المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التوبة المقبولة


أنيسة
13-01-2017, 16:55
http://up.3dlat.com/uploads/13614152893.gif
إنَّ المحاسبة الصَّادقة للنَّفس في ظلال التوحيد وعلى ضوءٍ من الكتاب والسنَّة - لا بدَّ وأن تُسلِم النفسَ إلى التوبة الخالصة لله ربِّ العالمين؛ لأنَّها إمَّا أن تشعر بالتقصير الشديد في حقِّ الله العزيز الحميد، وإمَّا أن تُحِسَّ بفظاعة الذَّنب وشناعة المعصية؛ لذلك فإنَّها تعزم عزمةً صادقة على التوبة والتطهر: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 2222].
ولكن التوبة لا بدَّ لها من شروطٍ ثلاثة؛ لتكون توبةً صحيحة مقبولة، وهي:
1- النَّدم على ما كان من تقصيرٍ أو عصيانٍ في الماضي.
2- والإقلاع عن ذلك في الحال.
3- والعَزم على عدم العودة إليه في المستقبل.
وللتوبة المقبولة علامات:
• منها أن يكون الإنسان بعد التوبة خيرًا منه قبلها؛ فإن كانت توبتُه من تقصيرٍ فإنَّه يسارِع إلى الخيرات ويتنافس في الطَّاعات، وإن كانت تَوبته من معصيةٍ فإنَّه يتطهَّر منها ويُقبِل على طاعة ربه ويحرص عليها.


• ومنها أن يَمتلئ قلبُه خشيةً لله وخوفًا أن لا تُقبل توبته؛ فيُكثر من الاستغفار والاعتذار إلى الله وما حدث منه؛ لعلَّ الله أن يتوب عليه؛ لأنَّ العبد لن يَتوب إلى ربِّه إلَّا إذا تاب عليه ربُّه أولًا؛ كما قال تعالى عن الثلاثة الذين خُلِّفوا: ﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [التوبة: 1188].
• ومنها أن لا يَأمن مَكر الله تعالى، فيَرجع عن توبته إلى ما كان عليه مِن قبل؛ فهو لا يزال في خوفٍ ووَجَل، لا يأمن مَكر الله طرفةَ عين: ﴿ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [الأعراف: 999]، فهو لا يزال خائفًا حتى يُنادى عند قبض روحه: ﴿ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 300]، حينئذ يطمئنُّ على حسن عاقبته.
ومما يساعِد العبد على التوبة: أن يَرى قُبح ما نهاه الله عنه، وحُسن ما أمره به، وأنَّه كان يَفعل القبيحَ حين كان يَفعل ما نهاه اللهُ عنه، وكان يَترك الحسَن حين كان يَترك ما أمره الله به، ولا يَستوي في الفِطرة السليمة القبيحُ والحسَن، فهل يستوي الخبيثُ والطيب؟! ومعنى ذلك أن يوقِظ الفطرةَ السَّليمة في نفسه، فتحبَّ الحسَن - أي: الطاعة - فتَعود إليها، وتَكرهَ القبيح - أي: المعصية - فتقلِع عنها.
وقد قال بعضُ العلماء: إنَّ الله لم يَأمر بشيء فقال العقل: ليتَه نهى عنه، وما نهى عن شيء فقال العقل: ليتَه أمَرَ به، ولا أحَلَّ شيئًا فقال العقلُ: ليتَه حرَّمه، ولا حرَّم شيئًا فقال العقلُ: ليتَه أباحَه؛ أي: العقل السليم، لا السَّقيم.
وكذلك التوَّابون حينما يَثوبون إلى رُشدهم يَعلمون أنَّ ما تركوه هو الخير، وما فَعلوه هو الشر فيلزمهم العدولُ عن الشرِّ إلى الخير، وإلَّا كانوا خارجين عن فِطرتهم مخالِفين لأمر الله ورسولِه صلى الله عليه وسلم، وقال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 366].
وقد قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [النساء: 144].
وكم في القرآن الكريم من عِظاتٍ وعِبَر! ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 377].
وكم في الكون من آياتٍ وحِكَم! ﴿ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 43].
أما إذا كانت تَوبة العبد من حقِّ آدميٍّ عليه؛ فإنَّها لا تُقبل إلَّا بشرطٍ رابع؛ وهو أن يُعطيه إيَّاه ويردَّه عليه إن كان حقًّا ماديًّا، أو يعطيه لورثَته إن كان قد مات، أو يتحلَّله منه إن كان حيًّا، أو من الورثَة إن أمكن؛ فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن كانت عنده مَظلمة لأخيه؛ من عِرضه أو من شيء فليتحلَّله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا دِرهم؛ إن كان له عمَلٌ صالح أُخِذ منه بقَدر مظلمَته، وإن لم يَكن له حسنات أُخِذ من سيِّئات صاحبه، فحُمِل عليه))؛ رواه البخاري.
وإن كان حقُّ الآدمي أدبيًّا؛ كغيبة أو قَذف، فهل يُشترط في توبته منه إِعلامه بعَينه والتحلُّل منه؟ أو إعلامُه بأنَّه قد نال من عِرضه بدون تعيين؟ أو لا يُشترط هذا ولا ذاك؟
على خلافٍ بين العلماء في ذلك، والأقرب للصحَّة والله أعلم أنَّه إذا ترتَّب على إعلامه بذلك فِتنة وعداوة وبَغضاء؛ فإنَّه يُعلِمه بذلك في الجملة دون تعيين، لا سيما إذا كان الحق حقَّ قَذفٍ، أو يتوب إلى الله من ذَنبه ويَستغفر لصاحب الحقِّ عليه، ويُكثر من عمل الحسَنات؛ فـ ﴿ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾ [هود: 1144]، وقد اختار هذا الرَّأيَ شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى؛ دَرءًا للمفاسِد التي قد تترتَّب على المصارحة، وخاصَّة إذا كانت تتعلَّق بالأعراض التي يَغار ويَغضب من أجلها الإنسانُ، ويتمنَّى أن لم يكن قد سمِع وعلِم بها.
ويؤيِّد ذلك ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنَّ رجلًا أصاب من امرأة قُبلة، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأنزل اللهُ تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾ [هود: 1144]، فقال الرجل: أَلي هذا؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((لجميع أمَّتي كلِّهم))؛ متفق عليه.
فقُبلة المرأة لا شك أنَّ فيها إلى جانب حقِّ الله حقًّا للآدمي، والرجلُ جاء تائبًا، وقد قَبِل الله توبتَه، وأمره بالمحافظة على الصَّلاة؛ فإنَّها تكفِّر سيِّئتَه، وجعل ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لجميع المؤمنين، ولم يَأمره بأن يَذهب إلى أهل المرأة يتحلَّلهم من ذنبه.
قالوا: والفرق بين الحقوق الماليَّة والحقوق المعنويَّة من جهتين:
1- أنَّ الحقوق الماليَّة يَنتفع بها أصحابُها إذا رُدَّت إليهم، فلا يجوز إخفاؤها؛ فإنَّها مَحض حقٍّ يَجب عليه أداؤه مع الاستطاعة، بخلاف الغيبة والقَذف وغيرهما من الحقوق المعنويَّة؛ فليس لأصحابها مَنفعة فيها، بل على العكس ربَّما تهيِّجهم وتغضِبهم.
2- إذا علِم صاحبُ الحقوق الماليَّة بما له عند الآخرين ربَّما فرِح بذلك وحلَّله منه عن طِيب خاطر؛ لأنَّ المال غادٍ ورائح، بخلافِ ما إذا علم أنَّه قد نال من عِرضه ووقع فيه؛ فإنَّ ذلك يسوؤه ويحزِنه، وليس من السَّهل أن يحلِّله منه؛ بل ربَّما كلَّما رآه تذكَّر إساءتَه له، فتظل العداوةُ بينهما، والله أَرحم بعباده من أن يَتركهم هكذا متخاصِمين متعادِين ولو في الباطن: ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 1433].
ولكن ما هي التوبة النَّصوح التي أُمرنا بها في قول الله عزَّ وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ [التحريم: 88]، وقد رتَّب الله عليها تَكفير السيئات ودخول الجنة؟
• للعلماء في ذلك أقوال كثيرة، ويقول ابن القيِّم رحمه الله ما خلاصته:
"النُّصح في التوبة يتضمَّن ثلاثة أشياء:
1- تعميم جميع الذُّنوب واستغراقها؛ بحيث لا تدَع ذنبًا إلا تناولَته.
2- إجماع العَزم والصِّدق بكليَّته عليها؛ بحيث لا يبقى عنده تردُّد، ولا تلوُّم، ولا انتظار، بل يجمع عليها كل إرادته وعزيمته مبادرًا بها.
3- تخليصها من الشَّوائب والعِلل القادِحة في إخلاصها، ووقوعُها لمحض الخَوف من الله، وخَشيته والرَّغبة فيما لديه، والرَّهبة مما عنده.
ثمَّ قال:
فالأول: يتعلَّق بما يتوب منه، والثالث: يتعلَّق بمن يتوب إليه سبحانه، والأوسط: يتعلَّق بذات التائب نفسه؛ فنُصح التَّوبة: الصِّدق فيها والإخلاص، وتَعميم الذنوب بها.
ولا ريب أنَّ هذه التوبة تَستلزم الاستغفار وتتضمَّنه، وتَمحو جميعَ الذَّنب، وهي أَكمل ما يكون من التوبة.
والله المستعان، وعليه التُّكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله"اهـ.
http://up.3dlat.com/uploads/13614152895.gif

أنيسة
13-01-2017, 16:56
http://up.3dlat.com/uploads/13614152893.gif (http://www.sko0on.com/vb/index.php)
أنَّ توحيد الله عزَّ وجلَّ، والإيمان به سبحانه: يَقتضيان أن يحاسِب الإنسان نفسَه دائمًا عن تقصيره في حقِّ الله تعالى، وأن يظلَّ على ذكرٍ من يوم الحساب؛ ليعدَّ له عدَّتَه، ويتلافى تقصيره؛ حتى لا يَندم ولا يتحسَّر في يوم لا يَنفعه ذلك، ولا بدَّ أن تكون هذه المحاسبة من خلال كتاب الله عزَّ وجل وسنَّةِ نبيه صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّهما الحَكَم العَدل، والميزان الصادق، ومَن تركهما فقد ضلَّ، ومن أَخذ بهما فقد هُدي إلى صراطٍ مستقيم.
• والمحاسبة الصادقة للنفس لا بدَّ وأن تسلم للتوبة الخالصة لله ربِّ العالمين.
• والتوبة هي بدايةُ العمل الصالح الذي يتقرَّب به العبدُ إلى ربه، وهي ما يجب أن يصاحبه دائمًا ولا يفارقه في سيره إلى الله وقدومِه عليه؛ لأنَّ المؤمن يَستشعر دائمًا التقصيرَ حتى ولو ارتقى إلى مقام العابدين، فإنَّ الله تبارك وتعالى جعلها سببًا في الفلاح، فقال جلَّ شأنه: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 311]، ولعلَّ في توجيه الخطاب للمؤمنين ما يُشعر بأنَّ التوبة لا تكون فحسب من الذَّنب يرتكبه العبد؛ وإنما تكون كذلك من الشعور بالتقصير في حقِّ الله، وكلَّما تقرَّب الإنسان من ربِّه، أدرك التقصير في جانبه.
• وقد ثبت عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم - وهو أول المقرَّبين من ربِّ العالمين - قوله: ((يا أيها النَّاس، توبوا إلى الله واستغفروه؛ فإنِّي أتوب في اليوم مائة مرَّة))؛ رواه مسلم رحمه الله، وفي رواية له: ((إنَّه ليُغان على قلبي، وإنِّي لأَستغفر اللهَ في اليوم مائة مرَّة))، والغين: ما يتغشَّى القلب من الغفلات.
مع أنَّ الله عصَمَه من الذنوب، وحفِظَه من الغفلات، ولكن عِلمه بحقِّ الله عليه يجعله يشعر بالتقصير؛ ولذلك يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 288].
• لذلك أمرَنا الله عزَّ وجلَّ في كثير من آيات القرآن بالتوبة، كما أمرنا رسولُه صلى الله عليه وسلم بذلك في كثير من أحاديثه؛ حتى نكون من المسارِعين إلى الخيرات، ولا نكون من الغافلين.
يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التحريم: 88].
وقال تعالى: ﴿ وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ ﴾ [هود: 90].
وقال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات: 11].
فالذي لا يتوب إلى ربِّه ظالمٌ لنفسه؛ لأنَّه جاهل بربِّه، وبحقِّه عليه، وما أعظَمَه من حقٍّ!
وقد قال صلى الله عليه وسلم في بيان أنَّ التوبة مطلوبة في كلِّ وقت: ((إنَّ الله تعالى يَبسط يدَه بالليل ليتوب مُسيء النهار، ويَبسط يده بالنهار ليتوب مُسيء الليل، حتى تَطلع الشمس من مَغربها))؛ رواه مسلم، ويقول صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله عزَّ وجلَّ يَقبل توبةَ العبد ما لم يغرغِر))؛ أي: تصل الرُّوح إلى الحلقوم؛ رواه الترمذي.
• وإذا كانت التوبة من الإحساس بالغفلة والشعورِ بالتقصير في حقِّ الله واجبةً، فهي من الوقوع في الذَّنب وعمل المعصية أوجَب؛ فإنَّه إذا ترتَّب على الأول نَقص في الدرجات، فإنه يترتَّب على الثاني وقوع في أسفل الدركات، وشتَّان بين من يَطلب المزيد من النَّعيم، وبين من يريد أن يتخلَّص من الجحيم، والأمر في كلتا الحالتين يحتاج إلى طلب التوفيق من الله، والحرص على الاعتصام بالله، قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [آل عمران: 101]، ويقول الله تعالى: ﴿ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [هود: 888].
• والتوبة إلى الله عزَّ وجلَّ لا تحتاج إلى وسيط في قبولها أيًّا كان هذا الوسيط، وليست في حاجةٍ إلى اعتراف بالخطيئة أمام أحد من الناس.
فما على مَن يتوب إلَّا أن يطلب من الله المغفرة فيَغفر الله له، بل إنَّ الله يَفرح بتوبته أشد من فرَح الوالدة بولدها وقد فقدَته ويئسَت من عودته إليها، فالله تعالى يقول: ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ [طه: 822].
وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لَله أَفرح بتوبة عبده من أحدكم سقَط على بعيره وقد أضلَّه في أرضٍ فلاة))؛ متفق عليه، ((سَقط على بعيره))؛ أي: وجَدَه.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((والذي نَفسي بيده، لو لم تُذنِبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يُذنبون فيَستغفرون اللهَ تعالى فيغفر لهم))؛ رواه مسلم.
• ويخطئ أشد الخطأ من يظنُّ أنَّ التوبة لا بدَّ وأن تكون على يد شيخٍ حتى يَقبلها الله تعالى؛ فإنَّ باب التوبة مفتوح لكلِّ راغِب في التوبة ما لم تَصل الروحُ الحلقومَ أو تطلُع الشمس من مغربها، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا *وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [النساء: 17، 188].
وقال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الشورى: 25]، وقال تعالى: ﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [التوبة: 1044].
• ويغالي بعضُ النَّاس حين يَجعلون إتيانهم قبر النبيِّ صلى الله عليه وسلم ميتًا ليَستغفر لهم كإتيانه حيًّا سواء بسواء، أخذًا من قول الله عزَّ وجل: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 644].
• وشتَّان بين أن يَأتوه صلى الله عليه وسلم حيًّا يمكنه أن يَستغفر ويدعو لهم، وبين أن يأتوه ميتًا في قبره، نعم هو حيٌّ في قبره من غير شكٍّ ولا ريب، ولكن ليست كحياته في الدنيا؛ فإنَّ هذه غير تلك، ولا يعلم حقيقتها إلَّا الله؛ لأنَّ الله تعالى قال له: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ﴾ [الزمر: 300].
• وحتى الذين كان رسول الله يَستغفر الله لهم في الدنيا ولم يكونوا أهلًا لمغفرة الله، لم يَغفر الله تعالى لهم، وقال لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم: ﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 80]، وقال تعالى: ﴿ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [المنافقون: 66].
فاستغفار الحيِّ للحي ودعاؤه له أمرٌ جائز ومَطلوب؛ فقد استغفر يوسفُ عليه السلام لإخوته، وقالوا لأبيهم: ﴿يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [يوسف: 977، 988]، ولا يزال المسلمون يَستغفر بعضُهم لبعض ويَدعو بعضهم لبعض؛ بل إنَّ الله أمرهم أن يَدعوا لمن سبقوهم بالإيمان، قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ﴾ [الحشر: 100].
• يقول صاحب الظِّلال رحمه الله عند تفسيره لقول الله: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 644]، يقول: والله توَّاب في كلِّ وقت على مَن يتوب، والله رَحيم في كلِّ وقت على من يؤوب، وهو سبحانه يصِف نفسَه بصفته، ويعِدُ العائدين إليه المستغفرين من الذَّنب قبولَ التوبة، وإفاضَة الرحمة، والذين يتناولهم هذا النص ابتداءً كان لديهم فرصة استغفار الرسولِ صلى الله عليه وسلم، وقد انقضَت فرصتها، وبقي بابُ الله مفتوحًا لا يُغلَق، ووعده قائمًا لا يَنقضي، فمن أراد فليقدِم، مَن عزم فليتقدَّم؛ اهـ.
• وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((يقول الله عزَّ وجلَّ: مَن جاء بالحسنة فله عَشر أمثالها أو أَزِيد، ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئةٍ سيئة مثلها أو أغفِر، ومَن تقرَّب منِّي شبرًا تقرَّبتُ منه ذراعًا، ومن تقرَّب منِّي ذراعًا تقرَّبتُ منه باعًا، ومَن أتاني يمشي أتيته هرولة، ومن لَقيني بقراب الأرض خطيئة لا يُشرك بي شيئًا لقيتُه بمثلها مغفرة))؛ رواه مسلم.
• قال الإمام النووي رحمه الله: معنى الحديث: ((ومن تقرب)) إلي بطاعتي، (تقربت) إليه برحمتي، وإن زاد زدت، (فإن أتاني يمشي) وأسرع في طاعتي، (أتيته هرولة)؛ أي: صببت عليه الرحمة، وسبقته بها، ولم أحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود، و((قراب الأرض)) بضم القاف، ويقال: بكسرها، والضمُّ أصحُّ وأشهر، ومعناه: ما يقارِب ملأها، والله أعلم. اهـ؛ [رياض الصالحين].
• وكلَّما كانت التوبة والاستغفار سرًّا بين العبد وربِّه، كان ذلك أَرجى في القبول، وأبعد عن الرِّياء المحبِط للأعمال.
وفي حديث السبعة الذين يظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظله المتَّفق على صحته: ((... ورجل ذَكر اللهَ خاليًا))؛ أي: في خلوة، ((ففاضَت عيناه)).
وقد جاء في القرآن الكريم في أوصاف المتَّقين الذين هم يوم الدِّين في جنَّات وعيون، يقول الله تعالى: ﴿وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 188]؛ لأنَّ السَّحَر هو وقت المُناجاة والخلوة مع الله، وهو الوقت الذي يَنزل فيه كل ليلة إلى سماء الدنيا فيقول: ((هل من تائبٍ فأتوبَ عليه؟ هل من مُستغفر فأغفرَ له؟ هل من سائل فيُعطى سؤلَه؟ حتى يطلع الفجر)).
http://up.3dlat.com/uploads/13614152895.gif (http://www.sko0on.com/vb/index.php)