المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عن الراحلة " فرح "


صوت الكرك
10-09-2008, 11:06
الى روح ابنة اختي الغالية فرح

ان تقف امام من تواجه الموت بكل ما اوتيت من طفولة ، وترقبها تعانق النهاية برقة من يتحسس شذى وردة .. ان تكون على مقربة من مشهد يهجم فيه الموت بخطى خجلى ، ليزرع قرارا علويا بالرحيل الابدي ، الى الاخرة .. تصدمك حينها فضاءات لاسئلة الوجود ، التي لا يطفئ اوارها غير النداء الخالد : لكل اجل كتاب " ..

فرح صوت اخذ ينأى متشبثا بالبقاء . زهرة تسربلت الغياب ليحتل عطرها المكان ، ويلف شذاها المدى ، اجل قدر لي ان اقرأ كتابه الحزين ، واسم حبيب قدر لي ان اطبعه في كتاب الذاكرة ، التي تعج بالاسملء ، وتزدحم بالاحبة الراحلين ..

كانت المرة الاولى والاخيرة التي ارمقها ، لائذة بالصمت ، مجللة ببهاء اللحظة القاهرة ، متدثرة بجلال ومهابة ملائكية ، تلفها النهاية ، الذي عبرت عنه الصغيرة الراحلة قبيل دخولها ( الكومة ) حين اصرت تطلب القلم ( صديقها القديم ولعبتها المفضلة ) لتكتب بيد ترتجف وبخط غادره جمال خطها ودقة رسمها للحروف : انا عمري انتهى !!! .

ثمة زيف لغوي ، نسمي فيه لحظة ولوج عوالم الوعي ، حين تفتح كل البوابات ، وتشرع كل النوافذ " غيبوبة " !! انها الحضور الكامل ، تزرع الراحلين في عين الحقيقة ، فيكونون بين عالمين ، وتنتهي بهم لحظة يموتون ، ليتكئوا على ارائك الذاكرة ، تجعلهم اقرب الى ارواحنا منهم الى اجسادنا ، نستجمع حواسنا (الست) لنراهم ، نغمض العيون ، ونستمع الى دقات القلوب ، نعد انفسنا ، نطرد كل اهتماماتنا الصغيرة ، وتغادرنا تفاصيل الحياة اليومية وهمومها ، ونسترخي تماما .. حتى نراهم ، فيحضرون .. يرتدون ثيابا خضراء وتتلألأ وجوههم بنور الحقيقة الكبرى ،فيهدون الينا خلاصة تجربتهم في الدارين ، ويلقون علينا موعظة مدوية : يا ليت قومي يعلمون .. ما عندكم ينفذ وما عند الله باق " ويقولون : " دنياكم ضنك وضيق وسعوها بالمحبة .. من ابلغ مقالا ، وافصح لسانا ، وانصح حجة منهم ؟ : لو قدر لاكثرهم جهلا في دنيانا ان يعود .. من ؟! ألن يبز فلاسفة الوجود ، واساطين الفكر . ودهاقنة السياسة ؟! ألن ينحني أمام علمهم العلوي الجميع ألن يتبخر ساعتئذ كل النظريات والفرضيات ؟1 ألن يبدو (الديالكتك ) خرافة هيجلية ساذجة ؟1 اسئلة استعيدها في حضرة الغياب ، ولست اطمح الى جواب ، حسبي ان اتفيأ ظلها الحارق الذي لا يغني من لهبها ، واشعالها الراس شيبا .. فلا عاصم من امر الله ى..

مولانا الموت !! اتها الموت العظيم !! انك ستموت ، صرخة ( لوركا) التي اطلقها ذات موت !! لم يغادر صداها دنيا السؤال ، اعيدها في وجهك ، وانا واقف اودع " فرح " التي قررت قبل عامين دراسة الصيدلة ، علها تتعرف كيمياء الموت فتكتشف اكسير الحياة ، بعد عمر غض من الطفولة ، واجهت فيه بجسدها النحيل ، واصطبارها النبيل ، وسنينها العشرين مرارة الادواء .. تسترق _دائما _ السمع لحوارات الاطباء ، المذهولين امام وعيها والتقاطها العجيب لرطانتهم بلسان غير عربي مبين ، وهم يشخصون الحالة ، ويقترحون مرارات جديدة من الادواء ..

لم تلبث "فرح " طويلا في دراسة الصيدلة ، ولم تتعرف كيف تتلاقى العناصر في الادواء ، لكنها عرفت ما لا نعرف .. عرفت الموت ، اذ عاقرت سكراته .. لترحل .

غادرت فرح مدججة بنقاء الطفولة ، ورحلت لتستقر في مقعد صدق عند بارئها ، حيث لا مشافي ولا دواء .. ولا عناء !!! وبقينا نعد الراحلين ، وننتظر الدور لركوب الحافلة .. سلام على فرح وقد احزنتتي طويلا .. وابكتني كثيرا ..
سلام عليها في الخالدين ..