المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في استقبال شهر رمضان


أنيسة
31-05-2016, 19:52
http://www.sadaalhajjaj.com/vb/mwaextraedit4/extra/72.gif




الحمد لله رب البريات، عالم الخفيَّات، المطَّلع على الضمائر والنيِّات، أحمده سبحانه على ما خصنا به من جلائل النعم، وأشكره على ما حبانا به من ألوان الجود والكرم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى في سائر الأوقات، واغتنموا لحظات العمر ومواسم الخير في التوبة إلى الله تعالى من الخطيئات، والمسارعة إلى جليل القربات؛ فإن مواسم الخير تمرُّ مرَّ السحاب، وإن العمر إلى نفاد، والعمل الصالح إلى انقطاع، والإنسان ظلوم جهول تقوده الشهوة العارضة إلى الخطيئة، ويشغله المتاع ومحبة الأهل والأموال والأولاد عن الطاعة، ويلهيه الأمل المديد عن التوبة؛ حتى يفجؤه الموت وهو على غير استعداد، وينقله المنون إلى لَحْده دون كفاية من مهاد، فيكون عرضةً للعذاب من خلل العمل، أو ينفذ إليه لهب النار لخرقه جنة التقوى بالمعاصي.
أيها المسلمون، إن في اغتنام مواسم الخير بالجد في العمل الصالح، والتوبة إلى الله تعالى مما سلف من القبائح؛ ما يُعوِّضُ الله به العاملين عما مضى من نقص العمل، ويصرف به عقوبة ما اقترف المرء من الزلل، ويتجدَّدُ به النشاط في الخير، ويزيل به مظهر السآمة والملل، فيتبارى المتنافسون في مضمار السباق، مقبلين على الله تعالى من شتى الآفاق، ينشدون مغفرة الزلات، ويَؤُمُّون جنة عرضها الأرض والسموات؛ عسى أن يكونوا ممن: ﴿ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [التوبة: 21، 22] .
أيها المسلمون، إن الله تعالى قد امتن عليكم بشهر عظيم، ووافد كريم، كله خيرٌ وأفضال، وفرصة للتنافس فيه بصالح الأعمال، قد أظلَّكم زمانُه، وأدرككم أوانُه؛ فقد رُوِي أن نبيكم محمدًا صلى الله عليه وسلم كان يُوجِّهُ الأنظار إلى فضيلته، ويحث المخاطبين واللاحقين على اغتنام فرصته، فيقول: ((أتاكم رمضان؛ شهر بركة، يغشاكم الله فيه برحمته، ويحط الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته؛ فأروا الله من أنفسكم خيرًا، فإن الشقي مُن حُرِمَ فيه رحمة الله عز وجل)).
فخذوا - عباد الله - من هذا التوجيه الكريم حافزًا إلى الطاعة والأخذ بسبل الخير، والتنافس في عمل البر؛ ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 110].
فرحم الله عبدًا سارع إلى طاعة مولاه، وطرح شهوته وهواه، فكان له من الأجر العظيم والنعيم المقيم ما تقرُّ به عيناه؛ ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 30].
أيها المسلمون، تذكروا أن للربح في التجارة إبان مواسمها أسبابًا هي محل إجماع العقلاء من المكلفين؛ منها: الاستعداد لها بعرض شريف البضاعة ونفيسها، وصيانتها مما يصرف النظر وينفر المشتري منها، مع الصدق والبر في البيع، واستكمال الوقت في العرض، وحسن الخلق من صاحب البضاعة، فإذا كان هذا ونحوه لازمًا للربح في التجارة مع المخلوقين، فما ظنُّكم بما ينبغي من الآداب في التجارة مع رب العالمين؟! فإنه تعالى طيبٌ لا يقبل إلا طيبًا، ولا يرضى من العمل إلا ما ابتُغِيَ به وجهه، وكان متوافقًا لما شرع على لسان صفيِّه وحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم سيد الأنبياء والمرسلين؛ عليهم جميعًا من ربهم أكمل الصلوات، وأزكى التسليم.
وإن لنبيكم محمدٍ صلى الله عليه وسلم في رمضان (http://www.ro-ehsas.com/vb/showthread.php?t=117422) سيرةً يتعيَّنُ عليكم أن تترسموها، وآدابًا ينبغي أن تقتفوها؛ منها: أن تصدر أعمالكم عن إيمان بمشروعيتها، واحتساب لثوابها؛ ولذا قال صلى الله عليه وسلم: ((مَن صام رمضان (http://www.ro-ehsas.com/vb/showthread.php?t=117422) إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدم من ذنبه))، وقال: ((مَن قام رمضان (http://www.ro-ehsas.com/vb/showthread.php?t=117422) إيمانًا واحتسابًا، غفر له ما تقدم من ذنبه)).
ومنها: الاجتماع على ما شرع الله الاجتماع عليه من العمل؛ لما في الاجتماع عليه من الحزم والنشاط ودفع السآمة والملل، مع شد أَزْرِ الإخوان على طاعة الرحيم الرحمن؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((مَن قام مع الإمام حتى ينصرف، كتب له قيام ليلة)).
ومنها: الإحسان إلى عباد الله تعالى فيه؛ إعانةً لهم على الطاعة، وطلبًا لجزيل المثوبة؛ كتفطير الصائمين، وإعانتهم على كل ما من شأنه التفرغ للصيام والقيام، وسائر خصال الإسلام؛ كقوله صلى الله عليه وسلم عن رمضان (http://www.ro-ehsas.com/vb/showthread.php?t=117422) إنه: ((شهر المواساة، وشهر يزاد فيه رزق المؤمن، مَن فطَّر فيه صائمًا، كان مغفرة لذنوبه، وعتقًا لرقبته من النار، وكان له مثل أجره، من غير أن ينقص من أجره شيءٌ)).
ومنها: كفُّ الأذى القولي والفعلي عن الناس؛ فإنه صدقة منك على نفسك، وإحسان إلى إخوانك؛ قال جابر رضي الله عنه: إذا صمتَ فليصم سمعُك وبصرُك ولسانك عن الكذب والمآثم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقارٌ وسكينةٌ يومَ صومِك، ولا تجعل يومَ فطرك ويومَ صومك سواء.
وهذا النصح من هذا الصحابي الجليل للأمة هو تحقيقٌ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الصيام جُنَّة؛ فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفثْ ولا يصخَبْ، فإن سابه أحدٌ، أو شاتمه، فليقل: إني صائمٌ)).
وشدد صلوات الله تعالى وسلامه عليه في ذلك، حتى قال: ((مَن لم يدعْ قولَ الزور والعملَ به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)).
فاتقوا الله عباد الله، واعملوا بمقتضى الإيمان من الاجتهاد في الطاعة مع الإحسان، وترك الفسوق والعصيان، وتعرضوا لأسباب رحمة الله في هذا الشهر فإنها كثيرةٌ لا يحصرها بيانٌ، ألا وإن الله تعالى يعطي فيه الكثير من الأجر على قليل العمل، ويتجاوز فيه سبحانه عن عظيم الذنب وكثير الزلل، وهذا كله من فضله وجوده وكرمه عز وجل؛ فهنيئا للصائمين المتقين، والعاملين المحسنين، بالتجارة الرابحة، وعظيم العفو والصفح والمسامحة، فأعدوا العدة لصيام هذا الشهر وقيام لياليه، والتنافس في عمل البر وأنواع الخير فيه، وتعرضوا لنفحات الرب الكريم في سائر أوقاته، بالتماس مرضاته، فرب ساعة وُفِّق فيها العبد فاغتنمها في رضوان رب العالمين، فارتفع بها إلى منازل المقربين؛ ﴿ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الجمعة: 4].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم،
ونفعنا جميعًا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.