الحجاجيه
26-03-2023, 13:04
العنف لا يولد إلا العنف، والظلم مهما طال عهده فمآله إلى زوال، والحلم الوديع ينقلب تحت الضغط إلى ماردٍ لا يوقفه أحد، والأحداث الجارية والتغيُّرات الهائلة أكبرُ دليل على ذلك، وهذه المتغيرات وتلك الأحداث تسير وفق سنن إلهية، من الممكن أن يدخلَها العبد تَحت سنة التدافع، هذه السنن التي تشل حركةَ الظالمين، بل قد يكون هذا الدفع على أيدي أضعفِ المخلوقات، التي لا يعيرها الإنسانُ اهتمامًا، والتاريخ خير شاهد على ذلك، فهذا النمرود الذي تكبَّر وتَجبَّر في الأرض حتى قال: ﴿ أنا أحيي وأميت ﴾، فأَماته الله ببعوضة ضعيفة، ولكنها جند من جنود الله.
ونمرود آخر قال: ﴿ أنا ربكم الأعلى ﴾، وذلك عندما غره ملكُه وسلطانُه، وتفاخر بذلك قائلاً: ﴿ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي ﴾ [الزخرف: 51]، فحطمه الله بملكه، وأجرى الأنهار من فوقه؛ لأنَّ ملك الملك فوق كل ملك، وسلطانه فوق كل سلطان.
وقد ظن الظالمون أنَّ الإمهالَ إنَّما هو منحة فوق منحة، وعطية فوق عطية، ولم يعلم هؤلاء أنَّ ذلك استدراج؛ قال تعالى: ﴿ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾ [الأعراف: 182 - 183]، [القلم: 44 - 45].
لقد تناسى هؤلاء في وسط سكرة الملك والسلطان أنَّ الله ليس بغافل عما يعمل الظالمون، وأنَّ الله يمهل ولا يهمل، ألم يقرؤوا قوله - تعالى -: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ﴾ [إبراهيم: 42]، لقد تعطل فهمهم، وضَلَّت عقولهم؛ لأَنَّ الإمهال يعقبه الأخذ، والأخذ يكون لعبرة وحكمة؛ قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ * وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 100 - 102].
يقول الشيخ رشيد رضا: "هذه الآيات الثلاث في العبرة العامة بما في إهلاك الأمم الظَّالمة في الدنيا من موعظة، ويتلوها العبرة بعذاب الآخرة؛ قال - تعالى -: ﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى ﴾ [هود: 100]؛ أي: ذلك الذي قصصناه عليك أيها الرسول بعضُ أنباء الأمم؛ أي: أهم أخبارها، وأطوار اجتماعها في القرى والمدائن من قوم نوح ومن بعدهم - نقصه عليك - في هذا القرآن أو هذه السورة؛ لتتلوه على الناس، ويتلوه المؤمنون آنًا بعد آن؛ للإنذار به تبليغًا عنا، فهو مقصوص من لدنا بكلامنا، ﴿ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ ﴾ [هود: 100]؛ أي: من تلك القرى ما له بقايا مائلة، وآثار باقية، كالزرع القائم في الأرض، كقرى قوم صالح، ومنها ما عفى ودُرِسَت آثاره، كالزرع المحصود الذي لم يبقَ منه بقية في الأرض، كقرى قوم لوط.
﴿ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ﴾ [هود: 101]؛ أي: وما كان إهلاكهم بغير جرم استحقوا به الهلاك، ولكن ظلموا أنفسهم بشركهم وفسادهم في الأرض، وإصرارهم حتى لم يَعُد فيهم بقية من قَبول الحق، وإيثار الخير على الشر؛ بحيث لو بقوا زمنًا آخرَ، لَما ازدادوا إلا ظلمًا وفجورًا وفسادًا، كما قال نوح - عليه السَّلام -: ﴿ إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ﴾ [نوح: 27]، وقد بالغت رسلهم في وَعْظِهم وإرْشادِهم، فما زادهم نُصحهم لهم إلا عنادًا وإصرارًا، وأنذروهم العذاب، فتماروا بالنذر؛ استكبارًا، واتَّكَلُوا على دفع آلهتهم العذاب عنهم إن هو نزل بهم.
﴿ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ﴾ [هود: 101]؛ أي: فما نفعتهم آلهتهم التي كانوا يدعونها، ويطلبون منها أنْ تدفع عنهم الضر بنفسها أو بشفاعتها عند الله - تعالى - لما جاء عذابُ ربك تصديقًا لنذر رسله، ﴿ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ ﴾ [هود: 101]؛ أي: هلاك وتخسير وتدمير، وهو مِنَ التَّباب؛ أي: الخُسْران، والهلاك.
﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ ﴾ [هود: 102]؛ أي: ومثل ذلك الأخذ بالعذاب، وعلى نحو منه أخذ ربك لأهل القرى في حال تلبسها بالظلم في كل زمان وكل قوم، ﴿ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 102]؛ أي: وجيع قاسٍ لا هوادةَ فيه، ولا مَفَرَّ منه ولا مناص، أخرج أحمد والبخاري ومسلموالترمذي وابن ماجه عنأبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - مرفوعًا: ((إنَّ الله - سبحانه وتعالى - ليُملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ - صلَّى الله عليه وسلَّم - هذه الآية، وهو تصريح بعمومها، ولكن الظالمين قلما يعدون، ولا سيما إذا كانوا مع ظلمهم مَغرورين بدين يتحَلَّون بلقبه، ولا يحسبون حسابًا لإملاء الله - تعالى - واستدراجه.
ثم خَتَم الله الآيات بِقَوْله: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ﴾ [هود: 103]؛ هذه عبرة للظالمين، فهل هناك عبرة للمظلومين؟!
نعم هناك عِبْرة للمظلومين من الممكن أن يأخذَها الإنسان مِن قوله - تعالى -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 97]، وموضِع الشاهد في الآية أنَّ المظلوم له مَخرج، وأن بيده أن يرفع الظُّلْم عنْ نفسِه بِتَرْك موطن الظلم، أو أن ينحي الظلم عنه، فهل مِن معتبر؟!
ونمرود آخر قال: ﴿ أنا ربكم الأعلى ﴾، وذلك عندما غره ملكُه وسلطانُه، وتفاخر بذلك قائلاً: ﴿ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي ﴾ [الزخرف: 51]، فحطمه الله بملكه، وأجرى الأنهار من فوقه؛ لأنَّ ملك الملك فوق كل ملك، وسلطانه فوق كل سلطان.
وقد ظن الظالمون أنَّ الإمهالَ إنَّما هو منحة فوق منحة، وعطية فوق عطية، ولم يعلم هؤلاء أنَّ ذلك استدراج؛ قال تعالى: ﴿ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾ [الأعراف: 182 - 183]، [القلم: 44 - 45].
لقد تناسى هؤلاء في وسط سكرة الملك والسلطان أنَّ الله ليس بغافل عما يعمل الظالمون، وأنَّ الله يمهل ولا يهمل، ألم يقرؤوا قوله - تعالى -: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ﴾ [إبراهيم: 42]، لقد تعطل فهمهم، وضَلَّت عقولهم؛ لأَنَّ الإمهال يعقبه الأخذ، والأخذ يكون لعبرة وحكمة؛ قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ * وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 100 - 102].
يقول الشيخ رشيد رضا: "هذه الآيات الثلاث في العبرة العامة بما في إهلاك الأمم الظَّالمة في الدنيا من موعظة، ويتلوها العبرة بعذاب الآخرة؛ قال - تعالى -: ﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى ﴾ [هود: 100]؛ أي: ذلك الذي قصصناه عليك أيها الرسول بعضُ أنباء الأمم؛ أي: أهم أخبارها، وأطوار اجتماعها في القرى والمدائن من قوم نوح ومن بعدهم - نقصه عليك - في هذا القرآن أو هذه السورة؛ لتتلوه على الناس، ويتلوه المؤمنون آنًا بعد آن؛ للإنذار به تبليغًا عنا، فهو مقصوص من لدنا بكلامنا، ﴿ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ ﴾ [هود: 100]؛ أي: من تلك القرى ما له بقايا مائلة، وآثار باقية، كالزرع القائم في الأرض، كقرى قوم صالح، ومنها ما عفى ودُرِسَت آثاره، كالزرع المحصود الذي لم يبقَ منه بقية في الأرض، كقرى قوم لوط.
﴿ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ﴾ [هود: 101]؛ أي: وما كان إهلاكهم بغير جرم استحقوا به الهلاك، ولكن ظلموا أنفسهم بشركهم وفسادهم في الأرض، وإصرارهم حتى لم يَعُد فيهم بقية من قَبول الحق، وإيثار الخير على الشر؛ بحيث لو بقوا زمنًا آخرَ، لَما ازدادوا إلا ظلمًا وفجورًا وفسادًا، كما قال نوح - عليه السَّلام -: ﴿ إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ﴾ [نوح: 27]، وقد بالغت رسلهم في وَعْظِهم وإرْشادِهم، فما زادهم نُصحهم لهم إلا عنادًا وإصرارًا، وأنذروهم العذاب، فتماروا بالنذر؛ استكبارًا، واتَّكَلُوا على دفع آلهتهم العذاب عنهم إن هو نزل بهم.
﴿ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ﴾ [هود: 101]؛ أي: فما نفعتهم آلهتهم التي كانوا يدعونها، ويطلبون منها أنْ تدفع عنهم الضر بنفسها أو بشفاعتها عند الله - تعالى - لما جاء عذابُ ربك تصديقًا لنذر رسله، ﴿ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ ﴾ [هود: 101]؛ أي: هلاك وتخسير وتدمير، وهو مِنَ التَّباب؛ أي: الخُسْران، والهلاك.
﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ ﴾ [هود: 102]؛ أي: ومثل ذلك الأخذ بالعذاب، وعلى نحو منه أخذ ربك لأهل القرى في حال تلبسها بالظلم في كل زمان وكل قوم، ﴿ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 102]؛ أي: وجيع قاسٍ لا هوادةَ فيه، ولا مَفَرَّ منه ولا مناص، أخرج أحمد والبخاري ومسلموالترمذي وابن ماجه عنأبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - مرفوعًا: ((إنَّ الله - سبحانه وتعالى - ليُملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ - صلَّى الله عليه وسلَّم - هذه الآية، وهو تصريح بعمومها، ولكن الظالمين قلما يعدون، ولا سيما إذا كانوا مع ظلمهم مَغرورين بدين يتحَلَّون بلقبه، ولا يحسبون حسابًا لإملاء الله - تعالى - واستدراجه.
ثم خَتَم الله الآيات بِقَوْله: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ﴾ [هود: 103]؛ هذه عبرة للظالمين، فهل هناك عبرة للمظلومين؟!
نعم هناك عِبْرة للمظلومين من الممكن أن يأخذَها الإنسان مِن قوله - تعالى -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 97]، وموضِع الشاهد في الآية أنَّ المظلوم له مَخرج، وأن بيده أن يرفع الظُّلْم عنْ نفسِه بِتَرْك موطن الظلم، أو أن ينحي الظلم عنه، فهل مِن معتبر؟!