المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مكـانة الشهـداء فـي الإسـلام


فله
31-12-2008, 10:32
إن سر الضعف والهوان الذي أصاب الأمة اليوم قد لخصه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: من قلة نحن يومئذٍ ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، ولينزعنَّ الله من صدور أعدائكم المهابة منكم، وليقذفنَّ في قلوبكم الوهن، قيل: وما الوهن يا رسول الله ؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت"، هذا هو المرض العضال الذي يعيشه المسلمون اليوم، أما حب الدنيا ومغرياتها فيجعل المرء عبداً لشهواته، وأما كراهية الموت، أو القتال في سبيل الله فإنه يورث صاحبه الذل والمهانة والصغار في الدنيا والآخرة، لذا فقد عالج القرآن الكريم خوف الإنسان على الرزق مؤكداً على أن الأرزاق بيد الله بل أقسم سبحانه على ذلك فقال:" وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ* فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ" الذاريات 22. وأما خوفه من الموت فقد بين القرآن بـأن الآجـال بيـد الله سبحـانه فقال:" وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ" الأعراف 34، وقوله تعالى:" قل لـو كنتـم فـي بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم" آل عمران 145، فلا دخول المعركة يقرب الأجل، ولا الفرار منها يبعده، فهذا خالد بن الوليد رضي الله وهو الفارس المغوار سيف الله المسلول لم يُقدِّر الله له أن يموت وهو في قلب المعركة ولكنه مات على فراشه وهو يقول:"والله لا يوجد شبر من جسدي إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح، وها أنا أموت كما يموت البعير فلا نامت أعين الجبناء". وهذا هو المعنى الذي جعل علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه يقول:

أيَّ يـومـيَّ مـن المـوت أَفـر يـومٌ لا يقـدر أو يـوم قــُدِر

يــومٌ لا يـقـدر لا أحــذرُه ومـن المقـدور لا ينجو الحـذِر

لذا فقد أكد الإسلام أن الموت هو انتقال من مرحلة إلى مرحلة ومن دار إلى دار ومن حياة إلى حياة "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ" الملك 2، والله هو الكريم الجواد فلا يسلب نعمة أنعمها على عباده إلا ويهب نعمة أكبر منها وصدق الله حيث قال:" إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ" فصلت 30-32.

فإن كان هذا مصير حال المؤمنين وقت الاحتضار فما بالك بالشهداء الذين اختارهم الله سبحانه وتعالى فقدموا أرواحهم رخيصة في سبيل الله؟ فهم بلا شك أكرم الخلق وأحبهم إلى الله كيف لا وقد أعد الله لهم حياة أرفع وأفضل ما أعد لعباده والصالحين.

يروى عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى الصلاة والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بنا، فلما انتهى إلى الصف قال: اللهم آتني أفضل ما تؤتي عبادك الصالحين! فلما قضى النبي الصلاة قال: من المتكلم آنفاً؟ قال الرجل: أنا قالصلى الله عليه صلى الله عليه وسلم: إذن يعقر جوادك وتستشهد في سبيل الله" رواه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم.

*الشهداء أرفع الناس درجة بعد الأنبياء *

قال صلى الله عليه وسلم:"القتلى ثلاثة: رجل مؤمن جاهد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يقتل، فذلك الشهيد الممتحن (الذي شرح الله صدره للإسلام) في جنة الله، تحت عرشه لا يفضله النبيون إلا بفضل درجة النبوة، ورجل فَرِقَ على نفسه (خاف على نفسه من ذنوبه) من الذنوب والخطايا جاهد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يقتل، فتلك مَصْمَصَة (ممحصة أي: إن القتل في سبيل الله يطهر صاحبه من الذنوب) محت ذنوبه وخطاياه إن السيف محَّاءٌ للخطايا، وأُدخل من أي أبواب الجنة شاء، فإن لها ثمانية أبواب، وبعضها أفضل من بعض، ولجهنم سبعة أبواب. ورجل منافق جاهد بنفسه وماله، حتى إذا لقي العدو وقاتل في سبيل الله حتى يقتل، فذلك في النار لأن السيف لا يمحو النفاق". رواه أحمد والحديث حسن.

*الشهادة في سبيل الله توجب الجنة *

قال تعالى:" إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ". التوبة 111.

يقول الشهيد سيد قطب معقباً على هذه الآية في ظلاله 3/1716: "حقيقة هذه البيعة أن الله سبحانه قد استخلص لنفسه أنفس المؤمنين وأموالهم فلم يعد لهم منها شيء.. لم يعد لهم خيار أن يبذلوا أو يمسكوا.. كلا.. إنها صفقة مشتراة لشاريها أن يتصرف بها كما يشاء، وفق ما يفرض ووفق ما يحدد، وليس للبائع فيها شيء سوى أن يمضي في الطريق المرسوم.. والثمن هو الجنة.. والطريق هو الجهاد والقتل والقتال.. والنهاية: هي النصر أو الاستشهاد.. وإنها لبيعة رهيبة بلا شك ولكنها في عنق كل مؤمن قادر عليها لا تسقط عنه إلا بسقوط إيمانه ومن هنا تلك الرهبة التي استشعرها اللحظة وأنها أخط هذه الكلمات.. عونك اللهم فإن العقد رهيب".

*الشهيد يتمنى أن يرده الله إلى الدنيا *

روى البخاري ومسلم عن أن بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ما من أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا، وأن له ما على الأرض من شيء إلا الشهيد فإنه يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة، وفي رواية لما يرى من فضل الشهادة".

*أرواح الشهداء في أجواف طير خضر في الجنة *

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لما أصيب إخوانكم جعل الله أرواحهم في جوف طير خضر، ترد أنهار الجنة، تأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب، معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم، قالوا من يبلـغ إخواننـا عنـا أنا أحيـاءٌ فـي الجنـة نـرزق لئـلا يـزهـدوا في الجهاد، ولا ينكلُوا عن الحرب فقال الله: أنا أبلغهم عنكم، وأنزل قوله سبحانه:" وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ". آل عمران 169. والحديث صحيح رواه أبو داود في الجهاد.

وروى مسلم أن رسول الله الله عليه وسلم :" قال طير أرواحهم في جوف خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل!".

يقول ابن النحاس في كتابه مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق ص 270 مبيناً الحكمة في جعل أرواح الشهداء في أجساد الطيور ذات اللون الأخضر والقناديل المعلقة في ظل العرش:" لأن ألطف الألوان اللون الأخضر، وألطف الجمادات الشفافة الزجاج، ولهذا جعل أرواح الشهداء في ألطف الأجساد وهو الطير، واختار ألطف الألوان وهو الأخضر، ويأوي ذلك الطير الأخضر إلى ألطف الجمادات وهي القناديل المنَّورة المفرحِة في ظل العرش لتكمل لها لذة النعيم في جوار الرب الكريم".

*الملائكة تظلل الشهيد بأجنحتها *

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جيء بأبي إلى النبي قد مُثلَ به، فوضع بين يديه، فذهبت أكشف عن وجهه صلى الله عليه وسلمفنهاني قوم، فقال النبي : ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها" متفق عليه.

*الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته *

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :"يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته". الحديث صحيح رواه أبو داود في الجهاد.

أما الشهيد الذي قتله يهودي فإن شاء الله يشفع في مائة وأربعين من أهله لقوله صلى الله عليه وسلم :"من قتله يهودي فله أجر شهيدين"، فهنيئاً للمجاهدين في فلسطين القابضين على الزناد، هنيئاً للمرابطين على الثغور من أجل الذب عن حياض الإسلام والمسلمين، هنيئاً لكل أم قدَّمت فلذة كبدها في سبيل الله ليكون شفيعاً لها يوم القيامة".