اسرار
30-11-2008, 12:51
أبونا آدم وامُّنا حوّاء
اللهم صل على محمد وآل محمد ، وصل على أبينا آدم وامُّنا حواء فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) كمال السيد
قبل ملايين السنين خلق الله العالم . . الكواكب والنجوم والسماوات . . وخلق الله الملائكة من نور . . وخلق الجنّ من نار . . وخلق الله الأرض .
لم تكن الأرض مثلما هي عليه اليوم . . كانت مليئة بالبحار ، وكانت الأمواج ثائرة ، والرياح تعصف بشدّة . .
والبراكين مشتعلة ، والنيازك الضخمة والشهب تهاجم الأرض .
ولم تكن هناك من حياة على الأرض . . لا في البحار ولا في البراري .
وقبل ملايين السنين ، ظهرت في البحر أنواع صغيرة من الأسماك ، و ظهرت في البر نباتات بسيطة .
ثم تطوّرت الحياة شيئاً فشيئاً ، وظهرت على سطح الأرض حيوانات كالزواحف ، والبرمائيات ، وظهرت الدنياصورات بأشكالها المتعددة وأنواعها المختلفة .
وبين فترة وأخرى كانت الثلوج تغطّي الأرض فتموت النباتات وتموت الحيوانات وتنقرض ، وتظهر بدلها أنواع جديدة . . و بين فترة وأخرى تذوب الثلوج وتعود الحياة في الأرض مرّة أخرى .
في تلك الأزمنة السحيقة . . و ما تزال الأرض لم تهدأ بعد من البراكين والزلازل . . والعواصف العاتية ، والأمواج الثائرة . . ولم تكن الثلوج قد ذابت بعد . . في تلك الأزمنة البعيدة أخذ الله من الأرض تراباً . . من المرتفعات ومن السهول ، ومن الأرض السبخة المالحة ، ومن الأرض الخصبة العذبة . . مُزجت التربة بالماء وأصبحت طيناً متماسك الجزئيات .
خلق الله سبحانه من ذلك الطين ما يشبه هيئة الإنسان ، رأس وعينان ولسان وشفتان وأنف وأذنان وقلب ويدان وصدر وقدمان .
تبخّر الماء و جمد التمثال البشري ، اصبح الطين حجراً صلداً يابساً إذا هبّت الريح يسمع منه صوت ينُّم عن تماسكه .
وعلى هذه الحالة ظلّ التمثال نائماً إلى أمد طويل لا يعلم مداه إلاّ الله سبحانه .
الأرض وفي تلك الفترة من الزمن هدأت الأرض ، هدأت الأمواج في البحار ، وهدأت العواصف ، وانطفأ كثير من البراكين . . .
ونمت الغابات أصبحت كثيفة وامتلأت بالحيوانات والطيور ، وتفجّرت ينابيع المياه العذبة ، وجرت الأنهار .
اما المناطق التي انعدم فيها الماء فقد كانت الرياح الطيبة تحمل لها الغيوم ، وهناك تهطل الأمطار لتحيي الصحراء الخالية من الأنهار والنبات .
وعندما يسافر المرء في الفضاء يشاهد الأرض من بعيد كرةً تدور في الفضاء حول الشمس فتنشأ الفصول .
صيف يعقبه خريف ، وخريف يعقبه شتاء وبعد الشتاء يأتي الربيع .
فتزداد الأرض خُضرةً وتصبح النباتات والغابات أكثر بهجةً .
وتتدفق الأنهار بالمياه العذبة ، وتفور الينابيع بالمياه الصافية الباردة .
وتدور الأرض حول نفسها ، فينشأ الليل والنهار .
في النهار تستيقظ الطيور فتطير باحثة عن رزقها ، وتستيقظ الحيوانات تبحث عن طعامها .
الغزلان تركض في الغابات والوعول فوق سفوح الجبال ، والفراشات تدور في الحدائق تبحث عن الأزهار والرحيق ، والحيوانات المفترسة تزأر في الغابات .
كل شيء في الأرض ينمو ويتكاثر ، فالأرض تمتلئ بالحياة والبهجة .
الأشجار تحمل الثمار ، والخراف والماعز تأوي إلى الكهوف تبحث عن مأوى يحميها من الحيوانات الكاسرة .
كل شيء يمضي في طريقه كما خلقه الله سبحان وتعالى .
أصبحت الأرض جميلة جدّاً . . . أصبحت ملوّنة . . زرقة البحار . . وخضرة الغابات والتلال التي تكسوها الأعشاب ، وسمرة الصحاري . . وبياض الثلوج . . وأشعة الشمس الحمراء في الشروق .
امتلأت الأرض بالحياة . . طيور وحيوانات ، وغابات ونباتات وأزهار وفراشات . . . أمّا الإنسان فلم يكن له وجود بعد .
آدم . . الانسان الأول وفي لحظة من لحظات الرحمة واللطف الإلهي ، نفخ الله في تمثال الصلصال من روحه ، عطس وقال : الحمد لله .
نهض آدم دبّت فيه الروح وأصبح بشراً سويّاً ، يتنفس ويجيل نظره . . أصبح إنساناً يفكّر ويتأمّل . . يحرّك يديه ويمشي يعرف الجميل ويدرك القبيح . . يعرف الحق ويدرك الباطل . . الخير والشر ، السعادة والشقاء .
أمر الله الملائكة أن تسجد لآدم . . ان تسجد لما خلقه الله بيده .
سجد الملائكة جميعاً . .
الملائكة لا تعرف شيئاً سوى طاعة الله . . انها تسبح الله دائماً . . . خاشعة لله في كل وقت . . . سجدت للإنسان لأن الله اختاره خليفة له في الأرض . .
لأن الله جعله خليفة . . انه أرفع منزلة من الملائكة .
ولكن هناك مخلوق آخر لم يسجد ! ! كان هناك جنّي خلقه الله قبل ان يخلق أبانا آدم بستة آلاف عام . . لا يعلم أحد أهذه الأعوام كانت من أعوام الأرض أم من أعوام كواكب أخرى لا نعرفها .
الجنّ خلقه الله من النار . . إبليس لم يسجد لآدم . . لم يطع الله قال في نفسه : انه أفضل من آدم . لأن اصله من النار . . تكبّر إبليس . . واستنكف ان يسجد لآدم المخلوق من الطين . .
كان الملائكة جميعاً ساجدين . . الملائكة جميعاً يطيعون الله يسبّحون اسمه ويقدّسون ذاته . . امّا إبليس فقد كان من الجن فعصى أمر الله ولم يسجد لآدم .
قال الله سبحانه : لماذا لا تسجد لآدم يا إبليس ؟
قال إبليس : أنا أفضل منه . . لقد خلقتني من النار أما آدم فمخلوق من الطين . . النار أفضل من الطين .
طرد الله إبليس المتكبّر من حضرته . . طرده من رحمته . . ومن ذلك الوقت حقد إبليس على آدم . .
حسده أولاً ثم حقد عليه . . إبليس مخلوق متكبّر حسود وحاقد . . لا يحبّ أحداً سوى نفسه .
أصبح شغله وهمّه كيف يقضي على آدم . . كيف يغرّه ليضلّه .
طرد الله إبليس من رحمته . . قال له أخرج فإنك رجيم . . وإنّ عليك لعنتي إلى يوم الدين .
قال : إبليس : أمهلني يا ربّ إلى يوم الدين . . قال الله سبحانه : إنك من المنظرين إلى يوم الدين . . إلى وقت معلوم .
قال إبليس : رب بما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ، لأغوينهم أجمعين . .
كم هو ملعون إبليس . . كم هو مكابر وكذّاب . . انه يتهم الله سبحانه بانه هو الذي أغواه . . لم يلق اللوم على نفسه لمعصيته . . لم يقل أنه حسد آدم وحقد عليه وانه تكبّر فلم يسجد ولم يطع الله !
وهكذا كفر إبليس . . استكبر ثم كفر . . ظنّ نفسه أفضل من آدم لأنه مخلوق من نار وآدم اصله طين وتراب . إبليس أناني . . نسي أن الله خلقه وهو يأمره وعليه أن يطيع الله . .
حوّاء خلق الله آدم وحيداً . . ثم خلق من أجله حواء ، فرح آدم بزوجه ، وهي أيضاً فرحت بلقائه .
اسكن الله سبحانه أبانا آدم وأمّنا حواء الجنّة .
الجنة مكان جميل . . جميل جداً . . انهار كثيرة . . وأشجار خضراء خالدة .
ربيع دائم . . ليس في الجنّة حرّ ولا برد . . نفحات طيبة .
عندما يملأ المرء صدره منها يشعر بالسعادة . .
قال الله ربّنا لآدم : اسكن أنت وزوجك الجنّة وكلا منها حيث شئتما . . اسكن فيها حيث تحبّ وكل فيها ما تحبّ . .
ستكون سعيداً فيها فليس في الجنّة تعب ولا جوع ولا عري . .
ولكن ايّاك أن تقترب من هذه الشجرة . . ايّاك أن تسمع كلام إبليس ، فيخدعك انه عدوّ لك ولزوجك . . انه يحسدك يا آدم ، يضمر لك الشرّ .
انطلق آدم وزوجه حواء في الجنّة ينعمان بظلالها ، ويأكلان من ثمارها . . كان آدم سعيداً وكانت حواء سعيدة . .
كانا سعيدين جداً . . لقد خلقهما الله بيده . . ورزقهما من كل شيء وكانت الملائكة تحبهما ، لأن الله خلقهما ويحبّها . . آدم وحواء ينطلقان في الجنّة هنا وهناك ، يقتطفان من ثمارها ويجلسان على شواطئ أنهارها .
شواطئ ساحرة جميلة من الياقوت والعقيق ، والمياه الصافية العذبة تغسل اقدامهما . . وهناك انهار من عسل طيب ولذيذ ، وانهار من لبن ، وطيور وزهور . . لا حدود لسعادة آدم وحواء كل شيء في الجنّة لهما . . أشجارها وثمارها . .
كانا يأكلان من كل الثمار . . ثمار مختلفة الشكل واللون والرائحة ولكنها جميعاً شهية . .
وفي كل مرّة كانا يصادفان شجرة في وسط الجنّة . . شجرة جميلة المنظر تتدلى ثمارها . . كانا ينظران إليها فقط . . لأن الله نهاهما عن الاقتراب منها وتناول ثمارها .
إبليس عدوّ الإنسان طّرد ابليس من صفوف الملائكة . . لقد ظهرت حقيقته في أول امتحان . . ظهرت أنانيته . . وتكبّره . . أصبح ملعوناً رجيماً . . لم يعد له مكان بين الملائكة . .
إبليس يمتلأ حقداً وحسداً لآدم وزوجه . . أصبح شغله الشاغل كيف يخدع آدم وحواء و يخرجهما من الجنّة ؟ .
قال في نفسه : أنا أعرف كيف أخدعهما أنا أعرف أنهما سيصغيان إلى وسوستي . . سأدعوهما لأن يأكلأ من تلك الشجرة . . وعندها سيشقى آدم . . سيصبح شقيأً مثلي . . سوف يطرده الله من الجنّة ، حوّاء هي الآخرى ستشقى .
الشجرة
جاء إبليس إلى آدم وحوّاء . . جاء ليوسوس لهما . . ليخدعهما قال لهما : هل رأيتما أشجار الجنّة كلها ؟ قال آدم : نعم لقد رأيناها جميعاً . . وأكلنا ثمارها .
قال إبليس : ما فائدة ذلك . . وأنتما لم تأكلا من شجرة الخلد . . انها شجرة الملك الدائم والحياة الخالدة . . عندما تأكلان من ثمارها تصبحان ملكين في الجنّة . . قالت حواء : تعال لنأكل من شجرة الخلود .
قال آدم : لقد نهانا ربّنا عن الاقتراب منها . . قال إبليس وهو يخدعهما : لو لم تكن شجرة الخلود لما نهاكما عنها . . لو لم تصبحا ملكين لما قال لكما ربّكما : لا تقربا هذه الشجرة انني أنصحكما أن تأكلاها . . وعندها سوف تصيرا ملكين ولن تموتا أبداً . . ستصيرا خالدين تنعمان في هذه الجنّة إلى الأبد .
قال آدم لزوجه : كيف اعصي ربّي . . لا . . لا .
قال إبليس : هيّا لأدلّكما عليها انها هناك في وسط الجنّة ، ذهب إبليس وتبعه آدم وحوّاء . . كان إبليس يمشي متكبّراً مغروراً .
قال وهو يشير إلى الشجرة . . هذه هي الشجرة . . انظرا كم هي جميلة . . انظرا إلى ثمارها كم هي شهية .
نظرت حوّاء . . ونظر آدم . . حقّاً انها جذّابة . . شهية الثمار . . شجرة تشبه شجرة القمح . . ولكن فيها ثمار مختلفة وتفاح وعنب . .
قال إبليس : لماذا لا تأكلان منها . . اقسم لكما باني ناصح . . انصحكما أن تتناولا ثمارها . .
أقسم إبليس أمام آدم وحواء أنه يريد لهما الخير والخلود !
وفي تلك اللحظة الرهيبة نسي آدم ربّه نسي الميثاق الذي أخذه الله عليه . . فكّر في نفسه انه يستطيع أن يبقى ذاكراً لله وفي نفس الوقت يعيش حياة الخلود . .
في تلك اللحظات المثيرة . . مدّت حوّاء يدها واقتطفت من ثمار الشجرة أكلت منها . . انها حقّاً شهية أعطت آدم منها . . نسي آدم الميثاق فأكل منها . .
وهنا فرّ إبليس . . راح يقهقه بصوت شيطاني . . لقد نجح في إغواء آدم وحواء .
الهبوط على الأرض وفي تلك اللحظة التي أكل فيها آدم وحواء من ثمار الشجرة حدث شيء عجيب . . تساقطت عنهما ثياب الجنّة اصبحا عريانين . . بدت لهما سوء آتهما . .
كانت هناك شجرة تين وشجرة موز عريضة الأوراق لجأ إليها آدم وحواء . .
كانا يشعران بالخجل من نفسيهما . . راحا يخصفان من ورق التين والموز ليصنعا لهما ثوباً يستر ما بدا من سوء اتهما .
شعرا بالندم والخوف والخجل . . لقد ارتكبا المعصية . . لم يسمعا كلام الله سمعا كلام الشيطان . . الذي فرّ بعيداً وتركهما لوحدهما . .
سمع آدم وحوّاء صوتاً يناديهما . . كان صوت الله سبحانه قال : ألم انهكما عن هذه الشجرة . . ألم أقل لكما ان الشيطان عدو لكما فلا يخدعكما . .
بكى آدم بسبب خطيئته . . وبكت حواء .. ليتهما لم يسمعا كلام الشيطان . .
قالا وهما يركعان لله في ندم : نتوب إليك يا ربّنا . . فاقبل توبتنا .. . تجاوز عن خطيئتنا ربّنا ظلمنا انفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين .
كان آدم قد تعلم من قبل ان المغفرة والتوبة والندم تغسل الخطايا . . لهذا تاب . . وأناب إلى الله . .
ربّنا رحيم بمخلوقاته فتاب عليه ، ولكن من يأكل من هذه الشجرة ومن يعصي الله ، عليه أن يخرج من الجنّة عليه أن يتطهّر من خطيئته . .
قال الله سبحانه : اهبطوا إلى الأرض . . اهبطا انتما وابليس إلى الأرض . . ستستمر العداوة بينكما وبينه . . سوف يستمر في خداعه لكما . .ولكن من يتّبع أمري . . من يتّبع كلماتي فسأعيده إلى الجنّة . . امّا من يكذّب ويكفر فسيكون مصيره مثل مصير الشيطان .
قال الله : اهبطوا بعضكم لبعض عدو ، ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين . . وفيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون .
اهبطا منها جميعاً ، فامّا يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى ، ومن أعرض عن ذكري ، فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى .
اصبح آدم وحوّاء مؤهلين للحياة في كوكب الأرض . . لقد اكتشف آدم سوء اته . . اصبح جاهزاً لأن يكون خليفة الله في الأرض يعمّرها . . ويسكنها . . ولا يفسد فيها .
لهذا سجدت له الملائكة . . تصورت الملائكة أن آدم سوف يفسد في الأرض ويسفك الدماء . . ولكن آدم يعرف اشياء لا تعرفها الملائكة يعرف الأسماء كلها ، الملائكة لا تعرف الحرّية والإدارة ولا تعرف التوبة . . لا تعرف الخطيئة . لا تعرف أن الذي يخطئ يعرف كيف يصحّح خطأه ويتوب .
من أجل هذا خلق الله آدم ليكون له خليفة في الأرض .
فجأة وبقدرة الله المطلقة هبط آدم وحواء . . وهبط إبليس .
كل واحد منهم هبط في مكان من الأرض .
هبط آدم فوق قمّة جبل في جزيرة سرنديب ، وهبطت حواء فوق جبل المروة في ارض مكّة . . امّا إبليس فهبط في اخفض نقطة من اليابسة . . هبط في واد مالح في البصرة قريباً من مياه الخليج .
وهكذا بدأت الحياة الإنسانية فوق سطح الأرض ، وبدأ الصراع . . الصراع بين الشيطان والإنسان . .
عندما هبط أبونا آدم وأمّنا حواء على سطح الأرض كانت هناك حيوانات كثيرة تعيش . . غير أنها لم تقاوم الثلج المتراكم منذ آلاف السنين فماتت وانقرضت . . كان حيوان يدعى « الماموث » وهو يشبه الفيل ولكن جلده كان مغطّى بالصوف .
كان هذا الحيوان يجوب سيبريا . . وكان حيوان آخر يشبه وحيد القرن ولكنه كان مغطّى بالصوف أيضاً . . هو الآخر لم يقاوم الثلوج والبرد ، فماتت أنواعه وانقرضت . .
وكانت هناك طيور عجيبة .. طيور عملاقة ماتت ولم يبق لها من أثر .
وشاء الله سبحانه أن تذوب الثلوج وينتهي البرد الشديد في الأرض ويعود الدفء شيئاً فشيئاً .
وشاء الله أن يهبط آدم وحواء ليكون الإنسان خليفة في الأرض . . يزرع ويبني ويعمّر هذا الكوكب الجميل
اللقاء الملائكة كانت تحبّ آدم . . تحبّه لأن الله خلقه بيده . . وتحبّه لأنه خلقه وجعله اسمى مرتبة من الملائكة . .
الملائكة سجدت لأدم لأن الله أمرها بالسجود له . . وعندما عصى آدم ربّه واكل من تلك الشجرة . . ندم وتاب وأناب إلى الله . .
الله ربّنا رحيم ، قبل توبته . . واهبطه إلى الأرض ليكون خليفته . .
الأرض إمتحان للإنسان هل يعبد الله أم يتبع الشيطان ؟
الملائكة تحب آدم وتحب له الخير والسعادة . .
تريد له أن يعود إلى الجنّة ، أمّا الشيطان فهو يكره آدم هو يكره الإنسان ويحقد عليه لهذا حسده ولم يسجد له . . استكبر على الله . .
لهذا أغوى آدم وأزلّه فأكل من الشجرة . .
الشيطان يكره الإنسان يضمر له العداوة يريد له الشقاء . . يريد له الذهاب إلى الجحيم .
هبط آدم على الأرض . . وظلّ ساجداً لله كان يشعر بالندم العميق لخطيئته . . تاب الله عليه . . واجتباه . . واصبح آدم طاهراً من الخطيئة . .
تذكر آدم زوجته حواء . . آدم يحبها كثيراً .
كان سعيداً بها ولكن لا يدري أين هي الآن . . عليه أن يبحث لعلّه يعثر عليها .
راح آدم يضرب في الأرض وحيداً يبحث عن زوجته حواء .
جاء أحد الملائكة أخبره أن حواء في مكان بعيد من هذه الأرض . . انها تنتظرك . . هي خائفة وتبحث عنك . . قال له إذا سرت في هذا الاتجاه فإنك ستعثر عليها . .
شعر آدم بالأمل وانطلق يبحث عن حواء . . قطع مسافات شاسعة وهو يمشي . .
كان يمشي حافي القدمين .
إذا جاع تناول شيئاً من النباتات البرّية ، وعندما تغيب الشمس ويغمر الظلام الأرض ، كان يشعر بالوحشة فينام في مكان مناسب . . وكان يسمع أصوات الحيوانات تأتي من بعيد . .
سار آدم أياماً وليالي إلى أن وصل أرض « مكّة » ، في قلبه شعور أنه سيجد حواء في هذا المكان . . ربما خلف هذا الجبل أو ذاك . .
كانت حواء تنتظر ، تصعد هذا الجبل وتنظر في الأفاق . . ولكن لا شيء . . وتذهب إلى ذلك الجبل وتصعده لتنظر . .
ذات يوم رأت حواء وهي تنظر رأت شبحاً . . قادماً من بعيد . . عرفت أنه آدم انه يشبهها . . هبطت حواء من الجبل . . ركضت إليه كانت تشعر بالفرحة والأمل . .
آدم لمحها من بعيد . . أسرع إليها ركض باتجاه حواء وحواء ، هي الأخرى كانت تركض باتجاه آدم .
وفي ظلال جبل يدعى « عرفات » حدث اللقاء . . بكت حواء من فرحتها وبكى آدم أيضاً . . ونظرا جميعاً إلى السماء الصافية . . وشكرا الله سبحانه الذي جمع شملهما مرة أخرى .
العمل والحياة لم تكن الحياة في الأرض سهلة انها ليست مثل الجنّة . .
الأرض كوكب يدور في الفضاء .. تتغير فيه الفصول . . شتاء بارد حيث تنهمر الثلوج فتغطّي السهول والجبال . .
وصيف لاهب حارّ . . وخريف . . تتساقط فيه الأوراق . . وتصبح الاشجار مثل الأعواد الجافّة . .
ثم يأتي الربيع . . فتبتهج الأرض ، وتغدو خضراء . . ويتذكر آدم حياة الجنّة الطيبة فيبكي . . يحنّ إلى العودة إلى الجنّة وإلى الحياة الطيّبة هناك .
اختار آدم وزوجته بقعةً جميلة من الأرض ليعيشا فيها .
كانت بعض النباتات البرّية قد نبتت فيها ، واشجار مختلفة الشكل والثمر . .
مضت أيام السعادة في الجنّة . . لا حرّ ولا برد ولا جوع ولا تعب .
عليهما الآن أن يكدّا ويعملا . . عليهما أن يستعدّا للشتاء القادم والرياح الباردة . . أن يناما في الغار قبل أن ينتهيا من بناء كوخ لهما من خشب الأشجار .
كان آدم يعمل ويعمل ويشقى . . كان يتصبّب عرقاً كل يوم وهو يعمل .
فحتى لا يموت جوعاً ، عليهما أن يزرعا ويحصدا ويطحنا ويعجنا ثم يخبزا لهما رغيفين .
كانا يتذكران ايام السعادة ويحنّان للعودة إلى الجنّة قرب الله الذي خلقهما .
وكانا يتذكران خطيئتهما فيبكيان ويستغفران .
وهكذا مضت حياتهما بين العمل والعبادة وبين التفكير في مستقبل أولادهما .
وتمضي الأيام تلو الأيام . . وانجبت حواء ولداً وبنتاً . . ثم انجبت ولداً وبنتا .
اصبح عدد سكان الأرض من البشر ستة أفراد .
فرح آدم وحواء بابنائهما ، كانوا يكبرون يوماً بعد يوم . . اصبحوا شباناً . . قابيل وأخوه هابيل كانا يذهبان مع ابيهما آدم يتعلمان منه العمل ، حراثة الأرض ورعي الماشية . .
اما اقليما ولوزا فكانتا تساعدان امهما في أعمال المنزل . . الطبخ الكنس الحياكة .
الحياة تتطلب العمل والنشاط والسعي . . وتمرّ الأيام والأعوام . .
قابيل وهابيل نشأ قابيل قاسياً شرس الأخلاق عنيف الطباع ، بعكس هابيل الهادئ الوديع المسالم .
كان قابيل يؤذي أخاه دائماً . . يريد منه أن يصبح له عبداً يخدمه من الصباح إلى المساء . .
يحرث له الأرض ، إضافة إلى عمله في رعي الماشية . . حتى ينصرف هو إلى كسله وإمضاء وقته في اللهو واللعب كم ضرب قابيل أخاه ! !
وكان هابيل يتحمّل ويصبر لأن قابيل أخاه وشقيقه . .
كان يدعو الله أن يهدي أخاه قابيل ويصبح إنساناً طيباً .
كان آدم يتألم . . وربّما نصح ابنه قابيل إلاّ يكون شريراً . . قال له مرّة :
كن طيباً يا قابيل . . مثل اخيك . .
ومرّة قال له :
لا تكن شريراً يا قابيل . . إن الله لا يحب الأشرار .
كان قابيل لا يسمع نصائح والده . . كان يظن أنه أفضل من هابيل . . فهو أقوى بكثير من أخيه . . عضلاته قوّية جداً ورأسه أكبر من رأس هابيل . . وأطول منه قدّاً . .
وكان آدم يقول لابنه :
ان التقي هو الأفضل . . أن الله ينظر إلى القلوب يا قابيل . . الإنسان الأفضل . . هو الإنسان الاتقى .
كان قابيل عنيداً . . كان يصرخ :
لا . . لا . . لا أنا أفضل منه . . أنا الأقوى . . والأضخم .
ذات يوم صفع قابيل أخاه هابيل . . صفعه بقسوة .
لم يفعل هابيل شيئاً كان يتحمّل أخاه . . هابيل قلبه طيب يحب أخاه . . يعرف أنه جاهل .. هابيل يخاف الله . . لا يريد أن يكون شريراً مثل أخيه .
ذات يوم صفع قابيل أخاه هابيل . . صفعه بقسوة .
لم يفعل هابيل شيئاً كان يتحمّل أخاه . . هابيل قلبه طيب يحب أخاه . . يعرف أنه جاهل .. هابيل يخاف الله . . لا يريد أن يكون شريراً مثل أخيه .
أراد الأب أن يضع حدّاً لشرور قابيل . . أراد أن يفهمه أن الله يحبّ الطيبين . . ان الله لا يحب الأشرار ، قال لهما :
ليقدّم كل منكما قرباناً إلى الله . . فمن يتقبل الله قربانه فهو الأفضل .. لأنّ الله يتقبل من المتقين .
انطلق قابيل إلى حقول القمح . . جمع كوماً من السنابل كانت ما تزال طرية لم تنضج بعد . .
ومضى هابيل إلى قطيع الماشية . . فاختار كبشاً سليماً من كل عيب . . اختار كبشاً جميلاً وسميناً .. لأنه سيهديه إلى الربّ . .
قال آدم لابنيه :
إذهبا إلى هذه التلال . .
وضع قابيل كوم القمح تحت ابطه ومضى إلى التلال .
وراح هابيل يسوق كبشه الجميل إلى هناك . . ترك هابيل كبشه فوق التلّ والقى قابيل كوم القمح قريباً منه . . سجد هابيل لله . . بكى خشية منه . . نظر إلى السماء الصافية ودعا الله أن يتقبل قربانه .
أما قابيل فكان عصبياً جداً ينظر هنا وهناك كأنه يبحث . . كان يريد أن يرى الله . . ترى ماذا سيكون شكله !
مضت ساعات طويلة .. لم يحدث شيء . .
هابيل جالس بوداعة ينظر إلى السماء وقد ظهرت بعض الغيوم . . امتلأت السماء بالسحب .. سكن الهواء . . كان هابيل يدعو الله . . وكان قابيل يمسك بصخرة ويقذفها بعصبية فتتكسر فوق الصخور . . كان عصيباً لا يدري ماذا يفعل . .
فجأة لمع البرق في السماء . . ودوّى الرعد . . شعر قابيل بالخوف . . اما هابيل فكان يدعو الله . . انهمر المطر غسل وجه هابيل . . غسل دموعه . . اختبأ قابيل تحت سن صخري . .
لمع البرق مرّة أخرى وأخرى . . فجأة انقضت صاعقة كالأعصار . . أصابت الكبش وحملته بعيداً ابتهج قلب هابيل . . بكى فرحاً . . لقد تُقبّل قربانه . . ان الله يحب هابيل لأن هابيل يحبّ الله . .
امّا قابيل فقد امتلأ قلبه بالحقد والحسد . . لم يتحمّل منظر كوم القمح وقد بعثرته الريح . . امسك بحجر صخري وصرخ باخيه :
لأقتلنك . .
قال هابيل بهدوء :
يا قابيل يا أخي . . انما يتقبّل الله من المتقين .
صرخ قابيل مرّة أخرى وهو يلوّح بقبضته :
سأقتلك . . انني أكرهك .
شعر هابيل بالحزن لماذا يكرهه أخوه ؟ ! ماذا فعل لكي يحقد عليه ؟ !
قال بمرارة وألم :
لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لاقتلك . . إني أخاف الله ربّ العالمين . . انت تظلمني يا قابيل . . وإذا ما قتلتني فسوف يكون مصيرك النار .
قابيل يفكر بطريقة وحشية . . فمادام هو الأقوى فمن حقّه أن يسيطر على أخيه . . أن يستعبده . . أن يسخره كما يسخر الحيوانات الأخرى . .
انصرف هابيل إلى عمله يرعى ماشيته . . نسي تهديدات أخيه . . كان يرعى الماشية في التلال والوديان الخضراء الفسيحة يتأمل ما حوله بحب . .
يملأ الايمان قلبه بالسلام .. ينظر إلى خرافه وهي ترعى في المروج . .
كل شيء هادئ .. منظر الشمس في الأصيل جميل . . الأفق الأزرق الصافي . . وخرير الجدول وهو يجري في الوادي الفسيح . . والطيور البيضاء وهي تحلق في الفضاء الأزرق . . كل شيء جميل . . ومحبوب . .
وهناك خلف التلال كان قابيل يسرع نحو أرضه . . كان عصبياً وزاد من عصبيته أنه كان جائعاً . . رأى من بعيد أرنباً فركض فطارده . . قذفه بحجر تعثر الأرنب انكسرت رجله . . لم يعد قادراً على الفرار والنجاة . . أمسك قابيل به . . قتله وأكله . . رمى بالباقي فوق الأرض . .
هبطت بعض النسور وراحت تتناول من الفريسة . . قابيل فكر في نفسه . . لو كان ضعيفاً . . لأكلته النسور . . لماذا لا تأكلني هذه الطيور المخيفة . . لأنني قوي . . القوّي هو الذي يستحق الحياة . . وعلى الضعفاء ان يموتوا . .
مرّة أخرى فكر قابيل بطريقة وحشية . . انه لا يعرف الحق والباطل أن يكون الإنسان طيّباً أفضل من أن يكون شريرّاً . . مرّة أخرى شعر بالحقد والحسد لأخيه . . ترك أرضه وحقوله ومضى نحو التلال . .
راح ينظر إلى أخيه هابيل في السفوح الخضراء . . والماشية ترعى بسلام . .
كان هابيل مستلقياً فوق العشب الأخضر . . ربّما كان نائماً . . هكذا خطر في بال قابيل اشتعل الحقد في نفسه أكثر . . اشتعل الغدر في قلبه . . انحنى ليلتقط حجراً مسنّناً .
ربّما فكّر انها فرصة لقتل هابيل . . للتخلّص من أخيه إلى الأبد .
انحدر قابيل من التلّ . . اقترب من أخيه . . كان حذراً جداً مثل نمر شرس . . عيناه تبرقان بالجريمة والغدر .
كان هابيل غافياً . . شعر بالتعب من كثرة ما دار في المراعي . . لهذا وضع رأسه على صخرة ملساء وتمدّد فوق العشب ونام . . في وجهه ابتسامة وأمل . .
كان نومه هادئاً لأنه يعرف ان هذا الوادي لا ترتاده الذئاب ولا الخنازير لهذا ترك ماشيته ترعى بسلام .
لم يخطر في باله أن هناك مخلوقاً آخر أكثر فتكاً من الذئاب . .
قابيل شقيقه الوحيد في هذه الدنيا الواسعة !
أصبح قابيل قريباً منه . . وقع ظله على وجه أخيه النائم . . فتح هابيل عينيه ابتسم لأخيه . . ولكن قابيل كان قد تحوّل إلى وحش . . أصبح مثل الذئب ، بل أكثر قسوة . .
انقض على أخيه بالحجر وضرب جبهته . . سالت الدماء على عيني هابيل . . فقد وعيه . . وكان قابيل يواصل الضرب . . إلى أن سكنت حركة هابيل تماماً .
لم يعد هابيل يتحرك . . لم يعد يفتح عينيه الواسعتين . . لم يعد يتحدّث ولا يبتسم . . انه لا يستطيع العودة إلى كوخه . . بقيت ماشيته دون راع . . ستتيه في هذه التلال والوديان . . ستفترسها الذئاب . .
كان قابيل ينظر إلى أخيه . . وكانت الدماء ما تزال تنزف من جبهته .
توقف نزف الدم . . ظهرت في السماء نسور راحت تحوم . .
حار قابيل ماذا يفعل ؟ . . حمل جسد أخيه وراح يمشي . . لا يدري أين يذهب به كيف يبعده عن هذا النسور الجائعة ؟ !
شعر بالتعب . . الشمس تجنح نحو الغروب . . وضع جسد أخيه فوق الأرض . . وجلس ليستريح . .
فجأة حطّ غراب بالقرب منه . . كان ينعب بشدّة يصيح : غاق . . غاق . . غاق . . ربما كان يقول له : ماذا فعلت باخيك يا قابيل ! ! لماذا قتلت أخاك يا قابيل ؟ !
راح قابيل يراقب حركات الغراب . . الغراب كان يبحث في الأرض . . ينبش التراب . . صنع فيها حفرة صغيرة . . التقط بمنقاره ثمرة من الثمار الجافّة والقاها في الحفرة . . راح يهيل عليها التراب . .
شعر قابيل بانه اكتشف شيئاً مهمّاً . . عرف كيف يواري أخاه . . يحفظه من النسور والذئاب . . أمسك بعظم ربّما كان فك حمار ميت أو حصان أو حيوان آخر .
راح يحفر في الأرض . . كان يتصبب عرقاً صنع حفرة مناسبة . . لا يمكن للنسور ولا للحيوانات أن تنبشها حمل جسد أخيه ووضعه في الحفرة وراح يهيل عليه التراب . .
بكى قابيل كثيراً . . بكى لأنه قتل أخاه . . وبكى لأنه كان عاجزاً عن فعل شيء . .
الغراب هو الذي علّمه كيف يواري سوءة أخيه . . انه مخلوق جاهل لا يعرف شيئاً يتعلّم من الغراب . . نظر قابيل إلى كفيه نفض منهما التراب ماذا فعلت بنفسك يا قابيل ؟ !
كيف طوّعت لك نفسك قتل أخيك . . ماذا كسبت ؟ !
ماذا حصدت من عملك سوى الندم والألم . . غابت الشمس . . خيّم المساء . . وملأ الظلام الوادي وعاد قابيل إلى كوخه . .
من بعيد وقبل أن يصل الكوخ رأى ناراً . . ناراً متأججة . . خاف قابيل . . اصبح يخشى النار .. النار التي اخذت قربان اخيه ورفضت قربانه . . اراد أن يفرّ . . ولكن إلى أين ؟
رأى أباه آدم ينتظر . . كان ينتظر عودة ابنيه . . عاد قابيل وحيداً . .
شعر آدم بالحزن والقلق . . سأل ابنه :
أين أخوك يا قابيل ؟
قال قابيل بعصبية :
وهل أرسلتني راعياً لابنك ؟
أدرك الأب أن شيئاً ما قد حصل .
قال لقابيل :
أين فقدته ؟
قال قابيل :
هناك في تلك التلال .
قال الأب :
خذني إلى ذلك المكان .
قابيل أشار إلى المكان . . وراح يمشي وأبوه يمشي وراءه . . سمعا من بعيد ثغاء الأغنام والماعز ورأى آدم الماشية مبعثرة في الوادي . . صاح :
هابيل . . أين أنت يا هابيل . .
لكن أحداً لم يجب . . تحت ضوء القمر رأى آدم شيئاً يلمع فوق الصخور . . فوق الأرض . . شم رائحة غريبة . . أدرك آدم كل شيء . . عرف أن قابيل قد قتل أخاه ، هتف بغضب :
اللعنة عليك يا قابيل . . لماذا قتلت أخاك ؟ لم يخلقك الله لتفسد في الأرض وتسفك الدماء . . اللعنة عليك . .
فرّ قابيل . . تاه في الأرض . . راح يعدو مثل المجنون . . ينام في المغارات ، ويركع للنار . . يسجد لها اصبح يخاف منها . . اصبحت حياته عذاباً وندماً .
وعاد آدم إلى الكوخ حزيناً يبكي من أجل ابنه هابيل . . هابيل الطيب التقيّ . . هابيل المظلوم . .
بكى آدم أربعين يوماً . . وبكت حوّاء من أجل ولديها . . وأوحى الله إلى آدم أنه سيرزقه ولداً آخر . . ولداً طيباً مثل هابيل . . ومضت تسعة اشهر . . وانجبت حوّاء ولداً جميلاً وجهه يضيء كالقمر . .
فرح آدم ملأت البهجة قلبه لقد عوّضه الله عن هابيل بولد مثله . . سبعة أيام وآدم يفكر في اسم لولده . . وفي اليوم السابع قال لزوجته :
نسمّيه شيث . . هبة الله . . لأن الله قد أهداه لنا . .
وتمضي الأيام والأعوام . . وكبر شيث ، وأصبح آدم شيخاً كبيراً . . وأصبحت حوّاء إمرأةً عجوزاً . .
وكان آدم راضياً . . لقد كبر أبناؤه وأصبح له أحفاد وذرّية . . يعملون ويزرعون . . ويبنون . . ويعبدون الله . . وهناك في مكان ما يعيش قابيل . . هو الأخر أصبح له ذرّية في الأرض .
وذات يوم قال آدم لولده شيث :
اشتهي عنباً يا ولدي . .
نهض شيث وانطلق إلى البساتين الواسعة حيث تنبت الكروم . . اقتطف بعض العناقيد الناضجة وعاد إلى أبيه . . ولكن آدم قد مات . . توفي . . عاد إلى الجنّة . . بعد أن عاش في الأرض ألف سنة . .
اللهم صل على محمد وآل محمد ، وصل على أبينا آدم وامُّنا حواء فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) كمال السيد
قبل ملايين السنين خلق الله العالم . . الكواكب والنجوم والسماوات . . وخلق الله الملائكة من نور . . وخلق الجنّ من نار . . وخلق الله الأرض .
لم تكن الأرض مثلما هي عليه اليوم . . كانت مليئة بالبحار ، وكانت الأمواج ثائرة ، والرياح تعصف بشدّة . .
والبراكين مشتعلة ، والنيازك الضخمة والشهب تهاجم الأرض .
ولم تكن هناك من حياة على الأرض . . لا في البحار ولا في البراري .
وقبل ملايين السنين ، ظهرت في البحر أنواع صغيرة من الأسماك ، و ظهرت في البر نباتات بسيطة .
ثم تطوّرت الحياة شيئاً فشيئاً ، وظهرت على سطح الأرض حيوانات كالزواحف ، والبرمائيات ، وظهرت الدنياصورات بأشكالها المتعددة وأنواعها المختلفة .
وبين فترة وأخرى كانت الثلوج تغطّي الأرض فتموت النباتات وتموت الحيوانات وتنقرض ، وتظهر بدلها أنواع جديدة . . و بين فترة وأخرى تذوب الثلوج وتعود الحياة في الأرض مرّة أخرى .
في تلك الأزمنة السحيقة . . و ما تزال الأرض لم تهدأ بعد من البراكين والزلازل . . والعواصف العاتية ، والأمواج الثائرة . . ولم تكن الثلوج قد ذابت بعد . . في تلك الأزمنة البعيدة أخذ الله من الأرض تراباً . . من المرتفعات ومن السهول ، ومن الأرض السبخة المالحة ، ومن الأرض الخصبة العذبة . . مُزجت التربة بالماء وأصبحت طيناً متماسك الجزئيات .
خلق الله سبحانه من ذلك الطين ما يشبه هيئة الإنسان ، رأس وعينان ولسان وشفتان وأنف وأذنان وقلب ويدان وصدر وقدمان .
تبخّر الماء و جمد التمثال البشري ، اصبح الطين حجراً صلداً يابساً إذا هبّت الريح يسمع منه صوت ينُّم عن تماسكه .
وعلى هذه الحالة ظلّ التمثال نائماً إلى أمد طويل لا يعلم مداه إلاّ الله سبحانه .
الأرض وفي تلك الفترة من الزمن هدأت الأرض ، هدأت الأمواج في البحار ، وهدأت العواصف ، وانطفأ كثير من البراكين . . .
ونمت الغابات أصبحت كثيفة وامتلأت بالحيوانات والطيور ، وتفجّرت ينابيع المياه العذبة ، وجرت الأنهار .
اما المناطق التي انعدم فيها الماء فقد كانت الرياح الطيبة تحمل لها الغيوم ، وهناك تهطل الأمطار لتحيي الصحراء الخالية من الأنهار والنبات .
وعندما يسافر المرء في الفضاء يشاهد الأرض من بعيد كرةً تدور في الفضاء حول الشمس فتنشأ الفصول .
صيف يعقبه خريف ، وخريف يعقبه شتاء وبعد الشتاء يأتي الربيع .
فتزداد الأرض خُضرةً وتصبح النباتات والغابات أكثر بهجةً .
وتتدفق الأنهار بالمياه العذبة ، وتفور الينابيع بالمياه الصافية الباردة .
وتدور الأرض حول نفسها ، فينشأ الليل والنهار .
في النهار تستيقظ الطيور فتطير باحثة عن رزقها ، وتستيقظ الحيوانات تبحث عن طعامها .
الغزلان تركض في الغابات والوعول فوق سفوح الجبال ، والفراشات تدور في الحدائق تبحث عن الأزهار والرحيق ، والحيوانات المفترسة تزأر في الغابات .
كل شيء في الأرض ينمو ويتكاثر ، فالأرض تمتلئ بالحياة والبهجة .
الأشجار تحمل الثمار ، والخراف والماعز تأوي إلى الكهوف تبحث عن مأوى يحميها من الحيوانات الكاسرة .
كل شيء يمضي في طريقه كما خلقه الله سبحان وتعالى .
أصبحت الأرض جميلة جدّاً . . . أصبحت ملوّنة . . زرقة البحار . . وخضرة الغابات والتلال التي تكسوها الأعشاب ، وسمرة الصحاري . . وبياض الثلوج . . وأشعة الشمس الحمراء في الشروق .
امتلأت الأرض بالحياة . . طيور وحيوانات ، وغابات ونباتات وأزهار وفراشات . . . أمّا الإنسان فلم يكن له وجود بعد .
آدم . . الانسان الأول وفي لحظة من لحظات الرحمة واللطف الإلهي ، نفخ الله في تمثال الصلصال من روحه ، عطس وقال : الحمد لله .
نهض آدم دبّت فيه الروح وأصبح بشراً سويّاً ، يتنفس ويجيل نظره . . أصبح إنساناً يفكّر ويتأمّل . . يحرّك يديه ويمشي يعرف الجميل ويدرك القبيح . . يعرف الحق ويدرك الباطل . . الخير والشر ، السعادة والشقاء .
أمر الله الملائكة أن تسجد لآدم . . ان تسجد لما خلقه الله بيده .
سجد الملائكة جميعاً . .
الملائكة لا تعرف شيئاً سوى طاعة الله . . انها تسبح الله دائماً . . . خاشعة لله في كل وقت . . . سجدت للإنسان لأن الله اختاره خليفة له في الأرض . .
لأن الله جعله خليفة . . انه أرفع منزلة من الملائكة .
ولكن هناك مخلوق آخر لم يسجد ! ! كان هناك جنّي خلقه الله قبل ان يخلق أبانا آدم بستة آلاف عام . . لا يعلم أحد أهذه الأعوام كانت من أعوام الأرض أم من أعوام كواكب أخرى لا نعرفها .
الجنّ خلقه الله من النار . . إبليس لم يسجد لآدم . . لم يطع الله قال في نفسه : انه أفضل من آدم . لأن اصله من النار . . تكبّر إبليس . . واستنكف ان يسجد لآدم المخلوق من الطين . .
كان الملائكة جميعاً ساجدين . . الملائكة جميعاً يطيعون الله يسبّحون اسمه ويقدّسون ذاته . . امّا إبليس فقد كان من الجن فعصى أمر الله ولم يسجد لآدم .
قال الله سبحانه : لماذا لا تسجد لآدم يا إبليس ؟
قال إبليس : أنا أفضل منه . . لقد خلقتني من النار أما آدم فمخلوق من الطين . . النار أفضل من الطين .
طرد الله إبليس المتكبّر من حضرته . . طرده من رحمته . . ومن ذلك الوقت حقد إبليس على آدم . .
حسده أولاً ثم حقد عليه . . إبليس مخلوق متكبّر حسود وحاقد . . لا يحبّ أحداً سوى نفسه .
أصبح شغله وهمّه كيف يقضي على آدم . . كيف يغرّه ليضلّه .
طرد الله إبليس من رحمته . . قال له أخرج فإنك رجيم . . وإنّ عليك لعنتي إلى يوم الدين .
قال : إبليس : أمهلني يا ربّ إلى يوم الدين . . قال الله سبحانه : إنك من المنظرين إلى يوم الدين . . إلى وقت معلوم .
قال إبليس : رب بما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ، لأغوينهم أجمعين . .
كم هو ملعون إبليس . . كم هو مكابر وكذّاب . . انه يتهم الله سبحانه بانه هو الذي أغواه . . لم يلق اللوم على نفسه لمعصيته . . لم يقل أنه حسد آدم وحقد عليه وانه تكبّر فلم يسجد ولم يطع الله !
وهكذا كفر إبليس . . استكبر ثم كفر . . ظنّ نفسه أفضل من آدم لأنه مخلوق من نار وآدم اصله طين وتراب . إبليس أناني . . نسي أن الله خلقه وهو يأمره وعليه أن يطيع الله . .
حوّاء خلق الله آدم وحيداً . . ثم خلق من أجله حواء ، فرح آدم بزوجه ، وهي أيضاً فرحت بلقائه .
اسكن الله سبحانه أبانا آدم وأمّنا حواء الجنّة .
الجنة مكان جميل . . جميل جداً . . انهار كثيرة . . وأشجار خضراء خالدة .
ربيع دائم . . ليس في الجنّة حرّ ولا برد . . نفحات طيبة .
عندما يملأ المرء صدره منها يشعر بالسعادة . .
قال الله ربّنا لآدم : اسكن أنت وزوجك الجنّة وكلا منها حيث شئتما . . اسكن فيها حيث تحبّ وكل فيها ما تحبّ . .
ستكون سعيداً فيها فليس في الجنّة تعب ولا جوع ولا عري . .
ولكن ايّاك أن تقترب من هذه الشجرة . . ايّاك أن تسمع كلام إبليس ، فيخدعك انه عدوّ لك ولزوجك . . انه يحسدك يا آدم ، يضمر لك الشرّ .
انطلق آدم وزوجه حواء في الجنّة ينعمان بظلالها ، ويأكلان من ثمارها . . كان آدم سعيداً وكانت حواء سعيدة . .
كانا سعيدين جداً . . لقد خلقهما الله بيده . . ورزقهما من كل شيء وكانت الملائكة تحبهما ، لأن الله خلقهما ويحبّها . . آدم وحواء ينطلقان في الجنّة هنا وهناك ، يقتطفان من ثمارها ويجلسان على شواطئ أنهارها .
شواطئ ساحرة جميلة من الياقوت والعقيق ، والمياه الصافية العذبة تغسل اقدامهما . . وهناك انهار من عسل طيب ولذيذ ، وانهار من لبن ، وطيور وزهور . . لا حدود لسعادة آدم وحواء كل شيء في الجنّة لهما . . أشجارها وثمارها . .
كانا يأكلان من كل الثمار . . ثمار مختلفة الشكل واللون والرائحة ولكنها جميعاً شهية . .
وفي كل مرّة كانا يصادفان شجرة في وسط الجنّة . . شجرة جميلة المنظر تتدلى ثمارها . . كانا ينظران إليها فقط . . لأن الله نهاهما عن الاقتراب منها وتناول ثمارها .
إبليس عدوّ الإنسان طّرد ابليس من صفوف الملائكة . . لقد ظهرت حقيقته في أول امتحان . . ظهرت أنانيته . . وتكبّره . . أصبح ملعوناً رجيماً . . لم يعد له مكان بين الملائكة . .
إبليس يمتلأ حقداً وحسداً لآدم وزوجه . . أصبح شغله الشاغل كيف يخدع آدم وحواء و يخرجهما من الجنّة ؟ .
قال في نفسه : أنا أعرف كيف أخدعهما أنا أعرف أنهما سيصغيان إلى وسوستي . . سأدعوهما لأن يأكلأ من تلك الشجرة . . وعندها سيشقى آدم . . سيصبح شقيأً مثلي . . سوف يطرده الله من الجنّة ، حوّاء هي الآخرى ستشقى .
الشجرة
جاء إبليس إلى آدم وحوّاء . . جاء ليوسوس لهما . . ليخدعهما قال لهما : هل رأيتما أشجار الجنّة كلها ؟ قال آدم : نعم لقد رأيناها جميعاً . . وأكلنا ثمارها .
قال إبليس : ما فائدة ذلك . . وأنتما لم تأكلا من شجرة الخلد . . انها شجرة الملك الدائم والحياة الخالدة . . عندما تأكلان من ثمارها تصبحان ملكين في الجنّة . . قالت حواء : تعال لنأكل من شجرة الخلود .
قال آدم : لقد نهانا ربّنا عن الاقتراب منها . . قال إبليس وهو يخدعهما : لو لم تكن شجرة الخلود لما نهاكما عنها . . لو لم تصبحا ملكين لما قال لكما ربّكما : لا تقربا هذه الشجرة انني أنصحكما أن تأكلاها . . وعندها سوف تصيرا ملكين ولن تموتا أبداً . . ستصيرا خالدين تنعمان في هذه الجنّة إلى الأبد .
قال آدم لزوجه : كيف اعصي ربّي . . لا . . لا .
قال إبليس : هيّا لأدلّكما عليها انها هناك في وسط الجنّة ، ذهب إبليس وتبعه آدم وحوّاء . . كان إبليس يمشي متكبّراً مغروراً .
قال وهو يشير إلى الشجرة . . هذه هي الشجرة . . انظرا كم هي جميلة . . انظرا إلى ثمارها كم هي شهية .
نظرت حوّاء . . ونظر آدم . . حقّاً انها جذّابة . . شهية الثمار . . شجرة تشبه شجرة القمح . . ولكن فيها ثمار مختلفة وتفاح وعنب . .
قال إبليس : لماذا لا تأكلان منها . . اقسم لكما باني ناصح . . انصحكما أن تتناولا ثمارها . .
أقسم إبليس أمام آدم وحواء أنه يريد لهما الخير والخلود !
وفي تلك اللحظة الرهيبة نسي آدم ربّه نسي الميثاق الذي أخذه الله عليه . . فكّر في نفسه انه يستطيع أن يبقى ذاكراً لله وفي نفس الوقت يعيش حياة الخلود . .
في تلك اللحظات المثيرة . . مدّت حوّاء يدها واقتطفت من ثمار الشجرة أكلت منها . . انها حقّاً شهية أعطت آدم منها . . نسي آدم الميثاق فأكل منها . .
وهنا فرّ إبليس . . راح يقهقه بصوت شيطاني . . لقد نجح في إغواء آدم وحواء .
الهبوط على الأرض وفي تلك اللحظة التي أكل فيها آدم وحواء من ثمار الشجرة حدث شيء عجيب . . تساقطت عنهما ثياب الجنّة اصبحا عريانين . . بدت لهما سوء آتهما . .
كانت هناك شجرة تين وشجرة موز عريضة الأوراق لجأ إليها آدم وحواء . .
كانا يشعران بالخجل من نفسيهما . . راحا يخصفان من ورق التين والموز ليصنعا لهما ثوباً يستر ما بدا من سوء اتهما .
شعرا بالندم والخوف والخجل . . لقد ارتكبا المعصية . . لم يسمعا كلام الله سمعا كلام الشيطان . . الذي فرّ بعيداً وتركهما لوحدهما . .
سمع آدم وحوّاء صوتاً يناديهما . . كان صوت الله سبحانه قال : ألم انهكما عن هذه الشجرة . . ألم أقل لكما ان الشيطان عدو لكما فلا يخدعكما . .
بكى آدم بسبب خطيئته . . وبكت حواء .. ليتهما لم يسمعا كلام الشيطان . .
قالا وهما يركعان لله في ندم : نتوب إليك يا ربّنا . . فاقبل توبتنا .. . تجاوز عن خطيئتنا ربّنا ظلمنا انفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين .
كان آدم قد تعلم من قبل ان المغفرة والتوبة والندم تغسل الخطايا . . لهذا تاب . . وأناب إلى الله . .
ربّنا رحيم بمخلوقاته فتاب عليه ، ولكن من يأكل من هذه الشجرة ومن يعصي الله ، عليه أن يخرج من الجنّة عليه أن يتطهّر من خطيئته . .
قال الله سبحانه : اهبطوا إلى الأرض . . اهبطا انتما وابليس إلى الأرض . . ستستمر العداوة بينكما وبينه . . سوف يستمر في خداعه لكما . .ولكن من يتّبع أمري . . من يتّبع كلماتي فسأعيده إلى الجنّة . . امّا من يكذّب ويكفر فسيكون مصيره مثل مصير الشيطان .
قال الله : اهبطوا بعضكم لبعض عدو ، ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين . . وفيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون .
اهبطا منها جميعاً ، فامّا يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى ، ومن أعرض عن ذكري ، فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى .
اصبح آدم وحوّاء مؤهلين للحياة في كوكب الأرض . . لقد اكتشف آدم سوء اته . . اصبح جاهزاً لأن يكون خليفة الله في الأرض يعمّرها . . ويسكنها . . ولا يفسد فيها .
لهذا سجدت له الملائكة . . تصورت الملائكة أن آدم سوف يفسد في الأرض ويسفك الدماء . . ولكن آدم يعرف اشياء لا تعرفها الملائكة يعرف الأسماء كلها ، الملائكة لا تعرف الحرّية والإدارة ولا تعرف التوبة . . لا تعرف الخطيئة . لا تعرف أن الذي يخطئ يعرف كيف يصحّح خطأه ويتوب .
من أجل هذا خلق الله آدم ليكون له خليفة في الأرض .
فجأة وبقدرة الله المطلقة هبط آدم وحواء . . وهبط إبليس .
كل واحد منهم هبط في مكان من الأرض .
هبط آدم فوق قمّة جبل في جزيرة سرنديب ، وهبطت حواء فوق جبل المروة في ارض مكّة . . امّا إبليس فهبط في اخفض نقطة من اليابسة . . هبط في واد مالح في البصرة قريباً من مياه الخليج .
وهكذا بدأت الحياة الإنسانية فوق سطح الأرض ، وبدأ الصراع . . الصراع بين الشيطان والإنسان . .
عندما هبط أبونا آدم وأمّنا حواء على سطح الأرض كانت هناك حيوانات كثيرة تعيش . . غير أنها لم تقاوم الثلج المتراكم منذ آلاف السنين فماتت وانقرضت . . كان حيوان يدعى « الماموث » وهو يشبه الفيل ولكن جلده كان مغطّى بالصوف .
كان هذا الحيوان يجوب سيبريا . . وكان حيوان آخر يشبه وحيد القرن ولكنه كان مغطّى بالصوف أيضاً . . هو الآخر لم يقاوم الثلوج والبرد ، فماتت أنواعه وانقرضت . .
وكانت هناك طيور عجيبة .. طيور عملاقة ماتت ولم يبق لها من أثر .
وشاء الله سبحانه أن تذوب الثلوج وينتهي البرد الشديد في الأرض ويعود الدفء شيئاً فشيئاً .
وشاء الله أن يهبط آدم وحواء ليكون الإنسان خليفة في الأرض . . يزرع ويبني ويعمّر هذا الكوكب الجميل
اللقاء الملائكة كانت تحبّ آدم . . تحبّه لأن الله خلقه بيده . . وتحبّه لأنه خلقه وجعله اسمى مرتبة من الملائكة . .
الملائكة سجدت لأدم لأن الله أمرها بالسجود له . . وعندما عصى آدم ربّه واكل من تلك الشجرة . . ندم وتاب وأناب إلى الله . .
الله ربّنا رحيم ، قبل توبته . . واهبطه إلى الأرض ليكون خليفته . .
الأرض إمتحان للإنسان هل يعبد الله أم يتبع الشيطان ؟
الملائكة تحب آدم وتحب له الخير والسعادة . .
تريد له أن يعود إلى الجنّة ، أمّا الشيطان فهو يكره آدم هو يكره الإنسان ويحقد عليه لهذا حسده ولم يسجد له . . استكبر على الله . .
لهذا أغوى آدم وأزلّه فأكل من الشجرة . .
الشيطان يكره الإنسان يضمر له العداوة يريد له الشقاء . . يريد له الذهاب إلى الجحيم .
هبط آدم على الأرض . . وظلّ ساجداً لله كان يشعر بالندم العميق لخطيئته . . تاب الله عليه . . واجتباه . . واصبح آدم طاهراً من الخطيئة . .
تذكر آدم زوجته حواء . . آدم يحبها كثيراً .
كان سعيداً بها ولكن لا يدري أين هي الآن . . عليه أن يبحث لعلّه يعثر عليها .
راح آدم يضرب في الأرض وحيداً يبحث عن زوجته حواء .
جاء أحد الملائكة أخبره أن حواء في مكان بعيد من هذه الأرض . . انها تنتظرك . . هي خائفة وتبحث عنك . . قال له إذا سرت في هذا الاتجاه فإنك ستعثر عليها . .
شعر آدم بالأمل وانطلق يبحث عن حواء . . قطع مسافات شاسعة وهو يمشي . .
كان يمشي حافي القدمين .
إذا جاع تناول شيئاً من النباتات البرّية ، وعندما تغيب الشمس ويغمر الظلام الأرض ، كان يشعر بالوحشة فينام في مكان مناسب . . وكان يسمع أصوات الحيوانات تأتي من بعيد . .
سار آدم أياماً وليالي إلى أن وصل أرض « مكّة » ، في قلبه شعور أنه سيجد حواء في هذا المكان . . ربما خلف هذا الجبل أو ذاك . .
كانت حواء تنتظر ، تصعد هذا الجبل وتنظر في الأفاق . . ولكن لا شيء . . وتذهب إلى ذلك الجبل وتصعده لتنظر . .
ذات يوم رأت حواء وهي تنظر رأت شبحاً . . قادماً من بعيد . . عرفت أنه آدم انه يشبهها . . هبطت حواء من الجبل . . ركضت إليه كانت تشعر بالفرحة والأمل . .
آدم لمحها من بعيد . . أسرع إليها ركض باتجاه حواء وحواء ، هي الأخرى كانت تركض باتجاه آدم .
وفي ظلال جبل يدعى « عرفات » حدث اللقاء . . بكت حواء من فرحتها وبكى آدم أيضاً . . ونظرا جميعاً إلى السماء الصافية . . وشكرا الله سبحانه الذي جمع شملهما مرة أخرى .
العمل والحياة لم تكن الحياة في الأرض سهلة انها ليست مثل الجنّة . .
الأرض كوكب يدور في الفضاء .. تتغير فيه الفصول . . شتاء بارد حيث تنهمر الثلوج فتغطّي السهول والجبال . .
وصيف لاهب حارّ . . وخريف . . تتساقط فيه الأوراق . . وتصبح الاشجار مثل الأعواد الجافّة . .
ثم يأتي الربيع . . فتبتهج الأرض ، وتغدو خضراء . . ويتذكر آدم حياة الجنّة الطيبة فيبكي . . يحنّ إلى العودة إلى الجنّة وإلى الحياة الطيّبة هناك .
اختار آدم وزوجته بقعةً جميلة من الأرض ليعيشا فيها .
كانت بعض النباتات البرّية قد نبتت فيها ، واشجار مختلفة الشكل والثمر . .
مضت أيام السعادة في الجنّة . . لا حرّ ولا برد ولا جوع ولا تعب .
عليهما الآن أن يكدّا ويعملا . . عليهما أن يستعدّا للشتاء القادم والرياح الباردة . . أن يناما في الغار قبل أن ينتهيا من بناء كوخ لهما من خشب الأشجار .
كان آدم يعمل ويعمل ويشقى . . كان يتصبّب عرقاً كل يوم وهو يعمل .
فحتى لا يموت جوعاً ، عليهما أن يزرعا ويحصدا ويطحنا ويعجنا ثم يخبزا لهما رغيفين .
كانا يتذكران ايام السعادة ويحنّان للعودة إلى الجنّة قرب الله الذي خلقهما .
وكانا يتذكران خطيئتهما فيبكيان ويستغفران .
وهكذا مضت حياتهما بين العمل والعبادة وبين التفكير في مستقبل أولادهما .
وتمضي الأيام تلو الأيام . . وانجبت حواء ولداً وبنتاً . . ثم انجبت ولداً وبنتا .
اصبح عدد سكان الأرض من البشر ستة أفراد .
فرح آدم وحواء بابنائهما ، كانوا يكبرون يوماً بعد يوم . . اصبحوا شباناً . . قابيل وأخوه هابيل كانا يذهبان مع ابيهما آدم يتعلمان منه العمل ، حراثة الأرض ورعي الماشية . .
اما اقليما ولوزا فكانتا تساعدان امهما في أعمال المنزل . . الطبخ الكنس الحياكة .
الحياة تتطلب العمل والنشاط والسعي . . وتمرّ الأيام والأعوام . .
قابيل وهابيل نشأ قابيل قاسياً شرس الأخلاق عنيف الطباع ، بعكس هابيل الهادئ الوديع المسالم .
كان قابيل يؤذي أخاه دائماً . . يريد منه أن يصبح له عبداً يخدمه من الصباح إلى المساء . .
يحرث له الأرض ، إضافة إلى عمله في رعي الماشية . . حتى ينصرف هو إلى كسله وإمضاء وقته في اللهو واللعب كم ضرب قابيل أخاه ! !
وكان هابيل يتحمّل ويصبر لأن قابيل أخاه وشقيقه . .
كان يدعو الله أن يهدي أخاه قابيل ويصبح إنساناً طيباً .
كان آدم يتألم . . وربّما نصح ابنه قابيل إلاّ يكون شريراً . . قال له مرّة :
كن طيباً يا قابيل . . مثل اخيك . .
ومرّة قال له :
لا تكن شريراً يا قابيل . . إن الله لا يحب الأشرار .
كان قابيل لا يسمع نصائح والده . . كان يظن أنه أفضل من هابيل . . فهو أقوى بكثير من أخيه . . عضلاته قوّية جداً ورأسه أكبر من رأس هابيل . . وأطول منه قدّاً . .
وكان آدم يقول لابنه :
ان التقي هو الأفضل . . أن الله ينظر إلى القلوب يا قابيل . . الإنسان الأفضل . . هو الإنسان الاتقى .
كان قابيل عنيداً . . كان يصرخ :
لا . . لا . . لا أنا أفضل منه . . أنا الأقوى . . والأضخم .
ذات يوم صفع قابيل أخاه هابيل . . صفعه بقسوة .
لم يفعل هابيل شيئاً كان يتحمّل أخاه . . هابيل قلبه طيب يحب أخاه . . يعرف أنه جاهل .. هابيل يخاف الله . . لا يريد أن يكون شريراً مثل أخيه .
ذات يوم صفع قابيل أخاه هابيل . . صفعه بقسوة .
لم يفعل هابيل شيئاً كان يتحمّل أخاه . . هابيل قلبه طيب يحب أخاه . . يعرف أنه جاهل .. هابيل يخاف الله . . لا يريد أن يكون شريراً مثل أخيه .
أراد الأب أن يضع حدّاً لشرور قابيل . . أراد أن يفهمه أن الله يحبّ الطيبين . . ان الله لا يحب الأشرار ، قال لهما :
ليقدّم كل منكما قرباناً إلى الله . . فمن يتقبل الله قربانه فهو الأفضل .. لأنّ الله يتقبل من المتقين .
انطلق قابيل إلى حقول القمح . . جمع كوماً من السنابل كانت ما تزال طرية لم تنضج بعد . .
ومضى هابيل إلى قطيع الماشية . . فاختار كبشاً سليماً من كل عيب . . اختار كبشاً جميلاً وسميناً .. لأنه سيهديه إلى الربّ . .
قال آدم لابنيه :
إذهبا إلى هذه التلال . .
وضع قابيل كوم القمح تحت ابطه ومضى إلى التلال .
وراح هابيل يسوق كبشه الجميل إلى هناك . . ترك هابيل كبشه فوق التلّ والقى قابيل كوم القمح قريباً منه . . سجد هابيل لله . . بكى خشية منه . . نظر إلى السماء الصافية ودعا الله أن يتقبل قربانه .
أما قابيل فكان عصبياً جداً ينظر هنا وهناك كأنه يبحث . . كان يريد أن يرى الله . . ترى ماذا سيكون شكله !
مضت ساعات طويلة .. لم يحدث شيء . .
هابيل جالس بوداعة ينظر إلى السماء وقد ظهرت بعض الغيوم . . امتلأت السماء بالسحب .. سكن الهواء . . كان هابيل يدعو الله . . وكان قابيل يمسك بصخرة ويقذفها بعصبية فتتكسر فوق الصخور . . كان عصيباً لا يدري ماذا يفعل . .
فجأة لمع البرق في السماء . . ودوّى الرعد . . شعر قابيل بالخوف . . اما هابيل فكان يدعو الله . . انهمر المطر غسل وجه هابيل . . غسل دموعه . . اختبأ قابيل تحت سن صخري . .
لمع البرق مرّة أخرى وأخرى . . فجأة انقضت صاعقة كالأعصار . . أصابت الكبش وحملته بعيداً ابتهج قلب هابيل . . بكى فرحاً . . لقد تُقبّل قربانه . . ان الله يحب هابيل لأن هابيل يحبّ الله . .
امّا قابيل فقد امتلأ قلبه بالحقد والحسد . . لم يتحمّل منظر كوم القمح وقد بعثرته الريح . . امسك بحجر صخري وصرخ باخيه :
لأقتلنك . .
قال هابيل بهدوء :
يا قابيل يا أخي . . انما يتقبّل الله من المتقين .
صرخ قابيل مرّة أخرى وهو يلوّح بقبضته :
سأقتلك . . انني أكرهك .
شعر هابيل بالحزن لماذا يكرهه أخوه ؟ ! ماذا فعل لكي يحقد عليه ؟ !
قال بمرارة وألم :
لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لاقتلك . . إني أخاف الله ربّ العالمين . . انت تظلمني يا قابيل . . وإذا ما قتلتني فسوف يكون مصيرك النار .
قابيل يفكر بطريقة وحشية . . فمادام هو الأقوى فمن حقّه أن يسيطر على أخيه . . أن يستعبده . . أن يسخره كما يسخر الحيوانات الأخرى . .
انصرف هابيل إلى عمله يرعى ماشيته . . نسي تهديدات أخيه . . كان يرعى الماشية في التلال والوديان الخضراء الفسيحة يتأمل ما حوله بحب . .
يملأ الايمان قلبه بالسلام .. ينظر إلى خرافه وهي ترعى في المروج . .
كل شيء هادئ .. منظر الشمس في الأصيل جميل . . الأفق الأزرق الصافي . . وخرير الجدول وهو يجري في الوادي الفسيح . . والطيور البيضاء وهي تحلق في الفضاء الأزرق . . كل شيء جميل . . ومحبوب . .
وهناك خلف التلال كان قابيل يسرع نحو أرضه . . كان عصبياً وزاد من عصبيته أنه كان جائعاً . . رأى من بعيد أرنباً فركض فطارده . . قذفه بحجر تعثر الأرنب انكسرت رجله . . لم يعد قادراً على الفرار والنجاة . . أمسك قابيل به . . قتله وأكله . . رمى بالباقي فوق الأرض . .
هبطت بعض النسور وراحت تتناول من الفريسة . . قابيل فكر في نفسه . . لو كان ضعيفاً . . لأكلته النسور . . لماذا لا تأكلني هذه الطيور المخيفة . . لأنني قوي . . القوّي هو الذي يستحق الحياة . . وعلى الضعفاء ان يموتوا . .
مرّة أخرى فكر قابيل بطريقة وحشية . . انه لا يعرف الحق والباطل أن يكون الإنسان طيّباً أفضل من أن يكون شريرّاً . . مرّة أخرى شعر بالحقد والحسد لأخيه . . ترك أرضه وحقوله ومضى نحو التلال . .
راح ينظر إلى أخيه هابيل في السفوح الخضراء . . والماشية ترعى بسلام . .
كان هابيل مستلقياً فوق العشب الأخضر . . ربّما كان نائماً . . هكذا خطر في بال قابيل اشتعل الحقد في نفسه أكثر . . اشتعل الغدر في قلبه . . انحنى ليلتقط حجراً مسنّناً .
ربّما فكّر انها فرصة لقتل هابيل . . للتخلّص من أخيه إلى الأبد .
انحدر قابيل من التلّ . . اقترب من أخيه . . كان حذراً جداً مثل نمر شرس . . عيناه تبرقان بالجريمة والغدر .
كان هابيل غافياً . . شعر بالتعب من كثرة ما دار في المراعي . . لهذا وضع رأسه على صخرة ملساء وتمدّد فوق العشب ونام . . في وجهه ابتسامة وأمل . .
كان نومه هادئاً لأنه يعرف ان هذا الوادي لا ترتاده الذئاب ولا الخنازير لهذا ترك ماشيته ترعى بسلام .
لم يخطر في باله أن هناك مخلوقاً آخر أكثر فتكاً من الذئاب . .
قابيل شقيقه الوحيد في هذه الدنيا الواسعة !
أصبح قابيل قريباً منه . . وقع ظله على وجه أخيه النائم . . فتح هابيل عينيه ابتسم لأخيه . . ولكن قابيل كان قد تحوّل إلى وحش . . أصبح مثل الذئب ، بل أكثر قسوة . .
انقض على أخيه بالحجر وضرب جبهته . . سالت الدماء على عيني هابيل . . فقد وعيه . . وكان قابيل يواصل الضرب . . إلى أن سكنت حركة هابيل تماماً .
لم يعد هابيل يتحرك . . لم يعد يفتح عينيه الواسعتين . . لم يعد يتحدّث ولا يبتسم . . انه لا يستطيع العودة إلى كوخه . . بقيت ماشيته دون راع . . ستتيه في هذه التلال والوديان . . ستفترسها الذئاب . .
كان قابيل ينظر إلى أخيه . . وكانت الدماء ما تزال تنزف من جبهته .
توقف نزف الدم . . ظهرت في السماء نسور راحت تحوم . .
حار قابيل ماذا يفعل ؟ . . حمل جسد أخيه وراح يمشي . . لا يدري أين يذهب به كيف يبعده عن هذا النسور الجائعة ؟ !
شعر بالتعب . . الشمس تجنح نحو الغروب . . وضع جسد أخيه فوق الأرض . . وجلس ليستريح . .
فجأة حطّ غراب بالقرب منه . . كان ينعب بشدّة يصيح : غاق . . غاق . . غاق . . ربما كان يقول له : ماذا فعلت باخيك يا قابيل ! ! لماذا قتلت أخاك يا قابيل ؟ !
راح قابيل يراقب حركات الغراب . . الغراب كان يبحث في الأرض . . ينبش التراب . . صنع فيها حفرة صغيرة . . التقط بمنقاره ثمرة من الثمار الجافّة والقاها في الحفرة . . راح يهيل عليها التراب . .
شعر قابيل بانه اكتشف شيئاً مهمّاً . . عرف كيف يواري أخاه . . يحفظه من النسور والذئاب . . أمسك بعظم ربّما كان فك حمار ميت أو حصان أو حيوان آخر .
راح يحفر في الأرض . . كان يتصبب عرقاً صنع حفرة مناسبة . . لا يمكن للنسور ولا للحيوانات أن تنبشها حمل جسد أخيه ووضعه في الحفرة وراح يهيل عليه التراب . .
بكى قابيل كثيراً . . بكى لأنه قتل أخاه . . وبكى لأنه كان عاجزاً عن فعل شيء . .
الغراب هو الذي علّمه كيف يواري سوءة أخيه . . انه مخلوق جاهل لا يعرف شيئاً يتعلّم من الغراب . . نظر قابيل إلى كفيه نفض منهما التراب ماذا فعلت بنفسك يا قابيل ؟ !
كيف طوّعت لك نفسك قتل أخيك . . ماذا كسبت ؟ !
ماذا حصدت من عملك سوى الندم والألم . . غابت الشمس . . خيّم المساء . . وملأ الظلام الوادي وعاد قابيل إلى كوخه . .
من بعيد وقبل أن يصل الكوخ رأى ناراً . . ناراً متأججة . . خاف قابيل . . اصبح يخشى النار .. النار التي اخذت قربان اخيه ورفضت قربانه . . اراد أن يفرّ . . ولكن إلى أين ؟
رأى أباه آدم ينتظر . . كان ينتظر عودة ابنيه . . عاد قابيل وحيداً . .
شعر آدم بالحزن والقلق . . سأل ابنه :
أين أخوك يا قابيل ؟
قال قابيل بعصبية :
وهل أرسلتني راعياً لابنك ؟
أدرك الأب أن شيئاً ما قد حصل .
قال لقابيل :
أين فقدته ؟
قال قابيل :
هناك في تلك التلال .
قال الأب :
خذني إلى ذلك المكان .
قابيل أشار إلى المكان . . وراح يمشي وأبوه يمشي وراءه . . سمعا من بعيد ثغاء الأغنام والماعز ورأى آدم الماشية مبعثرة في الوادي . . صاح :
هابيل . . أين أنت يا هابيل . .
لكن أحداً لم يجب . . تحت ضوء القمر رأى آدم شيئاً يلمع فوق الصخور . . فوق الأرض . . شم رائحة غريبة . . أدرك آدم كل شيء . . عرف أن قابيل قد قتل أخاه ، هتف بغضب :
اللعنة عليك يا قابيل . . لماذا قتلت أخاك ؟ لم يخلقك الله لتفسد في الأرض وتسفك الدماء . . اللعنة عليك . .
فرّ قابيل . . تاه في الأرض . . راح يعدو مثل المجنون . . ينام في المغارات ، ويركع للنار . . يسجد لها اصبح يخاف منها . . اصبحت حياته عذاباً وندماً .
وعاد آدم إلى الكوخ حزيناً يبكي من أجل ابنه هابيل . . هابيل الطيب التقيّ . . هابيل المظلوم . .
بكى آدم أربعين يوماً . . وبكت حوّاء من أجل ولديها . . وأوحى الله إلى آدم أنه سيرزقه ولداً آخر . . ولداً طيباً مثل هابيل . . ومضت تسعة اشهر . . وانجبت حوّاء ولداً جميلاً وجهه يضيء كالقمر . .
فرح آدم ملأت البهجة قلبه لقد عوّضه الله عن هابيل بولد مثله . . سبعة أيام وآدم يفكر في اسم لولده . . وفي اليوم السابع قال لزوجته :
نسمّيه شيث . . هبة الله . . لأن الله قد أهداه لنا . .
وتمضي الأيام والأعوام . . وكبر شيث ، وأصبح آدم شيخاً كبيراً . . وأصبحت حوّاء إمرأةً عجوزاً . .
وكان آدم راضياً . . لقد كبر أبناؤه وأصبح له أحفاد وذرّية . . يعملون ويزرعون . . ويبنون . . ويعبدون الله . . وهناك في مكان ما يعيش قابيل . . هو الأخر أصبح له ذرّية في الأرض .
وذات يوم قال آدم لولده شيث :
اشتهي عنباً يا ولدي . .
نهض شيث وانطلق إلى البساتين الواسعة حيث تنبت الكروم . . اقتطف بعض العناقيد الناضجة وعاد إلى أبيه . . ولكن آدم قد مات . . توفي . . عاد إلى الجنّة . . بعد أن عاش في الأرض ألف سنة . .