أنيسة
01-11-2014, 12:32
http://www.sadaalhajjaj.com/vb/mwaextraedit4/extra/72.gif
حفصة بنت سيرين
إعداد: عفاف بنت يحيى آل حريد
قبل أن ندخل الأجواء العطرة لحفصة بنت سيرين، تعالوا نقف وقفة لطيفة نتعرف من خلالها على تلك البداية الكريمة التي أحاطت بها.
كان أبوها سيرين مولى لسيدنا أنس بن مالك الأنصاري - رضي الله عنه - وقد اشتراه من سيدنا خالد بن الوليد، إلا أن أنسا - رضي الله عنه - كاتب سيرين على شيء من المال، فأدى كتابته وأصبح حرًّا، ثم تزوج من امرأة يقال: لها صفية، كانت مولاة لسيدنا أبي بكر - رضي الله عنه - وكانت امرأة فاضلة ميمونة، وقد حدثت حفصة أن والدها سيرين عَرس بالمدينة فأدم، فدعا الناس سبعا، وكان فيمن دعا أُبيّ بن كعب، فجاء وهو صائم فدعا لهم بخير وانصرف.
وقد أثمر هذا الزواج الميمون ثمارًا طيبة عندما رُزق هذان الزوجان حفصة، ومن وراء حفصة محمدا ويحيى وكريمة وأم سُليم، ويبدو أن سيرين قد تزوج غير صفية فولد له عدة أولاد ومنهم: معبد وأنس وعمرة وسودة بنو سيرين، وكلهم كما قال ابن كثير: تابعون ثقات أجلاء، وقال الإمام النووي - رحمه الله - عنهم: وأولاد سيرين كلهم ثقات.
هذا وقد نشأت حفصة في هذا البيت الفاضل، ويكفيها من الفخر أن يكون مولى أسرتها كلّها الصحابي الجليل أنس بن مالك - رضي الله عنه - وقد تخرّجت في مدارس عدد من أجلاء الصحابة والصحابيات، وفي مقدمتهم: عائشة أم المؤمنين، وأم عطية الأنصارية -رضي الله عنهما-.
كما تابعت حفصة تحصيلها العلمي الحديثي في مدرسة التابعين، فروت عن أخيها يحيى، وعن أبي العالية بن مهران البصري، وهو أمام مقرئ حافظ مُفسر، وأحد أعلام التابعين وفضلائهم.
http://www.taebon.com/vb/images/smilies/rose.gifhttp://www.taebon.com/vb/images/smilies/rose.gif
عبادتها وصلاتها:
كانت حفصة -رحمها الله- من سروات النساء عبادة ودينا وعفة وكرما وطيبا، وكان لها خلوات تقيم فيها الليالي للتعبد، ولذا فقد كان لها في مجال العبادة حظٌّ عظيمٌ وبلغت مبلغًا رائعًا لم يبلغه إلا كبار الزُّهاد في عصرها.
قال عنها مهدي بن ميمون: مكثت حفصة بنت سيرين ثلاثين سنة لا تخرج من مصلاها إلا لقائلة أو مقابلة أو قضاء حاجة.
ولم تتوقف -رحمها الله- في عبادتها عند هذا الحد فحسب، بل كانت تطيل الوقوف في صلاتها تذرف الدمع سخيا من خشية الله عز وجل، وهذا مما لفت انتباه جارية لها، فقيل للجارية: كيف رأيت مولاتك حفصة؟ قالت: إنها امرأة صالحةٌ، كأنها أذنبت ذنبا عظيما، فهي تبكي الليل كله وتصلي، وكثيرا ما كانت تخاطب الشباب، من إناث أو ذكور، بقولها: يا معشر الشباب، خذوا من أنفسكم وأنتم شباب، فإني رأيت العمل في الشباب.
بالإضافة إلى أنها كانت واحدة ممن سردن الصوم، ومنذ أن عَقَلَت لم تفطر يومًا واحدًا، إلا العيدين وأيام التشريق، وهي الأيام التي يحرم صومها، ومما يدل على صومها ما ورد من أن ابنها الهذيل كان له ناقة حلوب، وكان يبعث لها بحلبةٍ بالغداة فتقول له: يا بني إنك لتعلم أني لا أشربه، أنا صائمة، فيقول: يا أماه، إن أطيب اللبن ما بات في ضروع الإبل، اسقيه من شئت، ولكن حفصة تؤثر بذلك مرضاة الله عز وجل، فتبعث باللبن إلى الفقراء، وتدلنا هذه الحادثة أيضا على برّ ابنها بها، فكان يعمل على راحتها، وكلّ ما يدخل الرضا والسرور إلى نفسها، إلا أن المنية وافت الهذيل، وألهمها الله عز وجل السّلوان، وقد وصفت ذلك فقالت: لما مات ابني رزق الله عليه من الصبر ما شاء أن يرزق، غير أني كنتُ أجدُ غصةً لا تذهب، وبينما أنا ذات ليلة أقرأ سورة النحل، إذ أتيت على هذه الآية ﴿ وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [سورة النحل: 96، 97] قالت: فأذهب الله ما كنت أجدُ من مرارة فقده.
http://www.taebon.com/vb/images/smilies/rose.gifhttp://www.taebon.com/vb/images/smilies/rose.gifhttp://www.taebon.com/vb/images/smilies/rose.gif
حفصة في ميزان العلماء:
لقيت حفصة بنت سيرين المكانة التي تستحق عند كبار علماء الحديث، وعند كبار التابعين وكبار المؤرخين، قال عنها إمام الحديث في زمانه يحيى بن معين - رحمه الله - : حفصة بنت سيرين ثقةٌ حجةٌ.
وقال أحمد بن عبد الله: ثقة، وذكرها ابن حبان في الثقات. وحسب حفصة من فخر أنها تلميذة نجيبة لعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، ولا شك في أن حفصة بنت سيرين قد اقتبست كثيرا من أخلاق ومعارف أمنا عائشة حتى بلغت هذه المنزلة الكبرى في عالم النساء.
ولم يكن ذكر الموت يفارقها طرفة عين ولا أقل من ذلك، بل كانت تود لو تموت شهيدة بالطاعون، فقد أخرج سعد في الطبقات - رحمه الله - بسنده عن حفصة قالت: سألني أنس بن مالك بأي شيء تحبين أن تموتي؟
قلتُ: بالطاعون.
قال: فإنه شهادة لكل مسلم.
عاشت حفصة قرابة سبعين سنة، كانت مثالا حقيقيا للمرأة المسلمة في ورعها ودينها وصلاحها وتُقاها، حتى أورثت الصالحين صلاحها، وخلدتها الأيام مع التابعيات اللاتي أمتعن أسماع التاريخ وبهرن بصره، وفي سنة مائة وواحد للهجرة اختار الله -عز وجل- إلى جواره الكريم سيدة النساء التابعيات حفصة بنت سيرين، وقد حضر جنازتها جمعٌ كريم من سادة تابعي البصرة، ومنهم الحسن البصري وأخوها محمد بن سيرين، رحمها الله، وجعلها في عليّين.
المصدر:
- سير أعلام النبلاء/ للذهبي.
- تهذيب التهذيب/ لابن حجر العسقلاني.
- الطبقات/ لابن سعد.
- البداية والنهاية/ لابن كثير.
- المعرفة والتاريخ/ للفسويّ.
وزارة الشؤون الاسلامية والاو قاف والدعوه والار شاد - السعودية
حفصة بنت سيرين
إعداد: عفاف بنت يحيى آل حريد
قبل أن ندخل الأجواء العطرة لحفصة بنت سيرين، تعالوا نقف وقفة لطيفة نتعرف من خلالها على تلك البداية الكريمة التي أحاطت بها.
كان أبوها سيرين مولى لسيدنا أنس بن مالك الأنصاري - رضي الله عنه - وقد اشتراه من سيدنا خالد بن الوليد، إلا أن أنسا - رضي الله عنه - كاتب سيرين على شيء من المال، فأدى كتابته وأصبح حرًّا، ثم تزوج من امرأة يقال: لها صفية، كانت مولاة لسيدنا أبي بكر - رضي الله عنه - وكانت امرأة فاضلة ميمونة، وقد حدثت حفصة أن والدها سيرين عَرس بالمدينة فأدم، فدعا الناس سبعا، وكان فيمن دعا أُبيّ بن كعب، فجاء وهو صائم فدعا لهم بخير وانصرف.
وقد أثمر هذا الزواج الميمون ثمارًا طيبة عندما رُزق هذان الزوجان حفصة، ومن وراء حفصة محمدا ويحيى وكريمة وأم سُليم، ويبدو أن سيرين قد تزوج غير صفية فولد له عدة أولاد ومنهم: معبد وأنس وعمرة وسودة بنو سيرين، وكلهم كما قال ابن كثير: تابعون ثقات أجلاء، وقال الإمام النووي - رحمه الله - عنهم: وأولاد سيرين كلهم ثقات.
هذا وقد نشأت حفصة في هذا البيت الفاضل، ويكفيها من الفخر أن يكون مولى أسرتها كلّها الصحابي الجليل أنس بن مالك - رضي الله عنه - وقد تخرّجت في مدارس عدد من أجلاء الصحابة والصحابيات، وفي مقدمتهم: عائشة أم المؤمنين، وأم عطية الأنصارية -رضي الله عنهما-.
كما تابعت حفصة تحصيلها العلمي الحديثي في مدرسة التابعين، فروت عن أخيها يحيى، وعن أبي العالية بن مهران البصري، وهو أمام مقرئ حافظ مُفسر، وأحد أعلام التابعين وفضلائهم.
http://www.taebon.com/vb/images/smilies/rose.gifhttp://www.taebon.com/vb/images/smilies/rose.gif
عبادتها وصلاتها:
كانت حفصة -رحمها الله- من سروات النساء عبادة ودينا وعفة وكرما وطيبا، وكان لها خلوات تقيم فيها الليالي للتعبد، ولذا فقد كان لها في مجال العبادة حظٌّ عظيمٌ وبلغت مبلغًا رائعًا لم يبلغه إلا كبار الزُّهاد في عصرها.
قال عنها مهدي بن ميمون: مكثت حفصة بنت سيرين ثلاثين سنة لا تخرج من مصلاها إلا لقائلة أو مقابلة أو قضاء حاجة.
ولم تتوقف -رحمها الله- في عبادتها عند هذا الحد فحسب، بل كانت تطيل الوقوف في صلاتها تذرف الدمع سخيا من خشية الله عز وجل، وهذا مما لفت انتباه جارية لها، فقيل للجارية: كيف رأيت مولاتك حفصة؟ قالت: إنها امرأة صالحةٌ، كأنها أذنبت ذنبا عظيما، فهي تبكي الليل كله وتصلي، وكثيرا ما كانت تخاطب الشباب، من إناث أو ذكور، بقولها: يا معشر الشباب، خذوا من أنفسكم وأنتم شباب، فإني رأيت العمل في الشباب.
بالإضافة إلى أنها كانت واحدة ممن سردن الصوم، ومنذ أن عَقَلَت لم تفطر يومًا واحدًا، إلا العيدين وأيام التشريق، وهي الأيام التي يحرم صومها، ومما يدل على صومها ما ورد من أن ابنها الهذيل كان له ناقة حلوب، وكان يبعث لها بحلبةٍ بالغداة فتقول له: يا بني إنك لتعلم أني لا أشربه، أنا صائمة، فيقول: يا أماه، إن أطيب اللبن ما بات في ضروع الإبل، اسقيه من شئت، ولكن حفصة تؤثر بذلك مرضاة الله عز وجل، فتبعث باللبن إلى الفقراء، وتدلنا هذه الحادثة أيضا على برّ ابنها بها، فكان يعمل على راحتها، وكلّ ما يدخل الرضا والسرور إلى نفسها، إلا أن المنية وافت الهذيل، وألهمها الله عز وجل السّلوان، وقد وصفت ذلك فقالت: لما مات ابني رزق الله عليه من الصبر ما شاء أن يرزق، غير أني كنتُ أجدُ غصةً لا تذهب، وبينما أنا ذات ليلة أقرأ سورة النحل، إذ أتيت على هذه الآية ﴿ وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [سورة النحل: 96، 97] قالت: فأذهب الله ما كنت أجدُ من مرارة فقده.
http://www.taebon.com/vb/images/smilies/rose.gifhttp://www.taebon.com/vb/images/smilies/rose.gifhttp://www.taebon.com/vb/images/smilies/rose.gif
حفصة في ميزان العلماء:
لقيت حفصة بنت سيرين المكانة التي تستحق عند كبار علماء الحديث، وعند كبار التابعين وكبار المؤرخين، قال عنها إمام الحديث في زمانه يحيى بن معين - رحمه الله - : حفصة بنت سيرين ثقةٌ حجةٌ.
وقال أحمد بن عبد الله: ثقة، وذكرها ابن حبان في الثقات. وحسب حفصة من فخر أنها تلميذة نجيبة لعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، ولا شك في أن حفصة بنت سيرين قد اقتبست كثيرا من أخلاق ومعارف أمنا عائشة حتى بلغت هذه المنزلة الكبرى في عالم النساء.
ولم يكن ذكر الموت يفارقها طرفة عين ولا أقل من ذلك، بل كانت تود لو تموت شهيدة بالطاعون، فقد أخرج سعد في الطبقات - رحمه الله - بسنده عن حفصة قالت: سألني أنس بن مالك بأي شيء تحبين أن تموتي؟
قلتُ: بالطاعون.
قال: فإنه شهادة لكل مسلم.
عاشت حفصة قرابة سبعين سنة، كانت مثالا حقيقيا للمرأة المسلمة في ورعها ودينها وصلاحها وتُقاها، حتى أورثت الصالحين صلاحها، وخلدتها الأيام مع التابعيات اللاتي أمتعن أسماع التاريخ وبهرن بصره، وفي سنة مائة وواحد للهجرة اختار الله -عز وجل- إلى جواره الكريم سيدة النساء التابعيات حفصة بنت سيرين، وقد حضر جنازتها جمعٌ كريم من سادة تابعي البصرة، ومنهم الحسن البصري وأخوها محمد بن سيرين، رحمها الله، وجعلها في عليّين.
المصدر:
- سير أعلام النبلاء/ للذهبي.
- تهذيب التهذيب/ لابن حجر العسقلاني.
- الطبقات/ لابن سعد.
- البداية والنهاية/ لابن كثير.
- المعرفة والتاريخ/ للفسويّ.
وزارة الشؤون الاسلامية والاو قاف والدعوه والار شاد - السعودية