المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : .:. فضل السبع المثاني .:.


م.محمود الحجاج
18-11-2007, 13:49
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الذي أنار قلوب عباده المتقين بنور كتابه المبين، وجعل القرآن شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين، والصلاة والسلام على حبيب الروح ونور القلب... قائدنا في مسيرتنا إلى الله تعالى، محمد صلى الله عليه وسلم، وبعد:

فلا يزال بين أيدينا كتاب ولا كل الكتب، إنه القرآن الكريم، الكتاب المعجزة الذي يعتبر بحرا زاخرا بأنواع العلوم والمعارف، ويحتاج من يرغب الحصول على لآلئه ودرره، أن يغوص في أعماقه، فهيا بنا نغوص مع سورة الفاتحة إلى أعماق المعاني ونكتشف أسرارها وكنوزها الخفية وما تحمله من روح مضيئة كبدر منير في ليل حالك الظلمة...

يقسم هذا الكتاب الحنيف إلى مئة وأربع عشرة سورة، تختلف في ما بينها من حيث عدد الآيات، وفضل كل منها، إلا أن هذه السورة ومع أنها من قصار السور سبقت الكثير الكثير من طوال السور من حيث بركتها وعظم أجرها وفضلها...



سورة الفاتحة وما أدراك ما الفاتحة... سورة بأسرار خافية... تحمل أفكارا سامية... كيف لا وهي تبدأ بحمد الله ذو النعم الفاضلة... تحمل بين جنباتها روحا ساكنة... روح تهبط على القلوب الواهية.. تمنحها الأمن والأمان وتحيطها بدفء يجلو ما علق بها من صدأ الدنيا الفانية.. تلك هي الفاتحة... فالحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه...

{{{ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) }}}

يردد المسلم هذه السورة ذات الآيات السبع، حوالي سبع عشرة مرة خلال ليله ونهاره، وإذا أضيف لها السنن تصبح أضعاف ذلك، وأضعاف أضعاف ذلك إذا ما أراد العبد أن يقف بين يدي ربه متنفلاً، فمن دون الفاتحة لا تصح صلاة وذلك في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل صلاة لم يُقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج) أي أن أي صلاة بدونها غير كاملة. وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي سعيد بن المعلّي: (لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن: الحمد الله رب العالمين وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيتـه)


وقد سميت سورة الفاتحة "بالفاتحة" لأنها تفتح القرآن، وما أجمل أن تفتح القرآن على سورة تمتلئ حروفها بأسمى المعاني وأدقها، حيث أنها تشمل جميع معاني القرآن ومقاصده فتتحدث عن العقيدة، والعبادة والرحمة والاستعانة والاعتقاد باليوم الآخر والإيمان بالله تبارك وتعالى وصفاته، وهي تفرد الله عز وجل بالعبادة والدعاء وطلب الهداية إلى الطريق المستقيم.

ومن عجائب سورة الفاتحة بأنها مدرسة من نوع أخر ليست ككل المدارس، تعلمنا كيف نتعامل مع الله تعالى فأولها ثناء عليه (الحمد لله رب العالمين) وآخرها دعاء لله بالهداية (اهدنا الصراط المستقيم)، وبين الحمد والهداية رحلة محفوفة بالرحمة والمغفرة والتمجيد، وذلك كما ورد في حديث عن فضل سورة الفاتحة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عن رب العزة: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل).

وجاء في تفسير (إياك نعبد وإياك نستعين) في كتاب "صفوة التفاسير": وردت الصيغ بلفظ الجمع (نعبد ونستعين) ولم يقل (إياك أعبد وإياك استعين) بصيغة المفرد.. وذلك للاعتراف بقصور العبد عن الوقوف في باب ملك الملوك فكأنه يقول: أنا يا رب العبد الذليل لا يليق بي أن أقف في مناجتك بمفردي بل انضم إلى سائر المؤمنين الموحدين فتقبل دعائي في زمرتهم فنحن جميعا نعبدك ونستعين بك.
وجاء أيضاً:... نسبت النعمة إلى الله عز وجل (أنعمت عليهم) ولم ينسب إليه الإضلال والغضب فلم يقل: غضبت عليهم أو الذين أضللتهم، وذلك لتعليم العباد الأدب مع الله تعالى.. فالشر لا ينسب إلى الله تعالى أدباً وإن كان منه تقديراً (والخير كله بيدك والشر لا ينسب إليك).


وتأكيداً على فضل هذه السورة العظيمة فقد ورد ذكرها في القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} كما ويشير إلى ذلك هذا الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال فيه: "ما أُنْزِلت في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في الفرقان مثلها. وإنها سبع من المثاني، والقرآن العظيم الذي أعطيته".

وحيث أن القران الكريم معجزة محمد صلى الله عليه وسلم، فأسراره لا تنتهي، ويبقى نبع فياض بالأسرار والمعجزات، وما أوردناه من فضل هذه السورة العظيمة، قد لا يكون إلا نقطة في بحر، ونحن نتضرع إلى الله سبحان وتعالى أن يسهل لنا تلاوة القرآن الكريم واستنباط ما فيه من معاني وأحكام تكون لنا نورا يضئ دربنا في الحياة الدنيا وفي الآخرة