المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مراتب وانكسارات


أنيسة
04-04-2015, 12:26
مراتب وانكسارات

أ. سميرة بيطام (http://www.alukah.net/authors/view/home/7135/)



هل يَحِقُّ لي أن أتساءل عن حال الدنيا اليوم؟ أو أن أصحِّح تساؤلي، وأختار لي مضربًا بثَّ الكثيرَ من القلق والفشل والانكسار؟ فهل أتساءل عن حال الناس اليوم؟

أرْقُبُ كلَّ ليلة قمرًا مضيئًا يزيح عني إرهاق اليوم والليلة، وهل يحق لي بالمرة أن أسأل مع كل فرصةٍ: لماذا تغير صفاءُ القلوب هكذا فجأة، وانقطعتْ أواصرُ الوُدِّ والرحمة والتفاؤل الذي كان يحدو الكبير قبل الصغير على حين نظرة؟!

في لغة العيد سبَقَ سكونٌ وروتين يخبو نوره عيدًا بعد عيدٍ، فظنَنْتُ أن أحياءً أَضْفَوا للحياة بهاءً وإحساسًا بالعيش السعيد، ثم فجأة رحلوا إلى جوار الله؛ فلم يَعُدْ لنا متعةٌ ولا إحساس بنكهة حياة اليوم بعد رحيلهم؛ لفراغ أماكنهم الطيبة!

أُنْصِت لرنين الطير في تغريدةٍ حزينةٍ، بالكاد أستمِعُ لرَوْنَقٍ بسيط جدًّا لا يكفي إبداعي أن يجولَ بي الخاطر إلى حيث أتمنى، فلستُ أبتدئ من منطلقي ولن أنتهي في منتهاي؛ لأني أعشَقُ الإبحار عاليًا وبعيدًا؛ حيث لا أستجيب لنِداء أحدٍ، ما عدا نداء الصلاة الذي يشعرني أن الوجود جميلٌ، فيجب أن أراه جميلاً!

هي هكذا نواميس الكون الدقيقة، ومراتب البهاء الحلوة، لكني حزينة اليوم على حالٍ يُنبِئُ بالكثير من المتاعب، ولك يا قلمي أن تُتمْتِمَ فتُخطِئَ، وتُعيدَ الكَرَّة بين أناملي، حتى أجد لي متنفَّسًا يُرضي طموحًا بعد أن قرَّرتُ تجاوزَ كل انكسار!

راودتْني تساؤلات عديدة، لكني اخترتُ أفضلَها بقيمةٍ تلبي حاجة أي متسائل: فهل لنهاية الزمان دلالات؟ أو إنَّ ماديَّات الدنيا سيطرتْ على كل النوايا؟
سأغير الكلَّ، وأكتفي بمعظمه لأتركَ قليلاً من الأمل؛ فنحن في أمسِّ الحاجة إلى الأمل - ولو قليلاً - لنَكفَّ عنَّا خطابًا يتلوه خطابٌ، وحوارًا يكفُّه رضاءٌ، واستعدادًا يُلبِّيه احتياجٌ... نعم، احتياجٌ أن نغيِّر ما نَقْدِرُ على تغييره؛ لنستمرَّ في الحياة، ويستمر بنا المسار إلى حيث نريد ونأمل.

إن المفاهيم الوافدة، والتقارير الوافية، والشهادات الواعية، تلبِّي فينا فكرةَ التغيير عن قناعة منَّا: أن التمحيص واردٌ لكل شاردة مِن شوارد الفكر المُنْبَثق عن قاعدة: أن ترجماتٍ عديدة تُعطينا لمحةً عما نحن فيه مِن إرهاصات كثيرة، فهل استوعبتَ يا قلمي سفريَّة مميزة تريد منك إنتاجًا نثريًّا يَخترِقُ الملل؟

إن كان عليَّ أنا فسَأُضِيءُ شمعتي التي اعتدتُ ملامسة الرِّقَّةَ فيها وشعاع النور بلطفٍ، حتى إذا انعكس بريقُ الإضاءة منها في عيني اكتفيتُ بما أردتُه منها من تنويرٍ للمكان الذي أجلس فيه، فلستُ أختارُ لي مجلسًا واسعًا أو قلمًا قد ينكسر بين يدي على غفلةٍ مني؛ فقد يُسكر النوم فيَّ نشاطًا اسْتَرْسَلَ فجأةً بعد مضاربات عديدة مع مَن سعَوْا لئلاَّ توقَدَ شمعةٌ واحدة بعد اليوم، بعد لحظة التفكير في حال اليأس التي تعيشها أمة لطالما انتظرت خلاصًا مُفرحًا ومُنْهِيًا لكل فصول الخِصام.

لطفًا أيها القلمُ، إني في رقَّة المشاعر أستسلم لمقام آخرَ، فيه الكثير من التفاؤل - ولو أنَّ شمعتي تحيط لي حيِّزًا ضيقًا - لكنها نظرة الشوق لغدٍ أفضل، حتى وإن ازداد سوادُ الليل ظلمةً، ومهما ارتفعت نداءات اليائسين فجأةً في أنْ لا حل!

عفوًا، هل راجعتم كنوز التقوى، وأخذْتُم زاد المسير الذي يكفيكم لتكملة مشوار البناء الصعب قبل أن تُصرِّحوا أن لا حل؟
قد لا أجيبك يا قلب عمَّا يجول في تخميني حتى الغد؛ لأنه لكلِّ مقام مقالٌ، ولكل سؤالٍ جوابٌ، ولكل حدثٍ مَقاسٌ، ولكل رغبة طموحٌ يكفيها، وبلونِ التألُّقِ سأنتقي أحلى الألوان أزرقَ بلون السماء، ألوِّن به مساحة صفحتي خارجَ نطاق الكلمات الوضيئة، لحين تتفوَّق مراتب التفاؤل والإرادة على لحظات اليأس، بعد أن يُزيِّنها لجام الصبر، ويدفع بها أنينُ التحدي إلى ما فوق رُبوع الجبال الشامخات الراقيات؛ فتجبر كسور اليائسين، بعد أن يستوعبوا درسًا واحدًا: "أن لا شيء يَدُوم على حاله"، فكما للظلمة إشراق، وللنهار ظلام، فإن للعسر يُسرًا، وبتَكْرار اللفظ يكون التأكيد على أن لا شيء يستمر كما هو، وإلا لفَترتِ الأبدانُ، وَلَمَلَّتِ القلوب، ولسكتَتِ الأرواح، ولخرِصَتِ الألسن؛ فتصبح الحياة فعلاً لا معنى لها، لكن ما دامتْ مهمة الطير هي التغريدَ مع كل إشراق، ودورُ الديك هو الصياحَ مع كل إصباح، فلْيَسْتَبْشِرِ الكلُّ بالخير؛ فنواميس الكون منضبطة، ولحظات الفرَح قريبة!

فقط، لا داعي لليأس؛ حتى لا ينهارَ الصرحُ المجيدُ، فالإنسانُ ينتهي بداخله وبأفكاره البالية قبل أن تكسره صعوبات وعراقيل بادية في خارجها؛ لذلك كان لزامًا على مراتب التقوى أن تسموَ فوق كل ضعفٍ، وستسمو فوقَ كلِّ انكسار - بإذن الله تعالى.

راق لي

م/ن للأمانة