أنيسة
25-02-2017, 16:29
http://www.muslmh.com/save/70/data/salam4.gif
تلك الأيام
ما بكاء السقيم على العافية، ولا بكاء الشيخ الفاني على الشباب، وأيامه الحلوة ولياليه العذاب، ولا بكاء المفلس على ما ضاع من ماله، وفسد من حاله؛ ولا بكاء الثكلى فقدت وحيدها، ولا بكاء الملك المغلوب، على ملكه المسلوب، وتراثه المنهوب: بأمر من بكاء الإسلام لو تمثل الإسلام شخصاً وأتيح له أن يبكي ما مني بفقده، من عزه ومجده وحوله وطوله، وسلطانه الواسع، وملكه الشاسع.
كانت للمسلمين الأولين عقيدة نقية صافية لا تشوبها الشوائب ولا تكدرها الأرجاس؛ قوبة لا يعتورها ضعف ولا خور، صادقة تدفع إلى البذل والتضحية والجود بالمال والنفس في سبيل الله وفي سبيل الجماعة، فما زال بها الفساد والضعف والتحلل حتى أصبحت كالطل الدارس والأثر العافي، والثوب الخلق المهلهل البالي والخيال الماثل، أو كالشجرة الجرداء لا ظل ولا ثمر. وانتقلت من القلب إلى اللسان فصارت ألفاظاً جوفاء. تنطبق بها الشفاه وتلوكها الألسنة، وتصخب بها الحناجر ولكن الأفئدة منها هواء.
كان المسلم يؤمن بإله واحد لا يشرك به أحداً، يفزع إليه إن مسه ضر أو حز به أمر، ويضرع إليه في قضاء الحاجات، وكشف الملمات فأصبح يلوذ بكل مصروع ومخبول، ومرور ومشلول. ويعوذ بكل من رثت ثيابه وتمزق إهابه، ويعتصم بالقبور والرِّجام، والأباطيل والأوهام والأحجار، والأشجار والآبار. كأن الله نزل عن سلطانه لهذه المخلوقات، ومنحها التصرف في الكائنات سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
كان المسلم يضحي بكل ما يملك في سبيل الذود عن عقيدته، فأصبح يضحي بعقيدته في سبيل عرض تافه خسيس من أعراض هذه الحياة الدنيا.
كان المسلم يحرص الحرص كله على مرضاة الله تعالى ولو أغضب في سبيل ذلك الناس جميعاً. فأصبح يحرص على مرضاة أحقر الناس شأناً، وأضعفهم سلطاناً، ولو أغضب العزيز الجبار الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه. كان المسلم يجهر بكلمة الحق فتذهب مدوية في الفضاء تنفتح لها أبواب السماء. وترتعد لهيبتها فرائض الطغاة والجبابرة وتندك صروح الظلم والطغيان. فأصبح يقول في غير خجل ولا حياء: إذا رأيت الحق يثير عليك العامة فاكتمه وكن أجبن الجبناء.
كان المسلم مرفوع الرأس موفور العزة والكرامة لا يذل لمخلوق مهما يعل قدره ويسم مكانه؛ ولا يخضع - في غير الحق- لإنسان مهما يبلغ من الجبروت والطغيان لأنه مؤمن قوي الإيمان بقول القاهر الديان: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِين ﴾ [المنافقون: 8].
كان المسلم يعاهد فيوفي بالعهد مهما يكلفه الوفاء من جهد ووقت ومال، استجابة لقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ [المائدة: 1].
كان المسلم صادقاً لا يكذب لعلمه أن الكذب مع الفجور، وأن الفجور يهدي إلى النار.
كان المسلم يؤدي العبادة التي فرضها الله عليه صحيحة خالصة كما علمه كتاب الله وسنن رسوله. فإن شاء أن يتقرب إلى الله تعالى لم يجد بين ألوان القرب خيراً من أداء فرائض الله عملاً بالحديث القدسي الذي رواه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رب العزة سبحانه: "ما تقرب إليّ عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه"، فإذا طمحت نفسه إلى المزيد رأى في ميدان النوافل متسعاً لمن يريد الزلفى إلى الله "وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحببه.. فلئن دعاني لأجيبنه ولئن سألني لأعطينه".
كان المسلم لا يلحد في أسماء الله، ولا يدعوه بغير أسمائه الحسنى؛ ولا يقسم عليه بخلقه، ولا يتوسل بأشخاص عباده لأن القرآن هداه السبيل المستبين: ﴿ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾ [النمل: 19]، ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ [الانبياء: 90].
كان المسلمون جميعاً جنوداً في جيش الله يجاهدون في سبيله بأموالهم وأنفسهم؛ ينصرون دينه ويعلون كلمة الحق لا يحفلون بما أصابهم في سبيل ذلك لأنهم يعلمون أنه: ﴿ ...لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة: 120، 121] فدانت لهم الأرض، وألقيت إليهم مقاليد الأمور وخضعت لسلطانهم الشعوب، وملكوا بالعدل شعاب الدنيا وألفاف الأرض، بعد أن كانوا قليلاً مستضعفين يخافون أن يتخطفهم الناس.
أصبحت دولتهم مرهوبة الجانب تلقي إليها الأمم بالمودة وتتسابق الشعوب إلى العيش في ظلالها؛ لأنها بسطت ظل العدل على الأرض ودكت صروح الظالمين.
كان المسلم يذكر الله في نفسه تضرعاً وخفية ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولم يكن من الغافلين فأصبح الذكر مكاء وتصدية وشهيقاً ونعيقاً وحركات كحركات الممرورين ورقصات كرقصات السكارى والمخبولين.
كان الإسلام ديناً وعقيدة وعملاً ولم يكن جدلاً وخصومة وطعناً وسفهاً وكيداً وبذاء. وكان المسلم يتعلم أمور دينه ليعمل بها لا ليجادل ولا ليخاصم؛ ولا يتشاق بما تعلم ولا ليقوم به في المحامل ليقول الناس: ما أبلغه أو ما أفصحه! وما أبل ريقه، وما أذلق لسانه؛ وما أوضح بيانه! وما أثبت جنانه وما أغزر علمه وما أقوى إيمانه!
أسقط المسلمون الأولون الناس من حسابهم في العبادة، وعملوا لله وحده فنصرهم الله وآواهم وأيدهم ورزقهم من الطيبات وأقاموا للناس الوزن في المعاملة فشدوا أزرهم وسدوا خللهم وأعانوهم على البر والتقوى؛ وكانوا لهم كالبنيان يشد بعضه بعضا فلم يدعوا منهم جائعاً إلا أطعموه ولا عارياً إلا ستروه، ولا ذا خلة إلا سدوا خلته؛ ولا ذا حاجة إلى قضوا حاجته، فصاروا حقا خير أمة أخرجت للناس ولم تشرق الشمس منذ شب الله نارها، وجلى نهارها على أمة خير من أمتهم.
كانوا يدعونه إلى الخير ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر لا باغين ولا مستطيلين ولا مستكبرين، ولا شامتين ولا مؤنبين. ولكن ناصحين مشفقين محيين مخلصين متواضعين هينين لينين. مبشرين غير منفرين، ميسرين غير معسرين. أسسوا مدينة هي خير مدنيات الدنيا. مدنية قائمة على صدق التعاون وحسن التعامل، والنظافة والنظام والطاعة في المعروف، والوفاء والبر والعدل والعطف والرحمة والإحسان. لا كهذه المدنيات الزائفة التي قوامها الخلاعة والفسوق والمجون والعصيان والتمرد واللهو واللعب والدعارة والخمر والميسر والزنا والرب والغطرسة والكبرياء واحتقار الضعفاء. والظلم والعدوان والبغي والطغيان.
مدنية يحميها الإيمان والتقوى وتحوطها حدود الله التي لا هوادة فيها ولا شفاعة.
مدنية وضع الله قواعدها، وأسس الإسلام مبادئها وضمن الإيمان حمايتها والقيام من دونها والذياد عن حياضها. فأثمرت ألذ ثمر وأطيبه. وجنى منها المسلمون خير الدنيا والآخرة.
كان للمسلمين جيش تخشاه دول ا لأرض جميعاً لأنهم عملوا بقول الله تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾ [الأنفال: 60].
كان للمسلمين قانون هو أعدل ما رأى الناس من قانون لأنه حكم الله والله أحكم الحاكمين. يا حسرتا على فرطوا في جنب الله – ويا حسرتا على تلك الأيام!
وهل يسمح بمثلها الزمان؟
نعم. لو أراد المسلمون
والله تعالى اعلم
http://www.muslmh.com/save/70/data/end4.gif
تلك الأيام
ما بكاء السقيم على العافية، ولا بكاء الشيخ الفاني على الشباب، وأيامه الحلوة ولياليه العذاب، ولا بكاء المفلس على ما ضاع من ماله، وفسد من حاله؛ ولا بكاء الثكلى فقدت وحيدها، ولا بكاء الملك المغلوب، على ملكه المسلوب، وتراثه المنهوب: بأمر من بكاء الإسلام لو تمثل الإسلام شخصاً وأتيح له أن يبكي ما مني بفقده، من عزه ومجده وحوله وطوله، وسلطانه الواسع، وملكه الشاسع.
كانت للمسلمين الأولين عقيدة نقية صافية لا تشوبها الشوائب ولا تكدرها الأرجاس؛ قوبة لا يعتورها ضعف ولا خور، صادقة تدفع إلى البذل والتضحية والجود بالمال والنفس في سبيل الله وفي سبيل الجماعة، فما زال بها الفساد والضعف والتحلل حتى أصبحت كالطل الدارس والأثر العافي، والثوب الخلق المهلهل البالي والخيال الماثل، أو كالشجرة الجرداء لا ظل ولا ثمر. وانتقلت من القلب إلى اللسان فصارت ألفاظاً جوفاء. تنطبق بها الشفاه وتلوكها الألسنة، وتصخب بها الحناجر ولكن الأفئدة منها هواء.
كان المسلم يؤمن بإله واحد لا يشرك به أحداً، يفزع إليه إن مسه ضر أو حز به أمر، ويضرع إليه في قضاء الحاجات، وكشف الملمات فأصبح يلوذ بكل مصروع ومخبول، ومرور ومشلول. ويعوذ بكل من رثت ثيابه وتمزق إهابه، ويعتصم بالقبور والرِّجام، والأباطيل والأوهام والأحجار، والأشجار والآبار. كأن الله نزل عن سلطانه لهذه المخلوقات، ومنحها التصرف في الكائنات سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
كان المسلم يضحي بكل ما يملك في سبيل الذود عن عقيدته، فأصبح يضحي بعقيدته في سبيل عرض تافه خسيس من أعراض هذه الحياة الدنيا.
كان المسلم يحرص الحرص كله على مرضاة الله تعالى ولو أغضب في سبيل ذلك الناس جميعاً. فأصبح يحرص على مرضاة أحقر الناس شأناً، وأضعفهم سلطاناً، ولو أغضب العزيز الجبار الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه. كان المسلم يجهر بكلمة الحق فتذهب مدوية في الفضاء تنفتح لها أبواب السماء. وترتعد لهيبتها فرائض الطغاة والجبابرة وتندك صروح الظلم والطغيان. فأصبح يقول في غير خجل ولا حياء: إذا رأيت الحق يثير عليك العامة فاكتمه وكن أجبن الجبناء.
كان المسلم مرفوع الرأس موفور العزة والكرامة لا يذل لمخلوق مهما يعل قدره ويسم مكانه؛ ولا يخضع - في غير الحق- لإنسان مهما يبلغ من الجبروت والطغيان لأنه مؤمن قوي الإيمان بقول القاهر الديان: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِين ﴾ [المنافقون: 8].
كان المسلم يعاهد فيوفي بالعهد مهما يكلفه الوفاء من جهد ووقت ومال، استجابة لقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ [المائدة: 1].
كان المسلم صادقاً لا يكذب لعلمه أن الكذب مع الفجور، وأن الفجور يهدي إلى النار.
كان المسلم يؤدي العبادة التي فرضها الله عليه صحيحة خالصة كما علمه كتاب الله وسنن رسوله. فإن شاء أن يتقرب إلى الله تعالى لم يجد بين ألوان القرب خيراً من أداء فرائض الله عملاً بالحديث القدسي الذي رواه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رب العزة سبحانه: "ما تقرب إليّ عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه"، فإذا طمحت نفسه إلى المزيد رأى في ميدان النوافل متسعاً لمن يريد الزلفى إلى الله "وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحببه.. فلئن دعاني لأجيبنه ولئن سألني لأعطينه".
كان المسلم لا يلحد في أسماء الله، ولا يدعوه بغير أسمائه الحسنى؛ ولا يقسم عليه بخلقه، ولا يتوسل بأشخاص عباده لأن القرآن هداه السبيل المستبين: ﴿ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾ [النمل: 19]، ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ [الانبياء: 90].
كان المسلمون جميعاً جنوداً في جيش الله يجاهدون في سبيله بأموالهم وأنفسهم؛ ينصرون دينه ويعلون كلمة الحق لا يحفلون بما أصابهم في سبيل ذلك لأنهم يعلمون أنه: ﴿ ...لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة: 120، 121] فدانت لهم الأرض، وألقيت إليهم مقاليد الأمور وخضعت لسلطانهم الشعوب، وملكوا بالعدل شعاب الدنيا وألفاف الأرض، بعد أن كانوا قليلاً مستضعفين يخافون أن يتخطفهم الناس.
أصبحت دولتهم مرهوبة الجانب تلقي إليها الأمم بالمودة وتتسابق الشعوب إلى العيش في ظلالها؛ لأنها بسطت ظل العدل على الأرض ودكت صروح الظالمين.
كان المسلم يذكر الله في نفسه تضرعاً وخفية ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولم يكن من الغافلين فأصبح الذكر مكاء وتصدية وشهيقاً ونعيقاً وحركات كحركات الممرورين ورقصات كرقصات السكارى والمخبولين.
كان الإسلام ديناً وعقيدة وعملاً ولم يكن جدلاً وخصومة وطعناً وسفهاً وكيداً وبذاء. وكان المسلم يتعلم أمور دينه ليعمل بها لا ليجادل ولا ليخاصم؛ ولا يتشاق بما تعلم ولا ليقوم به في المحامل ليقول الناس: ما أبلغه أو ما أفصحه! وما أبل ريقه، وما أذلق لسانه؛ وما أوضح بيانه! وما أثبت جنانه وما أغزر علمه وما أقوى إيمانه!
أسقط المسلمون الأولون الناس من حسابهم في العبادة، وعملوا لله وحده فنصرهم الله وآواهم وأيدهم ورزقهم من الطيبات وأقاموا للناس الوزن في المعاملة فشدوا أزرهم وسدوا خللهم وأعانوهم على البر والتقوى؛ وكانوا لهم كالبنيان يشد بعضه بعضا فلم يدعوا منهم جائعاً إلا أطعموه ولا عارياً إلا ستروه، ولا ذا خلة إلا سدوا خلته؛ ولا ذا حاجة إلى قضوا حاجته، فصاروا حقا خير أمة أخرجت للناس ولم تشرق الشمس منذ شب الله نارها، وجلى نهارها على أمة خير من أمتهم.
كانوا يدعونه إلى الخير ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر لا باغين ولا مستطيلين ولا مستكبرين، ولا شامتين ولا مؤنبين. ولكن ناصحين مشفقين محيين مخلصين متواضعين هينين لينين. مبشرين غير منفرين، ميسرين غير معسرين. أسسوا مدينة هي خير مدنيات الدنيا. مدنية قائمة على صدق التعاون وحسن التعامل، والنظافة والنظام والطاعة في المعروف، والوفاء والبر والعدل والعطف والرحمة والإحسان. لا كهذه المدنيات الزائفة التي قوامها الخلاعة والفسوق والمجون والعصيان والتمرد واللهو واللعب والدعارة والخمر والميسر والزنا والرب والغطرسة والكبرياء واحتقار الضعفاء. والظلم والعدوان والبغي والطغيان.
مدنية يحميها الإيمان والتقوى وتحوطها حدود الله التي لا هوادة فيها ولا شفاعة.
مدنية وضع الله قواعدها، وأسس الإسلام مبادئها وضمن الإيمان حمايتها والقيام من دونها والذياد عن حياضها. فأثمرت ألذ ثمر وأطيبه. وجنى منها المسلمون خير الدنيا والآخرة.
كان للمسلمين جيش تخشاه دول ا لأرض جميعاً لأنهم عملوا بقول الله تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾ [الأنفال: 60].
كان للمسلمين قانون هو أعدل ما رأى الناس من قانون لأنه حكم الله والله أحكم الحاكمين. يا حسرتا على فرطوا في جنب الله – ويا حسرتا على تلك الأيام!
وهل يسمح بمثلها الزمان؟
نعم. لو أراد المسلمون
والله تعالى اعلم
http://www.muslmh.com/save/70/data/end4.gif