثيراً وجود توافق فكري بين فئات معينة مثل من يسمون أنفسهم بـ"المتدينين" ومن يحبّون أن يطلقوا على أنفسهم "الليبراليين".
ولكن رغم الاختلاف الظاهري بين كثير من الفئات الثقافية في مجتمعنا إلا أنه طالما أنهم ينتمون لثقافة واحدة فإنه من غير المستغرب أن يجتمعوا في أفكار معينة تجعلنا نشعر بنوع من الأمان أنه مازال هناك أمل سخي في تقابل الأطراف الفكرية المختلفة في حوار تناغمي يفيد الجميع. لذلك بودي أن أشكر جميع القراء والقارئات والكتاب الصحفيين الذين استفدت من آرائهم الكثير حول مقالتي السابقة.
ومع أني لا أعقّب في العادة على مقالة سابقة إلا أني أعتقد أن هناك عدة آراء مثيرة طرحت حول تلك المقالة وقد يكون من المفيد مناقشتها بشكل موسع. رغم أني شاكرة لجميع من تفاعل مع المقالة إلا أني أجزم أن البعض قد فهمها بشكل مختلف عن المقصود. فمثلا هناك من يظن أني كنت أنادي بعدم إتاحة فرصة العمل للمرأة ظناً منهم أن مكانها الوحيد هو المنزل فحسب والبعض الآخر اعتقد أني ضد العمل في مكان مختلط مع الرجل، وهناك من يعتقد أني أجد الرجل في الثقافات الأخرى أكثر اتزاناً من الرجل العربي. هذه في الحقيقة أبرز الأفكار المغلوطة التي وصلتني.
التحرش بالمرأة العربية هو أمر تعيشه تقريبا معظم النساء وعلى درجات مختلفة على حسب ظروفهن وشخصياتهن. فالمرأة العاملة قد تشتكي من زميلها الذي يضايقها بنظراته وملاحقته لها بينما تشتكي المرأة غير العاملة من نظرات الرجال في الشارع وهي تسير مع زوجها أو أحد أقاربها، ومن المضايقات السخيفة التي تمر بها بعض النساء مع أصحاب البقالات أو المحلات التجارية أو أحيانا مع أحد أفراد العائلة الممتدة ممن ليسوا من محارمها. لذلك فعمل المرأة من عدمه ليس عاملا حاسماً في تعرّض المرأة للتحرش أو سلامتها منه لأن المشكلة ليست في عمل المرأة بل في العقلية الذكورية والثقافة الشعبية التي تربي الولد والبنت على نظامين أخلاقيين مختلفين. فالولد العربي في الغالب يتربّى على أساس أنه يجب ألاّ يستحي لأن من صفات الرجال الجرأة والإقدام وأن يظهر رجولته كلما سنحت له الفرصة حتى لا يستضعفه الأولاد الآخرون ولكي يخافوا منه، بينما الفتاة العربية تُربى على الحياء والخوف والسكوت والطاعة والخنوع وأن تتّبع رغبة الولد فيما يريد وأن تتقبل منه الإهانة، وأحيانا تقبل الضرب خصوصا إن كان المعتدي ذكراً، لأنه بالتأكيد لم يقدم على ذلك إلا لأنها أخطأت سواء عرفت الخطأ أم غاب عن عقلها!
إني على يقين بأنه من النادر أن نقابل عائلة عربية تقول إننا ندرّس أطفالنا على تعاليم تقتضي أن يعتدوا على النساء، وأتوقع أنه لا يوجد عائلة صحية تفعل ذلك. لكن الثقافة الشعبية هي أمر خفي يعيش ويكبر معنا ومنها نتعلم ونفهم كيف نتصرف ومتى نتحدث وطريقة تعاملاتنا مع الآخرين بأسلوب المحاكاة الذي نراه بأعيننا أو نسمع به إما بشكل مباشر عن طريق الإرشاد والنصح وهذا تأثيره بسيط نسبيا، أو بشكل غير مباشر عن طريق القصص والعبر الضمنية وهذا تأثيره أقوى.
وعليه فإن الولد يكبر وهو يشعر أنه أعلى قيمة من البنت، بل ويعتقد بشكل كبير أنها خلقت من شيء آخر، وهذا يجعله يظن أنها تفكّر وتشعر وتعيش بشكل مختلف عنه وكأنها مخلوق من كوكب آخر وهذا ما يدفعه إلى أن يتجرأ عليها أكثر. والبنت كذلك تكبر وعقدة الدونية والخوف والتردد والرهبة تسكن قلبها، فتظهر سيدة ضعيفة في شخصيتها أو قليلة حيلة أو مترددة فتكون بذلك فريسة سهلة تنتظر الهجوم والدمار لأنها غير قادرة على الحياة باستقلالية.
لهذا فبعض الرجال لا يجد ضيراً في الاعتداء على المرأة حينما لا يرافقها رجل آخر يكون بمثابة الحارس الذي يحميها ويردعه، فيشعر أن هذه الفريسة سهلة القنص فيتجرأ عليها، لأنه تربّى ثقافياً أن المرأة هي لمتعته ويحق له حينها أن يتربص بهذه الغنيمة، ويزيد من فرص تراكم صورة المرأة هذه أن المرأة نفسها تفكر وتشعر بمستوى أقل من الرجل، وهذا يجعل الاعتداء عليها -في الذهنية الثقافية - لاضير فيه. ولكي يتم الاعتداء يبدأ الرجل بتبرير فعلته بأنها تستحق هذا الاعتداء لأنها مثلا تسير وحدها أو تعمل في مكان مختلط أو مثيرة بلبسها أو سلوكها بينما في واقع الحال هذه لا تعدو كونها تبريرات غير مقبولة يفسر فيها ذلك الشخص فكره المريض ويجعل الشر مصدره المرأة ويجعل نفسه بريئاً بل ربما يضع نفسه موضع الضحية على اعتبار أنه وقع في فخ فتنتها، وبناء على هذا التبرير التعسفي يجد أنه لا يستحق العقاب بقدر ما تستحقه المرأة المعتدى عليها. ولهذا نسمع كثيراً عن ترديد بعض الرجال وتساؤلهم: كيف يعاقب المعاكسون وتترك الفتيات؟
إن فكرة كون المرأة هي أساس المشكلات هي فكرة قديمة ولها أبعاد مختلفة، ولكن ما يهمنا هنا هو بعدها الثقافي الذي يبدو أنه متجذر بشكل قوي في بعض الثقافات ومنها ثقافتنا. فكيف يعقل أن يقبل البعض فكرة عدم خروج كل النساء للعمل خارج المنزل؟ صحيح أنه ليس كل امرأة مؤهلة للقيام بأعمال مختلفة خصوصا أن كثيرا من النساء هن في أساسهن تقليديات وغير مدركات للكيفية التي يستطعن بها التوفيق بين حياة العمل ومسؤوليات المنزل، ثم إن بعضهن غير مؤهلات علميا أو عمليا، والبعض الآخر منهن تنقصه الميزات النفسية والعقلية لشق طريق جديد لم يمر به الجيل الذي سبقهن. ولكن نشاط المرأة في ميدان العمل هو أمر ضروري ليس فقط لرفعة الوطن، بل كذلك لصحة المرأة العقلية والنفسية ولسلامة المجتمع بشكل عام، وفوق هذا وذاك هو مطلب حضاري وأخلاقي لا يغفل عنه شخص واع.
لا أظن أن الدفاع عن حق المرأة في العمل أمر نحتاجه الآن، فالمرأة السعودية قامت بإنجازات يفخر بها كل محب لهذا الوطن، ولكن يظل هناك خيبة أمل أن هناك فئة معينة ما تزال تنظر للمرأة على أنها غير مؤهلة لعمل شيء غير الطبخ والغسيل وإنجاب الأطفال!
ومما يمكن تأكيده هنا مرة أخرى أن الحد من التحرش الجنسي يكمن في وضع قانون واضح ضد التحرش يسري على الجميع وتشعر المرأة والرجل من خلاله بحفظ حقوقهما، مما يساعد في خلق بيئة عمل صحية متوازنة. العمل المختلط أصبح ضرورة الآن، وليس من المنطقي أن نطالب بمنع المرأة من العمل في المستشفيات مثلا بحجة أنها قد تنتهك، بل علينا أن نؤمّن لها البيئة ونعاقب المعتدي رجلا كان أو امرأة. وقد أثبتت عدة دراسات أن المرأة التي تعمل في مكان مختلط أكثر نضجا وأنجح خبرة من تلك التي تعمل بين النساء، لأن خوض تجربة فيها صعوبات معينة ثم تجاوزها والتغلب عليها - ومنها تجربة العمل المختلط- يعني أن تلك السيدة تملك مهارات عقلية وقدرات شخصية مكّنتها من العمل بنجاح ودون الدخول في مشكلات.
ومما لا يمكن إغفاله أنه في حال وجود تحرش جنسي لا يمكن أن نعاقب المرأة المعتدى عليها بمنعها من العمل ونترك الرجل المعتدي بلا عقاب، لأننا بذلك نعزز الفكر الذي يمتهن المرأة ونقول للمرأة إنها لا تستحق شيئا غير المأكل والمأوى، وفوق هذا فهو كرم عليها قد يضرها! ولا أظن أن هناك رجلا كريما يرضى أن تعامل إحدى محارمه بهذا الشكل الذي يصورها وكأنها نعجة أو طفلة بليدة، فلماذا نقبل أن يظل هذا الفكر بلا حياء موجود بيننا؟
وأخيرا يجب أن أبين للقراء الكرام أن الرجل العربي ليس بأفضل أو أقل من غيره، ولكن المختلف في الثقافات الأخرى التي لا تعاني فيها المرأة من الاعتداء بالصورة المستمرة لدينا هو أن هناك قوانين صارمة ضد التحرش الجنسي فتعرف المرأة أنها قوية بالقانون.
وصحيح أن هذا قد يستغل ضد الرجل في مواطن مختلفة، ولكن تظل هذه حالات غير محسوبة على المرأة لأنها نادرة، وقد يكون لها مواضع خاصة بظروف غير عادية لا يمكن أن يقاس عليها مقياس متوازن. لذلك يظل الوضع الأنسب أن تُسنّ قوانين صارمة ضد التحرش الجنسي بكل أشكاله، والأهم من ذلك أن يرفض ثقافيا الاعتداء على المرأة لكيلا يظهر على أنه صورة من صور الرجولة، بل يجب أن يظهر الاعتداء على المرأة بأنه دلالة قوية على اختلال نفسية ذلك الرجل فينبذ ويوجّه للعلاج.
--------------------------------------------------------------------------------
لقد كان أمراً ساراً أن تلاقي مقالة "التحرش الجنسي الذي تواجهه المرأة أثناء تقديمها على وظيفة" اهتماماً واسعاً من طبقات مختلفة من المجتمع. في الحقيقة ليس أمراً شائعاً أن تجتمع مشارب فكرية مختلفة على تقبل فكرة بذاتها خصوصاً أننا لا نرى كثيراً وجود توافق فكري بين فئات معينة مثل من يسمون أنفسهم بـ"المتدينين" ومن يحبّون أن يطلقوا على أنفسهم "الليبراليين".
ولكن رغم الاختلاف الظاهري بين كثير من الفئات الثقافية في مجتمعنا إلا أنه طالما أنهم ينتمون لثقافة واحدة فإنه من غير المستغرب أن يجتمعوا في أفكار معينة تجعلنا نشعر بنوع من الأمان أنه مازال هناك أمل سخي في تقابل الأطراف الفكرية المختلفة في حوار تناغمي يفيد الجميع. لذلك بودي أن أشكر جميع القراء والقارئات والكتاب الصحفيين الذين استفدت من آرائهم الكثير حول مقالتي السابقة.
ومع أني لا أعقّب في العادة على مقالة سابقة إلا أني أعتقد أن هناك عدة آراء مثيرة طرحت حول تلك المقالة وقد يكون من المفيد مناقشتها بشكل موسع. رغم أني شاكرة لجميع من تفاعل مع المقالة إلا أني أجزم أن البعض قد فهمها بشكل مختلف عن المقصود. فمثلا هناك من يظن أني كنت أنادي بعدم إتاحة فرصة العمل للمرأة ظناً منهم أن مكانها الوحيد هو المنزل فحسب والبعض الآخر اعتقد أني ضد العمل في مكان مختلط مع الرجل، وهناك من يعتقد أني أجد الرجل في الثقافات الأخرى أكثر اتزاناً من الرجل العربي. هذه في الحقيقة أبرز الأفكار المغلوطة التي وصلتني.
التحرش بالمرأة العربية هو أمر تعيشه تقريبا معظم النساء وعلى درجات مختلفة على حسب ظروفهن وشخصياتهن. فالمرأة العاملة قد تشتكي من زميلها الذي يضايقها بنظراته وملاحقته لها بينما تشتكي المرأة غير العاملة من نظرات الرجال في الشارع وهي تسير مع زوجها أو أحد أقاربها، ومن المضايقات السخيفة التي تمر بها بعض النساء مع أصحاب البقالات أو المحلات التجارية أو أحيانا مع أحد أفراد العائلة الممتدة ممن ليسوا من محارمها. لذلك فعمل المرأة من عدمه ليس عاملا حاسماً في تعرّض المرأة للتحرش أو سلامتها منه لأن المشكلة ليست في عمل المرأة بل في العقلية الذكورية والثقافة الشعبية التي تربي الولد والبنت على نظامين أخلاقيين مختلفين. فالولد العربي في الغالب يتربّى على أساس أنه يجب ألاّ يستحي لأن من صفات الرجال الجرأة والإقدام وأن يظهر رجولته كلما سنحت له الفرصة حتى لا يستضعفه الأولاد الآخرون ولكي يخافوا منه، بينما الفتاة العربية تُربى على الحياء والخوف والسكوت والطاعة والخنوع وأن تتّبع رغبة الولد فيما يريد وأن تتقبل منه الإهانة، وأحيانا تقبل الضرب خصوصا إن كان المعتدي ذكراً، لأنه بالتأكيد لم يقدم على ذلك إلا لأنها أخطأت سواء عرفت الخطأ أم غاب عن عقلها!
إني على يقين بأنه من النادر أن نقابل عائلة عربية تقول إننا ندرّس أطفالنا على تعاليم تقتضي أن يعتدوا على النساء، وأتوقع أنه لا يوجد عائلة صحية تفعل ذلك. لكن الثقافة الشعبية هي أمر خفي يعيش ويكبر معنا ومنها نتعلم ونفهم كيف نتصرف ومتى نتحدث وطريقة تعاملاتنا مع الآخرين بأسلوب المحاكاة الذي نراه بأعيننا أو نسمع به إما بشكل مباشر عن طريق الإرشاد والنصح وهذا تأثيره بسيط نسبيا، أو بشكل غير مباشر عن طريق القصص والعبر الضمنية وهذا تأثيره أقوى.
وعليه فإن الولد يكبر وهو يشعر أنه أعلى قيمة من البنت، بل ويعتقد بشكل كبير أنها خلقت من شيء آخر، وهذا يجعله يظن أنها تفكّر وتشعر وتعيش بشكل مختلف عنه وكأنها مخلوق من كوكب آخر وهذا ما يدفعه إلى أن يتجرأ عليها أكثر. والبنت كذلك تكبر وعقدة الدونية والخوف والتردد والرهبة تسكن قلبها، فتظهر سيدة ضعيفة في شخصيتها أو قليلة حيلة أو مترددة فتكون بذلك فريسة سهلة تنتظر الهجوم والدمار لأنها غير قادرة على الحياة باستقلالية.
لهذا فبعض الرجال لا يجد ضيراً في الاعتداء على المرأة حينما لا يرافقها رجل آخر يكون بمثابة الحارس الذي يحميها ويردعه، فيشعر أن هذه الفريسة سهلة القنص فيتجرأ عليها، لأنه تربّى ثقافياً أن المرأة هي لمتعته ويحق له حينها أن يتربص بهذه الغنيمة، ويزيد من فرص تراكم صورة المرأة هذه أن المرأة نفسها تفكر وتشعر بمستوى أقل من الرجل، وهذا يجعل الاعتداء عليها -في الذهنية الثقافية - لاضير فيه. ولكي يتم الاعتداء يبدأ الرجل بتبرير فعلته بأنها تستحق هذا الاعتداء لأنها مثلا تسير وحدها أو تعمل في مكان مختلط أو مثيرة بلبسها أو سلوكها بينما في واقع الحال هذه لا تعدو كونها تبريرات غير مقبولة يفسر فيها ذلك الشخص فكره المريض ويجعل الشر مصدره المرأة ويجعل نفسه بريئاً بل ربما يضع نفسه موضع الضحية على اعتبار أنه وقع في فخ فتنتها، وبناء على هذا التبرير التعسفي يجد أنه لا يستحق العقاب بقدر ما تستحقه المرأة المعتدى عليها. ولهذا نسمع كثيراً عن ترديد بعض الرجال وتساؤلهم: كيف يعاقب المعاكسون وتترك الفتيات؟
إن فكرة كون المرأة هي أساس المشكلات هي فكرة قديمة ولها أبعاد مختلفة، ولكن ما يهمنا هنا هو بعدها الثقافي الذي يبدو أنه متجذر بشكل قوي في بعض الثقافات ومنها ثقافتنا. فكيف يعقل أن يقبل البعض فكرة عدم خروج كل النساء للعمل خارج المنزل؟ صحيح أنه ليس كل امرأة مؤهلة للقيام بأعمال مختلفة خصوصا أن كثيرا من النساء هن في أساسهن تقليديات وغير مدركات للكيفية التي يستطعن بها التوفيق بين حياة العمل ومسؤوليات المنزل، ثم إن بعضهن غير مؤهلات علميا أو عمليا، والبعض الآخر منهن تنقصه الميزات النفسية والعقلية لشق طريق جديد لم يمر به الجيل الذي سبقهن. ولكن نشاط المرأة في ميدان العمل هو أمر ضروري ليس فقط لرفعة الوطن، بل كذلك لصحة المرأة العقلية والنفسية ولسلامة المجتمع بشكل عام، وفوق هذا وذاك هو مطلب حضاري وأخلاقي لا يغفل عنه شخص واع.
لا أظن أن الدفاع عن حق المرأة في العمل أمر نحتاجه الآن، فالمرأة السعودية قامت بإنجازات يفخر بها كل محب لهذا الوطن، ولكن يظل هناك خيبة أمل أن هناك فئة معينة ما تزال تنظر للمرأة على أنها غير مؤهلة لعمل شيء غير الطبخ والغسيل وإنجاب الأطفال!
ومما يمكن تأكيده هنا مرة أخرى أن الحد من التحرش الجنسي يكمن في وضع قانون واضح ضد التحرش يسري على الجميع وتشعر المرأة والرجل من خلاله بحفظ حقوقهما، مما يساعد في خلق بيئة عمل صحية متوازنة. العمل المختلط أصبح ضرورة الآن، وليس من المنطقي أن نطالب بمنع المرأة من العمل في المستشفيات مثلا بحجة أنها قد تنتهك، بل علينا أن نؤمّن لها البيئة ونعاقب المعتدي رجلا كان أو امرأة. وقد أثبتت عدة دراسات أن المرأة التي تعمل في مكان مختلط أكثر نضجا وأنجح خبرة من تلك التي تعمل بين النساء، لأن خوض تجربة فيها صعوبات معينة ثم تجاوزها والتغلب عليها - ومنها تجربة العمل المختلط- يعني أن تلك السيدة تملك مهارات عقلية وقدرات شخصية مكّنتها من العمل بنجاح ودون الدخول في مشكلات.
ومما لا يمكن إغفاله أنه في حال وجود تحرش جنسي لا يمكن أن نعاقب المرأة المعتدى عليها بمنعها من العمل ونترك الرجل المعتدي بلا عقاب، لأننا بذلك نعزز الفكر الذي يمتهن المرأة ونقول للمرأة إنها لا تستحق شيئا غير المأكل والمأوى، وفوق هذا فهو كرم عليها قد يضرها! ولا أظن أن هناك رجلا كريما يرضى أن تعامل إحدى محارمه بهذا الشكل الذي يصورها وكأنها نعجة أو طفلة بليدة، فلماذا نقبل أن يظل هذا الفكر بلا حياء موجود بيننا؟
وأخيرا يجب أن أبين للقراء الكرام أن الرجل العربي ليس بأفضل أو أقل من غيره، ولكن المختلف في الثقافات الأخرى التي لا تعاني فيها المرأة من الاعتداء بالصورة المستمرة لدينا هو أن هناك قوانين صارمة ضد التحرش الجنسي فتعرف المرأة أنها قوية بالقانون.
وصحيح أن هذا قد يستغل ضد الرجل في مواطن مختلفة، ولكن تظل هذه حالات غير محسوبة على المرأة لأنها نادرة، وقد يكون لها مواضع خاصة بظروف غير عادية لا يمكن أن يقاس عليها مقياس متوازن. لذلك يظل الوضع الأنسب أن تُسنّ قوانين صارمة ضد التحرش الجنسي بكل أشكاله، والأهم من ذلك أن يرفض ثقافيا الاعتداء على المرأة لكيلا يظهر على أنه صورة من صور الرجولة، بل يجب أن يظهر الاعتداء على المرأة بأنه دلالة قوية على اختلال نفسية ذلك الرجل فينبذ ويوجّه للعلاج.